الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-سيمون- بين نكاح الدين ونكاح السياسة

هوشنك بروكا

2013 / 2 / 12
المجتمع المدني


المتابع لقضية الطفلة "سيمون" الإيزيدية (11 عاماّ ونيف)، "الكردية الأصيلة"، بحسب المنطوق الكردي، والمخطوفة على يد شاب عشريني، كردي، سنّي، من آل كوران، بهدف "الدخول الشرعي" بها، على سنة الله ورسوله، منذ التاسع من كانون الثاني يناير الماضي، سيكتشف الحقيقة الكردية المرّة التالية:
"ليس للإيزيديين كمواطنين من الدرجة الدنيا، في كردستانهم، بإعتبارها وطناً نهائياً لهم، إلا الصلاة على النبي"، ثلاث مرّات: مرّةً على نبيّ الدين القوي، وأخرى على نبيّ الحزب القوي، وثالثة، على نبيّ العشيرة القوية.

هذا ما تقوله كردستان المحروسة لإيزيدييها (أو "أكرادها الأصلاء"، كما يسميهم الفوق الكردي، الذين يتجاوز تعدادهم النصف مليون نسمة، أي ما يعادل 14% من مجموع سكانها)، حتى الآن، وربما ستقوله في قادمها القريب والبعيد أيضاً.

كردستان وفوقها، أثبتوا على مدى حوالي عقدين ونيّف من فشلهم الذريع، في العبور إلى مشارف الدولة المدنية، ليسوا جادّين في التعاطي مع مكوّن أصيل من مكوّناتها، لأكثر من إعتبار، ولأكثر من سبب، لعلّ أوّله هو سقوط كردستان ك"شبه دولة مسيارة" في "زواجٍ مسيار"، بين ثلاثة أزواج مسيارة: "الدين القوي"، و"الحزب القوي"، و"العشيرة القوية".

هذا "الزوج" الثلاثي القوي، الذي تتأسس عليه قوّة الفوق الكردي، أساً وأساساً، بدءاً من أعلى هرمه وانتهاءً بقاعدته، هو الكابح الرئيسي، الذي يحول دون تحوّل كردستان إلى "شبه دولة مدنية" ممكنة، وبالتالي سقوطها كمشروع في الوراء المبين، سواء على مستوى الدين (الدين الوراء)، أو الحزب (الحزب الوراء)، أو العشيرة (العشيرة الوراء).

بعد سكوتٍ كرديّ، رسميٍّ وشعبيّ، على "سيمون"، استمرّ لشهرٍ، بدأ الإعلام الكردي ومن حوله أهل "حقوق الإنسان"، يستفيقون من "غفلتهم الضرورية"، وكأنّ القضية الآن للتو بدأت.

لما لا، طالما أن القضية أصبحت تحت سيطرة ثاني أقوى رجل في كردستان بعد رئيسها البارزاني مسعود، نيجيرفان بارزاني؟

لما لا، طالما أنّ هناك جيوشاً من الإعلاميين، والصحافييين، والحقوقيين، الضروريين جداً، في كردستان "تحت الطلب"، ورهن ربع إشارةٍ من الفوق، للعب ب"القضية الضرورة"، لعباً ضرورياً، ودفعها بكلّ الوسائل، تجاه السياسة "الضرورية"، عملاً بالقاعدة الماكيافيلية الشهيرة: "الغاية تبرر الوسيلة"؟

لما لا، طالما أنّ القضية فيها من السياسة ما تكفي لتغيير قواعد اللعبة، وقلب الطاولة على الخصم، أو قلب الموازين لصالحه؟

لما لا، طالما أنّ "الإيزيدي الرسمي"، من حزبيين، وبرلمانيين، ووزراء سابقين ولاحقين، ودينيين ولادينيين منتفعين، ك"كردي تحت الطلب"، مستعدٌ، كما دائماً، لبيع القضية في أقرب بازار سياسي بخس، وأن يخسر فيه، من دينه ودنياه، مقابل لا شيء، أو مقابل شقفة كرسيٍّ معطّل، أو شقفة وظيفةٍ معطّلة، أو شقفة معاشٍ معطّلٍ، في أحسن الأحوال؟

لما لا، طالما أنّ هؤلاء الإيزيديين المنتفعين، من كردستان إلى كردستان، مستعدون للتنازل عن أيّ شيء، من أول الدين إلى آخر الدنيا، إلا التنازل عن الشحاذة على أبواب الفوق الكردي، المعروف بخبرته المشهودة له، في صناعة "الشحاذة السياسية"، وأهله من "الشحاذين السياسيين"؟

لما لا، طالما أنّ الفوق الكردي، لم يعرف الإيزيديين، في "دولته المشائخية" التي تتخذ من دين الأكثرية السنية، ديناً لها ولدستورها، كما هو واضحٌ من مادته السادسة، إلا في كونهم "أهلاً للذمة"، لا تسقط عنهم الجزية، شرعاً، إلا إذا أسلموا؟

"سيمون" الآن، كعنوان لقضية إيزيدية أكبر، ليس لها إلا أن تدفع "الجزية" لأكرادها، كما نرى ونسمع ونقرأ، في تعاطي كردستان معها، إعلامياً، وسياسياً، ودينياً، وأخلاقياً.

الإيزيديون، والحال، ليس لهم، إزاء هذا الغموض الكردي الغريب تجاه "سيمون"، من الفوق إلى التحت، إلا اللعب على المكشوف ب"شرفهم" مرتين:
مرّة في دنياهم، بإعتبارها قضية "حقوق إنسان"، وأخرى في دينهم، بإعتبار أنّ الإيزيدية تحرّم زواج الإيزيدي/ الإيزيدية من لا إيزيدية/ لاإيزيدي. أعود وأكرر، ههنا، كما ذكرت في مناسبات أخرى سابقة، أنّ "الشرف"، كقيمة أخلاقية، هو مصطلح كثير ومتعدد، يختلف مفهومه من دينٍ إلى آخر، ومن ثقافةٍ إلى أخرى، ومن مكانٍ إلى آخر، ومن زمانٍ إلى زمانٍ آخر. المقصود بالشرف، ههنا، هو طبقاً للأعراف الإجتماعية، والدينية، والسياسية، والأخلاقية، السائدة في كردستان، من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها.

المتابع لتفاصيل قضية "سيمون"، فضيحة العام الكردية بإمتياز، من كلّ كردستان إلى كلّها، بإعتبارها انتهاكاً كردياً صريحاً لحقوق الإنسان، ناهيك عن حقوق الأديان، هو تحوّلها إلى لعب مكشوف وعلى أكثر من مستوى، بين أهل المعارضة وأهل الموالاة في كردستان من جهة، وبين أهل الدين وأهل السياسة من جهة أخرى.

حسب "فقه" كردستان، من الدين إلى السياسة، سيمون، كطفلة أولاً، وكإيزيدية ثانياً، هي "الملعوبة بها"، في الملعبَين، مرّتين:
في الحالتين، "سيمون" الطفلة وأهلها من لالش إلى لالش، هم الضحية.
في الحالتين، سيمون "الإيزيدية" هي المنكوحة في شرفها، من الدين إلى الدنيا.

"سيمون"، والحال، بإعتبارها عنواناً لقضية أكبر إسمها "القضية الإيزيدية في كردستان"، هي من تدفع الضريبة مرّتين:
مرّة في دينها كإيزيدية، ليس لها إلا أن تكون مسلمةً، على سنة الله ورسوله. وأخرى في دنياها، ليس لها إلا أن تصبح "طفلة متزوجة" على سنة دين الأغلبية، الذي هو دين الدولة، وهي لم تتجاوز ربيعها الثاني عشر بعد.

"سيمون"، والحالُ، ليس لها إلا أن تُنكح، من كردستان إلى كردستان، مرتين:
مرّة بالدين، ومن أهل الدين، كمشرّعين "سماويين" أو "إلهيين"، للدخول بطفلة، على سنة الله ورسوله. وأخرى، بالسياسة ومن أهل السياسة، ومن حواليهم من أهل "القانون الضرورة"، و"الإعلام الضرورة"، كمشرعّين وضعيين للسكوت الضروري، على "طفلة إيزيدية ضرورية"، على سنة "الحزب الضرورة" و"رسوله الضرورة".

"سيمون"، والحالُ، ليس لها إلا "النكاح القوي"، من كردستان إلى كردستان، مرّتين:
مرّة بالدين، على سنة "الله القوي"، وأخرى بالسياسة، على سنة "الحزب القوي"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين