الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسانية ... بين حقائق العلوم وقيم الحياة

زاهر نصرت

2013 / 2 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإنسانية ... بين حقائق العلوم وقيم الحياة

لاشك ان المعرفة اوسع من ان يدركها انسان ، ومهما حاول البشر ان يحيطوا بمفردات المعرفة فانهم لا يستطيعون سواء وصلوا الى المعرفة كاملة او خزنوا ملايين المعلومات على أشرطة الكومبيوتر والآلات الحاسبة فأنهم لو أستمروا عمر الحياة الانسانية فستبقى المعرفة تتسع وليس في حيازة الانسان وفي مخزونه الفكري الا القليل ، فاذا كان هذا صحيحا ً واذا كانت قدرات الانسان محدودة على رغم الخيال التكنولوجي الطموح واذا كانت المعرفة تتسع اكثر والى مالا نهاية فما الذي يجب على الانسان ان يفعله بعقله الصغير وحياته القصيرة تجاه هذه المساحة اللامحدودة من المعرفة المجهولة ؟

لاشك ان السؤال يثير مخاوف عدة ، فهل المطلوب ان نترك المعرفة ونشتغل بحياتنا فقط نعيشها سواء بالجهل ام بالعلم البسيط وندع مهمة اكتشاف الكون والذرة ، ام ان المطلوب هو قضاء العمر بجمع ما نستطيع جمعه من المعلومات حتى وان كنا لن نصل الى نهاية المعرفة ؟

لو افترضنا ان كل البشرية تتمثل بأنسان واحد وعمرها كله بعمره وعقلها بعقله ، وبقى هذا الانسان يبحث في الذرة حتى لم يبق مجهول فيها وبقى يبحث حتى استطاع ان يصنعها وبقى يبحث في الفضاء حتى وصل حدوده وبقى يبحث في الخلية حتى انتهى عمره بعمر البشرية وعرف كل شيء فما هي حصيلة ذلك هل سيستطيع ان يبقى حيا ً أبد الدهر وحتى لو بقى فما قيمة بقائه بعد ان عرف كل شيء ؟ واذا كانت المعرفة هدف الحياة الانسانية فما الذي يبقى لها من هدف بعد الوصول الى هذه المعرفة هل سيستحدث سلما ً للقيم يختلف عن الذي قضى عمره وعمر البشرية وهو يستخدمه ويخدمه ؟ هل سيغادر موقعه في المعرفة الى موقع اخر خارجها ؟

لقد سعى الانسان ويسعى لكنه لا يعرف حتى الان الجهة التي يريد . انه يسعى لأن يجمع معرفة العالم كله ولكنه لا يعرف ما سيفعل بها بعد ذلك ؟ هل غاية العالم هي المعرفة المجردة ام ان غاية العالم هي الحياة ، والحياة تفترض معرفتها الخاصة بها والضرورية لها ولاستمرارها فقط ؟ هل نطلب الحكمة من المعرفة أم من الحياة ، وهل تستوجب الحكمة ضرورة المعرفة المطلقة بكل شيء ، ام هي ضرورة حياتية اساسا ً تقول بضرورة المعرفة في حدود استمرارية الحياة فقط ؟ ولا حاجة لمعرفة خارج مجال خدمة الحياة الانسانية .

لا يختلف عليه اثنان ان الجواب على جميع ما تقدم من هذه الأسئلة العميقة انما يكمن في كلام بسيط يتفق على صدقه الحكماء والبسطاء وقد لا يتفق معهم العلماء والفلاسفة الذين يعيشون للمعرفة ويموتون دون ان يستطيعوا الوصول الى حدود معرفة السهم المنطلق من القوس فكيف وهم يناقشون كل مسائل الكون والعلوم ؟ انه الجواب الذي يقول ان حدود المعرفة المطلوبة والضرورية تقف عند حدود الحياة الانسانية وكل معرفة لا ترتبط بها وليس لها أية علاقة بأستمرارية الحياة الانسانية والهدف منها حاجة لها . فهل ان اتفاق الجميع على هدف هذه الاجابة سيوقف البحث في كل الامور المعرفية خارج هذا السياق ؟
اذن ما دمنا قد استخدمنا كل قدرات العقل والمنطق والتجربة العلمية المتاحة ولم نتوصل الى ادراك حقيقة الأشياء فلماذا لا نكف البحث عن الحقيقية العقلية ما دامت لم تزد ولن تزيد في قيمة الحياة شيئاً ، وما دمنا قد حاولنا بكل الوسائل ولم نصل الى شيء وكل مرة نجابه أسئلة اعمق ومجهولات أوسع فلماذا نريد ان نزيد في مساحة جهلنا مساحات مضافة ؟ دعونا نعود الى قيم الإحساس الى الوجدان الى طبيعتنا الحية الى قيم الطبيعة الى بداهة الطبيعة الى تذوق الحياة والطبيعة ما دمنا نمتلكها والا فاننا سنضيع حياتنا في البحث عن حقيقة قد لا تكون موجودة فنضيع الحياة والحقيقة معاً وسنندم ولات ساعة مندم .
لو أجرينا مقابلة بسيطة بين مفردات وتصورات شاعر يتحدث ويعيش في الطبيعة ويتعامل مع ضوء الشمس ونور القمر وازهار الربيع وزرقة السماء وامواج البحر وتغريد العصافير والطيور وبين عالم شحب وجهه في المختبر وهو يخلط التراكيب الكيمياوية بعضها مع بعض او عالم جحظت عيناه وهو يحاول ان يتتبع الصخور والمنحنيات على سطح القمر او يتعمق في الانفجارات الشمسية او يقضي كل اوقاته ليكتشف كيف تحدث عملية التمثيل الضوئي او كيف سيصطاد العنكبوت فريسته او كيف ستحمل الجينات الصفات الوراثية وكيف سيحدد الالكترون مداره التالي حول البروتون وبينما يحاول ان يفعل ذلك الاف العلماء معه اذ حياته تمضي ويصل في نهاية عمره لصياغة مقولات نظرية جافة لا تسمن ولا تغني من جوع واذا ما فكر في نفسه وحياته وخلاصتها وجد انه فتح مساحات مجهولة جديدة في جميع تجاربه ولم يصل الى الحقيقة المفترضة ، فيندب حظه ويبدأ بقراءة حكم الاولين ويستخدم ابسط مفردات قيم الحياة ليعيش بقية عمره بين أحضان الطبيعة هذا ان استطاع ان يراجع نفسه ولو مرة واحدة في مسيرته كلها . ان هزة انفعالية واحدة من عواطف الحب والعطف واللذة البريئة تجعله يعود الى طبيعته الحية وينسلخ من جميع مفردات العلوم الجامدة متجهاً الى رحم الحياة الدافيء وكثير من العلماء من وصل الى هذا في وقت متأخر .

زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام