الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عكاز وحجر

ماهر علي دسوقي

2013 / 2 / 13
المجتمع المدني



اخذ الطقس يميل الى الصحو تدريجياً، بعد ان كانت الاجواء عاصفة ماطرة، الرياح اقتلعت الاشجار والمياه المنحدرة من المرتفعات تملأ الارجاء، وهي اشبه بسيول عارمة..
نظر الى جوار البيت عبر نافذة تطل على الشارع، انه الخير لكن العابر للطريق حتماً سيأخذ حماماً اضافياً، غابت اماكن تجميع المياه، والمصارف غير فاعلة، في الشتاء نغرق وفي الصيف "نطق" من العطش، آه لو استطعنا العودة الى الماضي قليلاً، الآبار التي عهدناها الى جانب كل بناية وبيت آخذة الان في الانقراض، يا ليتهم "يعيدون" فرض حفرها مع مخططات البناء ، هي رحمة للبلاد والعباد وهيهات منها الآن ..
القى على جسده ما يلزم من هندام الشتاء،وخرج سيراً على الاقدام باتجاه بقالة قريبة ، طالباً بعضاً من نواقص البيت ، سار بحذر يتلفت يمنة ويسارا خوفا من مركبة عابرة مسرعة ،وما اكثرها ،" فتنثر" مياه الشارع عليه فيعود خائباً مبتلا بمياه ملوثة الى المنزل قبل ان ينجز ما عليه .
وما توقع كان، حذره حال دون "بهدلة" مبكرة ،السائق لم يعر المارة اي انتباه، وكأن من يسير لا قيمة له.
هبط الى شارع آخرحيث وجهته، ويا هول ما رأى ، ابو احمد جاره العجوز يسوق بالجهد العكاز، يحاول عبور الشارع الى الجهة الاخرى ، المركبات المارة لا تتيح له الأمر.. والسابلة كل يسعى الى سبيله، هو بالكاد يرى جيداً ، ويعيش لوحده بعد ان هاجر ابنه الوحيد الى الخارج مؤخراً، باحثا عن عمل، اما زوجته فقد توفيت منذ وقت قريب.. لكنه يتدبر امر نفسه.
ما الذي اخرجه في مثل هذا الوقت؟ لعلها حاجته لأمر هام!
المياه المتدفقة بقوة من اعلى الشارع الى المنطقة المنخفضة حيث يقف منعت "ابو احمد" من التقدم خطوة الى الامام، حاول مرارا وتكرارا ولا فائدة، وكلما نزل عن الرصيف كانت ابواق السيارات تصدح عاليا، والمياه تتطاير من حولها وتتساقط على المحيط والمارة.
اسرعت الخطى قليلا وبانتباه شديد لألحق به قبل ان يحدث مكروه ما ، وفي الاثناء كان طفل بعمر العاشرة تقريبا قد وصل قبلي وامسك بعكاز "الجار" ، رأيت الابتسامه تعلو وجه "العجوز" وكأنه يقول واخيرا توقف احدهم ليأخذ بيدي..
وعبثا حاولا النزول عن الرصيف، وصلت الى مكانهما وادرت بعض الحوار السريع مع الجار والطفل وادركت سبب خروجه ..
غافلنا الطفل "ناصر" وقفز الى الشارع حاملا بيده حجرا.. وملوحا به معترضا حركة المرور القادمة .. واستطاع ايقافها ..
قال: تفضلا بالمرور ،علا صوت الابواق والضجيج .. ضحكت وضحك الطفل ، اما "العجوز" الجار فقهق حتى بكى من شدة وقع المشهد ..
رافقته الى مبتغاه ، وعدت به وعاد ، فخاطبته مازحا يا ابا احمد اترى لو كنت حسناء جميلة لوقف الجمع لك.. ضحك وانشأ يردد قول المعري:
وما نَهنَهت عن طلب ولكن هي الايام لا تعطي قيادا
ولما تجمهني مرادي جريت مع الزمان كما ارادا
وهوَّنت الخطوب عليَ حتى كأني صرت امنحُها الودادا
أأنكرها ومنبِتُها فؤادي وكيف تناكر الارض القَتادا

انهيت معه وعدت الى مطلبي ساكناً وفي النفس من قلة مروءة البعض مغتاظا.. ولجرأة الطفل وشهامته سعيدا مختالا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين