الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاء طير!!

ماهر علي دسوقي

2013 / 3 / 5
المجتمع المدني


وفاء طير !



في صباح ندي دافىء تجمع الطير فيه على الأغصان القريبة من النافذة المطلة على الحقل .. طائر الدوري يحاول منافسة البلابل في التغريد والغناء .. فيفشل .. لكنه لا يصمت ، وبين كل مقطع ومقطع للبلابل يخرج من حنجرته الصغيرة صوتا لاعلان وجوده ..

قطع الخبز المتناثرة على الأرض "تفتح" شهية الطير من كل حدب وصوب قريب .. يحط الحمام على الأرض أولا فتتبعه بقية الطيور .. يتنافسون على التقاط ما قسم لهم ، ولا يرتفعوا ثانية الى اعالي الأغصان الا عند "شبع" او تهديد من قط عابث او صوت ضجيج قريب .

ام حسن جارة تقدم بها العمر قليلا ، اعتادت صباحا ان تلقي بقطع الخبز الصغيرة في الحقل المجاور ، وهي على هذا المنوال منذ عدة سنوات ، تقدم افطارها الشهي لكل ذي جناح ، ولا تبخل أيضا ببعض الطعام المتبقي على مائدتها الخشبية القديمة رغم أحوالها المعيشية الصعبة .

حاورتها يوما عن نشاطها المستمر هذا .. فقالت : اذا لم استطع التصدق لمحتاج من البشر ، فلعلي اتصدق بما اتمكن للطير وبعض الكائنات الاخرى .. سعادتي تكون بالغة حين "اراها" وقد اقتربت مني او من الفتات الملقى على الارض .. فهل تصدق ان قلت لك انني في بعض الاوقات أقتطع من قوت يومي لها ؟؟

ام حسن تعيش لوحدها منذ ان فارق زوجها الحياة قبل عشر سنوات .. وحدث وان كان لهما طفلا لم يعمر طويلا بعد ولادته "حسن" ..ولم تتمكن من الانجاب ثانية ، وبقيت وزوجها حتى قضى الله أمرا كان مفعولا .

هي حين تخرج صباحا تكون وقد تجهزت تماما ، بثوبها القديم المطرز وبشالها المايل للصفرة الباهتة قليلا ، وكانها تتجه للقاء الحبيب ، تحمل في يدها الصحن القيشاني المورد القديم والذي تحتفظ به كأمانة من والدتها .. وفي اليد الاخرى "طاسة" ماء قديمة تملاها باستمرار وتضعها في الخارج .. تأخذ بالقاء فتات الطعام بعد أن تضع الماء جانبا .. فياخذ الطير بالهبوط تدريجيا .. بعض طائر الدوري والحمام يحط على يدها والصحن .. طقسها اليومي هذا حبب الطير اليها ...

قبل ايام غابت "ام حسن" عن المشهد الصباحي .. فهبط الطير كعادته الى ذات المكان يتفحص .. وكانه يقول : لربما القت لنا افطارنا وغادرت قبل ان نراها .. ما تبقى من الامس غير كاف .. وبقي الطير في الجوار ، والعيون شاخصة باتجاه باب شقة ام حسن المتواضعة !!

ذات الامر تكرر في اليوم التالي ، وهكذا لعدة أيام .. ساورني القلق عليها .. فارسلت من يستشف الامر .. واذ هي طريحة الفراش لوعكة صحية عابرة .. زرتها وزوجتي مساء ذلك اليوم للاطمئنان عليها ، وكانت ما تزال بغير عافية ... وحدثتها عن مشاهداتي والطير .. تمنينا لها الصحة والشفاء .. ودون ان نثقل عليها غادرنا والابتسامة تعلو وجهها .

في صبيحة اليوم التالي كانت المفاجئة .. الدوري والحمام اصطف على جدار قريب وبعض البلابل على الاغصان امام منزلها ... والقطط "المشاكسة" كانت "تخروش" على الباب .. يا الهي ما هذا ..." لقد أثمر زرع ام حسن بالخير فانبت وفاء الطير " .. واكتملت المفاجئة بخروجها والتعب ظاهر عليها .. القطط تتحلق حولها والطير يحاول الاقتراب مرتفعا خوفا من القطط .. لاحظت هي ذلك فابعدتها قليلا وتقدمت ببطىء الى الجدار القريب واخذت بالقاء بعض الخبز المبتل .. وعلى جوع الطير لربما .. فانه ترك الافطار وتقدم منها بصورة "سريالية"، وحط البعض منه على راسها وعلى كتفها حط البعض الاخر .. "وكانهم" يتأكدون من سلامتها .. وقفت لدقائق والطير يتجمع من حولها وهي في غاية الفرح .. شعرت بان العافية قد دبت بها من جديد .. عادت الى الداخل وخرجت بالماء ..

وقفت مكاني مشلول الارادة تماما ، وقلت : كم قدمنا للبشر من عهد وسرنا معهم دروب الشقاء .. فما كان الا ان تنكروا وابتعدوا دون رد الجميل وهم في رخاء، وتساقطوا كأوراق الشجر في الخريف وتحولوا الى غبار وهباء ..

الا يامن عهدناكم يوما تتعلمون من الطير الوفاء !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة


.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين




.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف


.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو




.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با