الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد المرأة .. فلسفتي .

جلال خشيب

2013 / 3 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



موضوع المرأة من أكثر المواضيع التّي تثير حبرا كثيرا و بلبلة أكثر بين الأوساط الثقافية عموما ، فلماذا يحتفل العالم اليوم بما يسمى بعيد المرأة ؟ و لماذا كلّ هذه الضجّة ؟

سنحاول تناول الموضوع من مدخل آخر ... ثنائية الرجل- المرأة كغيرها من الثنائيات التّي طُبع عليها الخلق ، خَلَق الله النور و خلق الظلمات ، هناك خالق و هناك مخلوق ، هناك موجب و هناك سالب ، هناك ملائكة و هناك شياطين ، هناك ماء و هناك نار ، هناك مادة و هناك روح ، هناك رجل و هناك أيضا إمرأة ، فالكون كله مركبٌ تركيبا ثنائيا من أصغر خلق إلى أكثره ضخامة و عظمة ... يقول تعالى " و من كلّ شيئ خلقنا زوجين لعلكم تتذكرون " الذاريات 47-48 ... هذا هو القانون الإلهي في الخلق . .


فالتكن البداية من الإنسان الوثني - في الغرب - ، كانت المرأة تحظى بأهمية قصوى إن لم تكن مقدسة ، كان يُنظر إليها كمخلوق خارق بإمكانه أن يهب الحياة كإله على الأرض من خلال قدرتها على الإنجاب ، كانت تحظى بهالة قداسة إنّها الأنثى المقدسة ، و قد إصطنع لها الوثنيون رموزا و أيقونات دينة كزهرة الزنبقة أو علامات فلكية كوكب الزهرة مثلا أو فينوس إلهة الخصوبة و الجمال و كانت النجمة الخماسية أكثر الأيقونات الدينية رسوخا... النقطة الفارقة في تاريخ هذه القداسة كانت في أواخر حياة الإمبراطور قسطنطين الأكبر ، فقد أصبح الخطاب الديني خطابا حاسما في إمبراطوريته آنذاك و كان للكنيسة صوتها المسموع ممّا تسبب في إضطرابات سياسية و دينية داخل الامبراطورية بين الوثنيين القدماء و المسيحيين الجدد خاصة و أنّ الامبراطور قسطنطين كان وثنيا و لم يُعمّد إلاّ و هو على فراش الموت ، لذا أعلن قبوله للمسيحية كديانة رسمية لإمبراطوريته إحتواءا لتزايد نفوذ الإكليروس و الكنيسة الكاثوليكية و درءا للفتنة التّي قد تنجم نتيجةً لإقصاء هؤلاء... و مع وفاة الإمبراطور بدأت المشاكل تعم الإمبراطورية ، و بدأت الكنيسة تصّفي كلّ ما هو وثني ، فأعلنت الحرب على الوثنية ... بعد عقود تمكنت الكنيسة من محو الكثير من الرموز و الأفكار الوثنية بينما أخفقت في التخلص من أخرى لرسوخها في عقول الناس فلجأت بدلا من ذلك إلى تحوير هذه الرموز و إعطاءها مضمونا آخر كان في أغلبه بغرض تشويه الرمز الأصلي حتى يُمحى معناه الأصلي في أذهان البشر مع مرور الزمن ، فصارت مثلا النجمة الخماسية رمزا للسحر و للشرور ... و من هنا بدأت حرب الكنيسة على المرأة ، و يشهد التاريخ أنّ الكنيسة قامت بإحراق حوالي خمسة ملايين إمرأة في معظم قرون الظلام التي عاشتها أوروبا – يتم مراجعة هذا العدد - و كانت أكثر الأسئلة شيوعا آنذاك : هل المرأة إنسان أم أنّها تُصنّف في عِداد الشياطين ؟ سؤال يعكس التفكير السائد آنذاك ماينستريم ذلك العصر ...

لم تخلوا قرون الظلام كما تعلمون من بعض المصابيح المنيرة في تاريخ أوروبا صنع مجدها فلاسفة و علماء حملوا لواء محاربة خرافات الكنيسة و رجال الدين ، دخلوا في حرب فكرية إنتهت بسقوط الإكليروس و إعلان ميلاد جديد لأوروبا الحديثة إنّه عصر النهضة ... و كما تعلمون كان العلم عاملا محددا في إنتشار الفكر العقلاني في أوروبا حيث أعيد فتح النقاش في كلّ ملف فكري كان طابوها محرما من قبل ، و منها موضوع المرأة التّي أعطاها العلم قيمتها كإنسان حرّ على قدم المساواة مع الرجل تماما .

لم تنتهي القصة هنا فهذا مجرد سرد تاريخي يضع لنا إطارا عاما لنفهم على الأقل لماذا خُصّص يوم عالمي للمرأة ... الشيئ الذي نريد أن نركز عليه هنا هو الفكر الذّي صار يحكم أوروبا بعد عصر النهضة ... و سنستعين هنا بمقاربة الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله ... يقسم الدكتور المسيري الفكر الغربي إلى مدرستين أساسيتين الأولى مدرسة إلحادية كمونية واحدية لا تعترف بوجود الله و لا بالثنائية التّي طُبع عليها الكون و هذا ما يسميه أيضا بالعلمانية الشاملة ، أمّا الثانية فهي مدرسة الثنائية التّي تقر بوجود خالق و مخلوق ، مادة و روح ، رجل و إمرأة ... ، بخصوص المدرسة الأولى فهو إتجاه فكري يُعلي من شأن المادة كمطلق متجاوز يخضع له الإنسان كقيمة تابعة بمعنى آخر سيتحوّل الإنسان هنا إلى مجرد أداة نفعية تخدم أغراض و أهداف مادية إستهلاكية و حسب دون الإكتراث لهذا الإنسان كجوهر و كمعطى روحي بل دون الإكتراث لا لجنسه و لا للونه فالكل في خدمة المادة أو ما يصطلحون على تسميته بالطبيعة و بالتالي فليس هناك أي إعتراف بما يسمى امرأةً أو رجلا فالمهم هو جسم يتحرك كآلة نفعية منتجة و ضمن هذا السياق يمكن أن نفهم تلك الدعاوي الفكرية لإحداث المساواة بين الرجل و المرأة كضرب للقانون الإلهي الثنائي الذّي ميّز بين الجنسين و منح لكل منهما خصائص مميزة له بغية إحداث التكامل الحياتي بينهما " و جعل بينكم موّدة و رحمة " و بالتالي تسخير كلّ منهما في خدمة الآخر وفقا للخصائص التّي فُطر عليها كل جنس ... هكذا يجب أن نفهم اليوم الدعوات الغربية التّي يقودها بعض دعاة الحداثة ، في حين يحمل لواءها أناس من بني جلدتنا دون أي دراية بهكذا خلفيات معرفية فلسفية للمنتوج الفكري الغربي و كأنّهم يحاولون إحداث المساواة بين شيئين لا يخضعان لمنطق المساواة إطلاقا ...

كمسلمين لا نجد في إسلامنا شيئا كهذا فالكل يعترف بالمنطق الثنائي الذّي يقابله الإلحاد ، و لا يوجد إشكال كالأشكال الذّي أوجدته الكنيسة ، فالمرأة في الإسلام مخلوق كالرجل تماما ، و النساء شقائق للرجال لا يعلوا عليها الرجل في شيئ و لا تعلوا عليه هي في شيئ ، فكلّ فضّل الله له فضائل ليُكمّل بها الآخر حياتيا ، لم تغفل شريعتنا عن أي نقطة فوضعت فيها أحكاما تُصوّب سلوك الجنسين و مدار تخصصهما في الحياة ، هكذا أفهم ما أتى بها الإسلام الذّي لا يمكن فهم شرائعه و نصوصه إلا بمنطق شمولي أي بنظرة شمولية إنسانية بدلا من القراءة التجزيئية للنصوص في غير سياقاتها أو في سياقات يبتكرها فهمنا الإسقاطي الذي يتعمد بطريقة تلقائية اللجوء إلى قراءات مقارنة بين مواضيع لا تحمل وجها للمقارنة بالمطلق ... أمّا أولئك الذين يدعون إلى قبر المرأة في الجهة المقابلة فليسوا إلاّ فئة ضئيلة في مجتمعنا الإسلامي " المليار و نصف المليار أو أكثر بقليل " فليس من العدل أن نعتبر هؤلاء ناطقين رسميين عن الإسلام كما أنّه من السذاجة أن يطلع علينا أناس من بيننا يحاولون لعب دور سبينوزا أو كانط في مواجهة " جبروت السلطة الدينية " ، فمقارنة السلطة الأدبية لبعض العلماء عندنا بالسلطة الدينية لإكليروس القرون الوسطى أسميه سذاجة فكرية و ضحك على الذقون أكثر من السذاجة التّي تدعوا إلى قبر المرأة في البيت بإعتبارها حكما ربانيا نزل من السماء .

ما نريد قوله كخلاصة للمسألة هو ضرورة الإنتباه للمنطلقات الفلسفية و التاريخية التّي تحملها كلّ فكرة وافدة من خارج ديارنا ، تحليلها بدلا من إخضاعها لثنائية الحلال و الحرام من أجل التميّز و مخالفة الغرب في أفكاره و معتقداته بغية المخالفة و حسب كهدف ساذج فهذا من شأنه أن يُسطّح العقول و يجعلها في حالة تهافت حول الفراغ .

في النهاية أقول أنّ فطرتنا السليمة و ضمائرنا الحيّة بإمكانها أن تُميّز بين ما هو جائز عمّا هو محظور " قبل الإحتكام إلى الشرع الذّي لا غنى عنه بكلّ تأكيد " ، قد أرفض في هذا اليوم مثلا أن أتوّجه إلى سهرة إحتفالية تُحييها "فنّانة" ما لأراقص الجميلات " لكنّي لن أتوانى في أن أحمل وردةً حمراء إلى أمّي " أو زوجتي في المستقبل إن وُجدت بالطبع " ، أقبّلها و أقول لها عيدٌ سعيدٌ يا أحلى زهرة في الوجود .

* جلال خشيب : مهتم بالدراسات الدولية والإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا ، الفلسفة السياسية والفكر الإسلامي ، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة منتوري قسنطينة / الجزائر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية المرأة بين الماضي والحاضر


.. جامعة الشرق تساهم في النهوض بالواقع التعليمي للمنطقة




.. واقع الأمازيغيات يصطدم بالموروث الثقافي والأعراف البالية


.. في يومهن العالمي عاملات تؤكدن أن ثورة 19 تموز رسمت لهن طر




.. حملات تنـ مر إلكترونية علي ملكة جمال ألمانيا...-قالوا عليها