الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الكون يتآمر عليك - عودة للماتريكس الحقيقي

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2013 / 1 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل تشعر أحيانا أن الكون يتآمر عليك؟

أنت تترواح بين الإحساس بأن الكون يتآمر لك، وأنه يتآمر عليك، وأنه غير مبال لك.... الاحتمال الأخير يخيفك، غياب إرادة الكون وغياب وجود موقف له تجاهك، وعدم وجود احتمالات معدة مسبقا، في الخلاصة انتفاء المعنى .... أما أن يتآمر الكون لك، فهذا أمل تخبئه رغم المخاوف، تثبت صحته كلما بدت الأمور جيدة، أو كلما بدا أن هناك قدرا مخفيا، وتتزعزع ثقتك فيه حين يخطر لك أن الكون الذي تمني نفسك أنه يتآمر لك، هو بشكل قاطع يتآمر على غيرك ممن ترى قصصهم تبدأ وتنتهي ولا تفضي إلى شيء... إذا نظرتك لكل تلك الاحتمالات كانت خاضعة لهواجسك اللحظية، وتفسيراتك لما يحدث، تارة تتخيل وراءه إرادة ما، ومعنى يتشكل منه ومن غيره، وتارة تشعر أنه لا إرادة، وأنك أمام كون غير واع لك، وليس له موقف منك أو مخطط لك ...

ولكن ماذا لو الكون يتآمر لك في إطار التأمر عليك... يتآمر عليك في مواقف لحظية، تنجو من ألم، لتواصل رحلتك نحو ألم أكبر، تنجو من كارثة، لتواصل رحلتك نحو كارثة أكبر ... تحصل الكثير من اللذات، تحصل المشاعر الدافئة، تحصل مشاعر الاخرين المتعاطفة والداعمة، فلا يبدو لك أن هناك مؤامرة عليك، فتميل إلى أن المؤامرة لك، أو أن الكون غير مبال...

والكون، أو بالأحرى "النظام" الوجودي يلهيك بكل ذلك، عن طريق مؤامرته عليك بالزمن الذي يتقدم بشكل حتمي، ليقودك نحو الشيخوخة الحتمية، ولتزيد مع مرور كل لحظة فرص تعرضك لحوادث أو أمراض (علم الاحتمالات)، ثم ليكون الموت هو النهاية

هذا قد يبدو سخيفا بالنسبة لك، فأنت معتاد -من باب التكيف ربما- على أن تصفي نيتك مع الكون مفترضا أنه لا نية له تجاهك، باعتباره غير واع، أو باعتبار نيته تجاهك طيبة.... أما أن تكون نيته سيئة؟ هذا مشكلة لا تريد أن تقع فيها طالما أن التواصل مع هذا النظام أوهذه الإرادة غير ممكن،، لو كان ممكنا لحاولت التفاوض معها أو إقناعها .... والدعاء والصلاة والتضرع أنت لا تثق به كثيرا، ترى جيدا أنه لا يجدي .. لذا فهو على أقل تقدير غير كاف

الشيخوخة.. الموت ... الجميع يشيخ ويموت ... الامراض تتزايد احتمالاتها مع المرور الحتمي للوقت... وكذلك الحوادث ... مع هذا التقدم الحتمي للزمن هناك فرصة جديدة في كل لحظة لحادث جديد ومرض جديد وكارثة جديدة

الجميع يشيخ والجميع يموت... ولكن ليس الجميع يتمتع

بل إن المتعة دائما ما تحمل معها الخوف مما بعدها .... نعم أنا أتحدث عن هذه الخرافة ..وعن ما يتصل بها من حسد ونحس ... هل هي فعلا خرافات؟ ... وشعورك بالذنب بعد المتع... هل هو تجاه كون تفترض أن نيته تجاهك جيدة... أم خوف من نظام قد يكون عليك أن تدفع فيه ثمن المتعة ألما بعدها ....

الأحلام الكبيرة والخيبات الكبيرة .... كثيرا ما يجازى الفرح الكبير والحماس الكبير والطموح الكبير بخيبة لا ينالها أحد مثل الطموحين ... في نظام لا يحب الفرحين

حتى الآن كنت تتقبل أفكار الين واليان وكل اشكال القطبية والثنائية على انها فلسفة التوازن.... وبأن عليك أن تذوق الألم لتدرك قيمة اللذة ... قيمة اللذة... لكل شيء قيمة في كون محدود ... يجب أن يكون محدودا لتكون هناك قيمة عزيزة للأشياء،، هذا المحددة هو ما يجعل الشيء عزيزا، أن يكون الكون محدودا أو هناك احتمالية على الاقل لأن يكون كذلك ..... تقدم الزمن الحتمي باتجاه الموت الحتميجعل الشباب عزيزا، والوقت ثمينا، ولو كانت أبدية مضمونة، لما كانت للوقت قيمة .... كذلك محدودية الموارد جعلت للعمل والجهد قيمة .... لول كان كل شيء متاحا بدون جهد، لما كان المجتهد سيحظى بالتقدير

أن تضع الحدود هو إذا أن تضع الملامح، أن تخرج من شكل الأميبا إلى وجه الإنسان ذي الملامح الدقيقة، نعم هي محدودة لكنها أجمل من الاميبا التي لا ملامح لها، أن تضع الحدود، ولو في كون افتراضي، هو أن تخرج إلى من حالة اللاشيء... فكل شيء هو لا شيء .... وكل الوقت هو اللاوقت .... وقد قلت في مقالين سابقين (حين اكتشف اللهأنه الله، و اليأس من وجود الله) أنك لو افترضت أن الله كان الشخص الوحيد في الوجود، حيث لا حدود لقدرته ولا لعلمه، فهو في حالة لا شيء واع... قد يكون مستعدا للتنازل عنها: أولا بأن يجعل هناك آخر .. وثانيا بأن ينسى قدرته ولو تطلب الأمر أن يصبح عاجزا في نظام محدود يصنع الخوف ويغذيه، مثل هذا الوجود ...

أن تدخل في نظام يتآمر عليك، وسعيك داخله لتجنب الآلام وتحصيل اللذات، هو الفرصة لاختبار كل شيء لا يمكن اختباره في حالة توفر كل شيء، الذي يفضي إلى اللاشيء...

وجود لا نهائي لا محدود، يدخل في نظام يضع كل اشكال الحدود الصارمة:

يخلق "الحياة"، وهذه الحياة معتمدة على الأكل والشرب، وتحتاج الى الحماية من البرد والحر، وهي معرضة للمرض والتشوه والحوادث، ومحكومة بالموت، يعلق في هذه الحياة وعي لا يعرف هل هو موجود أما لا خارج هذه الحياة المحدودة، فيكون في حالة دائمة من السعي من المهد إلى اللحد

يجعل أشكال الحياة في صراع مميت مع بعضها، بعضها يتغذى على بعضها، مما يخلق جوا مشحونا يريد هذا فيه أن ينال ذاك، ويريد ذاك فيه أن يهرب من ذاك، وينال شيئا آخر، يهرب بدوره ....

تخيل أن خلف عالم عرف العبودية، كان هناك دائما وجود لا محدود لا نهائي ....

ولكنك هناك شوقا دائما للحالة اللانهائية اللامحدودة، لذا فالعبودية تسقط، لعوامل مادية محدودة لا تنفك عن وعي من نوع "أخلاق" ، "تعاطف" ، أو أي شكل من الوعي أنتجته تطورات المادة، في شوقها للانهائي

فاذا سقطت العبودية جاءت محاولات جديدة من نظام صنع الخوف وصنع الحدود، وهي موجودة، في شروط المادة ومحدوديتها موجودة، ولكن الشوق للانهائي موجود أيضا ... وكأن كل شيء يحمل بذور فنائه في ذاته....

وهكذا في كل مرة، يجد نظام صنع الخوف، وكنز الموارد، وخلق الألم، طريقة جديدة يطل من خلالها... حروب ونزاعات وأمراض، تتغذى بشروط الوجود الافتراضي الأساسية: الوقت المحدود والموت ... الخوف الناتج يتكفل بالباقي

لماذا الخوف؟

الخوف من اللانهائي، الخوف من الفراغ، يجعلك تقدر الحدود التي تخلق الملامح، فلا تخاف الحدود بقدر ما تخاف المجهول، وكل ما بعد الموت مجهول... وكل ما خارج الوجود الافتراضي مجهول، والوجود الافتراضي -أو الماتريكس الحقيقي- يتكفل بأن يخلق لك حدودا، ويحصرك في دولة وجنسية ودين وعادات تلزمك حدك، وهو بهذا يشغلك ويخفف خوفك من المجهول، من عالم لا حدود فيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 1 / 31 - 15:43 )
هل كاتب المقاله ملحد؟ .

اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال