الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال البنا.. رواية تنويرية تجاوزت الثلاثة والتسعين عاماً

أحمد عبد العزيز

2013 / 2 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


برحيل المفكر المصري جمال البنا –الشقيق الأصغر لحسن البنا- نزل الستار على رواية تجاوزت صفحاتها الثلاثة والتسعين عاماً قضاهاً جمال البنا عاكفاً على القراءة والنقد والتحليل والقياس والاجتهاد ليخرج علينا بآراء لاقت قبولاً لدى البعض، كما لاقت هجوماً كبيراً شنته عليه بعض التيارات التي اعتبرت أنها المسئولة عن كل ما يمت للدين بصلة بل تخطت ذلك إلى السياسة الآن.
اعتبره البعض شجاعاً، كما اعتبره آخرون مجنوناً، لكنه أصر على الصمود في محاولة منه لوضع استراتيجية تواكب العصر الذي نعيشه، ولا تفصل بين كون الإنسان متديناً ومواكباً للعصر، ومسالماً من حيث تقبله لوجهات نظر الآخرين، فلم يكن يهاجم أحداً بعينه، أو يُعَرِّض بمن يخالفه، لكنه كان يَعرض وجهة نظره مدعومة بالأدلة والبراهين التي تراعي إعمال العقل.
ولد جمال البنا فى (المحمودية) التابعة لمحافظة البحيرة في 15/12/1920م، عكف منذ طفولته على الاطلاع بحيث تزود بحصيلة ثقافيـة غزيرة، وبعد أن أتم دراسة الابتدائية ودخل المدرسة الخديوية الثانوية حدث شجار بينه وبين أستاذه فى اللغة الإنجليزية وهو إنجليزي، فترك الدراسة غير آسف، واستكمل دراسته بوسائله الخاصة، واصل جمال البنا مطالعاته، وأصدر كتابه الأول سنة 1945 وهو عن الإصلاح الاجتماعى، وفى العام التالى (1946) أصدر كتابه "ديمقراطية جديدة" الذي تضمن فصلاً بعنوان "فهم جديد للقرآن" استعرض فيه فكرة المصلحة كما قدمها الإمام الطوفي، وانتقد الموجة الحماسية لدى بعض الدوائر بفعل نجاح دعوة الإخوان المسلمين وقال: "لا تؤمنوا بالإيمان، ولكن بالإنسان" وهذه الملاحظة لا تزال أحد معالم دعوة الأستاذ جمال البنا فى الإحياء الإسلامي .
فى عام 1952 أصدر "مسئولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن الكريم" كما أسس (1953 ــ 1955) الجمعية المصرية لرعاية المسجونين، وحققت الجمعية ثورة في إصلاح السجون، وأدت إلى مجابهة بينه وبين السلطات .
عندما قامت حركة الجيش فى مصر بقيادة عبد الناصر فى 23 يوليو سنة 1952 بدأ الأستاذ جمال البنا فى كتابة كتاب باسم "ترشيد النهضة" ارتأى فى الفصل الأول أن هذه الحركة هى انقلاب عسكرى وليس ثورة، وما أن اطلع الرقيب على ذلك حتى أصدر أمرًا بمصادرة الكتاب، وأخذ كل الملازم المطبوعة، وبهذا التصرف تأكد جمال البنا من أن الحركة ذات طابع ديكتاتوري، وأنه لا فائدة من محاولة تقدم الرأي والمشورة .
عنى الأستاذ جمال البنا خلال الحقبة الناصرية المعادية للاتجاهات الإسلامية بالحركة النقابية، فأصدر وترجم الكثير من الكتب والمراجع التى نشرتها منظمة العمل الدولية بجنيف والجامعة العمالية بمدينة نصر والدار القومية، كما حاضر بصفة منتظمة في معهد الدراسات النقابية منذ أن تأسس سنة 1963 حتى سنة 1993 عندما انتقد التنظيم النقابى القائم، وقد كان آخر كتبه النقابية عن (المعارضة العمالية فى عهد لينين) الذى كتبته مدام كولونتاي، فقام بترجمته والتعليق عليه .
فى سنة 1981 أسس جمال البنا الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل، وكانت منظمة العمـل الدولية قد استعانت به فى عـدد من الترجمات، كما استعانت به منظمة العمل العربية كخبير استشاري. وبحكم هذه الصفات نظم شبكة من العلاقات بقيادات اتحادات ونقابات فى كثير من الدول الإسلامية، وفي 1981 دعا معظمها للاجتماع فى جنيف خلال انعقاد مؤتمر العمل الدولى بها، وفى هذا الاجتماع تأسس الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل من مندوبى اتحادات عمالية فى الأردن والمغرب وباكستان والسودان وبنجلاديش، وللاتحاد مكتب فى كوالامبور وآخر فى الرباط .
مع السبعينات وملاءمة المناخ للعمـل الإسـلامي بدأ الأستاذ جمال البنا كتاباته التى كان أولها "روح الإســـلام" و "الأصــلان العظيمان: الكتاب والسُنة"، وعدداً آخر من الكتب لا يتسع المجال لها .
ابتداءً من عام 1990 شغل بإصدار كتابه الجامع "نحو فقه جديد" فى ثلاثة أجزاء الذي دعا فيه إلى إبداع فقه جديد يختلف عن الفقه القديم، ولا يلتزم ضرورة بالتفسيرات، أو علوم الحديث، أو أصول الفقه، وصدر الجزء الثالث عام 1999؛ أثار الكتاب ضجة كبيرة ودعا البعض لمصادرته، ولكن المسئولين تنبهوا إلى هذا سـيذيع دعوته فمارسوا مؤامرة صمت إزاءه، رد عليها جمال البنا عام 2000 بإعلان تأسيس "دعـوة الإحياء الإسلامى" التي ضمنها خلاصة فكره الإسلامي والسياسي والثقافي .
فى سنة 1997 أسس بالمشاركة مع شقيقته السيدة فوزية "مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام الإسلامي"، وتبرعت السيدة فوزية بقرابة نصف مليون جنيه للمؤسسة مكنها أن تؤدي دورها فى غنى عن السؤال .
ولما كانت زوجة الأستاذ جمال البنا قد توفيت سنة 1987 ولم يتزوج بعدها، فإنه حول شقته إلى مكتبة تحمل اسم المؤسسة؛ وتضم المكتبة قرابة خمسة عشر ألف كتاباً عربياً، وثلاثة آلاف باللغة الإنجليزية، كما تضم مكتبة والد الأستاذ جمال وشقيقه الأستاذ عبد الرحمن، والكثير من تراث آل البنا، والأصول الخطية لكتب الشيخ البنا، وقد زودت المكتبة بقاعة اطلاع وآلة تصوير ووحدة كمبيوتر، وبها قسم للدوريات يضم 150 مجلة، وبعض الموسوعات والمجموعات القديمة لصحف الإخوان المسلمين من سنة 1936، وأوراق خطية لشقيقه حسن البنا، والكثير من وثائق الإخوان المسلمين، فضلاً عن جذاذات من الصحف، ومسودات وأصول كتب للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ولجمال البنا .
استطاع الأستاذ جمال البنا بفضل تفرغه للكتابة أن يصدر أكثر من مائة كتاب (منها قرابة عشرة مترجمة) وهو يكتب بتمكن وأسلوب سهل، وإن كان له طبيعة فنية، وقد أصدر كتابًا من ثلاثمائة صفحة عن "ظهور وسقوط جمهورية فايمار" كما تعد كتبه عن "الدعوات الإسلامية" من المراجع الرئيسية لما توفر له من صلات ومراجع .
إن دعوة الإحياء الإسلامي رغم أنها قوبلت بتعتيم إخباري أريد به عدم التعريف بها، فإنها شقت طريقها ليس فى مصر والدول العربية فحسب، بل فى الخارج أيضاً، حيث أصبحت محل اهتمام الهيئات الدولية والجامعات، وهي لا تهدف لتكوين حزب أو جماعة، ولكنها تريد أن تقدم رؤية حرة للإسلام يُعد كل من يؤمن بها مالكاً لها أو شريكاً فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان