الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط الأقنعة والأوثان

سومه حساين

2013 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ بعثة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء قبل ألف وأربعمائة عام مُخلّصاً للناس ليخرجهم من عصور الجهل والعبودية والخرافات الى نور العلم والعقل والحرية، وبعدما لاقى ما لاقى من صنوف التعذيب والإهانة والرفض لدعوته، ولا عجب في ذلك فكل نبي مُهانٌ بين قومه، ولكنه قاوم وناضل حتى استطاع أن يرتقي بقومه ممن استعمل عقله وفكّر فيما يقول وآمن به، وقد استطاع إقامة دولة العدل التي استمرت حتى الخليفة الرابع، وبعدها لم يذق المسلمين عدلاً ولا حُرّية حتى اليوم، إلا الشيء اليسير في عهد عمر بن عبد العزيز.

ومنذ ذلك العهد وحتى اليوم لم يعرف المسلمين إلا النزاعات والحروب والفتن والبطش والقهر، لقد كان هناك الكثير من المنافقين والمارقين اللذين لم يكن يهمهم من أمر الدنيا والدولة إلاّ مصالحهم الشخصية حتى لو احترق كل ما حولهم، وهؤلاء المنافقين منذ القدم عرفهم الرسول وحذّر منهم ولكنه لم يُعاقبهم لأن مبدأ الإسلام الصحيح يقوم على الحرية وتقّبل الآخر مهما كان يحمل في قلبه من أحقاد وفي رأسه من أفكار وعقائد ضغائن، المهم هو ما يُظهره للعيان لا ما يُكنه داخل صدره.

والصراع على الحكم قد بدأ في عهد الخلافة، عندما نازع معاوية عليٌ على خلافة المسلمين مما أدى الى انشقاق صفوفهم وقتالهم باسم الدين وباسم الله، وقُتل علي باسم الدين بعدما كُفّر عثمان وقُتل، ثم لاحقوا أحفاد الرسول وقتلوهم باسم الدين، وقد حمّلوا الدين ما لا يحتمل، فقد أراقوا الدماء باسمه، وأقاموا الحروب والفتن باسمه وسبوا النساء واستعبدوهم باسمه، وقُتل الكثير من الأبرياء باسمه، وقامت العصبيات والتكتلات الحزبية، وكلٌ يتعصّب لحزبه وقبيلته ويعتقد أنها الفرقة الناجية، فكلما أرادوا فعل شيء وتبريره ألصقوه باسم الدين حتى يُعطوه الشرعية أمام الناس.

والحقيقة أنه عندما قامت الدولة الأموية حرصت على استحداث ظاهرة جديدة لم تكن موجودة في عهد الرسول الكريم، وهي ظاهرة رجال الدين أو ما يُسمى بالمشايخ والأئمة، وقد حذّر القرآن والرسول الكريم من رجال الدين في عدة آيات تنهانا عن تقليد اليهود والنصارى باتخاذ رجال دين كما فعلوا فأضلوهم السبيل، وقد نبهنا الرسول لخطورتهم بقوله " إن أكثر ما أخشى على أمتي الحُفّاظ، فاحذروهم" والحُفاظ هم الأئمة من الحفظة اللذين يصلوا بالناس في المساجد، والتحذير كان لما لهم من تأثير كبير على الناس الذين يسمعوهم ويتبعوهم.

وقد حرص حُكام الدولة الأموية منذ نشأتها على استحداث هذه الظاهرة ( ظاهرة المشايخ والأئمة) لتكون اليد القوية الباطشة لمساعدة الحاكم في فرض سيطرته وسلطته على رقاب الناس باسم الدين وباسم الله، وقد أغدقوا عليهم العطايا والأموال في سبيل كسب وُدّهم لقدرتهم في التأثير على الناس، ولطالما دعا رجال الدين على المنابر الى طاعة الحاكم ومبايعته ومعاهدته على السمع والطاعة بصفته وليّ الأمة، وكم مرَّ على هذه الأمة من حّكام مُستبدّين باطشين سفاحين منذ عهد الحجاج حتى بشار الأسد الذي ذبح الآلاف من أبناء شعبه في سبيل الحفاظ على عرشه ومُلكه المُتوارث الذي لن يدوم، فلو دامت لغيره لما وصلت إليه، وإن غداً لناظره قريب.

وقد رأينا في كثير من الدول كيف يتبع رجال الدين والمشايخ حُكامهم وسلاطينهم، وكيف يجتهدون في الدفاع عنهم بكافة الوسائل والفتاوي التي تحُثُّ الناس على طاعة الحاكم وتُحرّم الخروج عليه، وبأن الواجب يقتضي الدفاع عن الحاكم باسم الدين وباسم الله، وبجواز قتل المتظاهرين المارقين باسم الدين، وهدم البيوت وتدمير البلاد والعباد باسم الدين، كل هذا من أجل بقاء الحاكم على عرشه، الحاكم الي سيحمي البلاد والعباد من الأيادي المارقة الخارجية ومن المستعمر الأجنبي، ولكن الحاكم نسي في غمرة الأحداث أنه لن يبقى له سوى بعض الحجر والشجر الذي نجا من بطشه، لقد حمّلوا الدين ما لا يحتمل في سبيل مصالحهم الدنيوية.

وفي بداية الثورات رأينا المشايخ على منابر المساجد يدعون ويفتون بحُرمة المظاهرات والخروج ضد الدولة، وعندما بُح صوتهم ولم يستطيعوا مواجهة الجماهير المنتفضة التي أعياها الفقر والقهر، والغضب الذي أدى الى سقوط الحاكم في عدة دول (والحبل على الجرار)، ولما سقط الحاكم رأينا كيف تخلى هؤلاء الشيوخ عن سلاطينهم وولائهم للحاكم وانضموا الى صفوف الثوار والجماهير الغاضبة، وكيف حاولوا تصحيح فتواهم بمباركة الثورات ولعن الحاكم، حتى أن بعضهم أفتى بجواز قتله.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى نفاقهم وصدق مقولة الرسول بهم، فهم دائماً مع الأقوى وضد الأضعف حرصاً على مصالحهم الشخصية، لقد سقطت الأقنعة، وبدأ عهد الثورات الشعبية والثورة التكنولوجية التي لم تُبقي غطاء يستر عيوب أحد، لقد كُشف كلٌ على حقيقته، وعرف الجميع أن الشيوخ هم سبب رضوخ وذل هذه الأمة، فهم من ظلَّ ينفخ في آذان الناس وعقولها طوال عشرات ومئات السنين بالرضوخ والإستكانة والسمع والطاعة لكل كبير وخصوصاً الحاكم، فطاعة الحاكم من طاعة الله حتى ولو جار، حتى لو قتل أولادنا وأكل لحومنا وانتهك عروضنا، فهو الكبير وولي الأمة والنعمة وله حق الطاعة علينا والدعاء له في ظهر الغيب ليصلح الله حاله ويُكثّر ماله.

لقد اجتهد الأئمة في الدعاء للحاكم طوال سنين، وفي رفع شأنه حتى جعلوه إلاه فرعوني لا يرى إلاّ نفسه، يبطش ويُنكل دون رحمة، ولكن.. كُسر حاجز الخوف وأزيل حاجز الصمت، ولم يبقى للناس ما يخسروه أكثر مما خسروا، فكثرة الضغط أدّت الى الإنفجار، والنور الذي انبثق أدى الى سقوط الرموز الكبيرة والقلاع التي طالما أخافت الناس وأرهبتهم، أصبح اليوم كل شيء مكشوف وظاهر للعيان، إلاّ للذين يُصرون على إغماض أعينهم خوفاً من مواجهة الحقيقة التي لم يعتادوا عليها... وهي أنه لا يوجد عبودية ولا خضوع بعد اليوم، فلا يوجد كبير ولا إله إلاً الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غريب
بلبل عبد النهد ( 2013 / 2 / 18 - 16:41 )
غريب امركم او ليس محمد هو من ادخل العرب الى الجهل والتخلف


2 - رد..
الكاتبه ( 2013 / 2 / 23 - 08:38 )
الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هو من أخرج العرب وغير العرب من الجهل والتخلّف، ولكن من اعتاد العبودية والرضوخ لغير الله يبحث له عن وثن ليرجو رحمته ويستدر عطفه.
فكل ما نُكبره ونُعظمه من دون الله يعتبر وثن، فلا إجلال لغير الله ولا طاعة إلاّ لله، فالخوف من الكبير أيٌ كان (ملك، حاكم، شيخ، مسؤول...الخ) هو إشراك بالله.

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل