الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعقيد اللغة

ليث العربي

2013 / 2 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعقيد اللغة

حين نقرأ جملة او نفهم محادثة , فإننا نستجيب لعلامات signs , وطبيعة العلامة التي يستجيب لها الشخص وهي التي تقوده الى ان يلتفت الى شيء اخر يختلف عن العلامة نفسها.
فإذا كان نتصفح احدى الصحف اليومية وقرأنا العنوان التالي(غداً ستهب عاصفة شديدة) , فإننا لو اخذنا العنوان بوصفه موضوعاً في حد ذاته , فإننا نرى انه لا يعدو كونه مجرد سلسلة متصلة من نقاط الحبر. إلا اننا في الواقع لا ننظر اليه على هذه الصورة , لأن العنوان الذي قرأناه هو علامة للقارئ تقوده لأن يفكر في شيء مختلف تماماً عن حبر الطابعة , فقد نقوده الى التفكير في قدوم العاصفة والاحتياجات الواجب اتخاذها لمواجهتها وغير ذلك من الأمور.
والعلامات ليست بالضرورة لغوية , فقطيع الحيوانات الذي يشرع في الهروب عند سماع صراخ تحذير حارسه , والشخص الذي دخل غرفة الطعام عند ساعه صوت ناقوس , والطبيب الذي يبدأ في الحركة بمجرد شعوره برعشة في نسيجه , كل ذلك علامات تفسيرية interpreting signs. فهذه الامثلة توضح ان الكائنات العضوية البدائية يمكنها تفسير العلامات غير اللغوية.
والواقع ان هناك فروقاً عديدة بين العلامات اللغوية والعلامات غير اللغوية , ونقصد بالعلامات غير اللغوية هنا ابسط انواع العلامات , ولنطلق عليها اسم الاشارات signals واهم هذه الفروق :

1-العلامات اللغوية اصطناعية , بينما ابسط العلامات غير اللغوية طبيعية.

فإذا أدت رؤيتي لومضة البرق الى توقع سماع صوت الرعد,كان ذلك راجعاً الى هذين النوعين من الحوادث يقعان معاً بصورة طبيعية , ولكن وجود (الفلفل) في العلبة لا ينتج عن كلمة (فلفل) على العلبة لولا التدخل الانساني الذي يتمثل في وضع الفلفل داخل العلبة التي تحمل الكلمة (الفلفل) فلا بد من اتفاق الناس على ان اصواتاً معينة ستؤدي بالمفسرين الى التنبيه الى موضوعات معينة (معانيها) مثل ان تكون هناك لغة . ومع ذلك فأننا نلاحظ ان بعض العلامات غير اللغوية يمكن ان تكون ايضاً اصطناعية مثل الآلات التي توضع للتحذير عن قرب هبوب العاصفة.

2-الاستجابة للاشارات نمطية بينما الاستجابة للعلامات اللغوية متغيرة ومتعقدة.

فحضور الكلب سيسبب انتفاش لشعر القط من خوفٍ متوقع , بينما استجابة الشخص لجملة (هرب اسد من السيرك) ستكون متنوعة بحسب الظروف.فالجملة المنطوقة تتألف من علامات منظمة بطريقة عرفية ويستجيب الانسان للمكونات وتنظيمها كما يستجيب للجملة ككل.فإذا كانت الاشارات الطبيعية التي يستجيب لها الحيوان , انما تقع دائماً في ارتباطها بالاشياء التي تشير اليها,فأن المستعملين للغة يتعلمون تنظيم العلامات اللغوية واعادة تنظيمها الى تعدد لا نهاية له , وبذلك يمكنهم ان يتوقعوا الجدة ويستجيبون بموافقة من انماط جديدة تماماً.

3- تدل الاشارات عادةً على موضوع واحد , بينما تغطي العلامات اللغوية اغراضاً مختلفة في نفس الوقت.

فقد يدل حيوان اثر متوحش الصياد الماهر على الكثير عن هذا الحيوان الذي ترك الاثر ولكن قارن ذلك بالجوانب التي يحملها امراً بسيطاً بالنسبة لمستمع حساس, فإذا سمعنا غريباً بقول (فاتني القطار مرة اخرى) فأننا نعرف شيئاً عن القطار,الا اننا قد نعرف ماهو اكثر عن المتكلم , فهو يشعر بالضيق , وانه في عجلة من امر السفر , وربما عرفنا بلدته التي يعيش فيها..

هذه الفروق الثلاثة بين اللغة المتطورة بصورة كاملة والانواع الابسط من العلامات غير اللغوية تعطينا مجرد شيء عن الغموض التام للغة. إلا أنها فروق مهمة , والفشل في الوعي بها وعدم تقدير بعض نتائجها هو المسؤول في الحقيقة عن الكثير من المغالطات في التفكير الاستدلالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه