الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تَزْهَدَنَّ في معروف!!

ماهر علي دسوقي

2013 / 2 / 1
المجتمع المدني



اصبح مع الوقت احد معالم المدينة، يدفع عربته البسيطة ويتجول بين الأحياء، ينادي على ما استطاع جمعه بإمكانياته المتواضعة للبيع، تارةً "كعك"، وتارة اخرى "معجنات" ، وثالثة "حلويات" .

تندفع العربة وكأنها أصبحت تعلم المسالك والأماكن التي يجب ان تسير فيها او تقف عندها.. فهي أمام "حسبة" الخضار صباحاً ، وبالقرب من مسجد جمال عبد الناصر ظهراً، وامام مدرسة قريبة بعد ذلك ، وعند ساعات المساء ايام الصيف أمام متنزه تنشط الحركة فيه كمتنفس للمواطنين ، هي "العربة" تشفق على صاحبها الذي حمل يوماً شهادة الدبلوم في الحاسوب وتعثر به الأمر فوصل الى ما هو عليه الآن ، لا واسطة لديه .. ولا مال كي يباشر مشروعه الخاص ..

ألفت وجهه وربما ألف وجهي ايضاً ، فكثيراً ما اصادفه عبر ساعات النهار وأطراف الليل الاولى، فهو السارح الباكر والمتنقل بين الأحياء الماهر، يضع شهادته في مكان ما على طرف العربة ليعلن عن ذاته، يعتمد النظافة شعاراً له واسلوباً لتسويق ما لديه.

سبق لي وان حادثته بعد عدة مصادفات عند شراء بعض الكعك، لاحظت الشهادة .. فقال : اذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.. أعجبت برده واخذنا بعض الكلام حتى علمت انه من شمال الضفة جاء باحثاً عن لقمة عيش، ويفترش مساء غرفة صغيرة بنافذة تطل على "قصر" قريب، أهل القصر لم "يسببوه" يوماً .

قبل أيام كان عائداً من جولة فاشلة في المدينة، فأخذته الغشاوة وغفل عن حفرة في الطريق الممتد أمام "دوار الشهداء"، فانقلبت العربة وسقط معظم ما عليها من حلويات وكعك ..

كنت عائداً بسيارتي من زيارة لأحد الاصدقاء وكأن شيئاً خفياً دفعني للمرور بذلك الطريق، وكنت أسير باتجاه معاكس لاتجاهه، توقفت على بعد امتار وترجلت وسرت حيث كان يجمع ما سقط منه، يتحدث بصوت خافت وأحياناً يعلو قليلاً ، جمل غير واضحة او مفهومة، وفجأة صرخ وقال: مرّت عشر دقائق حتى الآن ، مركبات كثيرة اضافة لسابلة.. لم يعرنِ احد انتباه ولم يكلف نفسه عناء مساعدتي ..لماذا توقفت، لقد امسك الناس عني وها انت نزلت..

لم أجبه وأخذت اجمع معه ما تبعثر على الأرض، وهو يردد : خسارة على خسارة ..

شاط غضباً حين توقفت مركبة عابرة وكانت "الخامسة" التي تستفسر، وخرج صوت اجش من داخلها "سليمة في المال ولا بالعيال حادث بسيط لا عليكما"..

صاح: يا عالم ليس بحادث الرجل توقف ليساعدني هل اصبح المعروف والخير مستغرباً في هذه البلاد؟ غادر صاحب الصوت الاجش كما من سبقه ولم يكلف نفسه عناء المساعدة !!

أوقفت العربة معه وكلي دهشة لما حدث، لم يتوقف احد ليساعده والآن تتوقف المركبات لتسأل: هل هذا حادث؟،وعند تلقي الاجابة يغادرون ، وكأن في الأمر غرابة للمساعدة ! امرنا حقاً عجيب ، الخير مستغرباً، والشر سيد المكان.

فقلت ما قاله اعرابي يوماً:
أين الوجوه الصباح ، والعقول الصحاح، والألسن الفصاح، والأنساب الصراح، والمكارم الرباح، والصدور الفساح ؟ تعيدنا من مقامنا هذا.
أُفٍ لزمان الغدر !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين