الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإدارة المغربية لا تعمل إلا صباحا ؟

الحايل عبد الفتاح

2013 / 2 / 16
المجتمع المدني


مــــذكـــــرات مـــــحــــــــام (2)
الإدارة المغربية لا تعمل إلا صباحا ؟

التغيب والكسل هو سمة بعض الموظفين وخاصة موظفوا وزارة العدل ببعض المحاكم المغربية. وما زاد في تغيبهم وكسلهم هو انعدام المراقبة المستمرة من طرف المسؤولين داخل وخارج وزارة العدل، وايضا فرض الموظفين لتوقيت محدد للعمل ولاستقبال المحامين والمتقاضين. وكل هذا يفتح الباب أمام كل أنواع التغيب والكسل والتسيب الإداري...
فإذا كانت ساعات العمل الرسمية هي من التامنة والنصف صباحا إلى غاية الساعة الرابعة والنصف مساءا أي التوقيت الإداري المستمر( حسب السيد جطو ومرسومه) ، فبعض الموظفين لا يخجلون من أنفهم ومن ضميرهم ولا يحترمون أنفسهم ولا رؤساءهم حين يلجون مكاتبهم متأخرين أو يذهبون منها قبل انتهاء الساعة المقررة قانونا...
حديثنا اليوم في هذه المذكرة سينصب فقط على موضوع يهم قانونية أو عدم قانونية اللائحة المعلقة من طرف الموظفين على أبواب مكاتبهم و سجل عليها " الإجراءات صباحا فقط". وهي ظاهرة أصبحت عادية في أعين الكثير من العاملين بالمحاكم.
وقد عشت تطبيق هذه الظاهرة عدة مرات وآخرها بالتحديد داخل المحكمة الإبتدائية بتمارة.
فعلا، وصلت بي تنقلاتي الشقية بين المحاكم الرباطية المشتتة إلى المحكمة الإبتدائية بتمارة، وبالضبط بغرفة جنحي سير. الساعة كانت تشير إلى التانية بعد الزوال ( 14 H ). حالة الإكتضاض والصخب وكثرة الحركة المألوفة صباحا منعدمة في هذه الساعة. العمل والحركة بدآ يدبان ببطئ داخل الغرف والأقسام والمكاتب والممرات. كنت متيقنا من أنني سأنجز الإجراءات التي جئت من أجلها خاصة أن وقت الأكل والصلات والخمول والكسل و القيلولة قد انصرم.
دخلت غرفة جنحي سير وبدلتي المهنية السوداء من الحزن معلقة بدراعي. لم أرتدي البدلة لأنني كنت سأقوم بإجراء لن يدوم سوى بضع دقائق...كان الإجراء الذي سأقوم به بالضبط هو سحب نسخة حكم تمهيدي لدى غرفة جنحي سير. وهي غرفة تحتوي على 6 مكاتب داخل حجرتين مشتركتين، يوجد بداخلها في هذه الساعة الهادئة ثلاث موظفين التحقوا بالوظيفة العمومية ( على ما أعتقد) منذ سنتين أو ثلاث. الموظف الذي وقفت أمامه كان منهمكا في الكتابة. ومن عادتي أنني ألقي السلام وأنتظر إلى حين ينتهي الموظف من كتابته أو عمله الذي بدأه. وهذا ما فعلته يومه هذا أمام موظف محكمة تمارة. لكن بعد انتظار غير عادي بل مطول، وعدم رفع الموظف لعينيه في اتجاهي، واستمراره في الكتابة، طلبت منه أن يخبرني هل حرر الحكم أم لم يحرر بعد( مشكل تحرير الأحكام والقرارات مشكل آخر). الموظف يبدو متغيبا فكريا وشارد فيما هو فيه. بقي منغمسا في الكتابة وفي نفس الوقت رد علي قائلا : " الإجراءات صباحا فقط". هذه الجملة اعتدت على سماعها من العديد من الموظفين المغاربة، لكن رغم ذلك فإن الموظفين الذين ينطقون بها يتراجعون ويقومون بالعمل الذي من حقي طلبه منهم. أما الموظف الذي كنت واقفا أمامه بمدينة تمارة، بمحكمة تمارة، فهو جاد في محتوى قراره " أي " الإجراءات صباحا فقط". حسبت أنه يمزح معي كعادة أغلبية الموظفين القدماء. فكررت نفس المطلب لنفس الموظف. لكنه بقي صخرة باردة صلدة. فتبين لي أن الأمر غير ما كنت أعتقد؛ فهو لا يمزح بل يتكلم بجدية. لم يرفع حتى رأسه لنظر إلي، بل بقي منغمسا في الكتابة، وكرر بهدوء ضيق مسموم : " لقد قلت لك الإجراءات صباحا فقط". ولكي أحرك فيه شيئا من المنطق أو القانون أجبته : " هل أنتم لا تعملون إلا صباحا مع المحامين ؟".
لم يحرك ساكنا واستمر بسداجته القانونية في الكتابة بدون أن يعرف هل له الحق في أن يرفظ طلبي. كان المسكين مقتنعا بمقولة " الإجراءات صباحا فقط". لا أدري من أقنعه بهذه الأكذوبة. لا أدري من أدخل في جمجمة هذا الموظف أنه ممنوع على المواطنين والمحامين القيام بالإجراءات لدى المحاكم بعد أكل الموظفين وصلاتهم.
ماذا عساني أن أفعل أمام جهل هذا الموظف ؟ كنت فيما قبل أناقش كل منع غير مقرر بنص حتى مع أدنى درجات الإداريين. أما الآن فقد تغير موقفي وتصرفي. فتجربتي المهنية المتواضعة جعلتني أتلافى الجدل مع مثل هذا الموظف الجاهل لواجباته المهنية. عندها خرجت من الغرفة وذهبت إلى صوب مكتب السيدة رئيسة كتابة الضبط. فهي تعرف كيف أتصرف قبل أعوام وكيف أتصرف حاليا...لقد فقهت إلى أنه لا داعي ولا فائدة من التحدث أو المجادلة مع بعض الموظفين الذين يجهلون المساطر والقانون بل يجهلون حقوقهم وواجباتهم. بل البعض منهم لم يقرأ في حياته قانون الوظيفة العمومية بمختلف نصوصها. مند مدة أصبحت لا أتحدث ولا أجادل في قانون أو تنظيم أو مسطرة ومقارعة الحجج القانونية والتنظيمية إلا مع المسؤولين والرؤساء. لأنني علمت أنني أضيع وقتي ووقت الآخرين بالمناقشة الغير منتجة...
فعلا ولجت مكتب السيدة رئيسة الضبط وأنا أبتسم قائلا : " هل صحيح أن موظفو محكمتكم لا يعملون إلا صباحا ؟"...فهمت لتوها ماذا أقصد وماذا كنت أعني...وباختصار شديد، اقترحت علي السيدة رئيسة كتابة الضبط بمقامها ورغم ضيق وقتها، أن تقوم هي نفسها بالإجراء الذي كنت أنوي القيام به...
فليحضر مفتش من وزارة العدل أو عضو من الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدل ( بدون سابق إندار) لزيارة المحكمة الإبتدائية بالرباط أو تمارة مثلا أو المحكمة الشرعية ( قضاء الأسرة) بالرباط بعد الساعة الواحدة زوالا. فسيرى عجبا. فبعض الموظفين في هذه الأويقات السباتية متغيبون أو منهمكين في الحديث والثرثرة والزيارات الحميمية أو العمل ظاهريا برفقة غنية "دردك أ عاود دردك"...ولكي يخلدوا للراحة بدون إزعاج من المحامين أو المتقاضين فهم ألصقوا على أبواب مكاتبهم عبارة"الإجراءات صباحا فقط"؛ بل بعضهم يتمدد ويتلذذ بهذا التنظيم الغريب ليكتب على وريقة يلصقها بباب مكتبه " الإجراءات صباحا من الساعة الفلانية إلى الساعة الفلانية". وهم بقانوننهم المصطنع هذا يجدون راحة فكرية وجسدية ويخلدون للسكينة والخمول والكسل أو العمل بوثيرتهم المتدبدبة. بملصقاتهم هذه خلقوا لهم تنظيما خاصا داخل المحاكم. فهم يلصقون هذه الوريقة ليفعلوا ما بدا لهم حين انتهائهم من الأكل والشرب والصلات...هذا هو التسيب الإداري بعيدا عن أعين الناقدين و"البركاكة" والحاسدين لمقامهم الشريف النقي الناعم والمؤدى عنه من نقود وجيوب المواطنين. فمن حقهم القيام بإضرابات متكررة ومستمرة للزيادة في أجورهم لكن أن يفرضوا قانونا لا علم للمحامين بمشرعيه ومنظميه فهذا لا يقبل ولا يطاق.
كفانا استهتارا بالمغاربة وبالمغرب يا معشر الموظفين. فهذه الألواح البيزنطية المعلقة على أبواب المكاتب ليست سوى خرقا فادحا للقانون...مسا بمبدئ استمرارية المرفق العمومي. فالقانون يفرض على الموظفين بموجب تعاقدهم مع وزارة العدل العمل سواء في الإجراءات أو غير الإجراءات داخل كل أوقات العمل، لا فقط صباحا أو في ساعات يحددونها هم أو رؤسائهم بمحض إرادتهم ورغبتهم...ومن خلق هذه القاعدة والملصقات فهو شجع بعض الموظفين على الكسل والخمول والتغيب والتسيب...
هذه الملصقات السخيفة خلقت تنظيما غريبا خرقا للقانون ولحقوق المواطنين والمتقاضين والمحامين...بل هو تنظيم يعطل الموظفين عن العمل ويعطل تطبيق القانون ويعطل مصالح المواطنين والوطن...من يضع هذه الملصقات فهو يخرق القانون الرسمي المتعامل به والواجب احترامه، ويخلق قانونا عرفيا لا يرتضيه إلا من لهم مصلحة فيه.
التجاوزات الإدارية لا تقف عند هذا الحد، فجل أبواب المكاتب تغلق بعد الساعة الثانية عشرة. والمحامي والمتقاضي عليهما أن يقوما بكل الإجراءات قبل هذه الساعة، أي صباحا. لماذا ؟ لأن أغلب الموظفين يذهبون لتناول الغداء أو البعض الآخر للصلات أو البعض الآخر للأكل والصلات...ولا يعود أغلبهم إلا حوالي التانية أي بعد ساعتين أو ساعة ونصف...بل بعضهم لا يرجع إلا في الغد...
إذن، على الهيئة الوطنية العليا لإصلاح منظومة العدل أن تتخلص أولا وأولا من العديد من الممارسات الغير القانونية أو قل العرفية داخل الوظيفة العمومية...ولتعلم أن مثل هذه الممارسات الغير القانونية أو العرفية تخلق مشادات كلامية وشجارات كثيرة وتعطل مصالح وحقوق المواطنين. أليس كذلك ؟

الحايل عبد الفتاح، محام من هيئة الرباط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين