الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحسن تربية - الحرية هى الحل # الحلقة 4

عبد السميع جِميل

2013 / 2 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحدثنا فى المقال السابق عن الحب كعلاج وكطرف أول من الأطراف الأربع لتلك المعادلة التى نزعم أنها تحقق لنا تلك التربية السليمة بحق وحقيق , ونتحدث الأن عن الحرية كطرف ثان من تلك المعادلة التى لا يمكن إطلاقاً أن تكتمل فى غياب أى طرف منها .

نعرف أن هناك كارهين بالتأكيد لهذه الكلمة "الحرية" ! , ونعلم أنهم يبررون كراهيتهم تلك بأن الحرية مربوطة فى أزهانهم بالإنحلال والفوضى والفساد وقلة الأدب ! , وهو الأمر الذى جعلهم يكفرون بها ولا يتوانون بالمطالبة بكبت أبناءهم خوفاً عليهم من مغريات العالم الخارجى خشية الوقوع فى الأخطاء وإذا سألت أحداً منهم : ما هى الحكمة وراء هذا المنع والكبت ؟

يقول لك فوراً :
- أنا أعرف أكتر من أبنى , وعندى خبرة أكتر منه , وأعرف ايه اللى يضره وايه اللى ينفعه , وبخاف عليه من الهوى , وأبقى مجنون لو سبته يقع فى اللى أنا وقعت فيه مرة تانية .

المشكل أن هذا الكلام منطقى وجميل ورائع وعظيم ومعقول 100% , ولكنه ليس صحيحاً !! ؛ فنحن «ربما» نتفق مع الهدف الذى يريده هذا الأب , وهو أن يتجنب أبنه الوقوع فى الأخطاء التى وقع فيها فى السابق , ولكننا بالتأكيد نختلف معه تماماً فى الطريقة والوسيلة التى أختارها لتحقيق ذلك ! .

نحن نعرف أن هناك من يبالغ فى حب أبناءه لدرجة أنه يخاف عليهم من الهواء ! , وهذا بطبيعة الحال يجعله يمنعهم من تجربة أى شيئ بأنفسهم سوى ما جربه هو ورأى فيه السلامة لهم ! , ولكن فى الغالب ما تكون هذه الأمور التى جربها هى أمور قديمة قد أكل عليها الزمان وشرب , والأخطر من ذلك هو التدخل الدائم والمستمر حتى فى طريقة ممارسة تلك الأمور نفسها !! , هذا بخلاف التدخل الكامل فى كل تصرفاتهم وقرارتهم وفرض أوامره ونواهيه عليهم ووضع نظامه الديكتاتورى لمراقبة أدق تفاصيل حياتهم دون أن يعرف أن إمكانيات أولاده الإبداعية والإبتكارية وحتى الذهنية وثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على مواجهة تحديات الحياة راجعة ونابعة من حجم الثقة والحرية التى وفرها لهم أصلاً ! .

إن الأبن الذى يمنعه أهله من ممارسة هواياته المفضلة , ويحرمونه من اللعب داخل وخارج المنزل , ويجرمون له مشاهدة التليفزيون وأستخدام الإنترنت , ويصادرون عليه الملابس التى يحبها والمأكولات التى يشتهيها وتسريحة الشعر التى يهواها , ويفرضون عليه التخصص الذى يدرسه وشريك الحياة الذى يرتبط به وأسماء أبناءه وأصدقاءه , ويتدخلون فى أدق تفاصيل حياته دون أن يعطوه فرصة ولو حتى على سبيل التجربة لتفعيل ملكة الإختيار التى ميزه الله بها عن سائر المخلوقات ! .. أقول إن من يحرم طفله من كل هذه الأمور لا يلوم أبنه بعد ذلك على فشله فى الحياة ! , لأنه سيكون هو نفسه سبباً مباشراً فى هذا الفشل عندما يجد أبنه دائماً فى إنتظار مساعدته فى كل شيئ وغير قادر على تحمل المسئولية وغير قادر على اتخاذ قرارات حياته المصيريه أو حتى غير مصيريه ولا يملك أى ثقة بنفسه على الإطلاق ! .

هناك تجربة أجراها أحد العلماء على مجموعة من الفئران وضع نصفهم فى غرفة فارغة من كل شيئ ووضع النصف الأخر فى غرفة أخرى مليئة بالمزيكا والألوان والألعاب التى جعلتهم يتحركون بينها ويصعدون فوقها ويقفذون عليها , وأكتشف بعد أسبوع من بداية هذه التجربة أن الفئران الموجودة فى الغرفة المليئة بالألوان والألعاب أكثر زكاءاً ومهارة من الفئران الموجودة فى الغرفة الفارغة ؛ فمجموعة الفئران التى أخذت حريتها فى ممارسة التمارين والحركة أكتسبت نشاطاً فى الذاكرة ومرونة فى التحرك أكثر من المجموعة الأخرى بكثير ! .

هذه التجربة لها دلالات كثيرة جداً نترك القارئ اللبيب أن يستخلصها بنفسه , ولكنا نذكر فقط قصة بسيطة هى ترجمه حقيقية لهذه التجربة ؛ القصة لطفل كان دائما يأتى أمام والده وهو يشاهد التليفزيون ويأخذ من أمامه علبة المناديل الورقية الموجود على الطاولة ويذهب بها إلى الحمام , فإذا بهذا الأب يتسلل وراءه إلى الحمام ويدخل عليه ليجده قد أخرج المناديل وأخذ يلعب بها , فصرخ الأب فى وجه أبنه ووبخه بشده و«سفخو قلم على وشه» حتى يُحرم أن يفعل ذلك مرة أخرى .. .. ولكن هذا الطفل كان عندما يخرج والده من المنزل وتسنح له الفرصة للحرية والإنطلاق , يأخذ علبة المناديل هذه ويُخِرج منها المناديل ويظل يربطها ببعض حتى يصنع منها ثعباً رائعاً ! , ثم يصنع من نفس هذه المناديل مجموعة من الكرات المتفاوته فى الحجم ويضع الكرة الكبير فى الأسفل وفوقها الكرات الأصغر منها ويأتى على الكرة الأصغر فى الأعلى ويصنع لها أنف وعيون كرجل الثلج ! .

إن هذا الإبداع يُحكم عليه من قِبل كثيراً من الأهالى بالموت تحت شعار «إبداع ايه وزفت ايه» للأسف الشديد , وأه ثم أه إذا كسر الطفل لعبة من العابه , يضرب ويجلد ويسب ويحرم من الألعاب مدى الحياة .. لا أعرف من أين جاء لهؤلاء الأباء بأن الألعاب لابد أن يُكتب لها الخلود الأبدى ولا يجب أن تخدش !! .. ما أعرفه أن الألعاب أصلاً أساساً صُنعت كى تُكسر !! .. الألعاب صُنعت كى يُخرج الطفل فيها طاقته وفضوله وبحثه عن كوامن الأشياء لأكتشافها بنفسه حتى تنمو مهاراته الإبتكارية والإبداعية وحتى ينمّى سلوكه الإجتماعى أيضاً ( بالنسبة للألعاب الجماعية ) .

إن النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم نشأ فى البادية , فى الصحراء , فى كنف الطبيعة , ليمرح فيها بلا قيود , ويستمتع بجوها دون أن يحرم لذة التنفس العميق والهواء المنعش , حتى تمنو أعضاءه وأفكاره ومشاعره ومواهبه خير نمو , وحتى تتسق مداركه ويصبح أكثر نضجاً وحيوية وإستقلالية ! , وإذا نظرنا إلى أبنته فاطمة الزهراء وهى طفلة صغيرة عندما كان عقبة بن أبى معيط يضع أمعاء البعير على ظهر النبى وهو ساجد يصلى أمام الكعبة , وجدنا أن فاطمة لم تكن محبوسة فى البيت كما يفضل أغلب المسلمين هذه الأيام , وإنما كانت فاطمة موجودة بالقرب من الكعبة , وحين رأت هذا المشهد أمام عينها لم تسكت ولم تصهين ولم تجلس بجوار الحائط تبكى , وإنما ذهبت مسرعة إلى أبيها ونبيها وأزالت تلك الامعاء عن ظهره ووقفت بلا ذرة خوف أو تردد أمام هؤلاء الناس الذين قست قلوبهم وتحجرت عقولهم ونزلت عليهم بشواظ من نار ولهب بكلمات مليئة بالجراءة والشجاعة والقوة قائلة : «أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله» ؟!

هذه الكلمات التى ربما يعتبرها البعض بسيطة لا يجرأ أن يتفوه بها طفل لم يعرف الحرية فى حياته حتى وإن شاهد أبوه يقتل أمام عينيه ! .

إن ما فعلته فاطمة عليها السلام ليس إلا نتيجة هذه الحرية التى أخذتها من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ! , والحقيقة أن هذا الأمر ليس غريباً على بنى هاشم ! , فقد رأينا على بن أبى طالب وهو شاب صغير , ويخالف دين قومه , وينتصر إلى دين صديقه وأبن عمه محمد , ويصلى خلفه فى شِعاب مكة , بعيداً عن قريش , وقد رأه والده أبو طالب , ولكنه لم يفعل ما قد يفعله الأباء العرب اليوم إذا ما رأوا أحد أبناءهم يخالف عاداتهم وتقاليدهم وموروثاتهم وينتصر إلى أفكار أخرى , فأبو طالب ذهب إلى أبنه وأستفسر منه عن ما يفعله , ولم يجد الرجل فيما يفعله ابنه ضرر له , ولا لأحد من الناس , فكانت النتيجة الطبيعية العظيمة إنه لم يتركه يفعل ذلك فحسب وإنما شجع أبنه الأخر أن يلحق بأخيه وأبن عمه ويصلى معهم !! .

إذن .. يا أيها الأباء .. رحماكم .. إن من حق أولادكم أن يحيوا حياة حرة مستقلة أبية , لأنها حياتهم هم وليست حياتكم أنتم .. إذا كنتم تريدون أن تساعدوا أبناءكم بالفعل فلا تمنعوهم من أى شيئ سوى ما أجمع عليه الجميع بأنه ضرر واضح ومضر حقيقى له وللأخرين , لأن المنع «عمال على بطال» نهايته هى التعاسة للجميع ! .

حقاً إنها لتعاسة أن يعيش الإنسان فى سجن أهله الضيق ويُغلق عليه ويُحرم من تنفس الحرية .. الحرية التى هى بمثابة العين التى يرى بها العالم من حوله ويكوّن بها وجهة نظره عن الحياة .. الحرية التى يفجر بها الإنسان طاقته وتجعله أكثر إدراكاً لحقائق الحياة من حوله , وأكثر إبداعاً وإطلاقاً لأفكاره وعواطفه , وأكثر إستقلالاً ونضجاً وحيوية وتزكية لفطرته , وأكثر تنمية لأعضائه ومشاعره ومواهبه ولغته وحتى حياته الإجتماعية , وأكثر ثقة بنفسه , وأكثر قدرة على تحمل المسئولية .. الحرية التى إن ضاعت من هذا الإنسان فسوف ينسحب من هذه الحياة محبطاً خائباً خاسراً خاساً وهو حسير ! .

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا