الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نقد القرآن؟

محمد علي عبد الجليل

2013 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما سُـئلَ محمَّد متولِّي الشعراوي عن دليل وجود الله قدَّمَ عِدَّةَ أدِلَّةٍ مِن بينِـها قولُه بأنَّ مجرَّد وجود كلمة "الله" يدل على وجود الله وبأنَّ الثابت لغوياً هو أنَّ المعنى يسبقُ اللفظَ. أيْ أنه لا يمكن أنْ يكونَ هناك كلمةٌ (أو دالٌّ) لا معنى لها (أو لا مدلول لها). ولكنَّ وجودَ المعنى أو المدلول قد يكون وجوداً ذهنياً ووهمياً خرافياً لا حقيقياً. فـ"الغول" و"العنقاء"، مثلاً، كلمتان موجودتان وتشيران إلى أشياء لا وجودَ حقيقياً لها، بل وجود رمزي خرافي ميثولوجي. وبالتالي يمكن، بحسب دليل الشعراوي، أنْ يكونَ وجودُ الله وجوداً أسطورياً رمزياً خيالياً ذهنياً ميثولوجياً خُرافياً كوجود العنقاء والغول.

دليل الشعراوي هذا يَقبلُه المسلمُ ليس لأنه منطقي، بل لأنه يؤكِّـد له عقيدتَه بوجود الله ويريِّحه قليلاً أو بتعبير أدق يخدِّره. ولكنَّ المسلم لن يقبل بالنتيجة المنطقية لدليل الشعراوي (وهي أنَّ وجود الله وجود ميثولوجي أو ذهني كوجود شخصية خيالية في رواية أو كوجود علاقات بين الكلمات وبين الأعداد) ليس لأنَّ هذه النتيجة غير منطقية، بل لأنها تنسِفُ أساسَ عقيدتِه وتخلِّصه من مخدِّراتِه التي تعوَّدَ عليها وتعلَّقَ بها. وكما أنه من الصعب جداً والمؤلم جداً إنقاذ مدمنٍ من المخدِّرات فكذلك من الصعب جداً والمؤلم جداً إنقاذ مُدمِنِ عقيدةٍ مِن مخدِّراتِ عقائده.

ولذلك فإن تحليلنا للقرآن لن يلقى قبولاً لدى المسلم ليس لأنَّ التحليل غير منطقي ولا لأنه عملٌ "كولاجي" مأخوذ من هنا وهناك ومركَّب بشكل عشوائي، بل لأنه ببساطة يتعارض مع عقيدته. فالقرآنُ قد جُمِـعَـتْ كومتُه من كلِّ وادٍ قشَّةٌ ومع هذا فهو مقبول ومعجِز في نظر المسلم.

مِثلُ هذا الدليل اللغوي على وجود الله ناتجٌ عن حاجةٍ لملءِ فراغٍ وتغطيةِ ضعفٍ وإزالةِ شك وتبرير إدمان وكذلك ناتجٌ عن ضعفِ وعيٍ. فالله هو الوعي. والملحد لا يكفر بالوعي ولا ينكره بل ينكر الصورة الجامدة للوعي التي قدَّمتْها المؤسساتُ الدينية ويكفر بها. وكفرُه بالله-الصورة وإنكاره لألوهيتها لا يعني كفره بالله-الوعي. ولكنَّ المؤمن بالله-الصورة (إله الأديان المحنَّط في الكتب والحيطان والصور) هو في الحقيقة كافر بالله-الوعي. لأنَّ المؤمن بأنَّ صورة النهر على الورق هي النهر الحقيقي الجاري في الطبيعة هو كافر بالنهر الحقيقي. وبذلك يكون الملحد أكثر إيماناً بالوعي من المؤمن بالأديان وآلهتها. الملحدُ أعقلُ وأوعى من المؤمن بالأديان لأنه رفضَ أنْ يحدِّدَ أفقَه المعرفيَّ برؤية محدودة جداً عن الوجود لأنَّ الأديان ليست سوى رؤية أناس فرضوها بالقوة لأسباب سياسية واجتماعية محدَّدة مرتبطة بعصر نشوء الأديان حصراً. الملحد أوعى لأنه لم يقع في مطبَّات الأديان وفِخاخها أو لأنه استطاع الخروجَ من أقفاصها، ذلك لأنه أدركَ أنَّ التحليق في الهواء أجمل بكثر من التغريد والترتيل والتجويد داخلَ أقفاص ولو كانت مِن ذهبٍ، لأنه أدركَ أنَّ الأديان لم تُضِفْ إلى حياة الإنسان أكثرَ مما أضافته المخدِّراتُ والسلاسلُ والأغلالُ والتعلُّقات، لأنه أدركَ أنَّ التحرُّرَ من رِبْقة الدِّين الذي صنعَه البشرُ هو الدِّينُ الطبيعي وأنَّ طبيعته كإنسان هي أنْ يكونَ مع الطبيعة كطيور السماء وزنابق الحقل. الملحد أوعى لأنه أدركَ أنَّ الدِّين كمهدِّئ نفسي (مخدِّر) يعيق تفتُّـحَ الوعي، وكما تقول سيمون ﭭـايل (Simone Weil): "الدِّين كمَصْدَر للعزاء [أو المواساة] هو عائق أمام الإيمان الحقيقي وبهذا المعنى يكون الإلحادُ تطهيراً" (الدفتر الثاني)، أيْ تطهيراً للنفس (للجسم الرغائبي [العقلي الأدنى] وللجسم النجمي [النوراني]) من المخدِّرات النفسية والفكرية والعقائدية.

إنْ كان للكِتاب من دَور فلا بأسَ في أنْ يكونَ كغصنٍ يحطُّ عليه الإنسانُ لحظةً ثم يركله برِجْلِه ويطير معانِقاً تيَّاراتِ الهواء متحرِّراً من كلِّ قيد يعيق تفتُّحَه وخِبرتَه؛ وإنَّ قيود الأديان والأفكار والإيديولوجيات أشدُّ وأقسى بكثير من قيود السلاسل الحديدية. الكتابةُ هي في الأساس قَـيْدٌ كما يقول الشافعي ("-العِلمُ صَيدٌ والكِتابةُ قَيدُهُ / قَــيِّــدْ صيودكَ بالحِبالِ الواثِقَة."). والكتابةُ كسلطة (وكفَرْض أيضاً، مِن الفعلِ "كَتَبَ" بمعنى: فَرَضَ وأوجَبَ وقضى) هي أساسُ نشوء مؤسسات الأديان.

والقرآن ككل الكتب المقدسة والمؤسسات الدينية يجمِّد الوعيَ ويمجِّد الصورةَ والحرفَ فيخدِّر المؤمنَ سالباً منه وعيَه. القرآنُ حرفٌ والحرفُ يَقتل، أو كما قال محمد بن عبد الجبار النِّــفَّـري: "الحرف فجٌّ من فِجاج إبليس"، وما إبليسُ سوى صورة الوعي. لا يمكن إذاً أنْ نكون واعين وأنْ نؤمنَ في الوقت نفسه بأنَّ الكِتاب هو الحق لا ريب فيه في حين أنه هو الريب بعينه، إذْ لا معنىً ثابتاً له ولا يعطي الكتابُ إلا ما يعطيه القارئُ له بحسب وعي كل قارئ.

إنَّ فرضيَّـتنا بأنَّ القرآن العربي نص مترجَم إلى العربية لا تسيء لا للقرآن ولا للمؤمن به وتستند إلى مؤشرات تاريخية ونصية ولغوية وترجمية تَحدَّثْـــنا عن بعضها في مقالات سابقة. ويمكن تلخيص بعض هذه المؤشرات بما يلي:
1- رغبة معاصري القرآن في معرفة الأفكار التي كانت تؤثِّـر في حياتهم فوُضِعَ القرآنُ ليُــغْنيَ العربَ "الوثنيين" أو "الأُمِّــيِّــين" (gentils) [الذين لا كِتابَ لهم] عن سؤال أهل الكِتاب؛
2- احتواء نص القرآن على آثار من لغات أخرى مسيطِرة؛
3- عدم فهم معاصري القرآن وخاصة المقرَّبين منه كأبي بكر وعمر وابن عباس للكلمات غير العربية المستخدمة فيه، مما يدل على أنها لم تكنْ مستخدمة في مجتمع القرآن؛
4- عدم استخدام عرب عصر القرآن وما قبله لهذه الكلمات الجديدة، مما يدل على أنها دخلَت بطريق الترجمة؛
5- غربة هذه الكلمات الدخيلة عن الأوساط الثقافية والاجتماعية لمكة والمدينة مكان ظهور القرآن؛
6- إشارة القرآن نفسه إلى أنه مُـفَصَّل (مُـوَضَّح) بلسان عربي ومُـصَـرَّف (محوَّل من شكل إلى شكل آخر) لكي يتمكَّن ناطقو العربية من فهم معانيه؛
7- إشارة القرآن إلى أن محتواه هو نفسه محتوى النصوص المقدسة السابقة؛
8- إشارة محمد لعقبة بن عامر بأنَّ سُوَرَ الإخلاص والفلق والناس موجودة في الإنجيل والتوراة والزبور؛
9- تأكيد معاصري القرآن لفكرة أنَّ النص القرآني مأخوذ مِن أساطيرَ قديمةٍ كانوا قد سمعوا بها وأنهم لو أرادوا لقالوا مثلها؛
10- طريقة "نزول" القرآن منجَّماً أي متفرِّقاً على فترات متباعدة (خلال 23 سنة) يشير إلى أنه ناتج عن تأليف وتحرير وترجمة وتدقيق وتنقيح وتصرُّف أكثر مما يدل على أنه وحي سريع؛
11- عدم استجابة الوحي استجابةً مباشرةً في لحظات حرجة (مثل حادثة الإفك والسؤال عن الروح)، مما يشير إلى أنَّ القرآن احتاج إلى وقتٍ لصياغة كل آية منه؛
12- تركيز القرآن على عروبته وعلى أنَّ الأمة العربية الإسلامية خير أمة، مما يكشف الهدف القومي للقرآن في جعل اللغة العربية لغة رسمية وتأسيس القومية العربية، فوظيفته تشبه تماماً وظيفةَ ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات الأوروبية المحلية لتسهيل الاعتراف بها؛
13- التشابه في المعنى وأحياناً في الأسلوب والشكل بين القرآن والنصوص السابقة؛
14- الانتقال المفاجئ من ضمير إلى ضمير ومن سياق إلى سياق في الآية الواحدة، وهو ما يشير إلى أنَّ القرآن إمَّـا مجموع من نصوص أخرى وإمَّـا مترجَم عنها ترجمةً شفهية، مثل: "يا أيها الناس إنْ كنتم [أنتم] في ريب من البعث [...] وترى [أنتَ] الأرضَ هامدةً" (الحج، 5)، "ومن الناس مَن يجادل [هو] بغير عِلْم [...] ذلك بما قدَّمَتْ يداكَ [أنتَ]" (الحج، 8، 10).

ومِن المرجَّحِ أنَّ القرآنَ لم يضعه محمَّد (قثم بن عبد اللات)، بل وضعَه فريقٌ من العارفين بالأديان وباللغات المعروفة آنذاك. وما محمَّـدٌ سوى الناطقِ الرسمي الذي لم يكنْ يحقُّ له الخروج عن النص المحدَّد له ولذلك قيل عنه "ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوَى وَما يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى" (النجم، 2، 3)، فقد كان متحدِّثاً صادقاً أميناً مطيعاً مُـنَـفِّـذاً للأوامر ومؤمناً بالرسالة التي كان يؤدِّيها ومتحمِّساً جداً لنشرها حتَّى إنه لو وضعوا الشمسَ في يمينه والقمرَ في شِماله على أنْ يتركَ هذه الدعوةَ ما كان ليتركَها حتى تنجحَ أو يهلَكَ في سبيل نشرها! كما أنَّ أعضاء فريق ترجمة القرآن لم يأتوا بشيء من عندهم، بل من النصوص المقدسة الرسمية وغير الرسمية الموجودة بين أيديهم، وقد أكَّدوا ذلك بقولهم: "إِنَّ هَذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى" (الأعلى، 18، 19). وكانت حريتهم وأمانتهم في وضع النص كحرية المترجم وأمانته، فهو حر مقيد وأمين خائن في آن معاً. ولكنهم كانوا أحراراً في اختيار النص وفي التصرف بصياغته العربية.

القرآن انعكاس للوعي الفكري والديني للجماعة العربية في القرن السادس الميلادي ولم "يُـنْـزَلْ" من "السماء"، إلا إذا فهِمْنا "السماء" بمعنى "كلّ ما هو أعلى" من الناحية المعنوية الاجتماعية والنفسية لا البُعدية المكانية المادية ("كلُّ ما علاك فأظلَّك فهو سماء")، أيْ هو نص "نازل" من "الأنا العليا" و"الهو" (المجتمع) بحسب تعبير فرويد أو من "اللاوعي الجمعي" (الخافية الجمعية) بحسب تعبير كارل غوستاف يونغ، شأنه كشأن أي فُـلْـكلُور شعبي شفهي. ولذلك فمن الطبيعي أنْ يحملَ النصُّ القرآني بصماتِ كاتبه وعصره. والقرآنُ يحمل بصمات الذكورية وتعدد الزوجات والحُلُم بالجنات والأنهار والقومية والتوسعية والغزو والقتال وغير ذلك. وهذه البصماتُ تعود لأناس عاشوا في عصر ذكوري ونِزاعي سابق في القرون الوسطى ولا تُـعَــبِّر قطُّ عن عصرنا.

وقد يتساءل البعض لماذا ننتقد القرآنَ وقد أنشأ أمةً من العدم بحسب زعمهم هُمْ ولكنْ بحسب الكارما الجماعية [كَرْمى الأمم] (وهي قانون كوني تكلَّم عنه وِلْـيَم ك. دْجَدْج، فكما أنَّ هناك كَرْمى للفرد هناك كَرْمى للجماعة)، ليس القرآنُ هو من أنشأ الأمةَ العربية وصنعَ كيانَها بل هناك أسباب كارمية جماعية وتاريخية معقدة جداً. أما القرآن فقد أصبحَ أداةً لتغطية ممارسات السلطات السياسية والدينية وللاحتيال على البسطاء والفقراء والضعفاء والمستضعفين في الأرض والخائفين، ولذلك لا بد من كشف ذلك حتى يصبح القرآنُ نصاً يُقرأ بما أمكنَ مِن حيادية وحرية كأي رواية أو كتاب قديم. فمعرفتي بأنَّ القرآن نص مترجَم بتصرُّف ومجموع من نصوص أخرى وموضوع لأهداف محدَّدة لا يمنعني من قراءته مثلما أنَّ معرفتي بأنَّ أحداث روايةٍ ما مترجَمةٍ هي أحداث غير حقيقية لا يمنعني من الاستمتاع بقراءتها.

ننتقد القرآن بهدف إعادة وضعه في مكانه الطبيعي بين كتب القرون الوسطى بدون تطرُّف ولا مبالغة ولا مغالاة في مدحه أو ذمِّه وبهدف إعطائه حجمه الطبيعي ككتاب بلا زيادة ولا نقصان. فليس صحيحاً من ناحية لغوية ومنطقية القولُ بأنَّ القرآن يحتوي على كلِّ شيء، وليس صحيحاً أيضاً القولُ بأنْ لا شيءَ في القرآن. ومثلما أنه ليس صحيحاً القولُ بأنه نص شيطاني (آيات شيطانية) فكذلك ليس صحيحاً القولُ بأنه نص إلهي مُنزَل من السماء. إنه نص لغوي كأي نص آخر يعالِج مشاكلَ المكان والزمان اللَّذَينِ وُلِدَ فيهما.

نقدُ القرآنِ يهدف إلى تجريده من قداسته وإعجازه المزعوم، فــ"الإعجاز الموجود في عطر وردةٍ يفوق إعجازَ كلِّ الكتب" كما يقول الصديق كاجو كاجو. لا ننتقد القرآنَ وندافع في الوقت نفسه عن "قداسة" كتاب ديني أو غير ديني آخر، مع العِلْم أنَّ هناك كتباً ليست دينية هي أهم وأبلغ وأقوى وأفضل من القرآن بكثير. كلُّ الكتب أصلاً لا تحتوي على أية حقيقة، فالعِلْم الحقُّ [أي "معرفة الحق" أو العِرْفان] هو "ما وعَتْه الصدورُ لا ما حوَتْه السُّطورُ"، كما يقول العارفون وكما يقول الشاعر: "لَيسَ بِعِلْمٍ ما حَوَى الْقِمَطْرُ / ما الْعِلْمُ إِلا ما وعاه الصَّدْرُ. (بيتٌ يُنسَب لـيَمُوتَ بْنِ الْمُزَرِّعِ الْعَبْدِيّ أو لعُبَيْد اللهِ بْن أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ أو للرَّاجز) [والقِـمَـطْر: ما يُـحفَـظ فيه الكُتُب كالدُّرج أو المكتب]. فالكُتبُ مقابر. والحرف يشير إلى وهم أو أمل في إيجاد حقيقة ما. ننتقد القرآنَ إذاً لنخرجَ من ظلمات قبور الكتب إلى نور شمس الحقيقة، لنخرجَ إلى عِلْم الوعي وإلى الاختبار لا إلى الترديد والتكرار، لنخرجَ من الأمل إلى العمل.

العِلْمُ بالتجاربُ لا بالتثاؤب. ولذلك ننقد القرآنَ لنضعه في مكانه كتذكير وكتذكرة للبعض لا كمَصْدرِ عِلْم، فهو نفسُه يقول عن سُوَرِه وآياته وكلماته "كلَّا إنها تَذكرة" (عبسَ، 11)، "إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ" (الإنسان، 29)، أيْ إنَّ القرآن كالمنبِّهِ الذي يُذَكِّرُ المسلِمَ بعملٍ عليه أنْ يعملَه. وكلُّ استخدام للقرآن في غير هذا الهدف يؤدِّي إلى عدم فعلِ شيءٍ وإلى البطالة والتكاسُلِ وبالتالي إلى التغنِّي بأمجاد الماضي. ولذلك وجبَ نقدُ القرآن ونقدُ استخدامه. فالعملُ هو الذي يُـعَـلِّمُ الإنسانَ ويقدِّمُ له الخبرةَ وليس المنبِّهَ الذي يُذَكِّرُه بالعمل. ما يختبرُه الإنسانُ في عالَمِ المادَّةِ هذا هو المَصْدَر الحقيقي للعِلْم.

الوظيفة الفردية للنص المقدَّس هي إذاً تذكير المؤمن بأنَّ عليه هو أنْ يختبرَ بنفسه لا أنْ يردِّدَ اختباراتِ الآخرين، تذكيرُه بأنَّ عليه هو أنْ يذوقَ الثمرة بنفسه لا أنْ يقرأ ويردِّد وصفاً لطعمها في الكتب. هذا هو الدَّورُ التذكيري التنبيهي الذي يجب ألَّا يتجاوزَه النصُّ المقدَّس، هذا إذا كان له مِن دَور. فإذا تجاوزَ هذا الدَّورَ، كما هي الحال في القرآن، أصبحَ مثبِّطاً للوعي ومنوِّماً ومخدِّراً وقاتلاً للنفس وللعقل ولمجتمع المؤمنين به. عندئذٍ يجبُّ على المستيقظين الواعين أنْ يدقُّوا ناقوسَ الخطر.

إنَّ محاولةَ المسلِم تطبيقَ القرآن في مختلف جوانب حياته الفردية والاجتماعية كمحاولته تطبيقَ رواية خيالية لم يفهَمْ بعضَ جوانبها على كلِّ أمور حياته، كتصليح سيارته وشراء حاجاته وتحضير طعامه وغير ذلك. القرآنُ ليس منهجَ حياةٍ. والنص نفسُه يؤكِّد للمؤمن رادعاً إياه بقوله كلَّا إنها تذكِرة لكَ وحدَك لأنك آمَنْتَ به وليس لكل للناس، بل فقط لمن أراد ("كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن «شَاء» ذَكَرَهُ" و "إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن «شَاء» اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا").

لكنَّ المنتبهَ الحاضرَ "هنا-الآنَ" لا يحتاجُ إلى منبِّه القرآن. فالقرآنُ كنصٍّ يسلبُ الإنسانَ من حقيقةِ "هنا-الآنَ" وينقلُه خارجَها إلى الماضي (الذاكرة) أو المستقبل (الأمل).

لاحظوا في القصة التالية عندما يستحوذ النصُّ (أو الفكرة أو العقيدة) على الإنسان كيف ينقله من اللحظة إلى خارجها وأين يضعه.

رغم شهرة أبي حامد الغزالي كإمام وعالِم وشيخ كبير في بغداد، كان أخوه أبو الفتوح "أحمد الغزالي" لا يصلِّي مؤتَـمَّـــاً بأخيه الشيخ أبي حامد، مما دفعَ أبا حامد إلى أنْ يشتكيَ لأمِّه على أخيه. فطلبَت الأمُّ من أبي الفتوح أنْ يأتَـمَّ بأخيه في الصلاة [أنْ يصلِّيَ وراءه]. فامتثَـل الأخُ لرغبة أمه. وبينما كان الشيخ الغزالي في طريقه إلى المسجد استوقفه رجل وسأله عن دم الحيض فأفتى له أبو حامد فيها ثم أقام الصلاةَ وصلَّى بالناس. ولكنَّ أخاه أبا الفتوح الذي كان يصلِّي وراءه قطعَ صلاتَه واخترق صفوفَ المصلِّين وخرجَ فوراً من المسجد، مما أحرجَ الشيخَ أبا حامد أمام المصلِّين فذهب غاضباً وسأل أخاه عن سبب فعلته. فقال أبو الفتوح: "يا فقيه بغداد، ما مقدار الدم الذي يُذهِبُ الطهارةَ ويستوجب إعادة الوضوء؟" فقال أبو حامد: "ما يملأ قعرَ الكف". فقال أبو الفتوح: "ماذا لو كنتَ غارقاً بدم الحيض من أعلى رأسك حتى أخمص قدميك هل يؤتَــمُّ بك؟" فتذكَّرَ الشيخُ الغزاليُّ أنه سئل في مسألة الحيض قبل الصلاة فبقيَ مشغولاً بها.

إذاً قد يفيد القرآنَ البعضَ كتذكير لا أكثر فإذا تحوَّلَ إلى عقيدة كما هو الآن أصبحَ مدمِّراً. نقدُنا للقرآن إذاً ليس في الحقيقة نقداً للكتاب بمقدار ما هو نقد لمستخدميه الذين يستخدمونه ككتاب عِلْمٍ لا ككِتابِ أساطيرَ قديمةٍ كمن يستخدم كِتابَ كليلة ودِمنة في برمجة حاسوب. لا يمكنُ لعطر الوردة وطعم الثمرة وضوء الشمس وصوت الريح أن تسكن في كتاب. فالجَمالُ والمحاسِنُ "لا ضمَّها كِتابٌ / ولا ادَّعَـتْها ريشةُ الأديبِ"، كما قال نزار قباني. المطلوب مني خلال سكني في عالَم المادة هذا هو أنْ أختبرَ جَمالَ الوجود وتفـتُّــحَ الوعي، وهذا الاختبارُ غيرُ موجودٍ في الكتب مقدَّسةً كانت أو غيرَ مقدَّسة.

اعتقادُ المسلم أنَّ الحقيقة موجودةٌ في القرآن يُـثَــبِّــطُه ويمنعه من البحث المستمر عن الحقيقة ومن الاختبار ويجعله بليدَ العقل. وعندما يُقال له إنَّ العالِمَ الفُلانيَّ اكتشفَ خبرةً جديدةً يقول المسلمُ بأنَّ هذا موجود في القرآن منذ 1400 سنة وكأنه يقول لمن اختبرَ طعمَ ثمرةٍ بأنَّ صورة هذه الثمرة موجودة عنده في كِتاب ولكنه لا يعرف طعمَها ولا يُحَفِّزه ذلك على تذوُّقِها. فمهما قرأَ الإنسانُ عن وصف ثمرةٍ لا يعرِفُها فإنَّ قراءته لا تغنيه عن تذوُّقها. وإنَّ مَن تذوَّقَها وسرَت في عروقه فوائدُها وأحسَّ بطعمها هو أعرفُ بألف مرة ممن قرأَ عنها وحفِظَ آلافَ الكتب. شتَّانَ بين مَن اختبرَ وبين من حفِظَ ونشَرَ.

يُحكى أنه عاد الصوفي من الصحراء فقيل له: "أخبِرْنا ماذا يشبه الله؟" ولكنْ أنّى له أنْ يخبرَهم ما اختبرَه هو في قلبه؟ وهل يُحشَر الله في كلمات؟ وأخيراً رأى أنْ يُـلَـقِّـنَهم وِرْداً - ما أبعدَه عن الصحة وما أقصره عن التعبير - لعلَّ بعضهم يغريه أنْ يختبرَ الأمرَ بنفسه. لكنهم تَـلَـقَّـفوا الوِرْدَ وجعلوه نصاً مقدساً وفرضوه على غيرهم كمعتقد مقدس واحتملوا مشَقَّاتِ نشرِه في البلاد الغريبة، حتى إنَّ بعضهم بَذَلَ حياتَه من أجله. فحزِنَ الصوفي. لعله كان من الخير لو لم يقل شيئاً. [الروح يحيي أما الحرف فيميت.] (من كتاب أغنية الطائر [The Song of the Bird, Comme un chant d oiseau]، أنطوني دو مِلُّو [Anthony De Mello]، "قِصة الوِرْد" ["The Formula", "La formule"]، الترجمة العربية، بترجمة أديب خوري، دار مكتبة إيزيس، دمشق، 2000). وهذا بالضبط ما فعلَه محمَّد والذين معه عندما وضعوا القرآنَ؛ ولذلك يقال إنَّ البوذا كان يمتنع بإصرارٍ عن الانسياق إلى الكلام عن الله، لكي يقومَ الإنسانُ بنفسه باكتشاف الله في داخله ولكي لا يتسنَّى للمحتالين أنْ يستخدموا هذا الكلامَ للسيطرة على الآخرين وخداعهم.

عندما قام أحد الفرنسيين ويُدعى ليونار سمباتيكو (Léonard Simpatico) عام 2012 بتنظيم لعبة يانصيب يدفع فيها كل مشترك 10 يوروات مقابل أمل الفوز بمنزل يساوي مئات الآلاف وجمع حوالي 450 ألف يورو، أُحيلَ إلى القضاء بتحمة الاحتيال، علماً أنه باع حلماً وهمياً بعشرة يوروهات فقط، في حين أنَّ الأديانَ تبيع أتباعَها أحلاماً أكثر وهميةً بمبالغَ طائلةٍ وأنَّ كثيراً من الأتباع المغفَّلين يدفعون حياتهم ثمناً لهذه الأوهام. ولم يستحِ واضعو الأديان بالمجاهرة بأنَّ إلههم المزعوم قد عوَّض هؤلاء المؤمنين المخدوعين عن أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله بالجنة: "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَـــقْتُـلُونَ وَيُـقْتَــلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة، 111). إنهم يتاجرون بخوفنا وجهلنا وضعفنا ويبيعوننا آمالاً تحت غطاء القرآن أو غيره من الكتب "المقدَّسة" ولا أحد يحاكمهم. وقد أعلن صراحةً ل. رون هوبارد (Lafayette Ronald Hubbard) في حوار مع صديق له حول أسرع طريقة لكي يصبحَ المرءُ مليونيراً، قائلاً: "تأسيس دِين"؛ وبعد ذلك أسَّسَ السيانتولوجيا.

صحيحٌ أنَّ السلطة للقارئ لا للنص، بحسب النظرية التفكيكية التي طوَّرَها جاك دريدا؛ ولكنَّ الكارثة هي أنَّ أكثر القُـرَّاء مخدَّرون مخدوعون أكثرَ بكثيرٍ مما خُدِع قُــرَّاءُ إعلان سمباتيكو والمشاركين في يانصيبه. ولذلك لا بد من نقد النصوص التي يحتمي بها المتسلِّطون ويعتمدون عليها في احتيالهم.

عندما نعجز عن إيجاد حل لمشاكلنا نلجأ إلى الأمل والوهم. وما الأديان في جوهرها سوى خزانات للأمل والوهم. لا مانعَ طبعاً من اللجوء أحياناً قليلة للاسترخاء في ظِلِّ شجرةِ أملٍ أو وهمٍ في هذا العالَم، ولكنَّ الكارثة هي أنْ نجعل الدِّينَ معياراً لسلوكنا الفردي والجماعي وحَلَّاً لمشاكلنا فيصبح وحْـلاً نغرق فيه! الدِّينُ بالمعنى الدارج ليس سوى أوهامٍ وآمال، إلا إذا أخذْنا الدِّين بالمعنى الاشتقاقي للكلمة (وفاء دَين، كَرْمى، تلَقِّي الإنسانِ نتيجةَ أفعالِه). والمؤسسات الدينية تعتمد في أساليبها الاحتيالية على نصوص دعائية تسمِّيها مقدَّسة تشرعِنُ لها أفعالَها، ولذلك يجبُ سحبُ الغطاء الشرعي عنها بنقد نصوصها المقدَّسة التي تُستخدَم كأدوات لتخدير الناس وفرض السيطرة عليهم.

فواضعو القرآن وحُماتُه والمدافعون عنه يلجؤون إلى إبعاد شرارة العقل عن قُرَّائه بإضفاء صفة القداسة عليه وبالتخويف والترهيب والتهديد بالقتل لكل من يفكِّر أنْ يفضحهم وبإضفاء صفة سحرية تعزيمية تعويذية (incantatoire) ترتيلية عليه يسمونها "تجويداً"، أي تحسيناً، أيْ أنهم يستخدمون المحسِّنات والمنكِّهات على خلطتهم حتى لا يتقيأ الزبائنُ المستهلَــكون. فالكتابُ الذي يحتوي على أفكار عميقة ومنطقية وعظيمة لا يحتاج إلى صوت عالٍ ومجوَّد ومرتَّل لفهمه بل يحتاج إلى صمت تام وتأمُّل. فلا يكون رفع الصوت وتجويده في الكلام إلا بمقدار فراغ هذا الكلام. يغطِّي الصوتُ العالي المجوَّد عيوبَ النص ويطرد التفكيرَ ويقضي على الإحساس بالفراغ والسطحية والتكرار. وما ترتيلُ القرآن إلا طريقة نفسية لإدخاله عنوةً في نفس المؤمن من دون المرور بطريق العقل والتفكير بل بطريق التكرار والتعزيم.

وإنْ كان الإسلام سابقاً قد حرَّم التصويرَ لأنه يجمِّد نهرَ الحقيقة الجاري فينبغي أنْ يسريَ التحريمُ على القرآن أيضاً (مع التحفُّظ على فكرة "التحريم" نفسها) لأنه تصويرٌ لغوي ذهني أخطرُ من الصور والأيقونات. فالغايةُ من تحريم التصوير هي عدم التعلُّق بالصورة فكيف يتعلَّقون بالقرآن وهو حروف وأصنام إيديولوجية؟! فالقرآنُ والنصوصُ واللغاتُ والرسومُ والصورُ والأصنامُ والتماثيلُ هي ترميز وتجميد وتأطير لنهر الحقيقة المتدفِّق في لحظة ما ومكان ما. ولذلك يجب نزعُ القداسة عنها.

وإذا كان الله قد أَنزلَ القرآنَ لهداية العرب والعالمين كما يدَّعي المسلمون فما الذي يمنعه مِنْ أنْ يرسلَ كتاباً حديثاً يلبِّي متطلباتِ العصر ويقدِّم حلولاً لقضايا العرب والمسلمين العويصة ويُخرِجهم من التخلف والجهل إلى التقدم والعلم ويجعلهم "خير أمة" [؟؟؟] مثلما قيل أنه كان قد أخرجهم من ظلمات الجهل وجعلهم "خير أمة" [!!!] أُخرِجَت للناس تأمرُ بالمعروف رغم أنَّ تاريخهم مليء بالقتل. فهل نضبَتْ مواردُ الله العربي وجفَّتْ أنهار بلاغته وبقيَتْ فقط أنهارُ لبنه وعسله في جنته التي وعد بها المسلمين أم نضبَ المسلمون أنفسُهم وجفَّت عقولهم؟

فإنْ قيل بأنَّ المسلمين تأخَّروا وقارَبوا وفاتَهم و"فاتَهم القِطارُ" لأنهم لم يطبِّقوا القرآن فإنَّ التجارب السياسية والاجتماعية قد أثبتت أنَّ التقدم العلمي والحضاري ليس مرتبطاً باتِّباع قرآنٍ أو نص غيره ولا باعتناقِ دِينٍ، كما أثبَتَت أنَّ اتِّباعَ القرآن وتطبيق وصفته "السحرية" لا يزيد إلا تخلفاً وجهلاً ليس لأنه نص يأمر بالتخلف والجهل بل لأنه نص وُضِعَ لمعالجة قضايا عصره فقط ولا يصلح لعصرنا. وبالتالي لا يمكن للعرب والمسلمين أنْ يتقدَّموا ويتحرَّروا ما لم يبدؤوا بوضع القرآن والأديان والآلهة في المتاحف لدارسي التاريخ والآثار وينخرطوا في عصرهم. لا يمكن للأمة العربية والإسلامية أنْ تنطلقَ وتبدعَ مادامت مقيَّدةً بأغلال نص يعود إلى عصر قديم مضى ولا علاقة له بعصرنا. فالتعلُّقُ بالماضي يُنسي العيشَ في الحاضر ويجعلُ الحاضرَ أسيرَ الماضي. عندما تتخلَّص الأُمَّةُ من سيطرة النص القرآني تخلُّصاً عقلانياً واعياً وليس كردَّة فِعْلٍ عندئذٍ تكون قد خطَت الخوةَ الأولى نحو الإبداع. إذْ لا يمكن لفريق من البشر أنْ يصعدوا إلى المرِّيخ بتطبيق نص قديم مكتوب منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام حتى ولو كتبه أهمُّ الفلكيين. ويستحيل عقلاً أنْ يكونَ اللهُ قد ألَّفَه وأنزَله مباشرةً مثلما أنه يستحيل أنْ يُنزِلَ اللهُ إنساناً من السماء مِن دُونِ واسطةِ زواجِ أُمٍّ وأب، كما رأينا في مقالات سابقة. لا يمكن للمسلمين السفر إلى المرِّيخ بتطبيق نص يقول إنَّ الشمس تغرب في عين حمئة وإنَّ القمر انشقَّ وإنَّ الله يولج الليل بالنهار والنهار بالليل وأن النجوم زينة للسماء لرجم الشياطين. وليس ذلك انتقاصاً من قيمة ذلك النص فلربما كان نصاً ثورياً في عصره ولكنْ تماشياً مع نهر الحقيقة الجاري. لا يمكن لأمة أنْ تعالجَ مشاكلَها وهي تطبِّق نصاً وُضِعَ لمعالجة مشاكلَ حصلَت منذ ألف وأربعمئة عام.

كيف يمكن الآن لأُمَّـةٍ أنْ تتجذَّر في الأرض وأنْ تحلمَ بالفضاء وأنْ ترتقيَ بوعيها نحو "السماء" في حين أنَّ كلّ أفكارها وأحلامها لا تتجاوز شعرَ النساء و"عوراتِ" النساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2013 / 2 / 8 - 01:10 )
أولاً : القرآن كتاب مقدس ل1,7 مليار إنسان .
ثانياً : من أين جئت بأن اسم رسولنا محمد (ص) هو : قثم بن عبد اللات؟ .
ثالثاً : أنظر لهذا , مثلاً :
ذكر الدكتور موريس بوكاي ما نصه :[1] (يذكر القرآن الكريم شخصاً باسم هامان هو من حاشية فرعون، وقد طلب إليه هذا الأخير أن يبني صرحاً عالياً يسمح له، كما يقول ساخراً من موسى، أن يبلغ رب عقيدته. وأردت أن أعرف إن كان هذا الاسم يتصل باسم هيروغليفي من المحتمل أنه محفوظ في وثيقة من وثائق العصر الفرعوني، ولم أكن لأرضى بإجابة عن ذلك إلا إذا كان مصدرها رجلاً حجة فيما يخص اللغة الهيروغليفية وهو يعرف اللغة العربية الفصحى بشكل جيد، فطرحت السؤال على عالم المصريات وهو فرنسي يتوافر فيه الشرطان المذكوران تماماً.

لقد كتبت أمامه اسم العلم العربي (أي هامان) ولكنني أحجمت عن إخبار مخاطبي بحقيقة النص المعني واكتفيت بإخباره أن هذا النص يعود تاريخه بشكل لا يقبل النقض إلى القرن السابع الميلادي. كان جوابه الأول أن هذا الأصل مستحيل، لأنه لا يمكن وجود نص يحتوي على اسم علم من اللغة الهيروغليفية وله جرس هيروغليفي ويعود إلى القرن السابع الميلادي .


2 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2013 / 2 / 8 - 01:12 )
وهو غير معروف لحد الآن والسبب أن اللغة الهيروغليفية نسيت منذ زمن بعيد جداً.

بيد أنه نصحني بمراجعة كتاب -معجم أسماء الأشخاص في المملكة الجديدة- للمؤلف هرمان رانك Dictionary of Personal names of the New kingdom , by Hermann Ranke والبحث فيه إن كان هذا الاسم الذي يمثل عندي الهيروغليفية موجوداً فيه حقاً. لقد كان يُفترض ذلك، وعند البحث وجدته مسطوراً في هذا المعجم تماماً كما توقعته، ويا للمفاجأة !! ها أنا فضلاً عن ذلك أجد أن مهنته كما عُبر عنها باللغة الألمانية (رئيس عمال المقالع) ولكن دون إشارة إلى تاريخ الكتابة إلا أنها تعود إلى الإمبراطورية التي يقع فيه زمن موسى، وتشير المهنة المذكورة في الكتابة إلى أن المذكور كان مهتماً بالبناء مما يدعو إلى التفكير بالمقاربة التي يمكن إجراؤها بين الأمر الذي أصدره -فرعون- في القرآن وبين هذا التحديد في الكتابة[1] قال تعالى:

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) .


3 - تعليق - 1
شاكر شكور ( 2013 / 2 / 8 - 05:24 )
تحياتنا للأستاذ محمد علي المحترم ، بأعتقادي لا يمكن اعتبار جميع ما ورد في النصوص القرآنية نصوص مترجمة ولكن يمكن تصنيف الصيغ القرآنية بثلاثة تشكيلات مختلفة ، نصوص مترجمة من لغات غيرعربية وهذه تتعامل مع القضايا الاهوتية وجاءت اغلبها في الفترة المكيّه بأدارة كهنة متمرسين في الترجمة ، نصوص ثانية حول قصص أنبياء بني اسرائيل وأساطير سمعت سماعا من ناس (فولكلور شعبي) دونت قسم من هذه القصص بتشويه عن الأصل التوراتي وهذه الحالة حدثت اغلبها في المدينة ، نصوص ثالثة ألفها محمد بمشورة الصحابة ويشمل اغلبها الحياة الأجتماعية في المدينة وجزء للفترة بعد فتح مكة وفي هذه الفترة ظهرالعمل البشري جليا كالناسخ والمنسوخ وأحكام شرعية اجتماعية ، لم تكن حجة الوداع وختم القرآن رادع لكي لا يزيد محمد آيات جديدة على القرآن لأنه عندما كان على فراش الموت اراد ان يضيف شيئ مهم قال حتى لايضل المسلمين من بعدي وهذا يعني لو قدّر وإن عاش محمد لفترة اطول لكان القرآن اضعاف ما هو عليه الآن لأن الحياة الأجتماعية كانت ستقتضي مشورة حاكم يؤلف احكام جديدة ... يتبع


4 - تعليق - 2
شاكر شكور ( 2013 / 2 / 8 - 05:31 )
أنا برأيي لو تم اعادة فرز وتصنيف آيات القرآن وفق التصنيف الوارد ذكره في الحالات الثلاثة اعلاه سيؤدي ذلك حتما الى فك الأشتباك بين ما هو ديني لاهوتي مترجم وبين ما هو اجتماعي تشريعي مؤلف ، وبهذه الطريقة يمكن اعادة تقييم مدى قدسية القرآن حتى من قبل المؤمنين البسطاء ، فوجود تداخل بين آيات ما هو عبادي ديني مترجم وبين ما هو مؤلف حسب مقتضيات كل واقعة يوهم البسطاء الى ان جميع الآيات لها قدسية واحدة لأن التداخل في مواضيع الآيات قد اخفى كثير من العمل البشري وذلك بخلط الأوراق من قبل كتاب الوحي لعدم معرفتهم بسر ترتيب القرآن كما تدرج فعليا عند محمد ، تحياتي للجميع


5 - التحرر من الغيبيات
مدحت محمد بسلاما ( 2013 / 2 / 8 - 09:50 )
القرآن لا يحثّ إلا على الإيمان بالغيبيات مركزا على النقل والأساطير القديمة والروابات السفسطائية فقد تحكم في عقول المتشدفين بمحمد وبقرآنه مرض الإيمان بالغيب، فجمّد عمل العقل والمنطق عندهم ورماهم في مستنقع الإنحطاط العلمي والمعرفي وجعلهم يتقوقعون في مجاهل القرن السابع. لذلك أحيي كل من يساهم في بثّ الوعي بين المسلمين المخدرين بالقرآن وبغيبيات القرآن في سبيل التحرر من فساد هذا المرض الخبيث ومضاعفاته على أجيال عديدة مع التحية لكاتب هذا المقال


6 - ملاحظه
عبد الله خلف ( 2013 / 2 / 8 - 09:52 )
نسي المدعو | شاكر شكور أن الذي أنزل القرآن هو من أنزل التوراه و تعاليم المسيح الحقيقيّه (أنجيل يهوذا -رحمه الله-) , لذلك , ليس هناك مشكله أن تشابهت العقيده و أختلفت الشريعه .


7 - ليس القرآن كله مترجماً بالتأكيد
محمد علي عبد الجليل ( 2013 / 2 / 8 - 12:21 )
أشكر الأستاذ شاكر شكور على ملاحظته واقتراحه القيِّمَين جداً. طبعاً ليس كل القرآن مترجماً بل أجزاء منه. ولذلك ذكرتُ في أكثر من موضع بأن القرآن كأي كتاب آخر نتج عن تأليف وتحرير وترجمة وتدقيق وتصرُّف وأن الترجمة هي حلقة أو آلية واحدة من آليات صناعة القرآن.
أما فكرتك بفرز القرآن وتمييز النصوص المترجمة والمؤلفة والفولكلورية فهي فكرة رائعة بل هي حاجة بحثية ملحة. وأتمنى أن يتاح لي الوقت للقيام بهذا المشروع الكبير على كل القرآن. لأنني أقوم بتحضير الدكتوراه حالياً وأنشر المقالات التي تنتج عن بحثي في الدكتوراه. أما فرز القرآن فيحتاج إلى بحث آخر.
وأشكر الأستاذ مدحت محمد بسلاما على تعليقه.
ملاحظة للأخ عبد الله خلف: ليست كثرة قراء الكتاب تجعله صحيحاً. والكتب المقدسة الأخرى غير القرآن هي مقدسة أيضاً لأكثر من 1.7 إنسان ولكن المسلم لا يعتبرها صحيحة. وتقديس القرآن من ملايين القراء لا يمنع من نقده. ونقدُه لا يمنع المؤمنين به من أن يقدسوه.


8 - عندما ينحرك العقل ..
شكيب علي ( 2014 / 4 / 12 - 18:42 )
لن استطيع في هذه الاسطر ان ابرهن لك وجود الخالق عقلا ومنطقا وبرهانا .
لكن الا يكفي ان تعرف ان ما تستدل به من علوم ومعارف تدور في اطار المادة وان الخالق وقدرته وعلمه هي في اطار الغيب ,, ذلك الغيب الذي اثبته العلم الحديث وبرهن على وجوده بما يسمى الباراسيكولوجي «ما وراء علم النفس»ا Psychology وكان الفيلسوف الألماني ماكس ديسوار عام 1889م أول من استخدم هذا المصطلح ليشير من خلاله إلى الدراسة العلمية للإدراك فوق الحسي والتحريك النفسي «الروحي» والظواهر والقدرات الأخرى ذات الصلة‚ وتعددت التسميات حتى أصبح يطلق عليه في كثير من الأحيان «الساي»‚ وللباراسيكولوجي موضوع يدرسه وهو القدرات فوق الحسية «الخارقة» كالتخاطر والتنبؤ والجلاء البصري والاستشفاء وتحريك الأشياء والتنويم الإيحائي «المغناطيسي»
اين عقل الملحد من تكذيب هذا كله وهو خارج النطاق المادي الذي يقدسه عقل الملحد ؟؟!!
لقد اصبح هذا العلم له اصوله وقواعده التي تدرس في الجامعات وتستخدم في حد الحروب العالمية والنفسية ولا يزال الملحد يريد اقناعنا بان لا اله ولا متصرف في الكون ؟؟!! انتم تضحكون على العالم وتضحكون على انفسكم ..
شكرا على تخبطك ل

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال