الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركات الإسلامية و الطريق إلى السلطة- حماس نموذجاً

يوسف العادل

2005 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة مشهد تاريخي يمكن التقاطه في سياق حوالي قرنين من الزمن، حيث أنه كان من الصعب في ظل الإمبراطورية العثمانية على أي قوة أو حركة إصلاح ونهضة وليدة (متأثرة بتطور أوربا الصاعدة) أن تشق طريقها إلى ساحة المشهد السياسي أو الثقافي وتجد لها موطيء قدم ونفوذ ميداني في كل الجغرافيا السلفية الإسلامية السائدة، إلا انه ما إن انهارت هذه الإمبراطورية العثمانية( الرجل المريض ) تحت وقع حوافر وضربات معاول الرأسمال العالمي الإمبريالي، وسيادة إمبراطورية رأس المال التي سرعان ماشاركتها السيادة العالمية، الإمبراطورية الشيوعية السوفييتية حتى دخل العالم في مرحلة حداثة وتغيير نوعي تاريخي( ليبيرالي ويساري وقومي الخ) وبات من الصعب على الحركات الأصولية الإسلامية التي تغرف إيديولوجيتها من غيابة الماضي الغريب عن جبروت معطيات الحاضر(علوم، تكنولوجية، ثقافة تحرر،الخ...)أن تعيش أو تتعايش في هذه البيئة الثورية، مالم تتكيف، وهي لن تفعل ذلك قبل أن يمضي وقت طويل في ظل سطوة التراث على العقل الذي استغلق فانسدت الطريق أمام أي دخول إلى العصر والحداثة، وكانت عندئذٍ خيام السلفية.
لقد لعبت جملة ظروف في انسداد الطريق إلى السلطة السياسية في منطقتنا العربية وغيرها أمام الحركات الإسلامية ابتداءً من خمسينات القرن العشرين منها:
1. الانتصار الذي حققه الإتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية على النازية ورواج الفكر اليساري عالمياً وعربياً مما حفز معه صعود حركة التحرر الوطني العربي بقيادة تحالف التيارات اليسارية والقومية ذات نفس المنحى الإيديولوجي والتي تحمل مشروع تحرر وطني وتحولات اجتماعية كجزء من حركة التحرر العالمي و كامتداد يحاكي ماتم إنجازه في المركز الأم ( الإتحاد السوفييتي) الذي قدم دعماً لنموذج عملٍ تحرري وطني وبناء مجتمعي حديث يحتذى به حتى ذلك التاريخ.
2. عجز النخب السياسية الإسلامية وتنظيماتها عن أن تبدل جلدها وتتكيف وتواكب المد الوطني التحرري الصاعد في إطار موجة التحررو الاستقلال التي عصفت بالمنطقة العربية ( أربعينات وخمسينات القرن العشرين) لعدة أسباب:
• غياب البرنامج السياسي الذي يمكن أن يستجيب لمرحلة التحرر والاستقلال حيث التحولات الاجتماعية( السياسية والاقتصادية المطلوبة).
• الإحباط الذي تعيشه النخب السياسية الإسلامية سواء لجهة تداعيات انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية( الرجل المريض) أولجهةالتحولات العلمانية التي أرسى أسسها مؤسس تركيا( مصطفى أتاتورك) محاولاً إهالة التراب مرة وإلى الأبد على تاريخ إسلامي لايريده أن يعود في تركيا( نواة الإمبراطورية العثمانية)،وسنرى كيف عاد.
• .القمع الشديد الإستئصالي الذي تعرضت له النخب السياسية الإسلامية وأحزابها على الساحات العربية وغيرها بعد وصول الأحزاب القومية إلى السلطة( مصر سوريا الجزائر الخ) ، علماً أن هذه التنظيمات شكلت فيما بعد اختراقا عسكرياً فعالاً على ساحاتها في الصراع المسلح على السلطة(الأخوان المسلمون في سوريا، الجهاد الإسلامي في مصر، جبهة الإنقاذ في الجزائر) ، إلا أنها لم تستطع ترجمة هذا الاختراق إلى انتصارات ومكاسب سياسية، وهكذا وجدت التنظيمات الإسلامية نفسها مبعدة عن ميدان ممارسة السلطة في المنطقة العربية، ومبعدة عما يفترض أنها قاعدتها الاجتماعية( الغالبية المسلمة على الساحات المعنية) حيث اقتصر دور جماهير المسلمين في هذه الساحات على ممارسة الطقوس الدينية تحت سمع وبصر وإشراف وتسهيلات السلطات غريبة الايديولوجياأو الطائفة والايدولوجيا معاً ،فيما تستأثر هذه السلطات بالطقوس الدنيوية.
وهكذا عاشت الحركات الإسلامية انكفاءها وخيبتها وتبعات هزائمها لعقود ، لاسيما وأنها لن تجد لها دور جدي على صعيد
( المسألة الاجتماعية)والبناء المجتمعي والتطور التاريخي بنموذجيه الرأسمالي أو الاشتراكي أو بنموذج هجين ، أو بنموذج من عندياتها، وبقيت هذه الحركات كذلك غريبة عن العصر، إلى أن صعدت المسألة الوطنية( قضية التحرر الوطني) إلى صدارة جدول أولويات الصراع الاجتماعي،و تيسر لها أمر الظهور المسلح الفعال ليشمل جغرافيا واسعة النطاق تمتد من كشمير إلى فلسطين وقد لعبت جملة عوامل في تحفيز معاودة النشاط في بعده العسكري منها:
1. انهيار الإتحاد السوفييتي واندفاع الإدارة الأميركية لتدشين مرحلة أودورة استعمارية جديدة وإنجاز وتكريس هيمنتها وسيطرتها على العالم في إطار مايسمى نظرية القطب الأوحد مما أزكى نار التوتر العالمي والإقليمي وأدى في نهاية المطاف( وهذا من منطق الأمور)إلى ظهور موجة صراع مسلح جديدة (تسعينات القرن العشرين)في أفغانستان وكشمير وفلسطين ويوغسلافيا، وصعود الحركات الإسلامية إلى ساحة المواجهة والجهاد على خلفية إفلاس الأنظمة القومية وهزيمتها في معارك التحرر الوطني، حيث تعزز ارتهان هذه الأنظمة للمشروع الامبريالي الصهيوني،ولما لهذه الحركات الإسلامية من مرونة تبني خيار المقاومة لاسيما على صعيد مطاوعة قاعد تها الاجتماعية المسلمة في احتضان هذه الحركات وحمايتها وتشكيل خزان جهادي لها معبأ تاريخياً تعبئة إيديولوجية استشهادية صارمة حافزها الظفر بالجنة والزهد بالحافز الدنيوي( مكاسب الدنيا بالغةً مابلغت)، وهذا بالنسبة للاستشهاديين موضوع محسوم وغير قابل للنقاش والتردد.
2. صيرورة هذه الحركات جزءً لا يتجزأ من لوحة الصراع على السلطة والنفوذ وأداة بنفس الوقت بيد هذا النظام وذاك مما أتاح لها فرصة الاحتضان والتعشيش وتعزيز وجودها على ساحاتها وذلك بعد أن تعرضت فصائل اليسار السياسي إلى القمع المزمن والهزيمة على يد هذه الأنظمة وتجلى ذلك الاحتضان من خلال علاقة حزب الله بالنظامين السوري والإيراني اللذين نقلا المقاومة الوطنية اللبنانية( المتحالفة مع شقيقتها الفلسطينية بدء من 1976) من كتف قوى اليسار إلى كتف حزب الله الذي نشأ لاحقاً لتكتسب المقاومة بعد ذلك طابعاً دينياً صرفاً، وكذلك علاقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالنظام السوري ، والتقارب والتواطؤ الضمني( بعد عام2000) على الساحة الفلسطينية بين عرفات وبين حماس والجهاد الإسلامي في إطار تجاذبات التسوية على المسار الفلسطيني حيث حاول عرفات تحصين رمزيته التاريخية وتحسين شروط المساومة من خلال الاختباء خلف رايات المقاومة المسلحة لحماس والجهاد وتمرير الضوء الأخضر الضمني لهما لمتابعة عملياتهما المسلحة ضد الكيان الصهيوني في إطار مقاصة مجدية للطرفين.
3. الحالة المعنوية التي وفرها في مسار صراع الحركات الإسلامية مع المشروع الإمبريالي الصهيوني الإختراقان النوعيان التاليان:
• انسحاب الجيش الصهيوني مضطراً من جنوب لبنان عام2000مما شكل سابقة تحرير لم تعهدها المنطقة العربية.
• أحداث الحادي عشر من أيلول التي أنزلت ضربة تاريخية غير مسبوقة في عمق البنية الأمنية الأميركية مما شكل تطاولاً على هيبة الإدارة الأميركية التي يتأسطر جبروت دولتها في وجدان الرأي العام العالمي.
وجاء هذان الإختراقان تتويجاً لكل الانتصارات التي حققتها الحركات الإسلامية بدءً من انتصار الثورة الإيرانية مروراً بانتصارات المجاهدين وطرد السوفييت من إفغانستان( بغض النظر عن خلفيات تحالفات الصراع وانتقال البنادق من هذا الكتف إلى ذاك، وصولاً إلى الحالة الجهادية في العراق وبعض دول الخليج، مما يشكل استعادة الإسلام السياسي لذاته من تعقيدات ومجاهل الصراع.
إذن نحن الآن أمام محور جهادي استشهادي يمتد من كشمير إلى فلسطين ذي وزن عسكري ومادي ومعنوي يجعل من دخوله بازار سياسة الصراع على السلطة وتقاسمهاالسلمي أمراً ممكنا ومجديا، لاسيما حينما يتم تدجين الشعارات المتطرفة ذات المطالب القصوية في حظائر البراغماتية والواقعية السياسية بأن تنتقل حركة حماس مثلاً من صرامةشعار تحرير كامل التراب الفلسطيني(على أنه وقف إسلامي) إلى القبول الموارب الخجول بقطاع غزة الذي يشكل واحد بالألف من مساحة فلسطين، وأن تجعل الإدارة الأميركية كعادتها معيار الإرهاب( الذي زعمت عدم الجدال به) معيارين حينما يتعلق الأمر بحزب الله الذي من الممكن أميركيا( رغم وجود جيش أميركي مفرغ في العراق لمحاربة الإرهاب) إعادة إدماجه في مفاصل الحياة السياسة اللبنانية بعد نزع سلاحه في سياق تطبيق القرار 1559،وإنجاز فك الارتباط بين هذا الحزب وبين منابع دعمه لتسهيل التدجين السياسي.وهكذا تصبح السياسة امتداداً للحرب والجهاد، ولعل بن لادن وتنظيم القاعدة في الطريق إلى هذا الامتداد السياسي الذي لابد أن يحصل ويعيد الأعداء تحالفاتهم مرةً أخرى على البر الآسيوي حيث الثروات والنفوذ والمهام الإستراتجية الآسيوية الأخرى.
ولعل قصة اندماج الحركة السياسية الإسلامية على الساحة التركية في المشهد السياسي التركي ولوحة الصراع هناك وبالتالي الصعود المتقن المدروس والسياسي لحزب العدالة الإسلامية التركي إلى مركز السلطة والقرار في النظام التركي العلماني، وصولاً إلى الاستعداد التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي،وكل ذلك يدلل على إمكانية صعود الحركات الإسلامية إلى السلطة مستفيدةً من قاعدة اجتماعية موالية وخطاب سياسي معتدل واستقطابات معادلة الصراع الدولي والإقليمي والمحلي، وعلى هذا الأساس بات الطريق سالكاً أمام القوى الإسلامية إلى رحاب السلطة السياسية لاسيما في منطقتنا العربية.
*******
وهاهي حماس في سياق لعبة السياسة تقرر الاشتراك في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني(صيف2005) بعد أن اجتازت مساراً تاريخياً خرجت فيه مع بداية انتفاضة الحجارة عام1987، من شيطان سكوتها لعشرين عاماً على الاحتلال الصهيوني لفلسطين حيث كانت مدرجةً في الأرض المحتلة تحت اسم الإخوان المسلمين، ثم تعزز حضورها هي وفصيل الجهاد الإسلامي باستقلالية عن بقية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية باصطفاف ’عرف باسم (10+2) ثم جاءت انتفاضة الأقصى عام2000 لتبدأ بعدها مرحلة التقارب الأوثق للفصائل الفلسطينية وتعزيز الموقف المقاوم للاحتلال الصهيوني،وصولاً إلى وحدة صف لم تشهدها الفصائل الفلسطينية من قبل ، ويبدو أن رحيل عرفات قد فتح الباب على مصراعيه أمام تقاسم جديد للسلطة الفلسطينية لم يعد بإمكان حماس تجاهله لاسيما أن خيار التجاهل والسلبية لايقود إلا إلى الاقتتال الفلسطيني الذي لن تقوى عليه حماس التي أنهكتها اغتيالات شارون لرموزها التاريخيين ولخيرة كوادرها وبالتالي سيعيدها الاقتتال الفلسطيني إلى صفر كبير، ومن هنا التزمت الواقعية السياسية ووجدتها فرصة تاريخية لتقاسم كعكة السلطة الفلسطينية مع حركة فتح والفصائل الأخرى مستفيدة من المعطيات التالية:
• ارتكازها إلى قاعدة اجتماعية موالية طائفياً( المسلمون السنة في الضفة والقطاع)
• وزنها العسكري الجهادي على الأرض وإمكانية ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية في مواقع وهياكل السلطة الفلسطينية، لاسيما وأن الحرس القديم في السلطة الفلسطينية بات يتقبل مثل هذه المشاركة والتداول السلمي للسلطات على خلفية الأزمة الداخلية لحركة فتح بدءً من قصة ترشيح محمود عباس والتمرد المؤقت الخطر لمروان البر غوثي الذي حمل تهديداً جدياً لوحدة حركة فتح ولسلطتها التقليدية( عباس‘ قريع،الخ..) وصولاً إلى رعاية النظام المصري المخابراتية لاجتماعات وحدة صف الفصائل الفلسطينية وإيصالها إلى حيث الاستعداد الكامل لملاقاة خطة خارطة الطريق، ويبدو أن الهدنة التي ألقت فيها حماس سلاح المقاومة بشكل مؤقت واعتبرتها استراحة محارب كانت خطوة انعطافية في تكتيك حماس التي عقلنت فيه طيش الجهاد وغذت السير باتجاه الفتح المبين لسلطة فتح المزمنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر