الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم سوسيولوجية حديثة 10.علم الاجتماع الإنساني Humanist Sociology

حسني إبراهيم عبد العظيم

2013 / 2 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفاهيم سوسيولوجية حديثة
10.علم الاجتماع الإنساني Humanist Sociology

يقصد بعلم الاجتماع الإنساني البحوث السوسيولوجية التى تعارض المناحى الميكانيكية، والمناحى ذات التقنيات المنهجية التى تتسم بالمغالاة، والمناحى المجردة، والمناحى الحَرْفية، وتحاول هذه البحوث أن تقدم عوضاً عن ذلك تحليلاً سوسيولوجيا "فى خدمة الإنسانية"، وبذلك فإن أصحابها يلعبون دور (النقاد والتنويريين والمراقبين والشراح)، ويعد عالم الاجتماع الأمريكي المعروف رايت ميلز –غالباً- مثالاً بارزاً لهذا الاتجاه، وقد تأسست منذ سبعينيات القرن الماضي رابطة لعلم الاجتماع الإنسانيAssociation For Humanist Sociology مقرها الولايات المتحدة الأميريكية تصدر مجلة خاصة عنوانها "الإنسانية والمجتمع " Humanity and Society

إن علم الاجتماع الإنساني هو ذلك الجهد السوسيولوجي الذي يهتم بدراسة الإنسان بمدخل منهجي مغاير للمنهجيات الوضعية التقليدية، مدخل يتغلغل في عمق الفعل الإنساني، وفي قلب المشاعر الإنسانية وتجلياتها المعقدة، ويهدف استنادا إلى ذلك إلى تقديم فهم ووعي حقيقيين بالإنسان ودوره الخلاق في تشكيل واقعه وصياغة مستقبله، ولذلك فإن هذه السوسيولوجيا تولي اهتماما بالغا بالذات الإنسانية، وآليات إبداعها وتفوقها، وتطمح إلى تحقيق مجتمع يليق بإنسانية الإنسان، ولا يمكن تحقيق ذلك بالمنهجيات الوضعية التي لا تفلح في سبر أغوار الذات الإنسانية شديدة الثراء والتعقيد، وإنما يتم ذلك بمداخل منهجية مبدعة يمثل الفهم التأويلي العميق واحدا منها.

والواقع أنه يمكن إرجاع جذور علم الاجتماع الإنساني إلى إسهامات المفكرين الألمانيين الشهيرين فلهلم دلتاي Dilthey Wilhelm (ولد عام 1833 و توفي عام 1911)، وماكس فيبر M. Weber (ولد عام 1864 وتوفي عام 1920)، وذلك من خلال سعيهما - كل بطريقته وخلفيته المعرفية - في كشف الفروق النظرية والمنهجية بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية.

انشغل دلتاي بقضية التمييز الواضح بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والتاريخية (التي أطلق عليها مصطلح العلوم الروحية) وتأسيس منهجية التأويل( الهرمنيوطيقا). فقد تركزت محاولة دلتاي في التفرقة بين العلوم الطبيعية والعلوم التاريخية والإنسانية، وفي الرد على الوضعيين الذين وحدوا بينهما من حيث المنهج، مثل أوجست كونت وجون ستيوارت مل. لقد رأى الوضعيون أن الخلاص الوحيد لتأخر العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية يكمن في ضرورة تطبيق نفس المنهج التجريبي للعلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية؛ سعيا للوصول إلى قوانين كلية يقينية، وتجنبا للذاتية وعدم الدقة في مجال الإنسانيات. لقد آمنوا أن كلا منهما يخضع لنفس المعايير المنهجية من الاستدلال والشرح، ورأوا أن الحقائق الاجتماعية مثلها مثل الحقائق الفيزيقية واقعية وعملية، ويمكن قياسها أيضا.

لقد حاول دلتاي أن يقيم العلوم الاجتماعية على أساس منهجي مختلف عن العلوم الطبيعية، وكان صارما في فلسفته ورؤيته، ورفض الوضعية وميتافيزيقا الكانتية الجديدة. إن الفارق بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية يكمن عنده في أن مادة العلوم الاجتماعية – وهي العقول البشرية – مادة معطاة، وليست مشتقة من أي شيئ خارجها، مثل مادة العلوم الطبيعية التي هي مشتقة من الطبيعة. إن على العالِم (بكسر اللام) الاجتماعي أن يجد مفتاح العالَم (بفتح اللام) الاجتماعي في نفسه وليس خارجها. إن العلوم الطبيعية تبحث عن غايات مجردة، بينما تبحث العلوم الاجتماعية عن فهم آني من خلال النظر في مادتها الخام. إن الإدراك الفني والإنساني هما غاية العلوم الاجتماعية، وهذان يمكن الوصول إليهما من خلال التحديد الدقيق للقيم والمعاني التي ندرسها في عقول الفاعلين الاجتماعيين، وليس من خلال مناهج العلوم الطبيعية، وهذه هي عملية الفهم الذاتي أو التفسير، نصل إلى مثل هذا الفهم من خلال العيش مرة أخرى Reliving في الأحداث الاجتماعية.

أن الحقيقة التي يطمح إليها الباحث في العلوم الإنسانية لا تقع خارجه كعنصر أجنبي وغريب، وإنما بداخله ومحايثة لنشاطه المعرفي. تصبح العلوم الإنسانية، من هذا المنظور "مرآة" يرى بواسطتها الباحث إمكانياته المعرفية وحدوده". المعرفة في العلوم الإنسانية لها دوما علاقة بمعرفة الذات. العلوم الإنسانية تربط الباحث بذاته عبر عنصر التراث كفهم جذري للذات وتناهيها. إن "حقيقة" الموضوع المدروس ( المجتمع – الحدث التاريخي – الأثر الفني أو الأدبي ......) هي في الواقع "حقيقة بالنسبة إلى" هذا الباحث الدارس، حقيقتـ(ــه) كما يتمثلها وينتجها.

ويتمثل الإسهام الذي حققه فيبر في تأسيس علم الاجتماع الإنساني في أنه لم ينجح فقط في تقريب شقة الخلاف بين التفسير explanation السببي للظواهر (الذي تبناه علماء الاجتماع الأوائل) وبين الفهم understanding التأويلي (الذي تبناه ديلتاي كمنهج للعلوم الروحية)، بل نجح أيضا في أن يدخل منهج الفهم إلى دائرة الأفعال الاجتماعية بعد أن كان حكرا على تأويل النصوص الدينية والفنية. لقد عرف فيبر علم الاجتماع بأنه محاولة "الفهم التأويلي للفعل الاجتماعي الذي توصلنا إلى التفسير السببي لمجراه ونتائجه". إن اتخاذ الفعل وحده للتحليل يكشف عن موقف مغاير للموقف الوضعي الذي يتخذ من الحقيقة الاجتماعية وحدة للتحليل، ويدرس الفعل من خلال الفهم الذي لم يختلف كثيرا في معناه الفيبري عن معناه عند ديلثي (الرؤية التعاطفية أو التقمص الوجداني للموقف الذي يوجد فيه الفعل(

وارتباطا بما طرحه دلتاي، وفيبر ومن نحى منحاهما، حدد كين بلامر في كتابه وثائق الحياة الصادر في عام 1983 فى سياق عرضه التمهيدى للمشكلات والتراث فى منهج علم الاجتماع الإنسانى، حدد أربعة محكات لعلم الاجتماع الإنسانى: فهو يولى "اهتماماً للذاتية الإنسانية والإبداع ، موضحاً كيف يستجيب الأفراد للضوابط الاجتماعية، وكيف يقومون بدور إيجابى فى تشكيل عالمهم الاجتماعى"، وذلك لأن هذا النمط من المعرفة السوسيولوجية يهتم "بالخبرات الإنسانية الملموسة - كالكلام والمشاعر والأفعال - عبر تنظيمها الاجتماعى والاقتصادى. ويكشف عن "ألفة حميمة وطبيعية بمثل هذه الخبرات"، ويشدد على وجود" وعى ذاتى لدى عالم الاجتماع بالدور الأخلاقى والسياسى نحو تحقيق بناء اجتماعى به قدر أقل من الاستغلال والقهر والظلم."

وتجسد أعمال عالم الاجتماع الأمريكى روبرت نيسبت Nesbet قضايا علم الاجتماع الإنسانى (كان نيسبت يشغل أستاذ كرسى ألبرت شفايتزر للإنسانيات فى جامعة كولومبيا حتى تقاعده فى عام ١٩٧٨، ومن أعماله : البحث عن المجتمع المحلى، الصادر عام ١٩٥٣ ، وتراث علم الاجتماع، الصادر عام ١٩٦٦ ، وأفول السلطة، الصادر عام ١٩٧٥ وتاريخ فكرة التقدم، الصادر عام ١٩٨٠ ، والعصر الحاضر، الصادر عام ١٩٨٨). وكانت السمة المميزة لكل أعمال نيسبت هى مزج (أو تضفير) علم الاجتماع بكل من الفلسفة والتاريخ، وهى العلوم الثلاثة التى كان يرى أنها يجب ألا تنفصم أبداً. وقد تم تصنيف نيسبت كواحد من المحافظين المحدثين، ومن المؤكد أنه كان من أصحاب الاتجاه الأخلاقى. وتهتم غالبية مؤلفاته بدراسة وفحص الأزمة الأخلاقية للحداثة، وبعملية تركيز القوة فى الدولة البيروقراطية، والتراث الغامض لمذهب الحرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
1- أحمد زايد، التأويل والعلوم الاجتماعية، مقال منشور في عدة مواقع أليكترونية.
2- جوردون مارشال، موسوعة علم الاجتماع: المجلد الأول، ترجمة محمد الجوهري وآخرين، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2007.
3- نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة السادسة، 2001.
4- Turner, B. (ed.) The Cambridge dictionary of sociology, Cambridge University press, Cambridge.2006.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة