الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكومون بالتعايش

آزاد أحمد علي

2005 / 4 / 2
القضية الكردية


افتتاحية مجلة: الحوارالعربي -الكردي العدد 45/2004

الحريق الذي اشتعل في القامشلي ربيع هذا العام*، وأجج ناره تجار الحروب والفتن والمعتاشون على الصراعات بكل أصنافها ودرجاتها. هذا الحريق الذي انطلقت شرارته من مدينة القامشلي وامتد شرقاً وغرباَ وكاد أن يحرق البلد، ويمزق أجمل ما بناه إنسان المنطقة من قيم التعايش والتآلف والمحبة.
الحريق الذي اشتعل في الأطراف وانتقل إلى المركز، والذي أخمدت ناره ونزعت ألغامه بتضامن جهود الخيرين وبفضل يقظة وغيرية القوى الوطنية جميعاً، هذا الحريق الخامد ـ الكامن، هذا الحريق القابل للاشتعال في كل لحظة، لم يقدم حتى تاريخه أي تفسير مقنع لأسبابه المباشرة.
فإذا كانت الأسباب البعيدة معروفة، فمن الضروري إيضاح المسببات وعوامل التحريض المباشرة، هذه الأسباب إن ظلت مستورة وغائبة فقد تساهم في اشتعال حرائق أخرى في أطراف أخرى وبصيغ أخرى، وقد لا تتوافر في هذه "الحالات الأخرى" عوامل ضبط وإخماد سريعة، لأن هذه الأنواع من الحرائق تظل نائمة تحت سطح هذه الأرض المتعبة جوعاً وحرمانا،ً هذه التربة التي أتعبها اليباس وغابت عنها الخضرة وتنحسر عنها ظلال السلام.
لقد خرجنا من الأحداث المؤسفة جميعاً بدرس وحيد ونتيجة واضحة ملخصها: أننا لم نعد نملك شيئا سوى هذا السلم الاجتماعي، وما تبقى من قيم التعايش والتآلف. وإذا خسرناهما لم يعد هنالك ما يغري بالعيش المشترك، وستسود حالات التطاحن والتصارع وصولاً إلى الانتحار الجماعي لمكونات مجتمع لم يؤسس بعد لوجوده السياسي والمدني والقانوني.
الحريق الذي اشتعل في القامشلي وخمدت ناره ظاهرياً، لم يكن سوى حدث طارئ وإحدى مفرزات السياسة الحمقاء لعقود من الجور السياسي.
الحريق الذي أشتعل في القامشلي كان أحد أول وأصغر نتائج نصف قرن من سياسات الصهر والإقصاء والإلغاء. وكان في الوقت نفسه أحد أهم الأدلة على نهاية كذبة كبيرة ووهم ضبابي يروج له بأهازيج وشعارات بدائية منذ أكثر من نصف قرن! كذبة أطلقتها بعض الأوساط الأوربية منذ حوالي قرن ومضمون هذه الأكذوبة ـ التصور: أنه يمكن بالقهر والظلم والاستبداد والإلغاء بناء دول متجانسة قومياً ودينياً!
كذبة أفصحت عن تناقضاتها في عقر دارها الأوربي منذ حين: حيث لا يمكن بناء دول معاصرة ولا يمكن تحقيق تحرر وطني أو قومي على حساب اضطهاد واستبعاد شعوب أخرى أو إلغاء عوامل التباين الموضوعي للمجتمع الواحد ثقافياً وفكرياً ودينياً، وفي أي زاوية من زوايا الأرض كانت.
حريق القامشلي أحرق أول ما أحرق هذه الأفكار المراهقة سياسيا، والتي أضاعت نصف قرن من العمر الحضاري للمجتمع السوري، ومازالت تدفعه لتمضية ما تبقى من عمره للسباحة في فضاء التخلف والبدائية.
وعلى الرغم من كل ما كتب عن أحداث القامشلي، فالحدث ما زال قائما: معضلة ومنهجاً ودلالة، ومازال بحاجة إلى أكثر من وقفة، وإلى أكثر من حوار...
حريق القامشلي الذي كان المقصود منه تعويم الصراع القومي ليطغى على كل الصراعات الأخرى..وليكبر على كل الجراح الأخرى... الحدث يظل محطة لمراجعة تاريخنا ومنظومات تفكيرنا، وليتم التأكيد من جديد: لمصلحة من ينبغي أن تطغى الصراعات القومية وتعتم على كل هذا البؤس؟!
هل الأولوية في مجتمعنا للصراع القومي ـ الأثني ـ الديني ـ الطائفي ـ القبلي؟
أم يجب أن نعمل لمواجهة مشكلاتنا البنيوية المتفاقمة؟ هل الخطر في اللغة الكوردية والأغاني الشعبية أم في الجهل والفقر والبطالة والانفجار السكاني والجفاف والتصحر والاستبداد والفساد.
لنجعل من هذا الحريق مناسبة لإحراق غرائز السيطرة وحب الصراع والتسلط فينا...
ومناسبة ووقفة في سبيل فهم أكثر موضوعية لواقعنا وتاريخنا ومحيطنا...
فهذه الأحداث كما غيرها تثبت أن مجمل التاريخ المشترك والثوابت الأخلاقية وكذلك الموحدات الحضارية والدينية بين شعوب وأقوام وأثنيات المنطقة هي كبيرة ووثيقة وقابلة للتطوير أكثر مما هي عليه في أي رقعة أخرى من العالم. فإذا حكم على هذا التاريخ وهذا الواقع بالفشل. وتراجعت الإمكانيات في هذا المجال، وانتفت القدرة على التعايش ووضع برامج ومشاريع اتحادية، ومشاريع وطنية للتشارك في الخيرات والتوافق للعيش معاً، في ظل نظم مدنية ديمقراطية اتحادية، و لم تتمكن الفعاليات السياسية والاجتماعية من تحقيق ذلك المناخ الاتحادي، سيكون الفشل الناتج عن عدم تحققه مؤشراً خطيراً للسير نحو الهاوية التي تنتظر هذه الشعوب نخباً وجماهير. لأن فشل مشروع التعايش الواعي مؤشر ودليل على إننا ما زلنا نعيش في عصور ما قبل الدولة، عصور ما قبل المجتمعات المدنية، عصور التصارع والبدائية القبلية والأثنية. وبالتالي فإن أية جهة أو مجموعة لن تفلح في مشاريعها القومية أو الوطنية الخاصة، مهما كانت هذه المشاريع متجانسة ظاهرياً. وستعاني المزيد من التصارع والتآكل. ولن تنجز المشاريع الخاصة موضوع الصراع ذاته، سواء القوموية المنغلقة منها أو الدينية المتشنجة أم القبلية. وستفشل كل هذه الطروحات لأنها أساساً لا تؤمن بمبدأ التشارك والتوافق وتفتقر إلى ثقافة التعايش المدني التي هي أس كل تطور مجتمعي ودولتي معاصر.
فعدم القدرة على التعايش في ظل قانون مدني هو بكل بساطة الفشل السياسي والحضاري، واستمرارية الانتظار على هامش العصر، والعيش في غياهب التخلف.
لذلك يجب العمل من أجل إعادة بناء مجتمع أكثر وعياً بقيم التعايش.
فلنعمل جميعا من أجل بناء مجتمع يبجل الإنسان ويحترمه ويعمل لسموه وضمان حقوقه وتحقيق سعادته. هذا المجتمع الذي ينتعش ويترسخ بنيانه في فضاء التعايش ومناخاته التي أسس لها الإنسان الواعي عبر تراكم تاريخي طويل، وسيظل يدافع عن منجزاته ويطورها لصالح الإنسان ولإعلاء قيم البشرية العليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ليس هناك تكافؤ بين إسرائيل وحماس ونرفض تطبيق المحكمة


.. تونس.. منظمة حقوقية توثق 20 حالة انتحار خلال شهر أبريل




.. تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق إسر


.. بتهمة ارتكاب جرائم حرب.. الجنائية الدولية تسعى لاعتقال نتنيا




.. ما فرص تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال مسؤولين