الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخر المختلف كضرورة.

محمد عبعوب

2013 / 3 / 24
المجتمع المدني


لقرون مضت ظل الآخر المختلف عنا ثقافيا وفكريا محلا للشك والريبة وعدم القبول لدينا.. هو مختلف عنا؛ إذا هو ليس معنا، وقد يكون ضدنا، أو هو بالضرورة ضدنا!! هذه هو واقعنا الذي نعيشه منذ قرون ولا زلنا حتى اليوم، ونحصد بسببه الأشواك التي تدمينا وتعيق انطلاقنا نحو إنجاز تنمية شاملة وحقيقة..

وإذا كانت شعوب مجاورة لنا على الضفة الشمالية للمتوسط قد تجاوزت منذ أكثر من قرنين هذه الأفكار الخاطئة وأدركت بفعل ثورة التنوير أن الاختلاف والتنوع ليس دائما مضادا للحياة، بل هو في الغالب يشكل عامل إغناء وإثراء لها يعطيها طاقة الاستمرارية والتطور، وأن اللون الواحد والفكر الواحد والثقافة الواحدة عادة ما تنتهي الى الجمود والاضمحلال والتآكل مع مرور الزمن مهما امتلكت من مقومات البقاء؛ فإننا على الضفة الجنوبية لهذا البحر الذي كان عبر العصور جسرا لعبور الحضارات وتنقلها ، لم نستطع الخروج من هذا النفق المظلم، ولم نتخلص بعد من ثقافة الفكر الواحد ورفض الاختلاف وتجريم الآخر المختلف، ولا زلنا نعاني من رهاب الاختلاف الذي ورثناه عن أجدادنا وساهمت الانظمة الدكتاتورية في تجذيره في وعينا .

في ليبيا الحديثة كما في بقية البلاد العربية لم نشهد وجود الآخر المختلف بمعناه العميق والمدرك لكل أبعاد الآخر في وعينا، وما وجد في فترات قصيرة وأماكن محدودة لم يزد عن كونه وجود فطري متوارث لم يتم صقله وتطويره في وعي الانسان. وقد تعرض هذا الوجود الفطري البسيط رغم ذلك لعملية قمع وإلغاء طيلة العقود الاربعة الاخيرة من تاريخ المنطقة. ففي ليبيا وبمجرد تمكن القذافي من امتلاك مفاتيح السلطة عقب انقلابه العسكري عام 1969م ، بادر عام 1973م الى إعلان ما دعاه "ثورة ثقافية" وأطلق خمس نقاط وضع بموجبها ظاهرة الاخلاف وبراعم التعددية الفكرية والثقافية التي كانت في طور التفتح في تلك الفترة وراء القضبان، وأصبح المختلف مع ما يطرحه القذافي مجرم مكانه وراء القضبان.. تطور الأمر وأصبحت التصفية الجسدية هي الطريقة المثلى للتخلص من هذا الآخر، وشهد عقد الثمانينات أسواء فصول القمع والتنكيل بالمختلف في ليبيا، والذي كان يمكن ان يكون عامل تنوير وتصحيح لمسار النظام لو سمح له بالعمل والظهور.

بذلك تم تعميق تجريم ثقافة الاختلاف والمختلف على كل الأصعدة في وعي الليبيين، ولا زال هذا المرض يسيطر على عقولنا حتى بعد زوال راعيه، وما نشهده اليوم من مظاهر الاحتراب والعنف والتخريب على خلفيا متعددة في كل ربوع ليبيا ، هو المؤشر على تجذر ثقافة تجريم المختلف ورفض ثقافة الاختلاف واعتبارها نذير شؤم يهدد سلامتنا وترابطنا ولا يمكن القبول بها..

ولم يدرك غالبية الليبيين أن انعدام الآخر وغياب الرأي الآخر والمختلف كان واحدا من الاسباب الجوهرية لانفجار انتفاضة 17 فبراير، وإن لم يكن بشكل مباشر، فلو وجد الآخر المختلف وحرية النقد وإبداء الرأي على مدى العقود الاربعة الماضية، ما كانت ليبيا لتصل إلى هذا المستوى من التدهور والانحطاط الفكري والثقافي والتحلل الاجتماعي الذي جعل الأخ يرفع السلاح في وجه أخيه وأبيه من أجل تحقيق إصلاحات كان يمكن تحقيقها دونما إراقة قطرة دم واحدة.

واليوم إذا كنا قد أزحنا راعي هذه الثقافة الهدامة ومغذيها بالافكار الظلامية، فواجبنا أن نبدأ بالعمل الجاد لمحو ما ترسب من هذه الثقافة العدمية في عقولنا، والانفتاح على العالم والنهل من الفكر المستنير، وإعادة الآخر الى وعينا وتجذير ثقافة الرأي الآخر في عقولنا والاعتراف به كضرورة لتنمية الفكر الذي هو مصدر النمو. ولابد لنا كأفراد وجماعات أن نعيد بناء قناعاتنا السياسية والثقافية والفكرية على أسس تعتبر الاختلاف في الراي وتعدد الأراء والألوان والأعراق عوامل إجابية تثري حياتنا وتساعدنا على التوصل الى قرارت صحيحة تفيد في إنجاز تنمية حقيقة . وأن عدم الاعتراف بالآخر المختلف عنا ثقافيا او فكريا او سياسيا ووضعه وراء القضبان أو حتى تصفيته جسديا لن تحل المشكل، بل تزيده إحتقانا وتدفع بالمجتمع إلى الانفجار عندما يصل الكبت والاحتقان الى مستويات لا تنفع معها المعالاجات القائمة على القمع والنفي، ولنا فيما شهدته ليبيا ولا زالت تشهده خير مثال لا يجب ان يستمر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا