الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصب ..اشكالية في التفكير، اشكالية في السلوك

اسعد الامارة

2005 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعل من اهم المنعطفات المهمة في قدرات الانسان المعرفية ، هي معرفة ما يدور " داخل الدماغ"ولعل الشئ المميز لهذه القدرات هو التركيز على تأثير الخبرة السابق والدافعية والخلفية الاجتماعية على الادراك ثم التفكير بما ادركه الفرد ، لذا فأن انتقاء الفرد للمنبهات الخارجية لا يحدث بشكل عشوائي وانما هناك تنظيمات معرفية متعلمة خاصة بكل فرد تجعله يدرك المنبه بطريقة تختلف عن الافراد الاخرين وهكذا فأن بحوث عالم النفس ( ادورنو) وزملائه بخصوص اساليب التفكير لدى الناس ، اكدت بوجود تنظيماً معيناً للشخصية يؤثر على كيفية استقبال الدماغ للمعلومات ومعالجته لها ، ولهذا فالشخصية هنا هي العامل الداخلي الذي يؤثر على التعامل مع المعلومات داخلياً ، ومع الافراد في المحيط الاجتماعي ، وتنبع كل تلك العمليات اساساً من عملية التفكير وتحديد الاساليب التي يمكن استخدامها اثناء التعامل .
اما السلوك فيعرفه ( احمد عزت راجح) بأنه كل مايصدر عن الفرد من استجابات مختلفة ازاء موقف يواجهه ، او مشكلة يحلها او خطر يتهدده او قرار يتخذه ، ويضيف (راجح) قوله ان السلوك كل نشاط يصدر عن الانسان وهو يتعامل مع بيئته حركياً او عقلياً ام انفعالياً ، انما يصدر عن الانسان بأسره ، بكليته ، اي من حيث هو وحدة كلية .
ولعلني لست في حاجة الى بيان المعنى الذي يجب تفصيله عن التعصب ، ولكن لا بأس ان نستعرض بعض التوضيحات السيكولوجية عن هذا المفهوم الذي يأسر الشخصية باكملها حتى استطاع ان يحرف النفس عن سواها في الصحة . فالتعصب ازمة تقوض وحدة المجتمع ، تنبع اساساً من شخصية مضطربة في معيار الصحة النفسية والعقلية الاجتماعية ، حتى اذا بلغ التعصب ذروته القصوى بين افراد المجتمع ، سيؤدي حتماً الى افساد تماسك المجتمع وتهديد كيانه ليختل توازنه فتعتل شخصية الفرد التي تنعكس بمجموعها على المجتمع ، وعليه يمكن تعريف التعصب بأنه اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً او جماعة او موضوعاً معيناً ادراكاً ايجابياً محباً او سلبياً كارهاً ، دون ان يكون لهذا الادراك ما يبرره من المنطق او الاحداث او الخبرات .
فالتعصب اذن اتجاه ، والاتجاه هو استعداد تجاه شئ او تجاه فكرة ، شخص ، هد ف ، موضوع، ذلك الاستعداد يتضمن الشعور الذي يحمل الفرد على العمل والتصرف . ويرى (البورت) بأن الاتجاه هو حالة من استعداد او التأهب العصبي النفسي ، تنتظم من خلاله خبرة الشخص وقد تكون ذات تأثير توجيهي او دينامي على استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تستثير هذه الاستجابة ، ويطرح البورت اربعة عوامل لتكوين ذلك الاتجاه وهي :
- الخبرات الفردية حول موضوع معين تتكامل وتتجمع مع بعضها
- يمر بعملية تمايز نتيجة للخبرات المختلفة
- قد تكتسب نتيجة لخبرة واحدة قوية تقليد الوالدين والاصدقاء والافراد الاخرين الذين يحوزون اعجاب الفرد بصفة عامة

يحمل التعصب معه دائماً وبلا ادنى شك الكراهية للاخر ، هذه الكراهية المفرطة التي ربما تصل الى الغاء الاخر او تسقيطه وان تمكن من تدميره وفناءه لفعل ، فالتعصب اذا كراهية موجة مرضية غير صحية ترضي صاحبها بالذات ، وفي تلك الحالة يضعف الحس الانساني في التواصل مع الاخر..
في التعصب يفتش المرء عن حل لتوتره ، اي عن الانتقام والتشفي ، هنا نلاحظ ان في سلوك المتعصب تقلب واضح لمن يسانده مهما كان مؤمناً او ملحداً ، مبدئياً او بروجماتياً "نفعيا" ، فهو يتقلب مع من يؤيده ، اذا هو يستنفذ كل خياله وتفكيره في البحث عن طرائق واساليب سلبية ملتوية ، حتى يتراءى له ان كل من يعارضه او يختلف معه يصبح خصمه ويرغب في ان يراه مغلوباً مقتولاً .
ان من سلوك التعصب هو البروز الواضح في تفشي الحقد بين الناس او الاضطراب الواضح في العلاقات ، ويحمل معه الواناً كثيرة ومتعددة من السلبيات التي تتحكم بل وتوجه السلوك ، فهناك الكره ، والتعصب والرغبة في تدمير الآخر .
يقول عالم النفس المصري الشهير "مصطفى زيور" علينا ان نتجمل بكثير من الشجاعة والاناة ، بل علينا ان نفتح اعيننا على ما يدور في انفسنا عند بحث التعصب حتى لا تصدر في ما نقرر الا عن الحقيقة وحدها ، فالتعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية ، ولا يغير من الامر شيئاً ان يكون التعصب دينياً ، فقليل من التفكير يدلنا على ان التعصب الديني لا يختلف لا في مبناه ولا في معناه عن اي نوع من انواع التعصب التي تنشأ بين الاجناس او بين الاحزاب السياسية او بين المذاهب .
يحق لنا القول ان التعصب هو اشكالية في التفكير ، حيث تتكون الاتجاهات المتعصبة في الجوانب ( المعرفية والانفعالية والسلوكية ) وازاء ذلك فهو ميل انفعالي يفرض على صاحبه ان يشعر ويفكر ويدرك ويسلك بطرق واساليب تتفق مع حكم بالتفضيل او عدم التفضيل لشخص او لجماعة او لمذهب او لدين او لقومية او لجنس من الاجناس .
وهكذا نستطيع ان نقرر بأن التعصب هو اشكالية في الادراك واشكالية في التفكير واشكالية في السلوك تنعكس علينا جميعاً اذا ما كنا مسالمين متسامحين ، نرى الاخرين بعين السواء لا فرق في خلق الله في هذا الكون . اما المتعصب فقد انتصرت لديه دوافع الكراهية نحو الآخر ويرى بعين تحرض لدوافعها نحو التمرد على الدين المعتدل والفكر الهادئ والمذهب الملتزم والاتجاه السوي لدى عامة الناس ، هذه اشكالية اخرى نعيها نحن معشر البشر الاسوياء لكن لا يدركها من لديه شعور بمرض التعصب ، فهو يريد تبرير التعصب في الدفاع عن النفس ، والدفاع عن النفس في مثل هذه الحالة يعني من الناحية السيكولوجية الاحتفاظ بالبناء الراهن للشخصية مهما كان فيها من عوج حتى وان تلوثت بمرض في الادراك وفي التفكير وفي السلوك ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة