الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحيه في الفكر الاسلامي

تيسير خروب
كاتب وباحث

(Taiseer Khroob)

2005 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عاش محمد صلى الله عليه وسلم في القرن ال7 الميلادي وسط صحراء قاحله في بلاد لم تكن بذي زرع ولم تكن بعد تعرف على انها تملك هذا القدر من النفط المسمى الذهب الاسود عاش وسط مجموعه من القبائل الوثنيه واقليات مسيحيه ويهوديه تحيط بها امبراطورية الفرس من جهه والامبراطوريه البيزنطيه من جهة اخرى وفي وسط هذا كله استطاع رجل واحد قلب ذلك الواقع واحداث تغييرات جذريه عندما وصل المجتمع الى مرحله من الاحتياج لهذا الرجل حيث اصبحت طبقة العبيد والمستضعفين في الارض تبحث عن هذه الشخصيه بعدما احاط بها الظلم والقهر والاستعباد ويطهرها وينقي ارواحها ويوحدها ويبعث فيها ايمانا ودينا جديدا يمنحها القوه التي تحتاجها في الدفاع عن نفسها وان يصنع من هذه الحفنه من الرجال امة قهرت العالم واثرت فيه لغاية الان فجاء ذلك الرجل بالاسلام منهجا وطريقه للتعامل والسلوك الاخلاقي اليومي وطموحا منظما وفق خطه زمنيه حكيمه وقرآن مقدس من السماء يقوي ويؤكد اهمية ذلك المنهج ويدعوهم الى بذل ار واحهم وانفسهم بالدفاع عنه وان يعمل الفرد مع الجماعه والجماعة مع الفرد ولم يطالبهم ببذل اموالهم اول الامر لانه لم يكن لديهم اموال يقدموها في ذلك الوقت مثلما تفعل الاحزاب السياسيه والجماعات الاسلاميه الان من اخذ رسم الانتساب والعضويه الشهريه هذه الايام 0
وعندما استفحل امره وقوي تاثيره وزاد اتباعه اجتمعت العشائر ورؤساء القبائل لمواجهة الثوره الجديده التي اخذت بالانتشار بشكل يهدد نفوذهم ومصالحهم فعرضوا عليه ان اتركنا نحن وما لنا وما نؤمن به ونتركك انت وما تؤمن به لاشأنك وحدك لا تصيبنا ولا نصيبك0 فأجابهم قائلا: لما لا تعتنقون منهجا جديدا يمكنكم من الاخذ بمقاليد الامور والسيطره على اموالكم وخيرات بلادكم وتجارتكم واعدكم باموال اخرى ما كنتم لتحلموا بها ولا بمشاهدتها فكيف اذا قلت لكم انكم ستحوزوها اليكم 0وقد عرف محمد مواطن الثراء عندهم ونقطة ضعفهم وما يصبون اليه 000فعرض عليهم منهجا وبرنامجا مقابل برنامجهم ونظامهم في الحياه وحجه مقابل حجه فقد اعطاهم محمد سببا سياسيا ومتعه دنيويه لترغيبهم في التجديد وترك القديم وهو في الوقت ذاته حافظ على رسالته وعدم التفريط بها وبذلك كسب العديد منهم الى صفه بهذه الطريقه000فمحمد كان رجلا عاديا وسط شعبه ذاق مرارة الحاجه وعرف العمل المضني في الرعي ومرافقة قوافل التجارة مرة لعمه ومرات للتاجره الثريه خديجه بنت خويلد رضي الله عنها وارضاها مقابل دراهم معدوده يأكل من طعامهم وينام بينهم لا يستعلي عليهم يقف مع ضعيفهم ويوجه قويهم بدون خوف او وجل لكنه بقي نبيا ذا مرتبة عاليه وصاحب رسالة سماويه 00انسان مثل بقية الناس شجاع وخجول مهدد في شخصه ودينه لكنه متمسك برأيه وحجته لينجح في النهايه في ايصال رسالته وان يصنع لقومه مجدا مهما في مرحله تاريخيه حرجه استطاع من خلالها ان يتبنى منهجا واقعيا غير معزول عما يحيط بالجزيرة العربيه من صراعات سياسيه وعسكريه وتنافس على السلطة والزعامه ولم يحارب اهواء قومه وعواطفهم وخيالااتهم بما لا يتعارض مع الدين مبديا روح التسامح والتعايش السلمي مع الاديان الاخرى خاصة الديانه المسيحيه فقد تجلى هذا التسامح والتعاطف بل والتشجيع والدعوه بالنصر للروم المسيحيه التي تعرضت سنة 614م الى الهزيمه على يد القائد الفارسي(شهر براز) او خوريام كما تسميه كتب التاريخ القديمه حيث التقى بهم في اذرعات وبصرى قرب الشام فكانت الاخبار تصل الى مكه مع التجار والمرتحلين فقد كانت القوتان المتناحرتان الفرس والروم اكبر امم الارض واعظمها يومئذ وكانت البلاد العربيه تجاورهما وتخضع بعض اجزائها لكلتا الدولتين فشمت العرب غير المسلمين بالمسيحيين المتواجدين بين ظهرانيهم وفرحوا لهزيمتهم واعتبروها هزيمه للمسلمين كونهم اصحاب كتاب سماوي مثلهم فشق على المسلمين امر الروم لقرابتهم منهم في الدين والعقيده فكان محمد واصحابه يكرهون ان يظهر الفرس المجوس على الروم المسيحيه اصحاب الكتاب مثلهم وادى هذا الخلاف بين المسلمين والعرب غير المسلمين الى ان تنادر الفريقان حتى ابدى احدهم من السرور امام ابي بكر واغاضه ودفعه الى ان يقول ابا بكر : لاتعجل بالمسره فسيأخذ الروم بثأرهم فلما سمع المشرك قوله اجابه متهكما:كذبت 0فغضب ابو بكر وقال:كذبت انت يا عدو الله وهذا رهان عشرة جمال على ان تغلب الروم الفرس قبل عام0وعرف محمد امر هذا الرهان فاستدعى ابا بكر الى مجلسه لا ليعنفه او يمنعه من اتمام الرهان بل نصح ابا بكر ان يزيد في الرهان ويطيل المده0 فزاد ابو بكر في الرهان الى مائة بعير ان هزمت الفرس قبل تسع سنين0وانتصر هرقل سنة625م وهزم فارس واسترد منهم الشام واستعاد الصليب الاعظم منهم وكسب ابا بكر رهانه وفرح المسلمون0
وفي هذا الحادثه نزل قول الله عز وجل مؤيدا لهذا الموقف المسلم المتسامح مع المسيحيه والمؤيد لها قبل يطرح شعار حرية الاديان والدعوه الى التصالح الديني والتعايش السلمي مثلما يحدث هذه الايام قبل 1380 سنه حيث قال تعالى في صدر سورة في القرآن سميت با لروم تأكيدا لهذا الامر بسم الله الرحمن الرحيم:
(ألم0غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) صدق الله العظيم
فكان اغتباط المسلمين يومئذ بانتصار هرقل والنصارى عظيما وظلت صلة الاخاء بين من اتبعوا محمدا والذين آمنو بعيسى عظيمه طيلة حياة النبي وخلفاءه من بعده باستثناء بعض الصفحات السوداء التي سجلها لنا التاريخ وحفظها بين الجانبين 0ولم يكن الدين مسؤولا عن سواد وتشويه هذه الصفحات وانما كان المسؤول هو الانسان نفسه الذي لم يتقيد بروح الدين وشفافية التعامل الانساني وذلك على خلاف ما كان عليه بين المسلمين واليهود من تساهل اول الامر ثم عداوه استمرت الى الان وكان لها الاثار والنتائج الداميه مما حدى بالرسول الى اجلاء اليهود عن شبه الجزيرة العربيه جمعاء وابقاء المسيحيين مصانين معززين ومكرمين0ومصداق ذلك قوله تعالى في سورة المائده (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة الذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون0
واننا لنجد في القران من ذكر عيسى وامه مريم واكرام الله لهما وتقديمه اياهما ما يشعرك بحق ومصداقية هذا الاخاء والتصالح0
وصورة اخرى مشابهه لهذا الموقف الديني عند المسلمين عندما ضاقت بهم الارض واشتد عليهم اذى قومهم من قريش وآذن لهم ربهم بالهجره نصحهم محمد بوحي من الله باللجوء الى الحبشه قائلا لاتباعه: اذهبو ا الى الحبشه فأن فيها ملكا على دين النصرانيه لا يظلم عنده احد وعندما وصل المهاجرين الى الحبشه وقابلوا الملك النصراني واجابتهم عن اسئلته قال :والله ان دينكم وديننا خرج من مشكاة واحده فاواهم عنده وحماهم ولم يسلمهم لوفد قريش الذي حضر الى الحبشه محملين بالهدايا لاسترضاء واستمالة الملك0
فما احوجنا اليوم الى شخصيات واقعيه واصلاحيه كشخصية محمد الانسان والمعلم المرشد والمربي صاحب فضائل وسياسه حكيمه يدعون الى التقارب الجاد والملتزم ونبذ العنف والتطرف مع العالم المسيحي لا بالاقوال والتصريحات والخطب بل بالسلوك الواقعي وترجمة الشعور المستمد من القران والسنه النبويه ومن اتباع محمد الى واقع ملموس وفعال وان نسلك طريق العلم وتحكيم العقل والمنطق وان يكف مشايخنا عن التطرف واتهام المفكرين والمجددين بالالحاد والكفر والزندقه وغيرها من المفردات العقيمه التي تدعو الى الجمود وجعل اعدائنا يرموننا بالتعصب والتخلف حتى يشعر علمائنا المسلمين بالخوف والاضطراب والابتعاد عن الاجتهاد وروح التجديد ورفد عقول الناشئه والشباب بثروه فكريه وعلميه لا تتعارض مع الدين ولا تبعدهم عنه حتى لا يشعروا بالوهن وان الزندقه تقابل حكم العقل ونظام المنطق في نظر جماعة من مشايخ المسلمين وان الالحاد عندهم قرين الاجتهاد كما ان الايمان قرين الجمود واسير التراث القديم حتى لا تجزع نفوسهم وينصرفوا يقرأون كتب الغرب يلتمسون فيها الحقيقه اقتناعا منهم بانهم لا يجدوها في كتب المسلمين ولا في كتب المسيحيه انما يفزعوا الى كتب الفلسفة والمنطق يلتمسون في اسلوبها العلمي ارواء عطشهم للحق والمعرفه ووسيله للاتصال بالكون وحقيقته العليا لروعة اسلوبها ودقة منطقها وما يظهر فيها من صدق واجابه لاسئله محيره لتنصرف ارواحهم عن التفكير في الله والاديان حرصا منهم على الا تثور بينهم وبين الجمود حرب لا ثقة لهم بالانتصار فيها0
فلا غنى للعرب عن الغرب وحضارته في التفكير والعلم والادب والفنون المختلفه فقد تراكمت بين حاضر العرب وماضيه قرون من الجمود والتعصب والتخلف طغت وشلت تفكير ابناءه بطبقه كثيفه من الجهل وسوء الضن بكل جديد ومن اجل الخروج من هذا المأزق الحرج لا مفر من الاستعانه باحدث صور التفكير الغربي والافادة منه للوصل بين الحاضر الحي وتراث الماضي ليقوم هذا التعاون العملي بالبناء المشترك بنفس روح التسامح والتصافي مثلما كانت في الماضي0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك