الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحنين إلى الفردوس

كمال الدين

2013 / 2 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الغريب أن يوجد ما يتم الإشارة إليه، فيما يختص بتحريم الخروج عن الحاكم، فى ما قبل العصر الإسلامى، أو عصور ما قبل التاريخ عامة. لكن من الغريب أيضا، ألا يتم النظر إلى أعراف وأديان تلك العصور الغابرة، ومحاولة تقفى أثرها إلى عصر بذاته قد خلا أو إلى يومنا هذا. فإذا أخذنا طريقنا إلى ما نريد البحث عنه، وهو تحريم الخروج عن الحاكم، فى يومنا هذا، لا بد لنا الرجوع بعيدا، إلى العصور السحيقة، الهندو-أوروبية والشرق الأدنى القديم -كمثال- حيث كان الملوك والأمراء يحملون على الأكتاف، لئلا تطأ أقدامهم الأرض. فى ذلك الزمان، اعتاد الناس الإيمان بأن الملوك والأمراء مماثلين الآلهة، وحتى يومنا هذا يعتقد فى بريطانيا أن العائلة المالكة هى ذات أصل إلهى. لكن بغض النظر عن وجود الإله من عدمه، إذ أننا لسنا بصدد هذا الأمر، فإنه كان قديما، ولا يزال قائما إلى اللحظة، شعور دفين يجتاح البشر جميعهم: إنه الحنين إلى الفردوس، حيث يعتقد كل البشر، برغم عدد الديانات الهائل، أن موطن الإنسان الأصلى هو السماء لا الأرض، وأنه هبط منها لجرم ارتكبه سلف له أو أنصاف آلهة، وها هو اليوم يدفع ثمن هذا الذنب. يروى أن فى الزمن الفردوسى، زمن الغبطة المقدسة، أن الإنسان كان منعما، لم يكن عليه العمل ولا الكدح، إذ لم يكن قوت يومه أمرا ذا بال، وكان يصاحب الحيوانات ويعرف لغتها، كان يصعد السماء بجسده صعودا حقيقيا -كما فى ديانات الهند- وكان متاحا له مقابلة الإله، بل أحيانا رؤيته وجها لوجه، لكن الإنسان لم يلبث أن خرب كل ذلك، فحدثت الكارثة، وتغير كل شىء رأسا على عقب، فهبط الإنسان إلى الأرض التى أصبحت موطنه بعد الفردوس، وأمسى شقاء الأرض بديل نعيم الفردوس، وهنا حيل بينه وبين السماء أو الصعود إليها، وحيل دونه ودون رؤية الإله الخالق، فتحول إذن، الإنسان، إلى كائن فان ذكر وأنثى محكوم عليه بالشغل والموت لكى يأكل، وهلم جرا.

ظل الحنين إلى الفردوس، موطن الإنسان الأصلى، يحكم جل البشر، لدرجة أن انبعثت ديانات تكرارية -كديانات الهند- وديانات من ذوات الزمن الواحد المستقيم -كديانات التأليه الثلاثة- وتلك الديانات كلها تؤمن بخلق إلهى للكون من ثم فناءه، من ثم إعادة خلقه مرة أخرى. اليهودية، المسيحية، كذلك الإسلام، ديانات التأليه الثلاثة، تعتبر ديانات الإنسان الساقط، آدم، الذى فقد فردوسه بسذاجته. تؤمن الديانات الثلاثة أيضا بالمخلص، ذلك الذى على يديه، بعد أن يحارب الشر المطلق وينتصر نصرا مؤقتا، يعود زمن الغبطة الفردوسى إلى حين، حتى يحيّن الإنسان الشر من مرقده مرة أخرى كما فعل آدم أول مرة، ويتملك الشر من العالم مرة أخرى، وهنا يفنى الكون، ويقوم يوم القيامة باعثا معه الأرواح الزاهقة، فيعود البشر كلهم إلى الحياة حيث يتم تحديد مصيرهم: الفردوس أو الجحيم. وهنا لن نتطرق إلى أطروحة الاختبار المحدود زمنيا وجزاءه الأبدى، فقط سنركز على ما بدأنا له. إن شقاء الإنسان من نعيمه، يوم القيامة، يعتمد لا على أعماله بل دينونته فحسب: أى ما يدين به من دين فى المقام الأول، وربما المقام الأخير.

إن هذا المخلص التى تبشر به الديانات الثلاثة، وهو من يرث الأرض فى اليهودية، وهو ما يدعى المسيح الكاذب فى المسيحة، والمسيخ الدجال فى الإسلام، وهو المسيح ذاته - المخلص المسيحى، والمهدى المنتظر - المخلص الإسلامى، سوف يخلص البشرية مما تلقى من عذاب لامحدود قد فاق كل الحدود، إن هذا المخلص سوف يظهر لا محالة لكى ينقذ العالم من معاناته، وفى ظهوره يحارب الشر، وإذن يمسى الحاكم، الذى ربما يكون هو الحاكم اليوم أو غد أو بعد غد. إن منصب الحاكم يحتل فى نفوس الكثيرين أن توليه يكون عن إرادة إلهية بحتة، فما يمنع إذن أن يكون هو المخلص المنتظر الآن؟ هل يعد ذلك تفسيرا لسر تقديس الحاكم، تحريم أو حتى تكفير الخارج عليه؟ ربما تكون له علاقة تتطلب مزيدا من التعمق فى البحث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل