الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعذرة يا -دكتور-

منعم زيدان صويص

2013 / 3 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قرأنا في الصحف قبل بضعة أيام خبرا طريفا وهو أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قرر الإستغناء عن ألقاب الفخامة والسيادة في الإجتماعات الروتينية لحكومتة، طالبا من الحضور أن يخاطبوه باسمه الأول المجرد. أقول طريفا لأنه جعلني أفكر في الفرق الهائل بين هذا المسؤول وبين مسؤولينا وأعجب من حب مجتمعنا الأردني المفرط للألقاب والأسماء الني يطوّرونها عندما لا تروق لهم الألقاب والتوصيفات الشائعة والمقبولة.

بعض الألقاب التي يخاطب بها الناس بعضهم جزء من التراث والتقاليد والثقافة العربية ونحن نفتخر بها لأنها ميزة من ميزات المجتمعات العربية وتقاليدها الحميدة وتدل على الإحترام، مثل "أبو فلان" و "أم فلان." وقد إستعملها و تبناها الفدائيون والقاده الفلسطينيون في العقود الماضية، وهي موجوده في الأدبيات العربية منذ أكثر من اربعة عشر قرنا. وهنال الألقاب الحديثة التي تثبّت في مقدمة أسماء الرجال والنساء وتدل على التحصيل العلمي والأكاديمي، مثل "الدكتور" و"المهندس" والتي بدأ استعمالها في مصر وانتشرت في بقية الدول العربية. وأتذكرأن الإعلام المصري كان يتحدث عن وزير سموه "الكيميائي قنديل." وهذه أيضا ليس لنا عليها إعتراض إذا استعملت في مكانها وبطريقة منطقية ومقبولة. ينطبق هذا ايضا على ألقاب "دولة" إذا خاطبنا من شغل رئاسة الحكومة وكذلك لقب "معالى" و"عطوفة" و "سعادة" الى آخره.

واستعملت الألقاب "بيك" و "باشا" لضباط الجيش وأعضاء مجلس الوزراء منذ تـأسيس الدولة الأردنية لأن التقاليد التركية العثمانية كانت لا تزال فعالة، وفي عام 1952 قررت الهيئة النيابية المشكلة بأمر من رئيس الوزراء، الغاء جميع الألقاب وكانت أول حكومة يصدر مرسوم تشكيلها من دون ألقاب أو رتب، هي حكومة توفيق أبو الهدى العاشرة عام 1952. غير أن العادات الإجتماعية كانت أقوى من ذلك ولا زال الناس يستعملون هذه الألقاب وبحماس.

ومن أكثر الألقاب إنتشارا في السنوات الماضية لقب "دكتور،" فأحيانا نجد شخصا يخاطب متحدثه، خاصة إذا كان يبدو متعلما أو مثقفا، بالدكتور بدون أن يكون طبيبا أو يحمل هذه الدرجة الأكاديمية العالية، وبعضهم يغضب إذا أسقطت كلمة دكتور من أسمه عن قصد أو غير قصد. وأذكر مرة أن مقدمة برامج في التلفزيون الأردني كانت تستضيف بعض المسؤلين في حلقة نقاش وكانت توزع عليهم شهادات الدكتوراة يمنة ويسرة فما كان من أحدهم إلا أن نبهها بأنه ليس طبيبا ولا يحمل شهادة الدكتوراة. وفي نفس البرنامج إتصلت هذه المضيفة بشخصية من الشخصيات للإشتراك في النقاش وخاطبته بإضافة كلمة "السيد" إلى إسمه، وعندها غضب وذكرها بانه وزير سابق ويحمل شهادة الدكتوراه ويجب أن تسمية دكتور، فقالت له: المعذرة يا دكتور.

قبل عدة سنوات تبنى مؤ تمر الصيادلة العرب قرارا يمنح بموجبه لقب "دكتور" لكل من يحمل شهادة صيدلة، مع أن الصيدلي ليس طبيبا ورغم أن قلة من الصيادلة يحملون درجة الدكتوراة. وبأمانة أقول أنني لو كنت صيدليا لاعتبرت هذا القرار إستهزاء بمهنتي، ولكنت سأعتبر لقب دكتورمجرد ترضية لي تستخف بشهادة الصيدلة التي أحملها، ولا تشرفني لأنها ليست حقيقية ولأنها ضحك على الذقون. فكثير منا ومن الصيادلة يعرفون أن بعض شهادات الدكتوراة لا تساوى ثمن الكرتونات التي كتبت عليها.

ومن الألقاب التي طُوّرت حديثا لقب "فنان" أو "فنانة" لتصف المطربين والمطربات. وإذا فكر المرء جديا بالهدف من هذا اللقب سيجد أن هؤلاء غير مقتنعين بلقب مطرب، أو مغني، ويخجلون منه، والحل الوحيد هو إخفاؤه والوقوف خلف إسم جديد مُبهم ولكنه يثير الخيال. لا أدري ما هو العيب في أن يسمى المغني مغني أو مطرب، فكل لغات العالم تستعمل إسم مغني لتصف أكبر المطربين فلا يقول الناس هناك أن ألفيس برسلى (Artist) بل بكل بساطة (Singer) ولا يقولون عن الممثل أنتوني كوين (Artist) بل يقولون ببساطه أنه (Actor). الفنان (Artist) بشكل عام معناه رسام (Painter) أو نحّات (Sculptor)، ومع ذلك يسمى الرسام هناك رساما والنحات نحاتا في معظم الأحيان. صحيح أن المغني والممثل والمخرج والرسام يعملون في عالم الفن ولكن كلمة فنان تظل مبهمة لا معنى واضح لها.

في دول المشرق العربي نجد الناس معجبه بكلمة "ركن" يضيفونا لألقاب كبار الضباط. فصدام حسين كان لقبه: المهيب الركن الرئيس صدام حسين. إذن هو مهيب (Field Marshal) وهي أعلى رتبة في جيش أي بلد، وهي تعادل في الولايات المتحدة رتبة خمسة نجوم، والتي لم تمنح إللا للجنرال آيزنهاور، قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك كان صدام يصر أن يضيف كلمة ركن لإسمه. كذلك الحال مع الرئيس بشار الأسد: الفريق الركن الطيار الدكتور بشار الأسد (هذه ليست نكتة). أنا لا أجد سببا يدعو كبار الضباط لإضافة كلمة ركن إلى أسمائهم سوى أن كلمة ركن لها وقع مؤثر على الأذن وتوحي بالعظمة، فمن طباع الناس هنا أن يتأثروا باللفظ لا بالمعنى. الضابط الركن عادة هو ذلك الضابط الذي تخرج من كلية الأركان بعد أن وصل إلى رتبة رائد أو مقدم فما فوق، وانضم إلى أركان(Staff) كتيبته. الضابط الركن هو ببساطة (Staff Officer) ومعنى هذا أن كل خريج من كلية القيادة والأركان (Command and Staff College) يستطيع أن يقول عن نفسه (Staff Officer) وهناك المئات من هؤلاء الضباط في الجيش، فما هو الشرف العظيم الذي يضيفه هذا اللقب للضابط الذي وصل إلى رتية لواء، أو للفريق الذي أصبح باشا أو للمهيب أو لرئيس الدولة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ