الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أزمتنا مع الخطاب المتوارث

حسام شادى

2013 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يصف فريزر في "الغصن الذهبي" مشهداً كان متكرراً بروضة " ديانا ربّة الغابة المقدسة"؛ حيث شجرة يحوم عليها طيلة النهار وحتي جزء من الليل شبح إنسان مُتجّهِم الوجه، يحمل سيفه المشرع في يده وهو يتلفت طيلة الوقت حوله في حرص وحذر كمن يتوقع أن يثب عليه في أي لحظة أحد أعدائه. هذا الشخص هو كاهناً وقاتلاً معاً ، ولكنه أيضاً إن أجلاً اوعاجلاً سيقتل بأيدي شخص يبحث عنه ، وسيتولي منصب الكهنوت بدلاً منه . يتكرر هذا المشهد ويظل حاضراً في ذهن كل ملك.

وكأننا ننظر لهذا المشهد اليوم فيما يحدث من إعادة إنتاج للسلطة، وهو أيضاً إستمرار لنظام حكم مبني علي قواعد إجتماعيّة وسياسيّة متوارثة مدعومة بميثولوجيا ترّسخها وتأبد وجودها. وهي قاعدة تقول بوراثة الأرض والمجتمعات وحديثاً إلي جوارهم وراثة المؤسسات وراثة كاملة أيضًا .تجري إنتخابات رئاسيّة قبل الإتفاق علي دستور جديد عصري ويصلح لحياة ترضي الجميع، بشكل أو بأخر تصب في مصلحة طرف ما وهم "الإسلامين" المدعومين من الخارج الرأسمالي المأزوم، ومن جزء من الداخل المأزوم بشدة، تيارات إسلاميّة مختلفة، عواجيز إستقرار الطبقة الوسطي والبيروقراطيّة والرأسماليّة التي تلتقي مصالحها مع مصالحهم .

يُقسم الوريث الجديد أمام عدة جهات، الجيش.. البرلمان... المحكمة الدستوريّة.. وطبعًا أمام أعضاء جماعته ومؤيديه وكأنها بيّعة!!، ويبدأ تعامل جزء كبير من النخبة السياسيّة والإعلاميّة معه كرئيس شرعي وهذه أيضاً بيعة ضمنيّة .مهاجمة دائمة إلي جانب دعوات للحوار مع المرشحين الأخرين وخصوصاً أن منهم من حصد أصوات كثيرة لسبب وحيد وهو رفض هذه الأصوات للمرشح الإخواني، وإثارتهم لوقائع التزوير بالإنتخابات . بلا شك أن إثارة حرب اعلاميّة وبوليسيّة وإجتماعيّة وقانونيّة مدعومة من المؤسسات الرسميّة ضد أطراف معينة هي في الغالب رافضة لهذه البيعة، منها قوانين وقضايا ما سمي بالإزدراء، والذي تم تفصيله ليطبق على من يهاجم الإسلام السُني فقط!!، ثم تفصيل دستور علي مقاس الخلافة الجديدة توافق عليه كل أطراف المصالح فلكل طرف مادة أو أكثر تدعم إحتفاظه بمكاسبه وحتي الأزهر رغم الخلاف التاريخي

والفكري بينه وبين تيارات الإسلام الوهابي قد مرّر مواد الشريعة لصالح بقاء منصب شيخ الأزهر مدي الحياة .

هجوم دائم علي الطبقات الأكثر فقراً في المجتمع، لتزداد فقرًا أكثر، وإعتبار أي إعتراض أو مطالبات أو تحركات من جهتهم ليست اكثر من بلطجة وفوضى، لأنها تهدد مصالح السادة. نزول مليشيات الجماعات الإسلاميّة"الجناح العسكري" لقتل وتأديب رافضي البيعة وإشتمال هذه الهجمات على ممارسات مريضة رجعيّة تذكرنا بحروب الكفار القديمة مثل إختطاف وإغتصاب للفتيات بزعم أنهن نساء الكفار أو السبايا العاهرات، وأخيراً التعريّة والسحل لرجل حتى كشف عورته!؟، كل ذلك يبدو كتوجيه رسالة مباشرة دائمة لجيل كان هو الطرف الفاعل في الحركة الشعبيّة، ومعلوم رفض معظمه لشكل السلطة المتوارث ورفضه للخطابات الداعمة لها . وإعتبارهم مأجورين وإلساق تهم كثيرة بهم، ومطالبة رجال الدين الوهابي المنتظرين أيضاً لفرصتهم في منصب الخلافة بالتعامل معهم كمفسدين في الأرض، وشن حملات أمنيّة وإعلاميّة قمعيّة ضدهم، بل مشاركة جزء من النخبة في مهاجماتهم أو علي الأقل إتهامهم بعدم الفهم وإنكار مشاركتهم في العنف وتسميّة الغاضبون بالمخربون، وترويج خطاب نبذ العنف ، وكان أخرها وثيقة الأزهر.

كل ذلك يبرز رعب أصحاب الخطاب الرائج أو الرسمي من التحول والذي قد يحدثه هؤلاء لأنهم يمثلون إتجاه يهدد وجود شكل الدولة التي تخدمهم جميعاً حتي الخاسرين منهم في المعركة السياسيّة .

وأمّا عن المقابل التاريخي للمشهد فيخبرنا به المفكر هادي العلوي في فصول من كتابه "تاريخ الإسلام السياسي": "أنه قد بويع أبو بكر وسط معارضة شديدة من مؤيدي سعد من جهة ، ومن مؤيدي علي من الجهة الثانيّة ، ومع أن هاتين الفئتين لا تملكان أكثريّة ضاغطة فقد كان من المنتظر أن تسبب إرباكاً للخليفة يعيق الإعتراف العام ببيعته ويفسح المجال للطعن في شرعيتها. ولكن مبادرة أبو بكر الي الرد السريع علي الردة ساعد في صرف الأنظار عن أزمة الخلافة إلي مشكلة أكثر إلتهاباً ، والتي تحمل خطراً مشتركاً يواجه كل الأجنحة المتصارعة" .

في النهايّة، يذكرنا المشهد بتأملات فوكو في كتابه "فلسفة السلطة" إذ يقول:"أن علاقات السلطة في أي مجتمع من المجتمعات متعددة ومخترقة ومميزة ومكونة للجسد الإجتماعي، ولا يمكن فصلها أو إقامتها أو توظيفها من دون إنتاج ومراكمة وتوزيع

وتشغيل أو توظيف لخطاب الحقيقة . وليس هناك ممارسة للسلطة من دون نوع من إقتصاد لخطابات الحقيقة، التي تشتغل إنطلاقاً من السلطة ومن خلالها . وأن الخطاب الحقيقي في جزء منه يقرر وينشر ويمرر أثار السلطة ، وقبل كل شئ ، وهذا هو الأهم فإننا نحاكم وندان ونُصنّف ونلزم بمهام، وبنوع من الحياة والموت، تبعاً لخطاب الحقيقة الذي يحمل في ذاته أثار السلطة". وأترك لك أنت النظر إلي المقابل الواقعي لكلماته السابقة ولقوله أنه إذن تشكل الصرح القانوني حول الشخص الملكي ، بطلب من السلطة الملكيّة ومن أجل مصلحتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر


.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا




.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت