الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر في النفس لا في المال تعرفه !!

ماهر علي دسوقي

2013 / 3 / 2
المجتمع المدني



نهضت سلمى من نومها صباح جمعة ربيعية ، مفعمة بالنشاط والحيوية، خاصة بعد أن وعدها والدها في الليلة الماضية أن تكون هي "سيدة" الموقف غداً.. وها قد حل صباح الغد.. إنطلقت الى ملابسها فإستبدلت"حلة" النوم بأخرى مناسبة، رتبت نفسها أمام المرأة الصغيرة المشقوقة الجانب ، ووضعت "شبرتها" الزهرية .. لبست الحذاء الذي أعيد تصليحه بالأمس وهرعت بإتجاه امها في الصالة المتواضه.
وقفت سلمى ذات العشر سنوات أمام أمها، والقت تحية الصباح، وسألت بكل ثقة عن الوعاء الذي سيرافقها الى المطعم القريب، سعادتها كانت لا توصف.. لكن عيون الأم كانت تشي بقلق ما، لربما النقود لا تكفي، "أم أحمد" لا تريد أن تكسر بخاطر الصغيرة..
وأثناء ما كانت الأم تعيد الحسابات وتردد في نفسها القلق.. كانت سلمى قد دخلت المطبخ وعادت بالوعاء الأكبر بين عدة صحون تفقدتها.. وفتحت يدها وقالت:"قبضيني يا أم أحمد" .. إبتسمت الأم .. وعلا صوتها منادية على أحمد ليرافق شقيقته في رحلتها الخاصة هذه..
إمتعظت سلمى وقالت: ليس هذا ما إتفقت عليه مع أبي في الأمس، سأذهب لوحدي فما عدت صغيرة، وبعد أخذ ورد وتلكؤ من أحمد.. أوصت الأم إبنتها عن كيفية التصرف في الشارع، ووضعت بعض النقود في يدها وخرجت معها الى باب المنزل.
حملت سلمى"الوعاء" وكادت يداها الصغيرتان أن ترقص فرحاً.. وقد عقدت على نقودها بجيبها.. وقالت في داخلها الى السوق لإ حضارإفطار اليوم .. والدي سيكون سعيداً عند عودته من الورشة ظهراً.. "الجمعة "راحة للبعض لكنها تعني له نصف نهار عمل يصر عليه لإكتساب بعض المال الإضافي..
سارت بخطى واثقه وأعادت الحساب مراراً ، واستبدلت هذا بذاك.. "خبر وحمص وفلافل" .. وأصرت على أن يأخذ الحمص حصة الأسد، والأقرب هو المخبز لذلك سأبدأ به.. وهكذا كان..
دخلت المخبر القت التحية بثقة عاليه لفتت انتباه الحضور على قلتهم وقالت:"بشيكلين خبز لو سمحت" رد صاحب المخبر التحيه وبعناية ناولها مطلبها، واتبع ذلك بتحية لوالدها.
خرجت وهي تردد ها قد إنتهيت من حاجتي الأولى، والآن الى المطعم لأعود بسرعه.. ولم تكن تعلم أن في إنتظارها ما لا تتوقع!
أقبلت ووقفت في صف ليس بطويل، صاحب المطعم يقف خلف مستديرة، أمامه بعض "الكوبونات" يقطعها للزبائن ليتوجهوا نحو عمال يملأون الصحون بما سبق وأن أشار عليه مالك المكان على قطعة الورق الصغيره.. لقد سبق لها وأن دخلت المطعم برفقة أحمد..
أمام المتباهي بمطعمه وُضعِت بعض ورود النرجس البيضاء في مزهرية جميله.. جالت بعينيها في المكان، الطاولات ما زالت فارغة بإستثناء إحداها التي شغرت برجل يتناول إفطاره .. لاحظ أنها تنظر بإتجاهه فأشار لها بتحية هادئه.. خجلت وأعادت الإنتباه لدورها.. بقي واحد ..
حملت الخبز بيد ودفعت بالوعاء للمتباهي بمطعمه ولحيته المُشذبه وقالت:" بثلاث شواكل حمص وبإثنين فلافل".. كان "ابو إبراهيم" مندمج بقصاصات ورقه .. وما أن سمع الصوت بما أفاد حتى رفع ناظريه وبعقدة بين عينيه وصاح: "من قال لك أن هناك حمص بثلاث شواكل وتريدينه ايَضاً بهذا الوعاء الكبير.. إما أن تأخذي بالخمسة حمص وهي ملعقتان أو فلافل ولك القرار" .
دار المكان بها وشعرت انها ستقع ارضاً .. فهذا ما لم تكن تتوقعه اطلاقاً ، إضافة الى أن هذا "الوقح" أخذ يعلي بصوته وكأنها ارتكبت جريمةٍ ما ، لدرجة أن العمال ومن جاء خلفها للمطعم وقف مشدوهاً.
أصرت على ما قالت وأكدت على ذلك بصوت مرتفع.. وحين حاول أبو ابراهيم إعادة الكره .. كان الرجل الذي يتناول إفطاره في زاوية المطعم قد تدخل .. على رسلك يا هذا .. أعطِ الطفلة ما تريد ولا تزد بحرف.. هذه إمكاناتها وهذا ما طلبت..
وبعد أخذ ورد وارتفاع الصوت "ضاجَ "من في المطعم وطالبوا صاحبه بتلبية رغبة الطفله.. خاصة وأنها رفضت أن يزيد أحد على المبلغ الذي أفصحت عنه .. وهددوا بالانسحاب من المكان .. فما كان من أبي ابراهيم الا أن صغُر امام ارادتهم.
توجهت للعمال الذين بدى عليهم السرور وأضافوا لها ما يزيد عن حاجتها بكل رضى وهي تبتسم لهم .. وفي المكان يعلو صوت ذاك الرجل : خير ما القي في القلب القناعة ، ومن عمل لبطنه وقنع وترك ما سوى ذلك عدّ من البهائم.. والفقر في النفس لا في المال تعرفه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال ..
أنهت سلمى ما طلبت شكرت الجميع وتجاهلت صاحب المطعم وخرجت وفي بالها أن لا تعود ثانية اليه .. واتجهت مسرعة الى البيت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا


.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟




.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح


.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين




.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع