الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية من وجهة نظر خروف

مثنى حميد مجيد

2013 / 2 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سأشرح أولاً في نبذة مختصرة الإجراءات الطقسية التي تسبق وتلي ذباحة الخروف بالطريقة الصابئية .يتم حرق سكين حديد لتنقيتها من أي دهون وأوساخ ثم يتم بردها جيداً بالمبرد. وُتحضر بسطة - جباشة - من السعف أو القصب غير المستخدم سابقا.ويجرى فحصٌ للخروف الذكر - يحرم ذبح الإنثى - للتأكد من جنسه ومن عدم وجود أي عوق أو تشوّه أو زائدة أو نقصان في جسده، أي خروف ذكر كامل الخلقة. ويتم تنظيف الخروف بالماء وربطه بحبل نباتي الأصل ، كل ما له أصل حيواني يُستبعد من الطقوس الصابئية المندائية ، وعادة ما يكون من خوص السعف ويؤتى به إلى البسطة - الجباشة . يجلس القائم بالذباحة والسكين بيمناه إلى الشرق ووجهه إلى الشمال حيث قبلة الصابئة بعد إغتساله بالماء ويُفضل أن يكون لابسا ملابس الرستة البيضاء أو على الأقل يشد وسطة بحزام - الهميانة - أي الإيمانية وهي أهم أجزاء الرستة ويغطي رأسه بغطاء ، يقابله شخص آخر لطرح الخروف والإمساك به وشخص ثالث يمسك قدرا لإحتواء الدم ورابع خلف القائم بالذبح لمراقبة صحة الإجراءات الشعائرية ليشهد في الآخرة له أنه ذبح الخروف بطريقة صحيحة ونظيفة ، وينبغي أن يكون الجميع قد إغتسلوا وتطهروا مع أدواتهم في الماء الجاري.

يقرأ القائم بالذبح بالارامية المندائية النص الديني الخاص بالذباحة وهذه ترجمته:

بسم الحي العظيم

ملِكُ الموت أقرّك ، ملِك الضياء تفقّدك ، أذبحك بسكين طاهر ، عقلاً وصحةً وتقويماً تهبُ كل من أكلَ منك ، إسم الحي المولى والعارف مذكورٌ عليك.

في اللحظة التي يباشر فيها القائم بالذبح عمله ينطق الشاهد الذي يقف خلفه وقد ألقى بكفه على كتفه الأيمن مرددا: آنا سَخدخ ، أي أنا شاهد. يتم إحتواء الدم كاملا في القدر المعد لذلك الغرض ويُنتظر حتى يسكن الجسد تماما فيذهب القائم بالذباحة إلى الماء ويشطف يديه مع السكين قائلا:

بسم الحي العظيم ذبحتُ بالسكين وتطهرتُ بالماء أنا المخطيء وربي الغافر إسم الحي المولى والعارف مذكورٌ علي.

عام ١٩٩٨ قمنا أنا وأحد أقاربي بذباحة خروف وفق الشعائر الصابئية أعلاه وكان صاحبي ماركسيا من النوع الستاليني الذي يحفظ عن ظهر قلب كتب افاناسيف وبونوماريوف ويسخر كثيرا من الشعائر الدينية وقد وافق على مشاركتي تطبيق هذه الطقوس المفعمة بالمعاني الإنسانية التي تقدس الحياة إحتراما لذكرى آبائنا وأجدادنا التي توارثوها وحافظوا عليها من أزمنة قديمة ، وكان هو من تولى مهمة الذباحة في حين كنت أنا أقابلة لطرح الخروف والإمساك به وكان الخروف المسكين ينتفض ويرافس وهو يقاومني لتثبيته ولكن ما إن بدأ صاحبي ينطق بنص الذباحة قائلا - بشما اد هيي ربي - بسم الحي العظيم حتى هدأ روع الخروف وسكن مستسلما بين يدي فاتحا عينيه وكأنه ينصت لنداء موجه له بتقبل هذا المصير. وبعد إنتهائنا من الذباحة نظر صديقي إلي متعجبا متفكرا يسألني :
هل رأيت الخروف كيف هدأ وسكن حين نطقت بالنص ؟
فقلت له نعم ، أنا شعرت بذلك أكثر منك لأني كنت أمسك به فماذا تقول في هذا ؟!
أجابني مبتسما حائرا عجيب حقا !
فقلت معقباً : هذا يعني أن كل ما تعلمته من افاناسيف وبونوماريوف قد إهتز وأصبح موضع شك بسبب خروف مسكين ذُبح بالطريقة الصابئة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تساؤلات
عبد المطلب العلمي ( 2013 / 2 / 7 - 15:45 )
بغض النظر عن ما اردت ايصاله من خلال هذه القصه ،توادت لدي بعض التساؤلات ارجو ان تتفضل بالاجابه عليها اذا كان ذلك ممكنا.
لماذا يتم ذبح الخاروف الذكر فقط و ماذا يفعلون بالاناث و لماذا لا يصح استعمال الادوات ذات الاصل الحيواني ؟
ما سبب وجود القبله في الشمال و هل لذلك بعد روحي؟
هل اللغه الدارجه هي لغه قائمه بذاتها ام لا لفت نظري قولك الاراميه المندائيه؟
هل الصابئه اثنيه ام دين مرتبط بهذه الاثنيه ؟
هل كان للصابئه انتشار في بلدان اخرى غير بلاد ما بين النهرين ؟
شكرا


2 - الأستاذ عبد المطلب العلمي1
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 7 - 16:48 )
تحية طيبة وشكر على أسئلتك.علميا يرى الذين درسوا الصابئة أن طقوسهم القديمة لها إرتباط وثيق بمجتمع زراعي رعوي يتطلب المحافظة على الإناث للتكثير .بعض علماء النفس يصنفون الأديان وفق الذكورة والأنوثة فالأديان التي تضحي بالذكر ومنها الصابئية هي التي تؤمن بتواصل الحياة بعد الموت أما التي تضحي بالإنثى فهي تؤمن بالتناسخ أي عودة الوعي إلى الحياة.
للإنثى في الصابئية إحترام فالمرأة تستطيع أن تتولى أعلى الدرجات الدينية وهي تمثل النور نهورا في حين يمثل الذكر الضوء زيوا .الصابئة الفرقة الغنوصية الوحيدة التي لم تنقرض وحتى القرن العشرين موجودة فقط في العراق وعربستان.
أغلب المذاهب القديمة قبلتهم الشمال فالصابئة يعتقدون أن أباثر أو كبير الملائكة يقيم في النجم القطبي ومن هناك توزن النفس قبل أن تغادر إلى عوالم النور.بالنسبة للصابئة حتى الأرض هي كائن حي والكواكب أماكن لكائنات نورانية.
للصابئة كان وجود في مصر وهناك علاقة بين الشيثيين والصابئة وفي كتبهم وتقويمهم أصول وأسماء فرعونية لكن شعائرهم لها إرتباط بالسومريين والبابليين.
في الصابئية تجد بذور وجذور اليهودية والمسيحية والإسلام مترابطة .بإي


3 - الأستاذ عبد المطلب العلمي2
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 7 - 17:01 )
بإيجاز الصابئة فرقة تؤمن بالمعرفة - مندا اد هيي - أي معرفة الحياة رفضت اليهودية والمسيحية ما أدى إلى تصفيتهم تاريخيا في فلسطين ومصر وحران فأنكمشوا على أنفسهم في جنوب العراق والأهواز أما حديثا فهم يتعرضون للإبادة الجماعية في العراق وإيران .هم شعب صغير ، مجموعة لها ميزات إثنية ودينية ولغتهم هي العربية أما المندائية وهي الارامية الفصحى فهي لغة الكتب والطقوس والقليل منهم يستطيع التحدث بها وأحيانا يخلطون بعض مفرداتها بالعامية العراقية وقد وضعتها منظمة اليونسكو ضمن اللغات المهددة بالإنقراض .تحياتي لك.


4 - عزيزي مثنى
عبد الحسين سلمان ( 2013 / 2 / 7 - 17:13 )
عزيزي مثنى
تحياتي
السؤال
اين تم رمي دم الخروف, مع أحشائه الداخلية؟


5 - أستاذي العزيز جاسم الزيرجاوي
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 7 - 19:04 )
أستاذي العزيز جاسم الزيرجاوي
تحية طيبة
في مثل هذه الحالة ترمى في النهر ولكن أيضا في المناطق الريفية ربما تدفن في الأرض وبالتأكيد لا ترمى في القمامة لكني لا أتذكر بالضبط ماذا فعلنا بها فهذا كان منذ سنوات طويلة حين كنت في بغداد.تحياتي الأخوية


6 - شكرا
عبد المطلب العلمي ( 2013 / 2 / 7 - 19:06 )
الشكر الموصول للزميل مثنى على التوضيحات القيمه ،متمنيا ان تكتب مواضيع مفصله عن هذه الفرقه التي و من شرحك فهمت انها من اعرق من سكنوا منطقتنا و ما زالوا متواجدين الى الان.ام ان لك كتابات سهوت عنها؟
اشكرك مره اخرى.


7 - الصديق عبد المطلب العلمي
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 7 - 19:27 )
الصديق عبد المطلب العلمي
شكرا على متابعتك وإهتمامك.كتبت دراسات عديدة عن الصابئة منها ما هو منشور في الحوار المتمدن ومنها في موقع الناس واخر ما كتبته دراسة بعنوان - جذور حضارة شيتل طابا - عن علاقة الطقوس الصابئية بالسومرية والفرعونية على هذا الرابط
http://al-nnas.com/ARTICLE/MHMajed/index.htm
تحياتي الأخوية.


8 - ذبح الخروف
يعقوب ابراهامي ( 2013 / 2 / 7 - 20:38 )
ربما لم أفهم مغزى القصة لكنني لا استطيع أن أفهم كيف أن ذبح خروف يتفق مع الطقوس المفعمة بالمعاني الإنسانية التي تقدس الحياة إحتراما لذكرى آبائنا وأجدادنا التي توارثوها وحافظوا عليها من أزمنة قديمة
أنا في أي حالٍ من الأحوال لم أكن أمسك بخروف لكي يتم ذبحه


9 - الأستاذ العزيز يعقوب . المغزى
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 7 - 21:19 )
الأستاذ العزيز يعقوب
سرني تعقيبك وضحكت وكنت أتوقع أن العديد من الماركسيين سوف يسخرون مني لكن هذا فعلا ما حدث ! المغزى إني أردت القول أن الماركسية هي فلسفة حياة لا فلسفة موت وعدم ، كلاهما هيغل وماركس يؤمنان بتواصل الروح . ماركس الحقيقي أعمق مما يتصورة حفظة النصوص وأنا أزعم إني أفهمه لأنه من أصول ارامية غنوصية...
أعرف كم أنت شخص شفاف ومسالم ولكن أرجو أن تعرف أن هذه الطقوس كان الأسينيون وهم صابئة أورشليم يمارسونها أيضا ...تحياتي.


10 - التراث الانساني العظيم
عتريس المدح ( 2013 / 2 / 8 - 19:01 )
لاشك بان بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس قدمت الكثير من الفكر من أجل سمو البشرية الروحي فكل من فكر الصابئة و فكر زرادشت ترك بصمات عظيمة للانسانية ،فالبوذية والتاوية و اليهودية والتي هي الاساس لكل من المسيحية والاسلام استندت بجذورها الى الفكر المنتج في بلاد فارس وما بين النهرين، واصارحك عزيزي مثنى حميد مجيد انه كثيرا وحين تشتد علي الظروف القاسية أعود الى الفكر البوذي وبالذات الى التأمل عبر وضع الحياد لأخرج مما يكدر الروح وخلق التوازن ما بين الايجاب والسلب ما بين السماء وما ترمز له من سمو وما بين الارض وما ترمز له من الحاجة المادية مع استخدام التاي شي


11 - أحييك عزيزي الأخ عتريس المدح
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 2 / 8 - 19:54 )
عزيزي الأخ عتريس المدح
أحييك وأشكرك على مرورك وإبدائك هذه الملاحظة القيّمة فهناك جوانب إيجابية في المعتقدات الروحية لكافة الشعوب هي موضع إهتمام ودراسة من قبل العلماء وخاصة في مجالات الطب والطب البديل.في السويد مثلا هناك عشرات المراكز التي تهتم بالرياضة الروحية الهندوسية والبوذية ومنها التي ذكرتها قي تعقيبك وبعض التقنيات تستخدم حتى في المؤسسات الصحية الرسمية.وتراثنا الروحي إبتداء بالعراقي الرافديني والمصري القديم ومرورا باليهودية والمسيحية فالإسلام يحمل العديد من الجوانب الإيجابية لكننا مشغولون بالصراعات السياسية والنعرات الدينية التي تشغلنا عن الإستفادة من هذا التراث.
أكرر شكري وتحياتي الأخوية لكم.

اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |