الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القائد الأنصاري - خدر كاكيل -

مهند البراك

2013 / 2 / 22
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في يوم الشهيد الشيوعي 14 شباط . .

ليس من السهل الكتابة عن شخصية من ابرز شخصيات و مناضلي منظمة الانصار في نضالهم الشاق ضد الدكتاتورية في الثمانينات، تحذراً من خطأ او نقص في وصف او تقدير . .شخصيّة تأثر بها رفاقه و كثير من البيشمركةالانصار من عرب و كرد و كلدانيين و ايزيديين و صابئة و اصدقائهم . . رغم انه لم يحصل على تأهيل علمي او اكاديمي و لم يحمل رتباً او نياشيناً . .
كان ابن عائلة فلاحية متوسطة، من مواليد 1929 من اهالي مدينة رواندوز الكردية الجبلية العريقة بتأريخها الحضاري و العسكري في المنطقة، و الغنية بموقعها الجبلي الحصين و بأهلها الاشداء الرحماء، المدينة التي اشتهرت بمواقفها الثورية التي دفع ابناؤها نساءً و رجالاً اثماناً كبيرة لمواقفهم التحررية و الاممية . . بعد ان دكّتها طائرات و مدفعيات الحكومات الشوفينية المتعاقبة، و هدّمت احيائها و بيوتها و منشآتها و هجّرت اهاليها برجالهم و نسائهم و اطفالهم لمرّات و مرّات . . و لم تستطع ان تلين او تكسر ارادتهم !
سكنت عائلته في اطراف المدينة، و درس في مدرسة ابتدائية و اضطرته ظروف الحياة كابن وحيد لشقيقات . . للعمل مبكراً في الزراعة، ثم في البناء اضافة الى ممارسة انواع المهن من اجل توفير لقمة العيش، من صاحب مقهى الى خبّاز . . و تعلّم من الحياة معاركتها و الصدق و الكرم و التعاطف مع ابناء منطقته و شعبه، الذين من اجلهم انخرط في وحدات الانصار العائدة للحزب الشيوعي و التي تشكّلت اثر انقلاب شباط 1963 الدموي، منحازة بذلك الى ثورة ايلول القومية التحررية، اسوة بعديد من رفاقه، و شارك في العديد من المعارك خلالها . .
و كان مام خدر كاكيل ممن لمعوا في معركة هندرين الشهيرة عام 1966 بجرأته و بسالته، التي استشهد فيها اعز اصدقائه و ابن خاله البيشمركة حاجي جرجس، الذي شكّل استشهاده نقطة تحوّل كبير في حياته بعد ان اقسم على الرّد لدمائه . . و شاركه في المعركة بنشاط ابن بلدته و صديقه الفقيد مام الياس الشهير ـ الذي استشهد له فيها ابنه صالح، و جرح ابنه الثاني انور جروحاً بليغة لايزال يعاني من آثارها، فيها (1) ـ ، تلك المعركة التي شكّلت نصراً كبيراً للثورة الكردية و اضطرت السلطة بخسارتها فيها الى تبني نهج اللامركزية.
لم يكن كادراً حزبياً متقدماً، و انما صار من القادة العسكريين الميدانيين في منظمة انصار الحزب الشيوعي العراقي . . لخبراته المتنوعة بما شارك و ما قدّم في المعارك و في المواقف الحاسمة فيها من جهة، و بتواضعه و حبه لرفاقه مهما كانت قومياتهم و بايمانه العميق بعدالة قضية الفقراء من جهة اخرى، في وقت تمتع فيه بالبساطة و روح النكتة . . حتى صار اسماً ذائع الصيت في الثمانينات خلال سنتين من نشاطه و هو في خريف العمر في صفوف قوات الانصار المشكلة حديثاً آنذاك عام 1979 . . حتى استشهاده.
و قد لعب الانتصار الذي حققه بيشمركةانصار سرية روستي بنجاحهم باقتحام ربيئة " سري سرين " بقيادته لهم في ليلة 30 / 31 / 1982 آذار ذكرى تأسيس الحزب من ذلك العام، الذي كان اول انتصار من هذا النوع للمنظمة آنذاك، خطط له و قام باستطلاعه ثم قاده الشهيد كاكيل، فاتحاً بذلك الباب عريضاً لعمليات اقتحام الربايا العسكرية، و صار يلقّب بـ " ذئب الربايا العسكرية " في المناطق الجبلية العاصية هناك، التي صار منتسبوها يخافون البيشمركة ان ورد اسمه في المنطقة . .
كان الرائد في عمليات اقتحام الربايا العسكرية، التي كانت هي مصادر الخطر في الجبال . . الرائد في خلق روحية اقتحام العدو في قلعته ـ و ليس الهروب منه ـ في تلك الظروف الصعبة آنذاك، و كان صاحب فكرة ( التسلل الحذر . . ثم الهجوم على الربيئة المقامة على اعلى قمة في المكان، التي ان تم اقتحامها تسقط الربايا التي تحتها فتفر او تُلغى بعدئذ (2) . . و ان الاستطلاع هو الاساس).
فكان يقضيّ اوقاته كصيّاد بسلاح و ناظور حاملاً قفص طائر القبج، متجولاً في اعالي الجبال ليصيد ماتوفر، برفقة احد الانصار من الشباب الكتومين او لوحده . . و لم يمنعه الليل و الظلام من جهوده المتواصلة تلك كما شهدتها حين كان يتجوّل في اعالي جبال: روستي، كلالة، كوشينه و وادي دار السلام . . نهاراً و ليلاً .
و قد تفاجأت بعد ظهر ذات يوم بدعوته لنا ـ حيث كنا نصيرين نتجول عند الحصار في روستي ـ . . لتناول لحم مشوي لم يقل ماهو، حين كان اللحم شحيحاً آنذاك . . لم نشاهد دخاناً و ذهبنا الى مكانه الشبيه بمغارة، و تفاجأت باستخدامه للسماق بكثرة على قطعة لحم تشبه لحم الدجاج او الارانب . قال دعوتك للتذوق فقط، و بعد ان تذوقت و كان لذيذاً قال انه ثعلب !! فتركته، و قد ضحك كثيراً و قال :
ـ لم استطع اصطياد سوى ثعلب اليوم . . ولابد ان اعود بصيد للمقر لاني وعدت، و همس باذني موجهاً نظري بالناظور الى اطراف كوشينة : هل تشاهد تلك الربيئة ؟ انها مقامة منذ الامس فقط . .
ـ انها قريبة جداً منّا !!
ـ طبعاً و مغشّاة جيداً . . لاتخبّر احداً، انها هدفنا القادم !!
و بعد اعتذار منه . . خفض رأسي و اداره بيده الى جهة اخرى، كي يختفي رأسي خلف ساتر من احجار كان قد اعده، و قال " لاحظ تشكيل الربايا و كيف انهم يحملون الماء على ظهر بغل من نبع في الاسفل" . . حتى فهمت من كلامه و توضيحه، اماكن منابع الخطر التي تهدد موقعنا و كيف انها تتغيّر يومياً وسط هدوء كان يسود المنطقة آنذاك . .
عرفت لاحقاً انه كان يستصحب كل مرة نصيراً ممن توسّم فيهم الاهلية، لتدريبهم على الاستطلاع في جولات الصيد، كما علمت من الشهداء ملاعثمان عنكاوي، ابو فيروز ـ جمال عاكف ـ و ابو سحر . . حتى خلق بتجاربه و حزمه و تواضعه اعداداً صارت بعدئذ من خيرة كوادر الانصار، منهم الشهيد سعدون الذي صار بعد ذلك عضو م. س للحزب الشيوعي العراقي .
و يرى العديد من البيشمركةالانصار ممن عايشوه و جمعهم النضال معه انه كان ينطلق في افكاره و خططه من واقع منطقته و من اسس التقاليد التأريخية و الملاحم البطولية التي حققها ابطال وحدات البيشمركة على مرّ عقود في كردستان العراق، على اساس ان النصر العسكري هو الذي يخلق النصر السياسي و ان الاساس هو جمع كل ما من شأنه ان يحقق ذلك، سواء بنوعية المقاتلين و ايمانهم بعدالة قضيتهم او بمعرفتهم لتضاريس و تكوينات مناطقهم، و ان ذلك هو الذي يجلب السلاح و المال للحركة، و اختلف بذلك مع وجهة كانت تتزايد بتغليب حساب موازين القوى المحيطة . .
و قد دخل الشهيد كاكيل بصراعات داخل التنظيم حول ضرورة اختيار يحقق انسجام اعضاء الهيئات العسكرية فيما بينهم لأجل تحقيق النجاحات الميدانية، و قد نجح في قسم منها، و لم ينجح في آخر كان يعتمد على التقييمات التنظيمية الحزبية المجردة . . الاّ ان التطورات اللاحقة اثبتت صحة رؤياه، حين استطاعت مجاميع بارتزانية صغيرة ان تلف الجماهير حولها بجرأتها و نجاحاتها انتصاراً لمطالبها!! حين ساد الانسجام بين اعضائها، و بينهم و بين آمرهم، التي حققت وحدة الارادة و العمل، و حققت استعدادهم للتضحية احدهم في سبيل الآخر، في وقت تصاعد تحديّ الجماهير للظلم و للعسف القومي الشوفيني.
من ناحية اخرى، كان يضيق ذرعاً باعلام البيشمركة بنبرته المهددة في اوقات الانحسار . . و يصفه بالمكابر و المُبالِغْ، لأن الجماهير تعرف الواقع و تدفع ثمنه، في وقت تحتاج فيه الى عمليات تنتصر لها و تقويّ ارادتها، كما يصف.
و لايسعني الاّ ان اذكر تقديرات ملازم هشام و الفقيد ملازم فائز اللذين اكملا الدراسة العسكرية و توليا مراتب امراء افواج بعدئذ حول افكار و رؤى كاكيل، حيث وصفاها بكونها اسس حياة و كفاح الانصار. و قد بقيت مآثره و افكاره مرشدة لنشاط عدد بارز من وجوه و كوادر البيشمركةالانصار لاحقاً . . منهم على حد معرفتي، آمر السرية المعروف هزار روستي آنذاك ـ الذي كان احد ابطال صدّ الجيش الصدامي في كلي علي بك عام 1975 ـ، الشهداء : ملا عثمان عنكاوة، ابو داود كربلاء، ابوفيروز بغداد، ابو سحر ديوانية، ابو ميلاد الثورة ـ بغداد و غيرهم . . في وقت صار فيه اسم الشهيد خدر كاكيل اسماً مؤثراً بين اوسع اوساط البيشمركة .
استشهد القائد الانصاري في مأساة اقتتال الأخوة في بشت ئاشان في ايار / 1983 و كان نائب آمر الفوج 21 / ليوزه، مقره عند شاخي ره ش قرب قرية جيزان . . حين وقع مع عدد من الانصار بكمين متفوق، و حاول القتال الى النهاية ببندقية برنو ـ بعد نفاذ عتاد الكلاشن ـ مدافعاً عن رفاقه، حين اصابته اطلاقة في صدره احسّ بانها القاتلة و سلّم مامعه من اوراق طالباً تسليمها للرفاق، و ساعته و نقود طالباً ايصالها الى اهله . . سلّمها الى نصير كان معه امره بالانسحاب .
وكان في اوراقه الاخيرة ملاحظات و خطة لإقتحام ربيئة اساسية من ربايا سري حسن بك . . ردّاً على العملية التي لم تنجح لأول محاولة جريئة لإقتحام ربيئة عسكرية على احدى قمم كورك، قادها معاون آمر سرية رواندوز الشهيد ابو فيروز، و استشهد معه فيها الشهيد شه مال ـ يوسف محمد امين وسطه ـ . . في ظرف مؤاتي حيث كان الجيش الصدامي يلعق جراحه جرّاء هزائمه الكبيرة في الحرب المجنونة ضد الجارة ايران، و كانت وحداته تقلل من كثافتها في المنطقة، فيما كانت الدكتاتورية تعدّ مخططاً خبيثاً . . انتج مأساة بشت ئاشان بُعيد ذاك .
في الختام و بعد الوقوف اجلالاً لبطولة الشهيد خدر كاكيل و رفاقه الانصار . . لابد من القول ان كتابتي المتواضعة هذه اضافة الى اعتزازي الكبير بذكرى الشهيد البطل خدر كاكيل، تأتي بعد الحاح كثيرين بالكتابة عنه . . و كمساهمة مع الجهود المبذولة للتعريف بتأريخ حركة الانصار و فكرها و شهدائها الخالدين، و خاصة الكتابة عن من ندر او من لم يكتب عنهم لأسباب متنوعة . . في مقدمتها مرور الزمن على احداث لم تدوّن و تناقص شاهديها .

22 / 2 / 2013 ، مهند البراك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. لابد من التذكير هنا، باستشهاد ابن الشهيد كاكيل آمر الفصيل عثمان خدر كاكيل ـ الشهيد سركه وت ـ في معركة هيلوة الشهيرة في دشت اربيل عام 1986 .
2. مستنداً في ذلك على " ان الربايا العسكرية، هي وحدات عسكرية نظامية تترابط بينها و تعود لوحدة عسكرية اكبر، كترابط وحدات المشاة . . و عادة ما تشغل قيادتها اعلى قمة و ان لم تشغلها، فإن سقوط اعلى القمم بيد البيشمركة يخيف ربايا القمم الاوطأ و يصيب منتسبيها بالذعر و يسهّل استسلامهم"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هزيمة ساحقة للمحافظين وتوجه لليسار.. ما الذي حدث في بريطانيا


.. ملك بريطانيا يعين رسميا زعيم حزب العمال كير ستارمر رئيسا للو




.. اكتسح حزب العمال البريطاني بزعامة كير ستارمر فمن هو وما برنا


.. فوز ساحق لحزب العمال البريطاني في االنتخابات العامة... وكير




.. الانتخابات البريطانية.. أبرز المشاهد لتولي كير ستارمر رئاسة