الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس

يوسف رزين

2013 / 2 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في إطار محاولتهما لدراسة التاريخ و وضع تصور للمنطق الذي يحكم مساره وقف كل من هيغل و ماركس على طرفي النقيض و التماثل . فهيغل اعتبر أن العقل هو الذي يحدد المادة بينما رأى ماركس أن العكس هو الصحيح ، اي ان المادة هي التي تصنع الفكر . لهذا سميت فلسفة هيغل بالمثالية التاريخية و فلسفة ماركس بالمادية التاريخية . فكيف ذلك ؟
بداية فيما يخص هيغل فإنه يرى أن التاريخ هو تتويج للعقل و تحقيق تدريجي للأفكار الكونية لهذا اعتبر أن الثورة الفرنسية هي تجسيد لفكر الأنوار ، و قد عبر عن أفكاره تلك في كتبه ، نذكر منها على سبيل المثال كتاب " فينومولوجيا العقل" الذي درس فيه طبيعة الوعي البشري باعتباره حركة المعرفة و أوضح من خلاله أن جوهر الإنسان هو التفكير . أيضا في كتابه " مبادئ فلسفة الحق" عرض نظريته السياسية المحددة للعلاقة بين الدولة و المجتمع حيث برر فيه هيمنة الدولة على المجتمع قائلا " كل ما هو عقلاني فهو واقعي و كل ما هو واقعي فهو عقلاني و أن تغيير العالم على النحو الذي يتلاءم مع مفهوم الحرية هو مهمة العصر الحديث" .
إذن يمكن القول أن فلسفة هيغل هي فلسفة تقوم على نسق متجانس حول إشكالية العقل مستخدما بذلك مفهوم الجدلية التي انتقل بها من طريقة للتفكير كما كان سائدا من قبل لدى الإغريق إلى حركة للفكر بعلاقته بالوجود . فالجدلية حسب هيغل هي في نفس الوقت مفهوم و مبدأ للإدراك تتحكم في سير العالم ، و هي تنقسم إلى الطريحة (الطرح) و النقيضة (الطرح المضاد) و الشميلة ( التركيب) و هي بالنسبة له هي تاريخ التضاد الذي هو في الأصل تضاد في الأفكار و عن طريقه يولد التطور الذي يتجسد في العقل من خلال الإشكال التعبيرية كالدين و الفلسفة و الفن ...
إذن فهم التطور التاريخي حسب هيغل هو فهم لحركة الفكر أو العقل الذي لا يكتسب قيمة إلا عندما تجسده الدولة لهذا قال بأن التاريخ يتجسد في الدولة و أن الدولة هي نابليون .
أما بالنسبة لكارل ماركس فقد رأى العكس . فهذا الفيلسوف الذي تأثر في بداياته بفلسفة هيغل الجدلية و فلسفة فيورباخ المادية ، قد ألف رفقة صديقه إنجلز كتاب " الايديولوجيا الألمانية" انتقد فيه المثاليين كهيغل صاحب فكرة الجدلية المثالية و معوضا إياها بالمادية التاريخية ، حيث اعتبر أن تاريخ كل مجتمع هو تاريخ الصراع بين الطبقات ، فأوقف بذلك فلسفة هيغل على قدميها (على حد قوله) معتبرا أن المادة هي الأصل و أن الفكرة تابعة لها . و قد أوضح ذلك من خلال تمييزه بين البنية التحتية (المادة/الوجود/الواقع الاجتماعي) و البنية الفوقية (كل أشكال التعبير الفكرية كالدين و القانون و الفن ...) . فمادية ماركس هي فلسفة مادية اجتماعية تمكن من فهم " الإنسان" أو العلاقات الاجتماعية . فالديالكتيك المادي حسب كارل ماركس يمكننا من فهم حركة التاريخ ، حيث أن الواقع الاجتماعي (البنية التحتية) هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي ( البنية الفوقية).
و لتوضيح ذلك حدد ماركس مفاهيم قوى الإنتاج كالتالي : قوى الإنتاج (وسائل الإنتاج + اليد العاملة ) و علاقات الإنتاج (الطبقة السائدة) و نمط الانتاج (رأسمالي أو إقطاعي ) و أن التناقض و الصراع بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج هو الذي يولد نمطا إنتاجيا جديدا . إذن مثلما أن البورجوازية نشأت من رحم النظام الفيودالي حيث دخلت في صراع مع طبقة النبلاء و أزاحتها ، فغيرت طبيعة العلاقات الاجتماعية و الايديولوجيا السائدة ثم أفرزت قوى إنتاج جديدة (الآلة و العمال بدلا من الأقنان) و طبقة اجتماعية جديدة أي البروليتاريا التي يرى ماركس أن قوتها الاجتماعية تؤهلها لتجاوز النظام الرأسمالي و خلق نظام إنتاجي مغاير هو نمط الإنتاج الاشتراكي حيث يخلص في النهاية إلى أن تاريخ البشرية هو تاريخ أنماط إنتاجية و هي كالتالي : المشاعية البدائية ، المجتمع العبودي ، المجتمع الفيودالي ، المجتمع الرأسمالي ثم في النهاية المجتمع الاشتراكي .
هذه إذن كانت مقارنة سريعة بين الفلسفتين و يمكن تلخيصها في كون هيغل يرى أن التغيير ينطلق من العقل نحو المادة بينما يرى ماركس أن التغيير ينطلق من المادة نحو العقل أو الفكر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المصالحة بين المثالية والمادية
ابو داود المحبوب ( 2013 / 2 / 19 - 19:04 )
اعترف بأنني لست ماركسيا ولست مثاليا بل مسيحيا واقعيا، أقول هذا كمقدمة لوضع رأيي في صراع الأضداد بين مدرستين فلسفيتين عريقتين. القول بأولوية المادة وبان الفكر انعكاس للمادة لا يجيب على السؤال القديم إلا وهو علة وجود المادة، أي المسبب والمحرك الأول. ومع إدراكي الكامل أن الشيوعية هي أصلا عمل سياسي وفكري لا يقصد العقائد واليمان الشخصي، إلى أنها في النهاية ترفض فكرة الخالق كموجه للمادة التي ألهمت وعكست الأفكار. في فلسفة هيجل أضيف كمسيحي أن الفكر المبدع وسيطرته على حركة التاريخ يحتاج إلى المفكر والمبدع الأول. فانا كمسيحي لا اجد مشكلة في فكر ماركس أو هيجل سوى تطور الفلسفة المادية الديالكتيكية لان الجدل يقول بتطور الطبيعة والمجتمع والفكر البشري، فهل نحمد الديالكتيك أم نضيف اليه حقيقة وجود الله؟؟؟. انه سؤال أضعه أمام الرفاق الشيوعيين، فالله ليس عدوكم بل هو المحب لكم ونصير كم في رفض الظلم ورفض لاضطهاد الطبقي لانه يريد أن يعيش الإنسان بعرق جبينه وليس بعرق وتعب الآخرين. ويا أحرار العالم اتحدوا


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 2 / 19 - 20:04 )
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?5123-%DD%E1%D3%DD%C9-%E5%ED%CC%E1-%E6%E3%C7%D1%DF%D3-%E1%E1%CA%C7%D1%ED%CE


3 - الفكر والمادة
آكو كركوكي ( 2013 / 2 / 19 - 20:16 )
هناك رئي يؤكد على إن ماركس كان يعتقد بالأزدواجية أي أهمية الفكر والمادة معاً. فهو يُشبه المسئلة بالشخص الواقف ورأسه الذي يحمل عقله أي الفكر في الأعلى وقدماهُ على الأرض أي على أرضية مادية، بمعنى إن أفكارنا قائمة على أسس مادية، هذا لاينفي الآخر بل يقر بأهمية الأثنين، وكل مافعله ماركس هو إنه رتب المستويات بين المادة والفكر بعكس هيغل.

اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يطلق النار على سكان قرية لبنانية حدودية


.. دعوات الحجاج ورجال الأمن تحت زخات المطر




.. الخارجية الأمريكية: هناك إطار دبلوماسي قد يحقق الحل بين حزب


.. روسيا تنتهك المجال الجوي لسويدا وفنلندا




.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات في ثاني أيام التشريق