الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكري بلعيد يُقدم الدليل

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2013 / 2 / 10
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


أكد رد الفعل الشعبي على إغتيال المناضل اليساري التونسي شكري بلعيد بأن شعوب المنطقة العربية عازمة بكل جدية وثبات على السير في طريق الحرية والتقدم الإجتماعي، ولن تخنع ثانية للقوى الإستبدادية أو حتى لأوساط من قوى النشاط الثوري الراهن نفسه، على الرغم من كل ما يطفو على سطح المجتمع وسير الأحداث في هذا البلد أو ذاك.

في بلد صغير بحجم تونس يخرج في لحظة واحدة نحو مليون ونصف المليون مواطن يودعون جثمان المناضل بلعيد، وفي ظل حكومة يهيمن عليها تحالف من ثلاث قوى أساسية شاركت في النضال لإسقاط نظام بن علي، وربما يُلقى عليها في الوقت نفسه كل أو بعض مسؤولية إغتيال الراحل بلعيد يحمل دلالة بالغة على تواصل النضال الثوري من أجل تحقيق قدرٍ كبير من مطامح الناس العادلة، وبأن جذوة الثورة بمضمونها الإجتماعي ما زالت متوهجة، وطبيعي أن تكون موجاتها متلاحقة ولكنها متباينة في قوتها وإندفاعها.

لم يحصل في الثورات الكبرى عبر التاريخ أن يتم تسجيل أحداث تلك الثورات حلوها ومرها وقائعها الإنسانية وما يرافقها من بشاعات أيضاً لحظة بلحظة، وبالصورة والصوت، وعلى الفور، كما يحصل فيما يجري الآن في البلاد العربية، ولأول مرة يظهر الترابط بين سرعة نقل الأحداث والتطورات، وإنعكاس ذلك على إيقاع إنتظار تحقق نتائج كبرى وبسرعة أيضاً. ولا يغيّر في ذلك تسمية ما يجري في البلاد العربية بـ (ثورات؛ إنتفاضات؛ حراك شعبي؛ مؤامرات ... الخ.).

إن النقطة البارزة في التطورات العاصفة الحالية أنها جرت بعد عقود من المهانة والذل والحرمان، بل بعد قرون في بعض الحالات، وربما في هذه النقطة بالذات تكمن عظمة ما يجري، ومن أهم منجزاته كسر حاجز الخوف الذي كرسه بطش الحاكمين، وتفشي الجوع والأمية في صفوف المحكومين، الى جانب نقاط ضعف أخرى عامة وخاصة. ومن النتائج الجانبية لما مرّ ويمر على البلاد العربية أن النشاط الثوري العاصف أصاب العديد من الأوساط الشعبية والرسمية في الداخل والخارج بالذهول في تفسير ما يجري. وهذا الذهول لم يكن من نصيب القوى المعادية للشعوب فقط بل شمل أوساطاً من القوى المعنية بالتغيّر، ولكنها قوى لم تكن قادرة على لعب الدور المنوط بها، أو الذي يفترض أنها أدعت لنفسها إنجازه، وهي غير مهيأة لذلك لا تنظيمياً ولا قيادياً ولا فكرياً.

نعم من حقائق الأوضاع السائدة أن الأنظمة الإستبدادية الحاكمة في معظم البلاد العربية لم تترك الى جانب الأحزاب الحاكمة، التي كانت ولادتها قسرية في الغالب، وبدعم من أجهزة السلطات ونفوذها وإغراءاتها سوى المؤسسات الدينية والحركات غير الجذرية في مختلف الساحات. هذه الأوضاع مهدت لخلق ظروف مناسبة لأن تلعب القوى ذات المسحة الدينية، والتي تقف على بعد مناسب يجعلها بعيدة عن قمع السلطات، أن تلعب دوراً واضحاً في النشاطات الشعبية الثورية، وأن تقفز الى المواقع الأساسية في الدول العربية التي شهدت تحولات، هذه الأوضاع زادت من ذهول القوى التي عجزت عن تفسير الظواهر الجديدة، والظروف التي حولت البلاد العربية الراكدة الى بلادٍ تمور بالأحداث والتطورات السريعة التي تتطلب حذراً ووعياً قادرين على إدراك ما يجري ناهيكم عن تغيّره.

إن تنامي الخوف من إستمرار هيمنة أحزاب الإسلام السياسي وإحتمالات عدم تخليها عن السلطة ومراكز النفوذ من خلال الوسائل التي أوصلتها الى السلطة قد يجد له بعض التبرير، ولكن أن تصل تلك المخاوف حد فقدان الثقة بقدرة الشعب على التغيير اللاحق هو الخطر الحقيقي. لم يتورع البعض تحت ضغط تلك المخاوف عن الحديث حول ممانعة نظام الأسد أو عقلانية نظام مبارك وبن علي الى غير ذلك، في حين كان ينبغي التمسك بخلاصة الحصاد المر للعقود الماضية، تلك الحصيلة التي تؤكد على أن غياب الحريات هو المصدر الرئيس لبؤس أوضاعنا في الماضي واليوم، ولا مبرر لتجاهل هذا العامل أو التقليل من خطره تحت وطأة أي ظرف كان، وإن النظام الذي يصادر الحريات لا يمكنه حماية الحقوق والمصالح الوطنية العادلة.

إن المعركة الدائمة هي معركة الحريات والمصالح الإجتماعية للفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تمثل القاعدة الكبرى للمجتمع في أي بلد كان، ولا ينبغي لأية قوة تدعي بأنها من بناة المستقبل أن تتواطأ على هذه المصالح حتى ولو لفترة محددة وقصيرة من الزمن، ولا لأهداف تكتيكية وتحت وطأة ضغوط هائلة، لأن ذلك يؤدي الى فقدان المصداقية، ومن المعلوم أن إستعادة المصداقية أشد صعوبة من التفريط بها، هذا إن عادت أصلاً.

إن أكبر قوتين إسلاميتين في الظروف الراهنة في بلدان التحولات هما: الإخوان المسلمون في مصر وحركة النهضة في تونس، وعلى الرغم من تربعهما على المراكز الأساسية للسلطات في البلدين، والحديث عن نفوذهما الشعبي، بدأت التطورات تأكد على أن الشعبين اللذين كسرا حواجز الخوف لن يعودا الى عالم المصادرة والإذلال، وبدأت مؤشرات التململ في مصر وتونس على أسس تتعلق بحاجات المجتمع الرئيسية: الحريات والعمل، وليس على أساس اللون السياسي والمعتقدي للقوى الحاكمة الجديدة.

قد لا تكون الأدلة على قدرة الشعب فى أي بلد عربي على محاسبة الحكام الجدد قد تأكدت خلال العامين المنصرمين بشكل لا لبس فيه، ولكن الرد على جريمة إغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد لإسكات الإحتجاج الشعبي، أو في مسعى لتأزيم الأوضاع السياسية قد كشف عن حقيقة أن العمليات الثورية متواصلة وقوة الشعب سوف تفرض إمكانية التداول السلمي للسلطة، وإذا ظهر طغاة جدد فإن قوة الثورات في موجاتها الأولى أقوى من مكائد الثورة المضادة، علماً أن ما يجري من نشاطات لحد الآن هو في إطار التحرك صوب الثورة، ولم تصل تلك النشاطات الى نهاياتها، فلا وجود لنهاية مظفرة كاملة العزم والبناء لغياب بعض متطلبات وشروط الثورة، وإنما يوجد واقع موضوعي يدفع بإتجاه تعميق الوعي لإنماء العمليات الثورية.

إن تشيع جثمان المناضل بلعيد قدم الدليل على قوة الرد الشعبي وحذره وحيويته عند الضرورة، ويؤكد عدم إمكانية إستغفال الشعوب الى الأبد مهما أبدع الحالمون بخنق الحريات في خلق الكوابح والمؤثرات السلبية.

أعادت تونس الأمل من جديد، وبدا الراحل الكبير موجهاً خطاباً أصيلاً يشد عزم الشعب التونسي وشعوب البلدان الأخرى أكثر مما هو فقيد محمول على الأكتاف الى مثواه الطيب الأخير...

الثورات دائماً معلومة الطموحات ولكنها مجهولة الصيرورة والمآل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط