الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن أن يكون الرسول محمد عليه السلام آخر الرسل؟؟

حسن الفجح

2013 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السؤال الذي يرى كثيرون _ إلم نقل الجميع _ أنه لا فائدة منه طالما كانت إمكانية حدوثه مستحيلة تماما (على الأقل لدى الحس المشترك) هو ذلك الذي يطرح على هاته الشاكلة: ماذا لو بعث رسول جديد بيننا اليوم؟ كيف سنتعامل مع رسالته و نبوته؟

الأغلبية ترسم في مخيلتها صورة عن الرسل، تبدو جد ساذجة حينما تتخيلهم مجرد رجال أتقياء و بسطاء هداهم الله الى صراطه و أوكلهم بتبليغ الناس ( أو تلقين بالأحرى) تعاليم تلك الرسالة بشكل حرفي. و الواقع أن هذا التصور ينطبق بالفعل في جوانب منه على شخصيات الأنبياء، لكنه ليس كل ما في الأمر و حسب بل ثمة أشياء أخرى مهمة جدا يغفلها الناس بخصوص الشخصية النبوية. فالنبي بالدرجة الأولى و قبل كل شيء شخص ثائر: ثائر على عرف و أفكار مجتمعه. و تكمن خصوصية ثورية الأنبياء في كونها ثورية إنقلابية بامتياز.

ينظر الناس عادة اليوم إلى المكذبين من أقوام الرسل السابقين نظرة دونية مليئة بالاحتقار و السخرية و الشفقة أحيانا. و الحقيقة أنها نظرة ساذجة إلى حد لا يصدق و إختزالية بشكل كبير، و هذا أمر طبيعي جدا كونها نظرة تتوافق مع تلك الصورة المتخيلة عن الأنبياء, فلسان حال الكل إزاء ذلك يقول : "لو كنا مكان أولئك المكذبين لما ضيعنا فرصة النجاة مع الأنبياء و لصدقنا نبوتهم و اتبعنا رسالتهم و آمنا بما جاؤونا به." و الواقع أنني أرى أن هذا القول مجرد كلام إنشائي يغلب عليه طابع العاطفة و بعيد كل البعد عن العقلانية، كما أن العقل الذي أنتج هاته الفكرة عقل إختزالي ساذج و موغل في السطحية، لأنه يسقط عدة معطيات و متغيرات من حساباته أثناء تناوله جدلية تكذيب و تصديق رسالات الأنبياء. فالنبي دوما شخص سابق لزمانه متجاوز لإطاره و سياقه التاريخي، لهذا طبيعي أن لا يفهم إلا بعد مضي قرون من وفاته. حاله كحال أي مفكر نابغة. لكن ما علاقة النبي/ الرسول بالمفكر؟ يبدو لي أن هذا سؤال جيد و دقيق، لذا سأتفضل بالإجابة عليه بالقول أن الرسول/النبي مفكر نابغة و قمة في العبقرية أيضا. لكن ليس كل مفكر نابغة يستطيع أن يكون رسولا/ نبيا، إذن فما الذي يميز النبي/ الرسول عن المفكر النابغة العادي؟ الرسول/ النبي إضافة الى كونه عبقريا و مفكرا نابغة، هو شخص مزود بمنظومة قيم أخلاقية تجعله شخصا شبه أسطوري و قائدا كفؤا، و هو الأمر الذي يجعله إنسانا مفرطا في إنسانيته (على حد تعبير فريديريك نيتشه) و هو أمر قد لا يتوفر لكل مفكر نابغة بل لا يتوفر إلا لقلة قليلة جدا منهم (إلم تكن نادرة) و هم بكل تأكيد من يستحقون لقب أنبياء و مهمة رسل. أنا أعتقد (و ليس مجرد ظن و حسب) أن هاته المواصفات مجتمعة هي التي تميز الأنبياء و هي في المقام الأول التي تجعلهم رسلا و ليس جبريل، لأن رابطة الأخلاق و القيم العليا و الإنسانية هي أهم رابطة مع السماء، بل إنها أهم من رابطة جبريل بالذات. الأمر لا يحتمل أي تناقض كما يبدو للوهلة الأولى، فجبريل تابع لهاته الرابطة و ليس العكس، فوحي الله سبحانه الذي يأتي به جبريل لا يتنزل على من إختار الله عز و جل بل على من يراه الله تعالى يستحق ذلك الإختيار. و النقطة المهمة هنا هي أن الشخص المزود بالسلاح القيمي (منظومة القيم العليا) و المفرط في إنسانيته نبي بالضرورة سواء أتاه جبريل أو لم يفعل، ليس مهما، طالما جبريل يأتي بالصياغة لا غير في حال تعذرت على الأنبياء. و هنا يمكننا القول أن الوحي يصنع هنا على الأرض بحضور وازن للنبي قبل أن يصعد إلى السماء لتتم إعادة صياغته و تعديله و توجيهه ليصير قابلا للتبليغ. أي أن صناعة الوحي عملية عقلية مشتركة بين السماء و الأرض.

و الآن فلنعد إلى السؤال الذي طرحناه في بداية هاته الورقة، و لنحاول تناوله بقليل من التحليل بغية الإجابة عنه. ذلك أننا نرى أنه ليس سؤالا إفتراضيا طرحناه لمجرد العبث، بل هو سؤال وجيه و غاية في الجدية.

القرآن بنفسه يصرح أن الرسالة لا يمكنها أن تنتهي إلا بانتهاء الأمم، حينما يقول : "و إن من أمة إلا خلا فيها نذير" و قوله " و لقد بعثنا في كل أمة رسولا" و قوله أيضا : "و لكل أمة رسول". و منطقيا ما دامت حركة الحياة لم تتوقف بعد و ما دام تنوع الشعوب و القوميات لا يزال حقيقة ثابتة و مستمرة إلى حد الآن، فمن السهل علينا أن نستنتج أن المنذرين لم و لن ينقرضوا بعد. و عليه فالرسالة السماوية أيضا لم و لن تنته بعد طالما ثمة أجيال بشرية لا تزال تتعاقب على وراثة الأرض و إستخلافها. قد يقول قائل و ما علاقة هذا القول بالسؤال الذي طرحناه؟ و بإمكاننا القول أن ما قلناه للتو يعني بالحرف الواحد أن الرسول محمد عليه السلام لا يمكن أن يكون آخر الرسل فقط لأن البعض طوع آية وحيدة في القرآن ليوهمنا بذلك. الواقع أن هاته الحيلة عرفها جميع أتباع الديانات بدون إستثناء بمن فيهم الديانات الأرضية. فكل ملة تعتقد أن رسولها هو آخر الرسل و المنقذين و كي ينجو الناس عليهم باتباع هذا الرسول. و الواقع أن هاته الحيلة هدفها هو أن يضرب قوم أي رسول الوصاية على بقية الناس بعدما يكونوا قد طوعوا الرسالة السماوية وفق أهوائهم، و بدون هذا التطويع لن ينالوا مبتغاهم طالما أن أية رسالة لا تقول بأنها الخاتمة و أن لا رسالة بعدها، بل و لا تحشر نفسها اصلا في مثل هاته التفاصيل الجانبية. تلك إذا سنة الله في خلقه، و القصص القرآني بخصوص الأنبياء السابقين و أقوامهم دليل واضح على ما نقول. فالمسلمون يعرفون أنه يحكي لهم قصة بني إسرائيل (قوم موسى) مع السيد المسيح للعبرة، لكنهم رغم معرفتهم تلك لم و لا يدركونأبعاد تلك العبرة و كيف رفض قوم موسى رسالة المسيح بدعوى أنه مسيح مزيف (دجال) و أن موسى أفضل رسول و ربما أخرهم. فكل قوم متعصبون لرسالتهم "المطوعة"، و كل حزب بما لديهم فرحون. و بصدد الحديث عن موسى و بني إسرائيل، فالقرآن إذا ما قرآناه بمنطق المسلمين حيال خاتمية النبوة فسنجده يشير إلى أن موسى مرسل ايضا إلى الناس جميعا، و يبدو أن هذه إشارة إلى خاتمية موسى للرسالات إذ يقول عز و جل : " و لقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس و هدى و رحمة لعلهم يتذكرون" و بموجب هاته الآية ( و وفقا دوما لمنطق المسلمين حيال الخاتمية) سنجد أنه ما دام كتاب موسى بصائر للناس فمنطقيا يجب إعتبار موسى آخر الرسلكون الناس لن يحتاجوا لأية بصائر إضافية بعد التوراة، و يمكننا أن نعادل هنا بين "بصائر للناس" مع موسى و "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا" مع محمد، و نقبل مضطرين بأحد أمرين :

أولهما الإقرار بأن عبارة "الناس" في الآيتين المقصود بها كل الناس منذ البعثة (بعثة موسى أو بعثة محمد) و عبر كل العصور و المناطق إلى يوم القيامة، و ذلك من شأنه أن يدخل القرآن في تناقض صريح و واضح، و هو في غنى عنه، بخصوص من هو المرسل إلى الناس جميعا، و بالتالي من هو خاتم الرسل: محمد أم موسى من قبل؟

الأمر الثاني هو أن نفهم أن الناس بخصوص بعثة موسى لا تعني كل الناس في زمانه و في كل الأزمنة و الأمكنة، بل تعني فقط و بالضبط و التحديد الناس المرسل فيهم (بني اسرائيل) حصرا. و الأمر نفسه ينطبق على الرسول محمد الذي أرسل إلى الناس بنص القرآن، لكن الناس تعني فقط الناس المرسل فيهم في زمانه و رقعته الجغرافية: أم القرى و ما حولها بتعبير القرآن. و بالتالي و وفق هذا الفهم الجديد يمكننا أن نستنتج أن لا موسى و لا محمد يمكن إعتبار أحدهما آخر الرسل و الأنبياء. و ليس منطقيا أصلا أن تنتهي الرسالة سواءا فجأة أو بعد تمهيد و مقدمات. فالرسالة السماوية لا يمكنها أن تسير بهذا المنطق البسيط دونما تغيير يساير التغيرات التي يشهدها الواقع البشري على كافة الأصعدة.

القرآن يصرح في أكثر من موضع بوضوح أن لكل أمة رسول، و أن لكل قوم هاد ونبي بلسانهم ليبلغهم رسالة ربهم. فكيف يعقل أن يكون الرسول محمد رسولا لكل الناس عربيهم و أعجمييهم؟ ما هي حجة الله على من لا يفقه العربية؟ القرآن يذكر أنه لم يقصص كل الأنبياء على الرسول محمد ( و رسلا قصصناهم عليك و رسلا لم نقصصهم) و لنا أن نتساءل بعد قوله تعالى (و ما نرسل من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) من هم رسل أقوام مثل الهنود الحمر و سكان شرق آسيا و القبائل الإفريقية و غيرها؟؟ هنا يمكن إعتبار (عن جدارة و استحقاق و ليس فقط لمجرد أن نمني النفس) كل من بوذا و سقراط و شخصية ويليام والاس في فيلم "قلب شجاع" بطولة "ميل غيبسون" و كارل ماركس، و أمثال هاته الشخصيات، أنبياء منذرين على التوالي لكل من الهنود و الأثينيين و الاسكتلانديين و الالمان.

البعض قد يمتعض من ذكر بوذا كنبي لما تحمله البوذية اليوم من وثنية صريحة، لكن هل فعلا تخلو الديانات التوحيدية الثلاث من الوثنية؟؟ لا أعتقد ذلك بل العكس هو الحاصل، المشكلة تكمن دوما في الاتباع، فلم يزور الأنبياء إلا كهنتهم على حد تعبير عبد الرزاق الجبران. و الواقع أن بوذا كان يحمل صفات الشخصية النبوية، لكن المريدين و الأتباع هم من يحرفوا، عن قصد أو بغير قصد، النبي و رسالته. و الغالب أن الرسالات لا تخضع للتحريف العشوائي فحسب بل للتطويع بالذات خدمة لمآرب و أهواء محرفيها، الذي ليسوا أشخاص غرباء بقدر ما هم نفس أتباع النبي.

السؤال عن إمكانية إعتبار بوذا و ماركس و سقراط و والاس أنبياء أم لا، أمر لا يهم هاته الورقة الإجابة عنه و لا يمثل مشكلة هذا البحث البسيط أصلا. كما ليس غرضنا هنا أن ننظر لفرضية "المهدي المنتظر" و نعطيها تأسيسا منطقيا كما قد يتوهم البعض، فشخصيا لا أؤمن بهاته الخرافة. هدف هاته الورقة بإيجاز شديد هو إعادة قراءة قضية الخاتمية قراءة منطقية يتبين من خلالها أن الرسول محمد عليه السلام ليس آخر الرسل و أن الرسالة السماوية لم تنته بعد و لا يمكنها أن تنتهي أصلا. و قد حصل ذلك و لله الحمد، على طول أسطر هاته الورقة المتواضعة.

في الختام أود أن أوجه شكري للأخ و الزميل الدكتور نمير فايلي من العراق الذي نبهني إلى قضية مهمة بحجم خاتمية النبوة و حفزني على تناولها في هاته الورقة التي لم تكن لترى النور لولا مواجهته إياي بهاته الحقيقة المغيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وماذا قال السيد المسيح عنهم
وليد حنا بيداويد ( 2013 / 3 / 19 - 20:42 )
قال السيد المسيح ( احترزوا الانبياء الكذبة الذين ياتونكم بثياب الحملان ومن داخلهم ذئاب خاتفة ومن ثمارهم تعرفونهم) هل عرفت من هم ؟
تحية


2 - عالم اليوم
عدلي جندي ( 2013 / 3 / 19 - 23:54 )
العالم اليوم ينتظر المزيد من الإ‘ختراعات والأبحاث للقضاء علي الأمراض والسرطانات وخلاف ولا يهتم كثيرا برسالة السماء بل ينتظر رسالة الإنسان المجتهد الباحث والمكتشف
تحياتي

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا