الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يافطة وجائع

ماهر علي دسوقي

2013 / 2 / 8
المجتمع المدني



يتردد كثيراً في البقاء بالمنزل، فما عاد يستطيع التعامل مع جباة خدمات الماء والكهرباء الذين يقلقون راحته يومياً بعد ان تراكمت عليه "ديون الفواتير"، دخل الآن عامه "الخامس" بلا وظيفة وبالكاد يتدبر أمره .

الهاتف كان قد ارتاح من رنينه بعد أن فُصلت الخدمة عنه منذ ثلاث سنوات، وأصبح يحتل مكاناً بلا أي معنى، مَثله كمثل سلة الخضار القديمة التي يحتفظ بها منذ ايام جدته.

يخرج صباحاً يتجول في مركز المدينة ومحيطها باحثاً عن عمل، وحين يفشل يعود " للتسكع" على الأرصفة المزينة بالورود وبحاويات النفاية السلكية الجديدة التي يعج ما حولها بالقاذورات، وكأن من القى المخلفات في محيطها يريدها ان تبقى جميلة خاوية؟!

هو لا يستطيع الولوج لأي مقهى، ذلك له تبعات، يمر امام باعة "الشاورما" و "الفلافل" يتذوق طعم الرائحة ويكمل المسير..

ذات يوم استوقفته يافطة مرتفعة مزينة بألوان العلم ، ويد شخص ممدودة وهو بكامل أناقته تعلو وجهه الابتسامة تقول: " يداً بيد لبناء الوطن" .. اخذ يتمتم بها وحاول جاهداً ان يجد لها لحناً مناسباً او يضيف بعض الكلمات لتأتي بسجع موزون، فشل .. فعقله معطل بفعل الجوع والبطالة..

ادار ظهره "لليافطة" وسار بضع خطوات الى الامام محاولاً اخراج ما قرأ من رأسه ، وفجأة وبسرعة البرق اخذت "الفكرة" حيزها في دماغه، وكأن صدمة اعادته لتفكيره.. كيف ليد ترتجف برداً ولا تملك قوتاً ان "تمسك" يداً اخرى ما زال "زفر الشحم واللحم والغلو " يعلوها ؟!

وقف حيث كان وصاح بأعلى صوته : كم تكلفة هذه اليافطة التي احتلت صدارة المكان؟ كيف يجرؤ اصحابها على استفزازنا بهذه الطريقة؟ دعونا نزيلها من مكانها .. وسارع عائداً باتجاهها ..

لحق به بعض من رهط تجمع حوله امسكوا به، وارتفع السخط والصخب .. انه على حق .. لا .. لا يحق له ذلك .. انه عاقل مهموم .. لا انه مجنون .. اتركوه .. لا امسكوا به .. وكنت بين الجمع .

وبعد ان هدأ الشأن قليلاً ، صاح بالقوم وقال:
كيف ليد أدمنت الفقر ان تعانق يد أدمنت القهر .. يد الفقر ويد القهر لا تلتقيان الا بصدام !

انسحبت الى الخلف قليلا، فحالي ليس بافضل من حاله لكني لا املك شجاعته ، مرددا قول الشاعر بشار بن برد:

وما خير كفِّ امسك الغلّ اختها وما خير سيف لم يؤيد بقائم
افٍ للجبناء من امثالي !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و


.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا




.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟


.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح




.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين