الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق المثقف تحت ظلال المنابر

جمال الهنداوي

2013 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اخيرا تم للجزيرة ما ارادت, واصبحت لجمعنا اسماءً نترقبها ونحتزرها كل جمعة , واخيرا اصبحنا نترقب يوم الله الاعظم لننتقل بين المنابر بالريموت كونترول ونقيس المدى الذي من الممكن ان تصل اليه خطب العلماء الاعلام الذين تكاثروا بفيضان من زعيق وعمائم وجلابيب بغتة حد سد الافق امام الحلم-مجرد الحلم-بان يعيش العراق كباقي امم الارض..
وفي مثل هذه النكبات التي تأخذ الوفاق الوطني على حين غرة..والتي تصيب النسيج الاجتماعي في اعمق مرتكزاته هناك كثير من المبررات للتساؤل عن دلالية مفهوم الدولة في الممارسة الاعلامية والسياسية والخطابية للعديد من الفعاليات التي ترفع من شعار مدنية الدولة وديمقراطيتها, وان كانت هذه المتبنيات مجرد غطاء لتصفية حسابات سياسية او التسقيط اكثر ما تكون شعارا مبدئيا او عنوان للنضال.
نتفق في تشوش الافق في هذه الايام التي تتحول فيها الساحات الى بازار كبير من الصراخ والصفق تؤمه الوفود ويخرجون وكل منهم بما لديهم فرحون ,ولا نريد مصادرة النوايا, ولا ندعي وصاية على العقول , ولكنه التساؤل فقط عن التخريج –العقلي والنقلي- الذي ذهب اليه العديد من المثقفين الى ان هدف المنابر الضاجة هو اقامة دولة مدنية ديمقراطية, رغم الاستهداف المعلن للديمقراطية كـ" نظام الحادي جاهلي لا يصلح في بلد إسلامي يؤمن أبناؤه بالله وبوحدانيته ويتبعون رسول الله"كما يلقن القوم ويمسون عليه ويصبحون..وكيف استطاعت ناشطة نسوية بارزة مثل (هناء ادور) الاستدلال على مدنية التوجه وديمقراطيته وسط هذا الاعلاء البواح للخطاب الطائفي التحريضي الذي لا يرى في السيدة ادور وقومها الا مشروعا للقتل او دفع الجزية.
لا نلوم الجزيرة,فهي تعرف –كما نعرف-ما تريد, ولا نلوم الافواه الفاغرة امام هذا المدى من الخراب الذي يتأبط الافق ,ولا نستطيع ان نجادل من عسر عليه فهم أي الفسطاطين هو الاقرب الى الله, فنحن ايضا لا نعرف أي اسلام ذلك الذي يقصدون, أي اسلام ذلك الذي ينادوننا ويخوفوننا ويستلبون النوم من اعيننا به.
ولكننا نستطيع ان نوجه اللوم –بل الاتهام –الى المثقف الذي يجاهد بجلد يثير الاشفاق لاسقاط متبنياته ورؤاه –وحتى معاركه الخاسرة- على الضوضاء المبثوث في الارض علها تثير بعض الغبار المستل من الايام الضائعة من عمر الوطن.
فلا نشك ان السيدة ادور , وهي المدافعة عن حرية التعبير والمساواة والعدالة تعرف ان "الدولة المدنية الديمقراطية" تعني المرجعية المطلقة للقانون والدستور والمساواة التامة في المواطنة بين افراد الشعب, وحياديتها تجاه الاديان والمعتنقات وحمايتها لها,وهذا ما لا نستطيع تلمسه في الاستخدام المفرط للعامل الديني في إثارة الجماهير عاطفيا، وتحشيدها بدواعي المساس بالمقدسات استدرارا للمقبولية الشعبية العالية للمقدس والموروث, واللعب على كل التمايزات التي جعلها الله بين الناس للتعارف والتكامل والتراكم المعرفي الذي يعود بالمنفعة على البشرية ليتحول بيد الإنسان إلى أداة قتل ومعول هدم وتمزيق.
لا نجد هذه الثقة ولا الاريحية, في نعت مدنية وديمقراطية الاحتجاجات حتى في اكثر خطابات المنابر خلطا وتماديا في استخدام المصطلحات المجانية, بل لا نجده في كل الادبيات التي يتداولها المتأسلمون, فقط نجدها عند السيدة ادور,فلا يوجد مصطلح غائم ومضبب هذه الايام كالاسلام في افواه الدعاة, فتارة هو الاستجلاب السادي لكل مخزون وتراث القمع والارهاب الخنوع حتى لو ضرب منا الظهر واستلبت الكرامة وتارة الفوضى حتى اخمص القدم, وهو الخروج عن السلطان والطمع فيما يده في نفس الوقت, ولا تراودنا أي اوهام في ان الاسلام هنا-وفي هذه الحالة بالذات- ليس الا وسيلة آمنة وتغطية لممارسات لا تبغى الا تقويض بنية الدستور والقانون بحجة الأسلمة من خلال الالتفاف عليهما وتثوير الشارع تجاه اهداف عجز السياسيون عن تحقيقها بالوسائل والآليات الديمقراطية والدستورية.
إننا اليوم أمام مأزق معرفي حقيقي سبّبه تخاذل المثقف وتخليه عن دوره الطليعي الريادي تجاه ذيلية محبطة لتغول الخطاب الطائفي الاقصائي, والتحايل على تقنيات الوقوف على التل من خلال انتحال مواقف تتماهى مع تسليك سياسي اسلاموي متقاطع مع نواميس الديمقراطية وبديهياتها.
وما نحتاجه فعليا هو وقفة مع النفس لتعرف كيف يمكنها الوصول للحقيقة، ومن ثم التحرك على أساسها. وأن نخرج أنفسنا من سجون الذات والقبيلة والمذهب والحزب إلى فضاء الوطن الذي يسع الجميع, وان لا نستثمر هذه المنعطفات التي تمس مستقبل الوطن وسلامه وامنه في تحقيق مكاسب لحظوية غير مجدية,ومحاربة التسلط والفساد لا تكون بفساد آخر، ومواجهة التفرد لن تكون باستبدال الكتب المصفرة العتيقة باخرى, وبالتاكيد ان هذه ليست مسؤولية المثقف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ