الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمّن كلبك يأكلك

أحمد عفيفى

2013 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




" سمّن كلبك يأكلك "
عبد الله بن أبى سلول

لمّا كان زعيم العصابة الشهير بمحمد يسعى سعيا إلى غزو قبيلتي هوازن وثقيف، حيث كان قراره بحفظ مكة، قبيلته وعشيرته الأقربون من الغزو والسرقة والسبي، ومن ثم لم يغنم جنده بها شيئا يعوضهم عن غزوها، حيث لم يغنموا شيئا على الإطلاق، فكان توجيه عصابته من المسلمين نحو هوازن وثقيف فى حنين التي كاد يهزم بها، وبالهزيمة تراجعت ثقيف إلى الطائف، ولما كانت ثقيف قد ترفلت في النعيم، ولا تقل ثرواتها عن ثروات المكيين، وأقتنى سادتها الثمين من مقتنيات الذهب والفضة، قرر الداهية الملتاث بالثروة والسبي أن يغزوهم، وحاصر حصونهم وأمر بتخريب زراعات الكروم الهائلة خارجها، الأمر الذي جعل أهل ثقيف – وهم الكفار المشركين – أن ينادوه ويذكروه من وراء أسوارهم " ألا يفسد في الأموال فإنها لنا أو لكم "!

ولما طال الحصار جاءه " عيينه بن حصن " زعيم غطفان، ممن أسلموا كرها وخضعوا مرغمين، وطلب منه الذهاب إلى ثقيف يدعوهم للإسلام والاستسلام، ولمّا دخل عليهم قال لهم " بأبي أنتم، تمسكوا بمكانكم، فا ولله لنحن أذل من العبيد "، فطال الحصار، وامتنعت ثقيف بحصونها الوفيرة الزاد، فرحل محمد بعصابته إلى الجعرانة بين مكة والمدينة، حيث أسرى وسبايا وغنائم حنين، وفى تلك الجعرانة جاءت له من عرفت بعد ذلك بالشيماء، تزعم أنها أخته من الرضاعة، فخيرها بين البقاء معه أو أن يعيدها إلي قومها، فاختارت قومها، فأعطاها ثلاثة عبيد وجارية من عبيده وجواريه – وهو النبي الذي جاء ليحرر العبيد ويساوى بين الناس - وردها مُمتعة – أي بمتاع خاص - إلى قومها لمجرد زعمها أنها أخته من الرضاعة!

وتزن هوازن الأمر وتقلبه على وجوهه بعد رحيل محمد، وتدرك أن لا وقاء لها من هجمات ذلك الهمجي إلا أن تدرك الإسلام، فتتخير تسعة ممن بقى من أشرافهم ليعلنوا أمامه إسلام هوازن ويبايعوه على السمع والطاعة، ثم يفاتحوه في مصابهم قائلين: " إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، ونرغب إلى الله واليك " فكان رده عليهم ابعد ما يكون عن رد نبي أو رسول مرسل، واشد ما يؤكد انه مجرد قاطع طريق همجي، وزعيم عصابة جاهلي، لا يعبأ برسالة، ولا يحفل بنشر دين " أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ " فكان الرد الطبيعي من البشر الطبيعي " خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب إلينا ".

ورغم نصر هوازن، فإن محمد فطن إلى نقطة ضعف قاتلة فى صفوف عصابته، حيث أن بينهم من دخل تحت سيادته، من سادة وأشراف ورؤوس كبار، كان أحدهم لا يقبل برأس يعلو رأسه، فدخلوا على مضض مرغمين، يتحينون فرص النكوص، ليعبروا عن مكنون صدورهم، والأخطر هو ما يمكن أن يسببوه للدولة الناشئة من مشاكل، ربما أدت إلى نكسات وهزائم، وهو الأمر الذي تجلى في غريزة القطيع الذى تخلى عنه يوم حنين، وربما كان غير وجه التاريخ يومها، الأمر الذي استدعى حلا ميكيافيلليا سريعا من محمد، لرتق الثغرات في الولاء والتسليم والخضوع له، فقام من فوره يوزع الأعطيات الهائلة من مغانم الهوازنيين الذين أسلموا، على كبار الرؤوس والهامات الصلبة الثرية أصلا، ليفتح عيونهم على ما ينتظرهم من ثروات ومغانم، ولإشعارهم أن الإسلام لا ينتقص منهم ومن مكانتهم، بل يزيدهم ثراء على ثراء، ويفتح أمامهم أبواب الغنى الهائل السهل السريع على مصراعيه، إزاء الطموحات المتوثبة في الوعد النبوي بكنوز كسرى وقيصر.

منح من لا يملك لمن لا يستحق، فأعطى محمد أبو سفيان أربعين أوقية من الفضة، ومائة من الإبل، فلم يقنع السيد القرشي وطلب لابنه يزيد، فأعطاه مثلما أعطى أباه، فطلب لابنه معاوية فأعطاه مثلهما، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل فسأله مثلها فأعطاه، وأعطى الحارث بن كلدة مائة من الإبل، كذلك لأسيد بن جارية والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وقيس بن عدي وسهيل ابن عمرو وحويطب بن عبد العزي والأقرع بن حابس وعيينه بن حصن ومالك بن عوف، وكلهم سادة قومهم وأشرافهم وأثرياؤهم، لكل منهم مائة من الإبل، وأعطى لسيد من السادة هو عباس بن مرداس زعيم سليم أربعين من الإبل، فسخط سخطا شديدا وهجاه بشعر " فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينه والأقرع – وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع " ولما سمعه محمد لم يثور ويغضب ويرسل حرسه الثوري لاغتياله كما فعل بأم قرفه وكعب بن الأشرف وغيرهم، بل أعطاه حتى رضى، ثم وزع الإبل خمسين خمسين على من هم أدنى في السيادة درجة.

كل ذلك والأنصار تقف مشدوهة تتطلع، وتتذكر مواقفها من البدء حتى المنتهى، ودماء بعضهم لم تجف بعد على ثرى أوطاس حنين، وتتذكر خروجها مع محمد في غزواته وطلوعها على العرب في سرايا، وقتل من يأمر محمد بقتله من بينهم أو من بين أحلافهم، ثم لا شك يتذكرون يوم أحد عندما فر الناس من حوله وبخاصة المهاجرون، وكيف صمدوا للمشركين يصدونهم عن محمد، وكيف ضن محمد بطلحة عندما كان يهرب إلى معتلى الصخرة ويقول: ألا أحد لهؤلاء، فيكر عليهم أنصاري يمنعهم عنه فيموت بدلا منه، ثم يصعد محمد الجبان، الحريص على الحياة، غير الراغب ولا القادر على القتال والمواجهة ومعه طلحة، فيصرخ ثانية من الذعر والخوف والهلع على حياته الفانية التي كادت تذهب في أحد، وهو المعصوم والمؤيد من الله وملائكته وكل هذا الهراء الذي أنهار يوم حنين وأحد " ألا أحد لهؤلاء " فيرد طلحة " أنا لهم " فيثنيه عن عزمه ويستبقيه بجانبه ليحفظ عليه حياته لأنه من الأهل والعشيرة الأقربون، فينزل لهم رجل من الأنصار الرخيصة المباحة دمائهم، فيموت من فوره أيضا بدلا عن طلحة.

ويتذكر الأنصار – والحاضر قائم - بيعة العقبة وعقدها، ويوم الهجرة عندما هرب محمد ممن يوزع عليهم الفيء والغنائم الآن- ذلك الفيء وتلك الغنائم التي لم يكن ليفيئها أو يغنمها دونهم - ، وجاء إليهم مهيضا لاجئا مع رجاله، فأعطوهم دورهم وشاركوهم قوتهم، بل ونساءهم، ولا شك أيضا أنه لولاهم عندما عطفوا على هوازن، ما بقي من الأمر شيء، فيقول قائلهم من عجب ومن ألم " نحن أصحاب كل موطن، وكل شدة، ثم آثر قومه علينا، وقسم فيهم قسما لم يقسمه لنا " ويقول آخر " يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم " ويزيد ثالث " أما من قاتله فيعطيه، وأما من لا يقاتله فلا يعطيه " فيما يردد آخر بين القوم " إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله " هذا بينما يقوم على رأسه رجل يناديه " يا محمد أعدل، فلم أرك عدلت " فينتفض عمر ليضرب عنقه، فيرد عليه محمد بقول موجز معجز، بل جامع مانع " دعه؛ فإن له أصحابا " ، أي أنها ليست دعوة أو رسالة بصريح القول، هي دنيا وسياسة وملك، ورؤوس وأشراف وأنساب، وقبيلة وعشيرة وولاء، لم ينل منه الأنصار غير الحسرة والقهر والموت.

وينتحي الأنصار جانبا وهم يرون أوباش القبائل يحيطون بمحمد في جمهرة عظيمة يطالبونه بالأعطيات، تلك الأعطيات التي جعلت منه سيد وجعلت منهم عبيد، تلك الأعطيات التي جعلت الأوباش والصعاليك يقبلون عليه كما تقبل الأكلة على قصعتها، لا لدعوة أو رسالة أو نبوة، بل فقط لمغانم ومكاسب وأعطيات، ويتذكرونه وهو طريد ولاجئ، بلا نصير أو مأوى، ولا فيء أو أعطيات، ولا ملك أو سيادة، ويتذكرون أكثر وأقسى وأشد ما يتذكرون، قول عبد الله بن أبى سلول سيد الخزرج اليثاربة " سمّن كلبك يأكلك ".


المقال ضمن مجموعة مقالات " حقيقة الخُدعة "
تتبعه مقالات " مُلك مكة " و " هتلر بن عبد الله "
والمقالات مستوحاة من كتاب " حروب دولة الرسول " للأستاذ " سيد القِمَني "
والشكر كل الشكر للمجهود البحثي والاستقصائي والتاريخي لأستاذنا الجليل سيد القِمَني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهود متميزة وراقية
شاكر شكور ( 2013 / 2 / 7 - 23:17 )
تحياتي الخالصة للحاج أحمد عفيفي المحترم ، الحقيقة كلما اقرأ مثل هذه التفاصيل التاريخية المؤلمة ينعصر قلبي وأكاد ابكي على حال الأخوة المسلمين وأقول مع نفسي متى سيعرف المسلم حقيقة نبيه وينهض ويكسر قيود الأسر ليسترد كرامته المسلوبة ويتحرر من هذه السيرة غير النبوية ؟؟ الى متى سيستمر المسلم تبرير اعمال شاذة لا يقبلها اي ضمير او وجدان وتنسيبها الى الله لكي يخدر نفسه عن الحقيقة ؟ جهودك مشكورة يا من تحج وتسمو بمقالاتك بدون ان تدور حول حجر ولا تهرول بين اصنام الصفا والمروة


2 - حاج شكور
أحمد عفيفى ( 2013 / 2 / 8 - 01:04 )
منذ أن أطلقت علىّ لقب حاج
وأنا أخشى أن أرتد :)


3 - عزيزى احمد عفيفى
هشام حتاته ( 2013 / 2 / 8 - 21:55 )
نقله نوعية رائعه تستحق كل التهنئة .... بركاتك ياقمنى
كما قلت لك من قبل فى حديث شخصى ... كل سطر فى التراث الاسلامى يحتاج الى مقالة تفضحه
الى المزيد من فضح التراث المضمر والمسكوت عنه.. تقبل تحياتى


4 - عزيزي هشام حتاته
أحمد عفيفى ( 2013 / 2 / 8 - 22:53 )
البركة فيك يا أستاذنا
حروب دولة الرسول ترشيحك
وأنا تلميذك

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه