الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرية القرنة المصرية تاريخ من الصراع بين المعمار الأصيل والغزو الإسمنتي

فاطمة واياو

2013 / 3 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات




"إننا نبني ونشكل البيت فيعود فيشكلنا كأفراد، ونحن نبني المدينة فتعود المدينة فتشكلنا كمجتمع"
حسن فتحي

تعرفنا على المعماري حسن فتحي في مدينة طنجة المغربية ، من خلال نشاط نظمته الجمعية المغربية لتربية
الشبيبة فرع طنجة سنة 1988 تحت شعار : »المعماري حسن فتحي والسكن لذوي الدخل المحدود « حيث ترسخت في ذاكرتنا أصالة وعبقرية هذا المعماري المصري العربي العالمي، فكان الحلم منذ ذلك الوقت زيارة مشروعه الأول والرائد القرنة الجديدة.وتشاء الأقدار أن يتحقق الحلم في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير المجيدة.
إذا كانت العمارة هي أساس بناء الحضارات الإنسانية، وإذا كانت الحضارة الفرعونية قد خلدت عبر المعمار مثلما كل الحضارات الإنسانية الخالدة، لماذا إذن أصبح الهدم من شيم الإنسان المعاصر، ولماذا نسي المصريون كغيرهم من العرب من المحيط إلى الخليج أن الشعوب تخلد بالبناء وليس بالهدم؟
يعود مشروع عمارة الفقراء لحسن فتحي إلى الذاكرة وإلى الاهتمام كلما أتيح لأي واحد منا زيارة أطلال هذا المشروع الإنساني المقبر. كيف لا وكل وقوف أمام ما تبقى من البنايات التي شيدها المعماري العالمي حسن فتحي يجعلك منبهرا أمام الثراء الإنساني والبعد الجمالي والتنموي الذي ميز هذا المهندس العربي الناذر ، وما يجعل الانبهار ممزوجا بالأسى والحسرة عندما تكتشف ان اليد البشرية عبثت بهذا التراث ودمرت جزءا كبيرا منه، والأدهى أنهم شنوا حربا على السيد عبد الراضي وعائلته وهو الوحيد من سكان القرية الذي ما زال مؤمنا بفكرة حسن فتحي ويحاول بالإمكانيات البسيطة الحفاظ على هذا التاريخ الإنساني المنسي في أقاصي صعيد مصر وبمحاذاة تراث الأجداد الفراعنة.
لقد شاءت الأقدار أن تخرج قرية القرنة الجديدة من رحم الأطلال الفرعونية، لكي تحاكي عظمة الأجداد، فقرية القرنة الجديدة اختير لها موقع الإنشاء قبالة القرنة القديمة التي بنيت على قبور الفراعنة، وبهذا ستصبح الحضارتين الصعيدية والفرعونية متقابلتين ومنسجمتين، تشهدان على التاريخ العريق للمصريين وبالخصوص للصعيديين.
في 15 يناير 2012، كانت لنا زيارة لموقع قرية القرنة الجديدة بمحافظة الأقصر بصعيد مصر. وجدنا المسرح والمسجد والكنيسة والسوق السياحي رغم أثار الإهمال البادية ما زالوا شامخين شاهدين على أصالة فكر وعبقرية المهندس حسن فتحي، ونحن نتجول في القرية، غمرتنا مزيج من الأحاسيس المتناقضة، بين انبهار وإعجاب وبين حسرة وحزن على ما لحق المشروع من دمار، وما اكتسحه من الإسمنت والحديد بفعل البناء العشوائي الآخذ في الزحف.
قمنا بجولتنا بمعية السيد أحمد عبد الراضي مقاوم ضد الهدم والتخريب، فهو الذي يشرف على الحفاظ على ما تبقى من تراث حسن فتحي، و يقود عمليات الترميم، والصيانة للبيوت التقليدية بالقرنة الجديدة. وينتمي السيد عبد الراضي إلى العائلات التي تم تهجيرها في إطار مشروع بناء القرنة الجديدة الذي اشرف عليه المهندس حسن فتحي. يقول السيد أحمد عبد الراضي: " خصص خمسة وخمسين إلى ستين فدان من أجل بناء القرية النموذجية، المشروع في بدايته ضم 70 بيتا بالإضافة إلى مسرح ومستشفى وثلاث مدارس وحمام سباحة وسوق للتبادل التجاري، ورغم أن الأهالي رفضوا في البداية السكن في القرنة الجديدة لاعتقادهم بان القبب ستنهار بفعل الأمطار، غير أن والدي نظرا لتعايشه مع حسن فتحي في عين المكان اسكننا في القرية وفي أول بيت بناه حسن فتحي سنة 1960 وكان عمري لا يتجاوز عشر سنوات"

فما هي قصة القرنة الجديدة ؟ ولماذا لم يكتمل مشروع حسن فتحي؟
في البداية يجدر بنا أن نعرف بالمعماري حسن فتحي، فرغم شهرته عبر بقاع العالم إلا أن الأجيال الحالية في معظمها لا يعني لها سماع اسم حسن فتحي شيئا باستثناء المتخصصين في العمارة.
حسن فتحي المولد والنشأة:
ولد المهندس حسن فتحي في 23 مارس سنة 1900 ، من عائلة ثرية وعريقة منحدرة من مدينة الإسكندرية، اتجه لدراسة الهندسة المعمارية ليتخرج من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) سنة 1926. تقلد حسن فتحي العديد من المناصب الوظيفية المحلية والعالمية، نذكر منها رئيس مشروع تجريبي للإسكان تابع لوزارة البحث العلمي بالقاهرة ومستشار لوزارة السياحة، وخبير بمنظمة الأمم المتحدة في مشروع التنمية بالمملكة العربية السعودية
الوظائف التي تقلدها حسب التسلسل الزمني:
1926– 1930 : مهندس بالمجالس البلدية
1930-1946 : مدرس بكلية الفنون الجميلة
1949 – 1952: رئيس إدارة المباني المدرسية بوزارة المعارف.
1953 – 1957 أستاذ بكلية الفنون الجميلة و رئيس قسم العمارة.
1957 – 1962 : في مؤسسة "دوكسياريس" للتصميم والإنشاء بأثينا و حاضر بمعهد أثينا للتكنولوجيا و شارك في بحث عن مدينة المستقبل .
1963 – 1965 : رئيس مشروع تجريبي للإسكان تابع لوزارة البحث العلمي بالقاهرة و مستشار لوزارة السياحة.
1966 – 1967 : أستاذ زائر في قسم تخطيط المدن و العمارة بجامعة الأزهر الشريف.
1969 : خبير بمعهد أدلاي إستفسون بجامعة شيكاغو.
1975 -1977 : أستاذ زائر للإسكان الريفي في كلية الزراعة جامعة القاهرة.
المناصب الشرفية:

- عضو المجلس الأعلى للفنون و الآداب – مصر.
- عضو شرف مركز الأبحاث الأمريكية – القاهرة.
- عضو شرف المعهد الأمريكي للعمارة.
- رئيس شرف المؤتمر الدائم للمعماريين المصريين الأول 1985 و الثاني 1986 و الثالث 1987 و الرابع 1988.
-عضو لجنة تحكيم جائزة الأغا خان في العمارة ما بين سنة 1976 و1980 .
أنجز حسن فتحي أكثر من 160 مشروعا معماريا عبر العالم.، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
قرية باريس، مسجد بالبنجاب بالهند، مشروع بنيومكسيكو،
مؤلفاته:
عمارة الفقراء، العمارة والبيئة، قصة مشربية وغيرها
الجوائز والأوسمة:
كما حصل حسن فتحي على الكثير من الجوائز والأوسمة، منها جائزة الدولة التشجيعية للفنون الجميلة عن تصميم وتنفيذ قرية «القرنة الجديدة»، وكان أول معماري يحصل على تلك الجائزة. وتوفي حسن فتحي بالقاهرة في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)1989 تاركا وراءه مشاريع رائدة وأفكار ونظريات لا تزال في حاجة للدراسة والبحث والتطبيق.

مشروع حسن فتحي الإنساني : "عمارة الفقراء"
ينتمي المعماري حسن فتحي إلى ما كان يعرف في بداية القرن العشرين بالحركة الليبرالية المصرية والتي همت كل مناحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية. وكانت رؤيته الخاصة في فن العمارة تتلخص في هندسة بيوت خاصة بالفقراء في الريف المصري وفي العالم الثالث، فقد كان يردد : " إن فقراء العالم الثالث هم عملائي الحقيقيون".
لقد انطلق حسن فتحي في مشروعه المعماري من المفهوم الواسع لمصطلحي الثقافة والتراث، فالمهندس او المعماري تبعا لهذا المعنى هو ابن بيئته وكما قال:" الثقافة عُرفت بأنها نتيجة تفاعل ذكاء الإنسان مع البيئة في استيفاء حاجاته المادية والروحية، وينطبق أكثر ما ينطبق صدق هذا التعريف على الفنون التشكيلية ومنها العمارة؛ لأنه ليس من المعقول أن يصور مصور سويسري لوحة بها جِمال ونخيل عن طبيعة بلاده، كما لا يمكن ولا يُعْقل أن يقوم مهندس معماري عربي ببناء شاليه سويسري في مصر أو الكويت، وبجواره نخيل وجمال، إنه يكون أمرًا مضحكًا كما هو في الأفلام الهزلية، ولكن للأسف هذا هو الحادث اليوم في كافة البلاد العربية، ليس ببناء شاليهات سويسرية في المنطقة العربية، وإنما ببناء عمارات أمريكية على الطراز الغربي الحديث الذي يتنافى مع طبيعة البلاد وأشكال الناس وملامحهم التي تصبح عندما نراهم بجوار تلك المباني كأشكال النخيل والجِمال بجوار الشاليه السويسري"
مشروع حسن فتحي المعماري هو أيضا مشروع تنموي بامتياز فقد كان يعتبر أن البناء ليس فقط وضع الأساسات ورفع الأعمدة والقبب، بل هو أعمق من ذلك بكثير، أنه مشروع يوازي بين ما هو اجتماعي ثقافي وتربوي. فلكي يشجع الأهالي على تمدرس أبنائهم خاصة أمام ما كانوا يعانونه من فقر مدقع، بادر إلى" إقناع منظمة اليونسكو كي تخصص لكل تلميذ بالإضافة إلى الوجبات الغذائية، مؤونة يأخذها التلاميذ إلى منازلهم تشمل الدقيق والزيت والسكر والحليب وغيرها من المواد الأساسية، مما دفع الأهالي لبعث كل الأبناء إلى المدرسة مما سيمكنهم من الحصول على مواد غذائية اكثر. هذه البادرة أدت إلى ازدحام المدرسة وهو ما مكن من تخريج علماء واطباء ومهندسين واساتذة." يستطرد السيد احمد عبد الراضي

قرية القرنة بين الأصالة المعمارية والمسخ الإسمنتي:
تقع قرية القرنة في البر الغربي لمدينة الأقصر، في موقع طبيعي خلاب وبيئة مناخية حارة وعليلة بنسمات النيل، لا يعكر صفر المكان سوى المرور على البيوت المهدمة وبيوت اخرى بنيت بالحديد والاسمنت بدل العمارة المحلية بالطوب اللبن والطين والقباب. حينها فقط نكتشف أننا في قرية مورس عليها أبشع أنواع الهدم والاغتصاب والتجني.
المؤامرة كانت متعددة الأطراف، مسئولين، سكان، وجهات دولية بصمتها المريب. الكل تكالب على اغتيال حلم حسن فتحي معماري الفقراء والهندسة الإنسانية. ولكي نضع القارئ أمام القصة الحقيقية لما بات يعرف بمشروع القرنة الجديدة لحسن فتحي لابد من رواية القصة الكاملة للقرية الصعيدية القرنة الأصلية.
في البدء كانت الحضارة
بنيت القرنة القديمة على قبور الفراعنة المتواجدة بالبر الغربي لمدينة الأقصر، فمع التزايد السكاني لمصر، اتجه المصريون للسكن على القبور الفرعونية المترامية الأطراف في منطقة وادي الملوك ووادي الملكات. هذا التوجه الذي ألحق أضرارا بالآثار الفرعونية، حيث عمد السكان إلى نبش القبور واستخراج الآثار وبيعها ، وهي العملية التي استمرت لقرون قبل أن يتم اتخاذ قرار تهجير سكان القرنة القديمة لحماية التراث الفرعوني من الضياع. غير أن انتشار مرض الكوليرا كما شرح لنا السيد عبد الراضي قضى على عدد كبير من سكان القرنة القديمة، فكان العدد الإجمالي الذي تم تهجيرهم فليلا، " بعد تنفيذ المشروع اكتشفنا أن الفقراء كانوا رافضين لكن الأغنياء كانوا مقبلين على فكرة المشروع."
من البناء إلى الهـــدم
قامت فلسفة الحضارة الإنسانية على التشييد والبناء، ولعل الزائر للمآثر العمرانية عبر مختلف بقاع العالم يدرك هذه الحقيقة البديهية. فالفراعنة مثلا خلدوا إلى يومنا هذا عبر البناء والتشييد، فالمعمار الفرعوني كان يراعي البيئة المحلية والمواد المتوفرة، ما مكن الفراعنة من إهداء حضارة خالدة للإنسانية جمعاء. غير أننا نقف مشدوهين ومتحسرين حين نجد أن الإنسان المعاصر لا ينشغل سوى بالتقليد وبالعمارة المستلبة، ما يجعلها غير متينة ولا منسجمة مع البيئة المحلية، هذا إضافة إلى العشوائية في نمط البناء وهو ما وقفنا عليه بكل حسرة وأسف في قرية القرنة الجديدة.
ونظرية حسن فتحي في البناء فريدة ومتميزة فقد قام بتشييد بيوت الأهالي مراعيا شكل العلاقة التي تجمعهم، يشرح لنا السيد عبد الراضي نظريته هذه قائلا: " نظرية حسن فتحي في المعمار نظرية جميلة وفريدة ، فهو بنى 70 بيت كل بيت يختلف عن البيت المجاور له في الرسم الهندسي، كان يفكر أيضا في وضع الناس المتفاهمين كجيران، فكان يجتمع مع المهجرين ويسأل كل واحد أي جار يفضل أن يسكن بجواره."
ويضيف السيد احمد عبد الراضي" إن قرية القرنة الجديدة هي أول قرية في الريف المصري تشهد بناء مسرح وثلاث مدارس وسوق سياحي قبل أن تكتشف مقبرة توت عن حامون مما يدل على الفكر المستقبلي للمهندس المعماري حسن فتحي."
ولأن حسن فتحي أدرك منذ البداية أهمية البناء بالطوب اللبن والأسقف بالقباب، من خلال وقوفه على مخازن القمح «الرامسيوم» بمدينة الأقصر المصرية، المبنية من الطوب اللبن والمسقوفة بالقباب المبنية منذ أكثر من 3000 عام فكان إصراره على مشروع البناء بالمواد المحلية ومراعاة البيئة المناخية والاجتماعية والثقافية للمنطقة رغم اعتراض الكثيرين وعداء أصحاب المصالح البيروقراطية والذاتية. وكما شرح لنا السيد عبد الراضي ردا على سؤالنا:
في ذلك الوقت ألم تكن تفكر الحكومة في تشجيع حسن فتحي في مشروعه الرائد؟ : " في الحقيقة بعد الثورة، (ثورة يوليو 1952) طلب منه الرئيس جمال عبد الناصر الاستمرار وتطوير المشروع، غيران الروتين، والمنافسة غير الشريفة التي كانت تستهدف النيل من نجاح فكرة حسن فتحي حالت دون ذلك، فقد كان له أعداء في الكلية التي كان يشتغل فيها وأيضا في القرية حيث أن الأهالي لم يستوعبوا أبعاد المشروع فكان سهلا على الأعداء أن يستميلوهم من اجل محاربة معمار حسن فتحي. كل ذلك أدى إلى تأخر المشروع بل و إلى فشله فيما بعد أي بعد وفاة عبد الناصر، ودخول البلاد في مرحلة ما كان يعرف ما عرف بسياسة الانفتاح التي كانت تستهدف تشجيع الاستثمار الخاص والبناء الإسمنتي الذي لا يراعي البيئة ولا المواد المحليين"
فقرية القرنة الجديدة التي تمثل حلم المعماري حسن فتحي الذي لم يكتمل بل والذي أقبر في بدايات تشكله يجسد اليوم شهادة حية على اتجاه سكان دول الجنوب نحو التغريب والإستيلاب في كل مناحي الحياة، وعدم الاكتراث بحلول محلية قد تكون أنفع واقل تكلفة مما سيجنب فقراء العالم انتظار صدقات المنظمات المانحة خاصة في مجال الإسكان. لقد مثل المهندس حسن فتحي سبقا تاريخيا حينما نبه إلى أن "الإصرار على حل المشكلة بالمساعدات المالية التي تُمْنح للأهالي عن طريق الحكومات أو الهيئات الدولية لن تأتي بنتيجة، كذلك لن تكون ميكنة البناء واستخدام المباني الجاهزة أو الطرق الغربية في البناء حلاًّ نظرا لتكاليفها الباهظة".
كان حسن فتحي يصر على أن البناء بالطريقة التقليدية وبالمواد المحلية يمكن أن يكون ناجعا واقل تكلفة إذا ما شارك الأهالي في بناء بيوتهم عن طريق النظام التعاوني البعيد عن البيروقراطية التي كانت مستشرية في دواليب الدولة، وهو يرد على الذين اعتبروا المواد التقليدية كالطوب اللبن لن تكون ناجعة في بناء أسقف المباني، وذلك باعتماد الأقبية التي لا تتطلب مواد غاية في الصلابة بل فقط تستوجب الضغط وهو ما يتحمله الطوب الأخضر بكل سهولة.
إن النداءات الأكثر حداثة في المجال البيئي في يومنا هذا تنبهت إلى ضرورة مراعاة البيئة المحلية في البناء وفي التنمية عموما ( السكن، التغذية ، الفلاحة.....) وهذه الأفكار الأكثر حداثة كانت لها إرهاصات في فكر المعماري حسن فتحي غير أنه في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي كان الإتجاه لدى جل المهندسين هو المعمار الغربي كشرط أساسي للتنمية والتشييد، هذا الاتجاه الذي كان يجد صدى له عند السكان المحليين رغم تكلفته وتشويهه لمنظر القرية الصعيدية. وبكل إصرار وإيمان بالاستمرارية يقول لنا السيد احمد عبد الراضي: " . الآن لم يعد هناك سوى 16 بيتا. فمثلا كان بيتي بدون أساسات ولكنني اشتغلت على إدخالها مدة عشر سنين دون المساس بجوهر معمار حسن فتحي، حيث أنني اخترق الجدار وادخل بعمق متر في الأرض بحيث أقوم كل سنة بإصلاح جزءا واحدا من البيت، وهي فكرة ناجحة حيث طبقناها على كل البيوت المتبقية في القرية. فعندما قمت بترميم بيتي اكتشفت العيوب والنواقص، والتي تتجلى في الأساسات فقط، بحيث أدخلت تحسينا عليها،بإعادة بناء الأساسات بالطوب الأحمر والإسمنت ثم أغلفها بالطوب اللبني، وهو ما يوفر بيتا قويا مع الحفاظ على البيئة التي تتصف بالحرارة والرطوبة، رغم دخول الإسمنت ، هذا الاسمنت موجود فقط في الأساس. أنا لا أرى عيبا أن نطور فكرة حسن فتحي وهو ما أقوم به حتى في البلدان الأخرى، حيث استعمل المواد المحلية."

وفي ختام زيارتنا للقرية القرنة الجديدة، وقبل أن نترك السيد أحمد عبد الراضي وعائلته المناضلة، طرحنا السؤال التالي:
إلى الآن ما زال هناك رفض من طرف السكان، وليس هناك بعد وعي بأهمية فكرة حسن فتحي؟ وهل أنت متفائل بمستقبل مشروع حسن فتحي؟
يجيب السيد عبد الراضي:"المسؤولية تقع على الحكومة وإهمالها وتغاضيها عن ما يحدث، كل ذلك شجع الناس على هدم البيوت وإنشاء منازل بالاسمنت المسلح والحديد، الحكومة مسئولة لأنها كان من المفروض أن تطلب من الناس ترك الأرض والبناء في مكان آخر إذا توفرت لهم الإمكانيات ولكن نعلم جميعا ان فكرة حسن فتحي جيدة والدليل ان نظريته تدرس في الجامعات الأوربية والأمريكية. كان على الحكومة ان تشجع من لا يريد طراز حسن فتحي ان يشتري أرضا في مكان آخر ويبني عليها بيتا بالاسمنت والحديد".
ويضيف السيد عبد الراضي: "اكتشفت بانه يمكن ان يحدث تغيير ، عندما رممت بيتي، كان هناك إعجاب من طرف بعض السكان والعديد من الأجانب، أملي الآن الحفاظ ما تبقى من هذا الإرث وترميم البيوت التي هدمت، وأيضا أن تصدر وتطبق فكرة حسن فتحي وتعم بلاد العالم، كما حدث إبان حياته من خلال مشاريع أنجزت في بعض المدن العالمية، مثل نيو مسكيكو باريس واثينا وغيرها.... نحن لا نستطيع ارجاع البيوت التي هدمت. ولكنني سأواصل حتى النهاية، المهم انني حببت الفكرة لأولادي، وهذا هو هدفي، بنيت لولدي بيتا من نفس الطراز وأنا أشجعهم على الحفاظ على الطابع الأصيل لقرية القرنة الجديدة وعلى تصميم حسن فتحي".
قد لا يكون السيد أحمد عبد الراضي الوحيد وبالتأكيد لن يكون الأخير الذي يناضل ويقاوم بكل ما ما أوتي من قوة ومن إمكانيات من اجل الحفاظ على الإرث المعماري والحضاري الذي تركه المهندس حسن فتحي، فهناك أصوات ربما قليلة ولكنها تتعالى من حين وآخر من أجل الدعوة لإنقاذ قرية القرنة الجديدة من مزيد من الإهمال والهدم. ، غير أن السيد احمد عبد الراضي سيظل الأكثر جرأة خاصة وانه يعاني من مقاومة سكان القرية له فهو يذكر لنا بمرارة: " الناس هنا لا يحبونني فأنا أشكل لهم خطرا رغم إنني لا أحاربهم ، فهم يتصرفون معي بعدائية شديدة بسبب خوفهم الشديد من أن يقتلعوا من منازلهم، وهذا الموقف يجعلهم متناقضين في تصرفاتهم، فهم يصلون في المسجد المشيد بالطوب اللبن ولكنهم يرفضون السكن في نفس طراز البناء".
حسبنا إذن من خلال هذه الورقة أن نضم صوتنا لكل الغيورين على التراث المعماري الإنساني العالمي، من اجل مناشدة كل المسئولين المحليين والدوليين للالتفات للتراث المعماري للمهندس حسن فتحي.

صور من الأرشيف الخاص بالمصورالصحفي عشا محمد:





فاطمة واياو برفقة السيد احمد عبد الراضي في بيت المهندس حسن فتحي




مسجد القرية





سرير نوم المهندس حسن فتحي بمنزله بقرية القرنة

السوق السياحي وأثار الإهمال بادية عليه

المراجع:
موسوعة تاريخ اقباط مصرمن موقع: http://www.coptichistory.org
القرنة واغتيال حلم معماري الفقراء من موقع: http://www.bonah.org
قرية حسن فتحي بالقرنة تستغيث باليونيسكو لإنقاذ ما تبقى منه على موقع عاجل نت

المعماريون العرب: حسن فتحي: عبد الباقي إبراهيم، مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية:
www.cpas-egypt.com


*صحافية وفاعلة جمعوية مغربية من بروكسل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا