الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن ان يكون الاختلاف افيون الانسانيه؟

كريم محمد السيد

2013 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يمكن ان يكون الاختلاف أفيون الإنسانية؟
من يطالع تاريخ البشرية سيجد ان الامم ضحت وناضلت من اجل ان تكتشف الحقيقة, الحقيقة التي يراها كل انسان من جانبه ويتصور انها الخلود الابدي, والامر الناصع الذي لا يدركه الاخرون لانهم ناقصو بصر وبصيره, فان اجتمعت القوه مع هذا الاعتقاد فان البوصلة ستشير الى انعدام الاخر باي وسيلة وباي طريقه, والحقيقة ترسخ بداخل كل انسان الا ان يكتشف غيرها وهكذا, وقد تكون هذه الحقيقة لا تتفق و الحقائق الاخرى لذلك سينشأ الاختلاف وسيطغى عامل الفكر والاخر وسينشأ صراع بين العقائد وستزيح العقيدة الاقوى اي عقيدة اخرى وهذا الصراع بحد ذاته اختلاف, وبهذه الكيفية ينعدم القبول والاتفاق,
لنأخذ مثلا محاكم التفتيش التي كانت بأوروبا والتي اسستها الكنيسة الكاثوليكية من الأساقفة, كانت مهمتها القضاء على الهراطقة من الذين يختلفون فكرا وعقيدة مع المبادئ التي تنادي بها الكنيسة; ويحدثنا التاريخ عن عصور سيطرت به تلك المحاكم وشرعت تحكم نيابة عن الرب وتقصي الافكار الاخرى بين الشعب, ومن اشهر قضايا تلك المحاكم, المحكمه التي نظرت بقضية ذلك الايطالي الذي يدعى (جوردانو برينو) هذا الرجل الذي ايد نظرية كوبرنيكوس القائلة بدوران الارض حول الشمس; ولسبب مناداته بالأفكار الفلسفية والفكرية الجديدة المرفوضة من عقول اهل زمانه سيق الى منصة الاعدام, وهنا قال كلمته الرائعة لكهنة المحكمة :" لعلكم ايها القضاة وانتم تنطقون بهذا الحكم تحسون من الفزع والرعب اكثر مما احس انا عند سماعي له" وفعلا احُرق الرجل وانطوت صفحته وانتهى كل شيء, الا ان الزمان قال برغم صمت المكان بعد 300 سنه اكتُشف صدق هذا الرجل فأقيم له تمثال بنفس المكان الذي احرق فيه, ما النتيجة؟ الاكتشاف بعد 300 سنه ليس بالأمر الهين. وليس كلمة نقولها وحسب, فالاختلاف الذي اودى بحياة مناضل الحقيقه (برينو) وحياة الملايين من امثال برينو استطاع ان يغير شكل التاريخ ويفرض بقاء الاقرب للحقيقه ويسجل فكرة جديدة سواء قبلت او ردت.
لهذا فان التقبل لم يكن بالأمر السهل والامر الذي يدخل بقدرة المستطاع عند من يمس التغيير حظوتهم ومراكزهم ومنافعهم - خصوصا وكما قلنا عندما تدعمه السلطه و القوه- ولهذا نجد ان العصور القديمة عجت بقضايا الهرطقة والزندقة والسفسطة وانتجت لنا ارثا فكريا يشوبه الحذر والقلق والخوف والقناعة بما يرضي الجماعة ولذا قسمت افكار شعوب الارض بجغرافيا الاقوى, وبات على من يختلف ان يتنازل عن كل ما يملك في دائرة المكان الذي ينتشر فيه فكر الاضداد, ولنا مثال في دعوى النبي العربي محمد ابن عبد الله (ص); فحينما جاء امر ربه وحلت عقيدة الله بارض مكة قام بدعوته سرا في بداية الامر, ثم اعلن عنها بشكل صريح, فعجت ضواحي مكة بأنباء الدين الجديد ونال الرسول وأصحابه اشد انواع النبذ والتضييق والمساومة حتى اكتملت قناعة قريش بقتلهم والتخلص من محمد ومن يتبعه, وهنا نجد ان النبي لجأ للبحث عن مكان بديل لدعوى التوحيد فارسل وفدا الى الحبشة ومن ثم اختار يثرب بعد ان قبل الاوس والخزرج دينه الجديد فهاجر من ارض مكة اخيرا, ولحقه من آمن به واختار ان ينطلق بدولة الرب من ذلك المكان فتنازل محمد عن مكة التي فيها بيت الله ومهبط وحيه وروح ابراهيم الخليل ع, وباتساع تقبل الاسلام اتسعت رقعته الجغرافية واتسع ذلك الفكر المنبوذ في مكة الى ان حل بمكة وجعلها عاصمته الروحية وقبلته الباديه.
العالم اليوم يعيش هذا الاختلاف بجزئيات القرون القديمة مضافا اليها سيطرة التكنولوجية الحديثة والاسلحة النووية والكيماوية وخشيتي على هذا العالم ان يتجه لبوصلة حلحلة الاختلاف بطريقة محكمة التفتيش او بطريقة اكابر قريش,
ان الطابع الديني الأيديولوجي الذي يطغى على رسم خرائط العالم يشير الى التحذير من وقوع اخطار محتمله وقنابل موقوته بإمكانها الانفجار بأية لحظة, عوامل الانشقاق الديني الثيوقراطي لم تعد رايا ومعتقدا يمكن تقبله من الاخر انما اصبحت اساسا تقوم عليه العلاقات الدولية وتؤسس تحالفات جانبيه واصبحت لها جمهورها الذي زجته بعالم السياسه والتظاهر المدني.
من البديهي والمعقول جدا ان يختلف بنو البشر وفق مزاجات وخيارات وقناعات متعدده, ومن الطبيعي ان تجد الابيض والاسود وتجد الطويل والقصير والغث والسمين والصالح والطالح والضار والنافع وغيرها من الاضداد التي يطول عرضها, والحق لا يعرف الا بالباطل والنور والظلام والصحة لا تعرف الا بالعلل وهكذا,
ان الأضداد تدلنا على حقائق الامور وبالاختلاف يحرك قاع الامور فتطفو بعض الحقيقة ان لم تطفو كلها, وهذا يقودنا لان نستنتج ان الاختلاف في ذاته ما هو الا حالة اكتشاف وحالة تمييز بين الماهيات وهذا بحد ذاته لا يشكل قلقا او خطأ يفرض اجتثاثه, لهذا كان لابد من التقبل فلولا الاختلاف لاندثرت الحقائق!,
لذلك بات علينا ان ندرك ان الاختلاف مزاج انساني خاص وان يكون هناك استعداد مسبق لتقبل الاخر بغض النظر عن محور الاختلاف, مشتركاتنا اكبر من خلافاتنا, والآخر اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق كما يقول حكيم الزمان علي ابن ابي طالب (ع).
كريم السيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب