الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنتروبولوجية المدينة

إدريس الغزواني

2013 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعد بحثها عن موضع قدم داخل مدار الابستيمولوجيا و العلوم و كذا بعد تجاوزها مرحلة إثبات الجدوى و المشروعية المعرفية ، صارت الأنتروبولجيا تقدم نفسها خلال القرن العشرين، كفروع تخصصية قادرة على مواجهة مختلف تضاريس المجتمع بآليات الدرس و التحليل وكذا ميكانيزمات الخلخلة و السؤال رغم انهماكها في البحث و التنقيب . فما من حقل ابستيمولوجي إلا صار مستهدفا من قبل السؤال الأنتروبولوجي، و في ذلك تأكيدا على حساسية و أهمية الانتروبولوجيا كعلم يتسم من جهة بالحذر الإبستيمولوجي الذي يفترض نوع من الصرامة القصوى في تسييج المواضيع ، و من جهة ثانية بسعة الصدر و شساعة دوائر الانشغال ، فالأنتروبولوجيا تقترح نفسها كمعرفة لتفهم و تتفهم مختلف الظواهر الانتوبولوجية و الاجتماعية و في جميع تمظهراتها و سياقات انبنائها . و في هذا الإطار ستلوح الانتروبولوجيا الحضرية كفرع من فروع الانتروبولوجيا العامة ، تنشغل بالضرورة بكل ما له علاقة بالمدينة وما يروج فيها من تقلبات و تكهربات و كذا من ديناميات، سواء في علائقها الواقعية أو المفترضة مع المجتمع أو في تحليل و تتبع شروط إنتاجه و إعادة إنتاجه في الأنساق المجتمعية الأخرى ،فالمدينة لا تكون منعزلة عن الفعاليات و الظواهر و الحركات التي تعتمل و تختمر في رحاب المجتمع الأم , بل في غالب الأحيان توجد على تقاطع و تداخل معها .فلا وجود للمجتمع الصغير المتواجد داخل المدينة خارج تغطية وتحت حضانة ثقافة المجتمع الكبير المندمج فيه والمتفاعل معه .إن الأساس العلمي الذي دفعنا إلى الاعتراف بهذه الانتروبولوجيا الحضرية كتخصص معرفي هي كون المدينة تنتج قواعد و معايير وأنماط سلوك , أي أنها تنتج لنا ثقافة بالمعنى التايلوري للكلمة (و لنا مقال أخر في هذا الإطار) . فالمغرب قد عرف تعاقب العديد من الثقافات كالثقافة العربية ، الأمازيغية و الإسلامية هذا التداخل في الثقافات أعطى لنا المدينة القديمة بخصوصياتها العربية الأمازيغية الإسلامية ، وكذلك ظهرت ثقافات جديدة أضيفت لهذا المزيج من الثقافات جاء بها المستعمر كالثقافة الفرنسية و الثقافة الاسبانية، التي أعطت المدينة الاورومغربية أو المدينة الكولونيالية التي تعتبر أحسن ما أنجز في القرن الماضي. زيادة على كون المدينة تحتوي على أفراد يحملون ثقافة إن لم نقل ثقافات متعددة تختلف حسب طبيعة كل تجمع بشري. لهذا لا يسع للأنتروبولوجيا إلا أن تهرع جادة في تكريس جهودها العلمية في إطار ما يسمى بالانتروبولوجيا الحضرية بغية دراسة المدينة من الناحية الثقافية و تحليل العلاقة المفتعلة بين المدينة و السياق العام الذي تمتح منه .
من هنا ,تشكل الانتروبولوجيا الحضرية ثمرة تراكم عدد من الدراسات و التحليلات للمدينة خاصة لرواد مدرسة شيغاغو بأمريكا الذين جعلوا من المدينة موضوعا سوسيولوجيا و انتربولوجيا بمختلف جوانبها . و يمكن اعتبار أعمال "روبرت بارك" من بين الأعمال الرائدة في هذا المجال حينما اعتبر المدينة على أنها "مختبر اجتماعي" . ففي كتاب "مدرسة شيغاغو : ولادة الايكولوجية الحضرية" حاول مجموعة من الباحثين المنتمين لمختبر البحث في مجال العلوم الاجتماعية ك:بارك و بيرغس و ماكينزي و هالبوش ....إلى اعتبار المدينة ظاهرة اجتماعية بامتياز يقوم بدراستها الانتروبولوجيون و السوسيولوجين على السواء .فرغم وجود بعض المفارقات في تناول المدينة كظاهرة إلا أن هناك توافق و تم التأسيس لإيكولوجيا حضرية ترمي إلى دراسة المدينة و تحليلها وفق النموذج البيئي .من هذا المنطلق فمدرسة شيغاغو أخذت المبادرة و اعتبرت المدينة كوسط طبيعي و كمختبر اجتماعي تروم من خلالها البحث في الهوية المبنينة و الدينامية للمدينة .إن الانتروبولوجيا الحضرية سوف لن تخدم الثقافة الحضرية فقط بتقديم خلاصات حول شروط إنتاجها و إعادة إنتاجها ,بل ستخدم براديغمها الخاص, عبر تدشين مداخل جديدة لقراءة المدينة من خلال منتوجها الثقافي ، و هو ما يفيد علميا و عمليا في فهم و تفهم الأنساق المجتمعية عامة .لكن قبلا ما المدينة في رحاب العيادة الانتروبولوجية ؟ إن هذا السؤال هو الذي يعطي المشروعية المعرفية لهذه الانتروبولوجيا و هو الذي توجب الحاجة إليه هنا و الآن . إذا كانت الفكرة السائدة ترى أن المدينة هي نتاج حاجيات الإنسان المتنامية سواء الفيزيولوجية منها أو النفسية , فإن الأكيد يقول "باكو" أن "المدينة ليس فقط تجمع سكاني أو مجال من الطوب و الحجر و الاسمنت منتظم على شكل أحياء و أزقة و منازل بل هي أنساق من الثقافات و الأخلاق و القيم " .إن المدينة لا يجب أن ننظر إليها نظرة اختزالية و ذلك بحصرها في مدار اقتصادوي و تجاري و مورفولوجي فقط , بل ثمة جوانب ثقافية في المدينة في كونها تنتج قيم و عادات وأنماط سلوك أي أنها تنتج ثقافة .وهنا تجد الانتروبولوجيا الحضرية صدى لها في فهم و دراسة هذه الثقافة باعتبارها تشكل المرجع الأساسي لها. إن الانتروبولوجيا الحضرية تتوجه إلى المدينة بالدرس و التحليل كموضوع ، كقيمة و كممارسة ، فالمقاربة الموضوعية وفقا لهذا التقسيم تعني دراسة المدينة في اتصال كامل بكل الوسائط الثقافية و السياسية و الاقتصادية و المؤسسية التي تتيح الوصول إلى فهم المدينة في شموليتها. ختاما، و ما يتوجب التأشير عليه في حديث المشارب و المسارات هو أن الدرس الانتروبولوجي الحضري ما زال في بداياته إن لم نقل غائبا في المغرب ، بالرغم من كل التراكمات التي خلفها الباحثون في أمريكا و أوربا ، إنها البداية فقط والانتروبولوجيا الحضرية مؤهلة لمزيد من الاتساع الكمي و الكيفي على مستوى الأبحاث و الآليات و المقاربات ، خصوصا مع المكانة التي صارت تحتلها المدينة في المجتمع العالمي باعتبارها صناعة و استهلاكا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش


.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا




.. الاحتلال الإسرائيلي يدمر مستوصف الزيتون بمدينة غزة


.. بحضور نقابي بارز.. وقفة لطلاب ثانوية بباريس نصرة لفلسطين




.. من أذكى في الرياضيات والفيزياء الذكور أم الإناث؟