الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يؤمن الناس بالآلهة و الأديان ؟

الناصر لعماري

2013 / 3 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا يؤمن الناس بالآلهة و الأديان ؟

ما السبب أو الأسباب التي تجعل أي إنسان يتمسك بالخرافات التي تربى عليها ؟

الحقيقة أنا فكرت في هذة الأسئلة كثيرا و حاولت أن أصل إلي إجابة شافية بقدر الإمكان, فلأنني ملحد لم أجد سببا واحدا وجيها يجعل شخصا ناضجا يؤمن بخرافات الأديان و أساطيرها رغم وضوح كذبها و زيفها.

لم أفهم أبدا ما هو الكريه في الواقع الذي يجعل الناس تنفر منه و ترتمي في احضان الخرافة بهذا الشكل. أعرف أن كل الناس يتعرضون لغسيل دماغ مستمر يصحبهم منذ الطفولة و حتى الممات في كل مكان : المدرسة, المنزل, العمل .. ألخ. لكن مع ذلك يحتاج الإنسان لاكثر من مجرد غسيل دماغ لكي يصدق الأساطير الدينية و يتمسك بها كما يفعل الكثيرين.

و في النهاية توصلت لأن الأسباب ليست موضوعية بل نفسية و أخلاقية ..

بمعنى أن أن السر ليس أن الإلحاد صعب التصديق أو مجهد للعقل او ما إلي ذلك بقدر ما هو العيب في الشخصية التي تربت على أخلاق معينة و طباع معينة جعلت دماغه غير قابلة لتقبل الحقيقة. و هي في الواقع ليست أخلاق او طباع بقدر ما هي خطايا أو عيوب أخلاقية. خطايا تشوه شخصية الإنسان و تغرس فيه الإيمان بما هو زائف.

إنها الخطايا المميتة التي تؤدي إلي الإيمان بكل ما هو خرافي و غير أخلاقي و اول تلك الخطايا :

الكبرياء و الدونية

المبالغة في تقدير الإنسان لنفسه بالزيادة و النقصان .. كل شيء إلا الحجم الحقيقي للإنسان.


عجيب هو تقبل الناس العبودية للإله لمجرد أنه خارق القدرات. كيف يتحمل إنسان أن يتسمى ” عبد ” ؟!! ( عبد الله أو عبد النبي أو عبد أي شيء ) لماذا يتقبل أي إنسان كل هذا الخضوع و المسكنة في التعامل مع ما يخص الإله أو الدين. و الإجابة هي أن هذا الإنسان قد تربى على التعايش مع شعوره بالدونية و الإنسحاق امام أشياء معينة على رأسها الدين و الإله.

لكن برغم كل شيء فهناك الكثير من الكبرياء الكامن في كل هذا الإنسحاق و تلك الدونية. فالعبودية لله و شدة الإنسحاق له تبرر التجبر على بقية الناس و شدة التكبر عليهم. العنف يولد العنف و كبرياء الله على الناس يولد كبرياء الناس على بعضهم البعض. لا حيلة لأي مؤمن في أن يرى الله مثله الأعلى و مادام مثله الأعلى يمارس كل هذا الكبرياء و لديه تلك الذات المتضخمة فلماذا لا يمارس نفس هذا السلوك على بقية الناس.

الفكرة هي أن أي شيء يقوم به الله يعتبر مبرر و أخلاقي عند المؤمن به حتى و إن لم يكن كذلك. يعني لو قال الله أنه متكبر سيعتبر الكبرياء فضيلة حتى لو قال الله للناس بعد ذلك : كونوا متواضعين و لا تتكبروا فسيكون مثل الأب الذي يدخن السجائر و مع ذلك يمنع إبنه من التدخين. من الصعب ان يمارس المثل الأعلى شيئا و لا يمارسه من يقتدي به.

فإذا كانت العبودية لله هي لب الشعور بالدونية فهي أيضا التبرير لكل الشعور بالكبرياء و تضخم الذات في مواجهة من لا يؤمن بالله و في مواجهة بقية الكائنات الحية. هذا الشعور بالكبرياء هو الذي يمنع الشخص من أن يقر بخطأه و يعترف أن دينه الذي هو جزء من تكوينه كان خطأ منذ البداية و من ثم يتنصل منه. هذا الشعور بالكبرياء هو الذي يجعل المرء يتقبل أي مصير تعس يلحق بمن لا يؤمن بإلهه لأنه أقل منه منزلة. هذا الشعور بالكبرياء هو الذي صنع الفاشية الدينية في شكل “خير أمة أخرجت للناس” و “شعب الله المختار” و ما إلي ذلك. هذا الشعور بالكبرياء هو الذي صنع حاجزا ضخما ضد قبول الكثير من المؤمنين لنظرية التطور رغم تأكيد العلم الحديث عليها.

يقولون : كيف يتساوى الإنسان بالقرد و هو الذي كرمه الله و رفعه فوق جميع المخلوقات (الإنسان و ليس القرد) ؟

و لكنهم لا يسألون لماذا كرم الله الإنسان و رفعه فوق جميع المخلوقات ؟ لماذا يتوهم المؤمنين ان الإنسان هو كائن مختلف عن بقية الكائنات الحية إلي هذا الحد ؟ لماذا يأمر الله الشيطان بالسجود لآدم على سبيل المثال؟ أليس السجود هو لله وحده ؟ لماذا لا يستنكر اي واحد مؤمن مثل تلك الواقعة ؟

لماذا يفضل الله الإنسان على بقية مخلوقاته ؟ بل لماذا يهتم بالإنسان أصلا ؟

يعني ما الفرق بين الإنسان و القرد المحدودين بالنسبة لله الغير محدود ؟ أليسوا سواء بالنسبة لله ؟

إن من ينظر للناس بمنظور عين الطائر فسيراهم مثل النمل أما لو حاول النظر إليهم بمنظور عين الإله فلن يراهم أساسا. المفروض أن الله خلق الإنسان كما خلق بقية المخلوقات جميعا. فما هي قيمة الإنسان لكي يعيره الله أي إنتباه خاص و لماذا يستحق كل هذا الإهتمام ؟ من وجهة نظر الله الخارق السرمدي الغير محدود المفروض أن الإنسان الفاني العاجز المحدود لا يساوي شيئا ..

لكنه الكبرياء العظيم عند الذين آمنوا و الذي يبرر تفوق الإنسان على جميع المخلوقات الإلهية لان الله إختار الإنسان على وجه الخصوص ليكون خليفته في الأرض و الكون.

لماذا يختار الله العظيم خليفة حقيرة بهذا الشكل ؟ ألا يدل هذا على أن القصة قد لفقها إنسان ليرفع من قيمة النوع الإنساني و يبرر الكبرياء الآثم على بقية الناس و الكائنات الحية.

و لماذا يختار الله من كل الناس فرد واحد بعينه ليكون نبيه و رسوله ؟ هو لا يسأل و هم يسألون !!

سيغموند فرويد قال ان الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة اليه في بداياتها وان فكرة وجود الاله هو محاولة من اللاوعي للوصول إلى الكمال في شخص مثل أعلى بديل لشخصية الأب اذ ان الأنسان في طفولته ينظر إلى والده كشخص متكامل وخارق ولكن بعد فتره يدرك انه لا وجود للكمال فيحاول اللاوعي ايجاد حل لهذه الأزمة بخلق صورة وهمية لشئ اسمه الله الكامل.

أما لماذا يصر الإنسان على توهم الكمال و لماذا يسجد للكمال, فالسبب هو الشعور بالكبرياء الذي يوهم الإنسان أن هناك من يملك كل تلك العظمة و كل ذلك الكمال. إنه التفكير بالتمني the wishful thinking, بمعنى أن يتصور المرء وجود الكمال لأنه يتمنى وجود الكمال و هو يتمنى وجود الكمال لكي يرضي شعوره بالكبرياء و هو يشعر بالكبرياء كما يشعر بالدونية بسبب التربية الخاطئة التي تربى عليها, و على أساس تلك التربية يربي أولاده ليصيروا مثله و ندور جميعا في حلقة مفرغة ..

و الحل ؟

الحل هو بالإلحاد.

أي أن يتجاوز المرء أمانيه في وجود الكمال و شعوره بالكبرياء حينا و بالدونية حينا آخر ليعرف قدر نفسه جيدا.

قديما قال سقراط : إعرف نفسك.

أنت لست عبدا لإله و لست سيدا على مخلوقاته بل مجرد ابن للطبيعة و أحد الكائنات الحية الموجودة.

سواء كان الإنسان مخلوقا أم لا, متطور ام لا, فلا يوجد فرق كبير بينه و بين القرد : كلنا حيوانات ثديية على أي حال.

هكذا يقول العلم : ان الإنسان ينتمي إلي ..

مملکة : الحيوانات

شعبة : الحبليات

صنف : الثدييات

رتبة : الرئيسيات (الإنسان والقردة)

عائلة : قردة عليا (أشباه الإنسان)

الجنس : إنسان Homo

النوع : إنسان عاقل Homo Sapiens

النوع الفرعي : إنسان عاقل عاقل Homo sapiens sapiens


أنظر ويكيبيديا


القردة العليا great apes أو Hominidae عبارة عن عائلة حيوانية تتضمن البشر ، الشمبانزي ، الغوريلا و الأورانغوتان. يعني نحن نشترك مع الشمبانزي في إنتمائنا لمملكة الحيوانات و في شعبة الحبليات و في صنف الثدييات و في رتبة الرئيسيات و في عائلة القردة العليا ..

و نختلف فقط في الجنس و النوع و النوع الفرعي ..

يعني الإنسان ليس أصله قرد فحسب بل هو أحد أنواع القرود أيضا الآن و حاليا.

(( إعرف نفسك .. هكذا يقول سقراط. ))

انا لست عبدا لأحد و لا سيدا لأحد بل أنا قرد عاقل و أحد الكائنات الحية الطبيعية.

بعد التواضع لن يضر ..

و أيضا بعض الكبرياء لن يفعل.

النزوع للكبرياء هو نزوع للعظمة و المجد عن طريق تجاوز الذات.

لكن تجاوز الذات لا يكون باوهام العظمة و الكمال بل نتجاوزها بالعمل و المثابرة و الإجتهاد.

الإنسان بالفعل لديه ما يفخر به : بنى حضارة عظيمة و سافر للفضاء الخارجي و لأعماق المحيطات و إحتل الكرة الأرضية كلها .. حيوان عظيم فعلا.

لكنه حيوان على أي حال, لماذا نتنكر لأصولنا الحية ؟

ربما يجعلنا الكبرياء في المستقبل أكثر من مجرد قرود عاقلة لكنه أبدا لن يغير ماضينا و أصلنا.

نحن ابناء الطبيعة الأبرار بكل تواضع و كبرياء.

نحن الحيوانات العاقلة الوحيدة المعروفة.

نحن البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ الفاضل الناصر العماري
عبد الحسين طاهر ( 2013 / 3 / 3 - 16:49 )
الظاهر في مقالتك اليوم السهام موجهة نحوي تقول كيف يتحمل انسان يتسمى عبد-- ؟؟؟ عبد الله او عبد النبي او عبد ما وداعيك وجد اهله مسمينه عبد الحسين ومع هذا اذا سالوا حفيده الذي يريدون تدريبه على الغة الكلام يسالونه جدك منهو الخالقه ؟؟فيرد بلغه مكسره الطبيعه انت منهو الخالقك ؟؟فيقول الله ابوك منهو الخالقه ؟ يقول الله ثم يعيدون عليه وجدك منو الخالقه فيكررها الطبيعه
ولك التحية


2 - لا يملأ الفراغ في حياة الإنسان إلا خالقه
ابو داود المحبوب ( 2013 / 3 / 3 - 17:40 )
احترم اجتهادك سيد لعماري رغم عدم قبولي لنقاشك ومبرراتك. ومن خبرتي وعلاقاتي مع احبتي الملحدين يمكنني القول ان إلحادهم عملي في الغالب وليس نظري. اقصد بالإلحاد العملي رفض الإنسان ان تكون منظومة تعاليم رب الوجود المرجع والمصدر للحياة، فكل إنسان يدرك في أعماق قلبه ان للعالم خالق ورب وسيد، ولكنه يرفض هذا أرب سيدا على حياته. في الواقع لا يستطيع أي مسلم ان يبرهن لي ان الله غير موجود، وعندما يأهلني الملحد برهن لي وجود الله فانا بدوري أساله ان يبرهن لي أولا عدم وجوده.
انا أؤمن بالله لانه يحبني فهو الذي خلقني ووضع في نسمة الحياة. انا أؤمن بالله لان تعاليمه المقدسة والجليلة في الإنجيل المقدس تساعدني على التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الجمال والبشاعة، وبين طريق الحياة وطريق الموت. ولكن اهم واعظم سبب لإيماني بالله هو ان الله يحبني لدرجة انه اخلى نفسه وأخذ جسد إنسان ومات من اجلي على الصليب ليخلصني من الخطية وعقابها.


3 - منطق معكوس مغلوط فاسد
محمد بن عبد الله ( 2013 / 3 / 3 - 21:53 )
ما هذا الكلام الفارغ يا استاذ محبوب ؟؟:
(((عندما يأهلني الملحد برهن لي وجود الله فانا بدوري أساله ان يبرهن لي أولا عدم وجوده. )))


البينة على من ادعى وما عدا ذلك لغو سخيف واهانة لعقل القارئ


4 - من الذي يهين عقل القارئ يا أستاذ محمد؟
ابو داود المحبوب ( 2013 / 3 / 3 - 22:48 )
في تعليقك - القشة- قلت ان سبب الإيمان هو الإحساس بالضعف وقلة الحيلة أمام الكوارث....، ولكن في الواقع العملي، وبخلاف ما تقول، نجد عدد المؤمنين في ازدياد مضطرد بدون أي إحساس بضعف أو غيره. فالقوة والضعيف والغني والفقير والرجل والمرأة والصغير والكبير يبحث عن الشبع الروحي وعن الحق وعن قيم الخير والبر ولا يجدها إلا بالالتقاء مع خالقه في علاقة الإيمان الذي يعني ثقة المؤمن بخالقه ومحبته وسماع صوته والعيش بحسب إرادته الصالحة والكاملة.

ثم اين السخافة أو إهانة العقل في سؤال المؤمن للملحد ان يبرهن الملحد كلامه بعدم وجود الله. الملحد يقول الله غير موجود دون إعطاء علة منطقية واحدة لان كل ما في الوجود يشير إلى الله الخالق وذاتي الوجود الذي ابدع كل ما هو موجود. وأنا يا أستاذ محمد أؤمن بالله الخالق والمحب لأنني بإيماني هذا اجد الفرح والشبع الروحي والمعنى الحقيقي للحياة وللوجود.


5 - أطفال وطيور وزنابق
محمد بن عبد الله ( 2013 / 3 / 4 - 13:35 )
كتبت يا سيدي محبوب:
(((عدد المؤمنين في ازدياد مضطرد))
من أين لك بمثل هذا الكلام؟
ثم هل ازدياد عدد القطيع دليل على حسن فهمه وادراكه؟

(((كل ما في الوجود يشير إلى الله الخالق وذاتي الوجود الذي ابدع كل ما هو موجود)))
كلامك مرسل يعتبر وجهة نظر قائمة على الهوى لا يقبله الفلاسفة وأستاتذة المنطق كدليل ثابت وإلا لكانوا كلهم من المؤمنين..المنطق علم محترم له قواعده الرصينة يا أخي لا يقوم على الامنيات

هذا الإله العظيم الحنون الذي كلمنا عن طيور السماء وزنابق الحقل (أجمل الشعر أكذبه) ألا يدري بأمر الملايين من الأطفال التي تموت جوعا؟

يا سيدي بلاش الأطفال... ألا سلطان له على الحفاف والفيضانات والزلازل والكوارث الطبيعية التي تقتل مئات آلاف من هذه الطيور عينها التي يحدث عنها كجاهل بالواقع المر على كوكبنا؟ أليس هذا تكذيبا للهراء لا ينفيه إلا المتعصب الذي يغمض عينيه ليعيش في أوهام تريحه ليجد (((الفرح والشبع الروحي والمعنى الحقيقي للحياة وللوجود.)))

قلت لكم المؤمن يعي ضعف الانسان ويكذّب عقله ليعيش سعيدا فرحا ....واهما !


6 - الخطية مشكاة الوجود والبشرية
ابو داود المحبوب ( 2013 / 3 / 4 - 21:48 )
من قال يا سيد محمد ان الفلاسفة وأساتذة المنطق ملحدين ويرفضون الله ووجوده. والحقيقة انك للمرة الثانية ترد على كلامي مع الهروب من سؤالي البسيط بالنسبة لك وللفلاسفة وأساتذة المنطق: اعطني أدلة أو دليل -منطقي- أو -فلسفي- يبرهن ان الله غير موجود

أما الكوارث الكونية فصدقني أنها جاءت وستأتي بسبب كمية الشر الهائلة التي يرتكبها البشر الذين يعيشون بالرذيلة والنجاسة. في زمن الفسوق والدفاع عن الانحطاط المتمثل بالانحراف الجنسي والقتل باسم الدين والزنى والكذب والكراهية والاستهتار بالقيم السماوية المقدسة فان غضب الله معلن وسيأتي على الناس، فان لم يتب الناس فسيهلكون.

اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع