الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل .. وكردستان العراق...؛؛؛

علي الأسدي

2013 / 3 / 1
القضية الكردية



القيادة القومية الكردية وكانت حينها ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الراحل مصطفى البرزاني قد استقدمت الى كردستان مستشارين عسكريين اسرائيليين لتدريب البشمركة الاكراد. كان ذلك نهاية الخمسينيات عندها كنا طلبة جامعيين ، وعند سماع الخبر صدمنا وتعذر علينا تفسيره ، لأننا كنا على قناعة بأنه ما من سياسي مهما كانت انتماءاته الفكرية لا يخطو خطوة كتلك ، وبرغم مرور أكثر من نصف قرن على ذلك الحدث لم نجد تسويغا مقنعا يضطر الكرد سابقا والآن لقيامهم بذلك الفعل.

لكن الحدث الأكثر حزنا في حياتنا حينها هو ما أزاح اللثام عنه انقلاب 8 شباط عام 1963 ، الانقلاب الذي كشف عن حقيقة البعثيين وشركائهم من قوميين عرب واسلاميين بكونهم مجرد قتلة فاشيين محترفين . لكن الانقلاب الدموي ذاك قد كشف أيضا ما لم يكن بالحسبان مطلقا ، وهو ان القوميين الكرد بزعامتهم حينها قد تحالفوا مع قادة الانقلاب الفاشستي للاطاحة بحكومة ثورة تموز ، الثورة التي كرمت واستقبلت الزعماء الأكراد العائدين من المهجر والتي أعادت لهم كافة حقوقهم التي حرموا منها إبان الحكم الملكي السابق.

كان الخبر قد أحدث فينا نحن الجيل الأول من يسار الربيع السياسي العراقي صدمة زعزعت قناعاتنا المهزوزة أصلا بسبب حداثة أعمارنا وقلة تجاربنا السياسية والحياتية. .( عبارة القوميون العرب يقصد بها البعثيون وحلفائهم من زمر عراقية كانت لها تنظيماتها المستقلة لكنها ترفع نفس الشعارات المعادية للشيوعية وتتبع نفس الاساليب الارهابية ضد خصومها السياسيين وبخاصة الشيوعيين ).

لقد شل الحدث قدرتنا على قبول التفسير الماركسي لتحالف القوميين الكرد مع الانقلابيين ، باعتباره انعكاسا للتناقضات الطبقية وما يرتبط بها من مصالح اقطاعية وعشائرية اتخذت من المشاعر القومية والشوفينية الضيقة غطاء لها. علق أحدنا حينها ، لماذا تعمل التناقضات الطبقية لصالح الشوفينية لا ضدها ، أحمر وجه القائل بها حرجا ، فلم يتوقع سؤالا مثل ذاك وبقي السؤال بدون اجابة حتى بعد مغادرة رفيقنا صاحب السؤال الحزب الشيوعي بعد أن قدم رسالة غاضبة طويلة .

على ما يبدو ان مقولة " الغاية تبرر الوسيلة " قد دخلت الوعي القومي الكردي منذ بداية نشاط الحركة القومية الكردية بعيد الحرب العالمية الثانية ، فهيمنت كليا على تفكير وتخطيط الزعيم الراحل مصطفى البرزاني ، ولم يستطع الفكاك منها أبدا وكانت سببا لاغترابه وعيشه في المنفى الاجباري مرتين كان آخرها عندما خذلته الولايات المتحدة وشاه ايران. لقد تعاون الراحل في السبعينيات مع شاه ايران والولايات المتحدة ضد صدام حسين الذي برغم مساوئه الكثيرة حينذاك لم يكن أسوء من شاه ايران ، أو أكثر غدرا من الولايات المتحدة.

لقد استثمروا في الرجل شعوره القومي والعشائري وحبه للسلطة والزعامة ، ولم يشعروا بالحرج أوالتردد أبدا في مواجهته بالأمر الجلل الذي ربما أقنع نفسه بعدم حدوثه مطلقا. وعندما واجهوه بأمر الرحيل من العراق بعد تسليمه أسلحة أتباعه لم يكن له خيارا آخر ، وبدون شك اعتبره غدرا وفق تقاليد العشيرة ، أما بالنسبة للولايات المتحدة فكان اجراء سياسيا فحسب ، فهي تقوم بذلك خلال كل تاريخها السياسي ، وبالنسبة للدبلوماسيين هي وظيفة يؤدوها لخدمة مصالح دولتهم. هذا الواقع لم يستوعبه الراحل مصطفى البرزاني ، ولا شاه ايران بعده بقليل ، ولا صدام حسين ، ولا حتى البرزاني الابن اليوم.

ما أثبتته الأيام أن حسابات الراحل مصطفى البرزاني لم تكن صحيحة لا قبل الاغتراب الأول ، ولا بتحالفه مع البعث الفاشي والولايات المتحدة ضد عبد الكريم قاسم ، ولا في تحالفه فيما بعد مع شاه ايران والولايات المتحدة ضد صدام حسين. لقد انتهى الحال بالراحل مصطفى البرزاني مغتربا للمرة الثانية ، وتلك كانت الأخيرة في حياته القصيرة في بلده العراق ، وتوفي في الولايات المتحدة غريبا منسيا بعيدا عن اهله وابناء وطنه وكوردستان التي أحبها وضحى من أجلها.

أما الشاه فقد أدى دوره كاملا هو الآخر في خدمة ستراتيجية الولايات المتحدة ، فبعد عدة سنوات من رحيل البرزاني من كردستان كجزء من صفقة أمريكية مع صدام حسين ، رحل هو الآخر عن ايران مغتربا في أرض الله الضيقة. فبعد شهور قضاها مطاردا من قبل السي أي أي تحت ستار حمايته من الخمينيين رفسته الولايات المتحدة من آراضيها ، و انتهى الحال به لاجئا في مصر السادات ، حيث توفي هناك غريبا ايضا بعيدا عن امبراطوريته التي اعتقد خاطئا انها أزلية.

لكن الشاه كغيره من الواثقين بالصداقة الأمريكية أخطأ الحساب هو الآخر ، فلم ينفعه تحويل بلاده الى أهم قاعدة عسكرية لحلف بغداد في الخمسينيات ، القاعدة الأمامية للامبريالية العالمية في منطقة الشرق الأوسط. وها هو السيد مسعود البرزاني يقتفي أثر الشاه ليجعل من كردستان قاعدة أمامية للجيش الأمريكي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.

الأحداث التاريخية القليلة الانفة الذكر ذات دلالة مهمة جدا ، ففيها من العبر ما يكفي لتذكير السيد مسعود البرزاني بأنه ليس أكثر ذكاء من والده ، ولا أبعد نظرا من شاه ايران و صدام حسين. وليس من الحكمة تكرار الخطأ ، بل الحكمة في عدم تكراره ، ان خير عمل يؤديه لشعبه وتخليدا لذكرى والده هو تعزيز التحالف الوطني مع القوى السياسية العراقية لا القفز عليها. طريق التحالفات الوطنية قد يكون أطول قليلا ، لكنه الأكثر مدعاة للعزة والكرامة الوطنية والقومية. انه طريق الحوار مع شركائه في الوطن ، قد لا يحب أولئك الشركاء لاعتقاده بأنهم أدنى مرتبة منه. فهم فقراء وهو الغني ، وهم الذين لا يعرف صفويهم من عربيهم ، وهو الكردي الأصيل ، وهم المقطوعون من شجرة ، وهو رئيس العشيرة الذي بيده مفاتيح كردستان وربما مفاتيح العراق ايضا.

فبحسب ما نقل عن مقربين منه بأنه طلب من شركة أوكسون موبايل العملاق النفطي الأمريكي أخيرا أن تضغط على الحكومة الأمريكية لنشر عشرة فرق عسكرية أمريكية في كردستان لتحمي المصالح النفطية الأمريكية ولتقف سدا منيعا ضد أي تهديد للمنطقة.(1)

السيد مسعود البرزاني بهذا المنحى الخطير يرتكب نفس الخطيئة ، ويعيد نفس الخطأ الذي اقترفه الراحل والده ، فهو يفتح ذراعيه وأبواب كردستان من جديد لمستشاري اسرائيل العسكريين وفرق التجسس على بلادنا ، وأكثر من ذلك جعل من كردستان قاعدة للموساد ولفرق الموت الخاصة التي تنفذ عمليات القتل والتخريب داخل العراق وايران.

فقد نشرت مجلة The Jewish Daily Forwardجويش ديلي فورورد تقريرا بقلم كاتبها Nathan Guttman جاء فيه : (2) " لقد استضافت كردستان العراق عددا من النشاطات السرية الاسرائيلية في السنين السابقة. وقد حرص البرزاني في زيارته الأخيرة لواشنطن ان لا يكشف عن اجتماعات مباشرة له مع اسرائيليين ، بل فضل أن يزور "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط " المعروف بموالاته لاسرائيل. وما زالت لكردستان علاقات دائمة مع مجموعات موالية لاسرائيل في الولايات المتحدة وخاصة من خلال مكتبهم في واشنطن المسئول عنه ابن الرئيس الطالباني رئيس جمهورية العراقية."

ويعلق ناثان كوتامان على كلمات السيد مسعود البرزاني الخمسة التي القاها في الولايات المتحدة الأمريكية فيقول : " ان أكثر ما يقلق البرزاني ليس الموضوع الايراني ، بل الحكومة المركزية التي تحاول فرض سلطتها عليه وتحديد صلاحياته. وقد أبدى امتعاضه من واشنطن التي اتهمها بتسليم العراق في يد حاكم يحاول تنفيذ شهيته الى سلطة مركزية مشيرا الى رغبته في الانفصال عن العراق." وينقل الكاتب عن موريس أميتاي الضابط الأمريكي المتقاعد الموالي لاسرائيل قوله :

" ان التعاون الوثيق بين اسرائيل والاكراد قد قاد الى اكتشاف الكثير من المحاولات الايرانية للهيمنة على المنطقة. وقد أزيح هذا العام اللثام عن تقرير جاء فيه: – أن هجوما تم تنفيذه على منشأة نووية ايرانية قام بها اسرائيليون وكرد ، وقد نفاها الكرد واسرائيل. لكن وكلاء الموساد داخل كردستان يتحركون بحرية ، ويشرف ضباط اسرائيليون على تدريبات للقوات الكردية ، وتنظر اسرائيل الى كردستان باعتبارها جزيرة غيرعربية وصديقة ، تشكل جسرا الى الخليج ، بينما ينظر الاكراد الى اسرائيل باعتبارها حليفا وطريقا الى الغرب لتضمن استقلالها عن بغداد وتركيا وايران وسوريا. اسرائيل بوقوفها مع كردستان لتكون لها هناك عيونا وآذان في ايران.وقد زرعت اسرائيل رجالها من الموساد للقيام بفعاليات داخل ايران لجمع المعلومات عن نشاط ايران النووي."
وكتب الصحفي المرموق باتريك سيل في صحيفة صنداي تايمز اللندنية مقالا أشار فيه الى تقرير جاء فيه : (3)

" انه بناء على استخبارات غربية قام كوماندوس اسرائيلي وقوات خاصة خلال عام 2012 " بمهمة داخل ايران على متن هيليوكوبتر بلاك هوك معدل حملهم الى مدينة بارجين على بعد عشرين ميلا عن طهران حيث موقع عسكري متكامل. وتمكنوا من الدخول الى موقع لتخصيب اليورانيوم قريبا من قم يقع تحت الارض. وقد اختبرت تلك القوة بواسطة أجهزة متقدمة مستوى تخصيب اليورانيوم ، واجراء اختبارات لقوة المواد المتفجرة في ذلك الموقع".

كما نقلت محطة أن بي سي الأمريكية في نهاية شباط العام الماضي بان الاستخبارات السرية الاسرائيلية قامت بتدريب بعض رجال مجاهدي خلق الايرانية وتسليحهم للقيام بقتل علماء نوويين ايرانيين. كما قامت ايضا بتدريب اعضاء من حزب الحرية الكردي الايراني وتزويدهم بالسلاح للقيام بعمليات داخل ايران.

وتستعد اسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية التي لو نفذت لعرضت الشعب العراقي بعربه وأكراده لأخطار جسيمة لا تعرف عواقبها ، وقد تتسبب بكارثة بيئية تدمر كل مصادر الحياة في بلاد الرافدين. فلم كل هذه الخدمات لاسرائيل ، أهي فقط لتكون واسطة لكردستان الى الغرب ، مقابل هذا الثمن الباهض على حساب كرامة الكرد واستقلال ارادتهم وعزتهم القومية..؟

ألم يفكر السيد البرزاني بعواقب ذلك على شعب كردستان وعلى بقية العراقيين فيما لو قامت ايران باعمال انتقامية ضد ما تعتبره تهديدا أمنيا لبلادها وثرواتها وشعبها..؟

السيد البرزاني للأسف لا يتصرف بحكمة ومسئولية كسياسي ، بل كرئيس عشيرة متحللا من أية قوانين وعهود ، ويتعامل معنا شركاءه في المصير والعيش المشترك لقرون كاعداء ، بينما يفتش عن أصدقاء له بين الأعداء.
علي الأسدي
هوامش:-
1-Shwan Zulai ,The Future of Iraqi Kurdistan : Between Survival and Independence , ICJNews , British Colombia, Canada , 27/2/2013
2- Nathan Guttaman , Iraqi Kurds Cool Ties to Israel , The Jewish Daily Forward ,18/4/2012
3- Giorgio Cafiero ,Dreams and Dilemas of Iraqi Kurdistan , The Global Dispatches , 1/2/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة




.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا