الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني من المفهوم الضيق إلى الدلالة الدستورية الواسعة

اقريش رشيد

2013 / 2 / 11
المجتمع المدني




كثيرا ما كتبت الأقلام في الآونة الأخيرة عن المجتمع المدني، الذي كان يسمى ب " الجمعيات " سواء أكانت محلية أو جهوية أو وطنية، التي لعبت العديد من الأدوار التربوية والتثقيفية والتأطيرية للعديد من الأجيال، ولعل فترة السبعينيات من القرن الماضي، شهدت ميلاد عدة جمعيات إلا أنها كانت تعرف في تأسيسها إكراهات من قبل السلطة لاعتبارات أتت في سياق عام يفسر ذلك المنحى.
المثير في تلك الفترة، أن نسبة الوعي والتكوين، بين صفوف الشباب المغربي كانت جد مرتفعة، وما زادها فاعلية أن جاءت في سياق منهجي لمنظومة تعليمية هي الأخرى جد مرتفعة من خلال برامجها التكوينية التي أعطت نخبا مثقفة ومؤطرة سواء في التعليم أو السياسة أو الاقتصاد أو...
كان هذا على خط منسجم بين عناصر ومكونات المجتمع، بين الجمعيات والمؤسسات وباقي الهيئات الأخرى التي كانت في حاجة إلى طاقات فاعلة ومؤثرة في بنى المجتمع. وكان الشباب بمختلف عقائده ومذاهبه وإيديولوجياته، مؤمن إلى حد النخاع برسالته داخل المجتمع، بل امن أن الجمعيات والمؤسسات التعليمية هي مصدر التطور والتغيير والإصلاح المهيكل..
سوف يتحول مفهوم الجمعيات إلى " مجتمع مدني " يضم الجمعيات والاتحادات والفيدراليات وغيرها من الأشكال الأخرى..وأهم ما استوقفني في منهجية جمعيات المجتمع المدني الأمازيغي، التنظيم، الروح النضالية، الإصرار، التضحية، الإيمان بالفكرة التي تأسس عليها المشروع المدني.
إن المجتمع المدني الأمازيغي، ليس وليد اليوم، بل هو ثقافة متجدرة في بنية المجتمع البربري، والدارس لسوسيولوجية المجتمع الامازيغي، يجد انه مجتمع متآلف متضامن منسجم توثق عراه أعراف عريقة متأصلة. ويمكن القول، أن أقدم التجمعات بمفهوم الجمعيات الحالي، يرجع إلى الثقافة الامازيغية.
كما يعتبر المجتمع المدني الأمازيغي، أكثر فاعلية وإنتاجية ومردودية على المستوى المحلي خاصة. فالجمعيات والتعاونيات وكل المبادرات التي أنشئت تهدف إلى تعزيز وترسيخ ثقافة متأصلة في المجتمع. أما على المستوى الوطني، يمكن القول، أن أهم قاسم مشترك يتجلى في دفاع الفعاليات الامازيغية على " الهوية ".
هنا لا يمكننا، بحال من الأحوال، نسيان، الدور الطلائعي والأساسي الذي أسسه وبناه، الأستاذ الكبير، محمد شفيق، للدفاع عن " الهوية المغربية " مع ثلة من الباحثين الأمازيغيين الذين حملوا مشعل القضية إلى الآن، ومن هذه الزاوية تعممت على سائر الوطن من خلال ميلاد العديد من الجمعيات المهتمة بالشأن الأمازيغي المكتوب منه والشفهي و التراثي وغيره من الخصائص التي يدافع عنها المجتمع المدني الأمازيغي.
ومند ذلك الحين، إلى الآن، استطاعت الحركة الامازيغية، أن تثبت ركائزها بدعائم صلبة متينة قوية، جعلت من القضية أولوية " وطنية " ولا داع إلى ذكر بعض المحطات التاريخية التي شهد فيها الفعل السياسي المغربي " حراكا " حقيقيا مع التيار الأمازيغي بمختلف تلويناته..
الأساسي الآن، أن الحركة الامازيغية، تمكن بخطابها السلمي الرزين العقلاني من تمرير رؤاها ودوافعها التاريخية المشروعة وكذا أحقيتها في صيانة تاريخها الأصلي الموروث إلى أن تحول الخطاب الثقافي إلى خطاب سياسي متحرك مع دورة التاريخ الذي يشهده العالم في مجال حقوق الإنسان.
الحركة الامازيغية، في مسارها العالم، نهجت سياسة " اللاعنف" لتأكيد شرعية نضالها في خضم الحراك الاجتماعي والحقوقي والاقتصادي والثقافي الذي يشهده المغرب المعاصر، وكان من نتائج هذا الحراك، خطاب 9 مارس، الذي قال فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله " شعبي العزيز، حرصا منا على إعطاء الجهوية كل مقومات النجاعة، فقد ارتأينا إدراجها في إطار إصلاح دستوري شامل، يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة". ويضيف جلالته " ومن هذا المنطلق المرجعي الثابت، قررنا إجراء تعديل دستوري شامل".
كما أشار الخطاب إلى مسالة، " التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة،الغنية بتنوع روافدها،وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة".
في فاتح يوليوز الذي دشن مرحلة متقدمة في مسار الانفتاح الأكبر والواسع على مختلف مكونات بنى المجتمع المغربي. وبذلك يكون مشروع الدستور الذي صادق عليه المغاربة قاطبة سنة 2011 بداية حقيقية لقراءة معمقة تشخصية للواقع المغربي المتسم بالتنوع والاختلاف.
الدستور المغربي، الجديد، تناول مسالة الهوية بدقة، واستطاع عن يفك رموزها بتفكيك عناصرها، الامازيغي، الحساني، العربي، الأندلسي، الإفريقي، المتوسطي،...كما حسم في المسالة اللغوية المتصلة بما سبق ذكره.. وجعل نصا تنظيميا يعنى بتشكيل مجلس للغات والثقافات..
فالدساتير لا توضع إلا بقراءة مستفيضة وعميقة للمجتمع، " روح القوانين عند مونتيسكيو"، بمعنى أن الدستور، لا يعدو أن يكون إلا صورة تعكس مكونات المادية والشخصانية للمجتمع.
وإذا كان المغرب قد حقق قفزة نوعية في مسار الانتقال الديمقراطي الحقوقي كما جاء في الوثيقة الدستورية الحالية، فان عملية تنزيل مقتضياته، تتطلب من المسؤولين، التفكير في الآليات التي تجعل من عملية التنزيل تمر في سلسلة، محاطة بنوع من الحياد و النزاهة والشفافية والمصداقية الواردة في جوهر الوثيقة الدستورية نفسها. أي إيجاد فضاء للحكامة التي تعني، أن التدبير السياسي بصفة عامة، يقصد به " كيف نرفع مؤشر التنمية من مستوى إلى آخر".
قد يتساءل البعض أننا، انطلاقنا من مناقشة المجتمع المدني إلى مناقشة الفعل السياسي، والرابط المتحكم بين الموضوعين، أن، الفعل السياسي، الذي يباشره بالنيابة " نواب الأمة " على مستوى التشريع، وتنفذه السلطة التنظيمية " الحكومة"، وتراقبه " السلطة القضائية" ، لا يمكن أن يخرج عن مسار التكامل والرقابة كما هو موضح في الدستور الجديد.
الواضح أن، المجتمع المدني، الذي كان غائبا في فترة من الزمن في خطاب الهيئات السياسية والنقابية، أصبح اليوم، يشكل، محور تقاطع كل السياسات العمومية المحلية منها والوطنية، هذه الشراكة الجديدة والإضافة النوعية لهذا الفاعل في المعادلة الديمقراطية، لم تؤسس من فراغ، بل جاءت من خلال رسائل بعثها، جلالة الملك من خلال خطبه التي مافتئت تؤكد على دور المجتمع المدني في الفضاء السوسيواقتصادي والثقافي والهوياتي و...
وقد تبين بجلاء النتائج الحميدة التي أعطاها ولازال يعطيها هذا الشريك في مجالات التوعية والتاطير والتثقيف والرعاية الصحية والنفسية لذوي الاحتياجات الخاصة والمعوزين والمسنين والأطفال المتخلى عنهم.
الحركية القوية التي أسسها المجتمع المدني في المجال الإجتماعي حرك سياسة الدولة القطاعية إلى الأخذ بدراسات وكل المقاربات التي وضعها الفاعل المدني عين الاعتبار، وقس على هذا القطاع كذلك المبادرات المماثلة في مساهمة المجتمع المدني في خلق الفضاء الاقتصادي التضامني وهكذا دواليك...
أصبح الآن، لدينا على مستوى الفعل السياسي، عدة شركاء، هم مكونات هذا المجتمع، حيث أصبحت السلطة غير محتكرة لفاعل واحد " المجتمع السياسي " بمفهوم غرامشي، بل أصبحت السلطة تمارس من خلال مكونات هذه الأمة، لان، الاحتكار السياسي لم يكن يوما الأسلوب الأمثل والأنجع لمعالجة كل القضايا الراهنة والآنية بما فيها القديمة أو المزمنة...
لهذا فان المجتمع المدني بكل أطيافه، مدعو اليوم، إلى، الحفاظ وصيانة كل المكتسبات التي حصل علها من خلال نضالها المفتوح أو تلك التي أتى بها الدستور الجديد ونص عليها القانون الجاري به العمل.
كما أن المجتمع المدني، المطالب، بالحكامة الجيدة، التي تعني، تحقيق نسبا عالية من العدالة الاجتماعية، أن يعمق فلسفة الحكامة داخل هياكله وتنظيماته ومؤتمراته، بشكل يعطي الانطباع الحقيقي لممارسة التناوب الطبيعي لا المفروض، لأننا في زمن، تتعدد فيه القضايا وتتشعب فيه الظواهر بشكل يصعب التحكم فيه. وللحيلولة دون ذلك، تقتضي العدالة الاجتماعية، أن توضع السياسات العمومية بشكل يتماشى مع تطلعات واحتياجات المواطن الذي يعد " ورقة انتخابية " في نظر البعض، وهو في منطق السياسة، صاحب القرار في منح " صفة النائب " أو " المشرع".
لن نستطيع من خلال هذه الورقة، جمع نتائج كل المبادرات التي حققها المجتمع المدني المحلي أو الجهوي أو الوطني، لكن، من باب أولى، نوسع النقاش العمومي حول إمكانية التفكير في وضع رهن إشارة المجمع المدني، آليات قانونية جديدة، تمكنه من تخفيف العبء على الدولة، مؤسس على قانون تنظيمي يحدد مجالات التدخل ومجالات التشارك وفضاء التعاون البيني، مع ما تتطلبه هذه الأنواع من التعاقد من تطبيق فعلي للمحاسبة والمراقبة حرصا على المال العام كمسؤولية جسيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج