الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفح الكيل وبلغ السيل الزبى!!

منعم زيدان صويص

2013 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من كان يتوقع أن الإنتفاضات العربية الحديثة ستنتج كل هذه الفوضى والمآسي؟ المحافظون من العرب كانوا يفضلون أن تبقى الأمور كما هي لأنهم كانوا يخافون على مصالحهم، ويمكن أن يخسروها الآن على أية حال. أما دعاة التغيير، ومن ضمنهم المثقفون الحقيقيون الذين يتوقون إلى تقدم شعوبهم، والحركات الدينية التي كانت تتحين الفرص للإنقضاض على السلطة، والطبقات الفقيرة والمسحوقة التي لم تكن تتوقع أن تفقد سوى "قيودها" -- إذا استعرنا تعبير ماركس وإنغلز الوارد في المانفستو الشيوعي -- فمعظم هؤلاء اصيبوا بخيبة أمل كبيرة لأسباب مختلفة، كل حسب هدفه. من كان يتوقع أن قسما كبيرا من الشعوب العربية سيندم على ما حصل، وأن يتمنّى بعض الناس أن يعود الحكام السابقون للحكم، ولسان حالهم يقول: كنا نبكي منه فلما ذهب صرنا نبكي عليه؟

في كل الدول العربية التي شهدت إنتفاضات شعبية رأينا بزوغ نجم الإسلاميين، واستقبلتهم الشعوب بخليط من الخوف والأمل، وأخيرا استسلمت للنتيجة. بعض المثقفين وقادة الرأي دعوا إلى ترك الأسلاميين يحكمون لكي يختبروهم، وكانوا شبه متأكدين أنهم سيفشلون في هذا الإختبار، ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يكون الفشل ذريعا لهذا الحد. لقد توقع بعض الكتاب هذا الفشل، ومنهم كاتب هذه السطور، وظهر مقال عل موقع الحوار المتمدن تحت عنوان: "دعوا الإسلاميين يحكمون" قبل أكثر من سنة، وكانت الفكرة الأساسية أن الإسلاميين ربحوا الإنتخابات وأن الطريقة الوحيدة التي ستثبت أن الإسلام السياسي فاشل هو أن ندع الذين ربحوا الإنتخابت في تونس ومصر يحكمون هذين البلدين، وكانت التنبؤات صحيحة أكثر مما توقعنا لأنهم ليس فقط لم يستطيعوا أن يحكموا بل عجزوا عن تحقيق أي إستقرار في هذين البلدين، ولم يستطيعوا إقناع الناس، حتى نظريا، بإمكانية نجاحهم. لقد قلنا: "دعوا الإسلاميين يحكمون. إنهم سيضطرون لتغيير كثير من أفكارهم وهذا سيقود إلى تغيير أفكار الذين انتخبوهم، وهذا في حد ذاته سيكون انتصارا للتقدم والحرية الفكرية والتحرر في العالم الإسلامي. "

إن المصائب التي نراها في العراق وسوريا، بالإضافة لمصائب تونس ومصر، كلها سببها خلط الدين بالسياسة. لو لم يخلط الدين بالسياسة لما رأينا حربا بين الشيعة والسنه في العراق. من الواضح أن الشيعة في العراق أصيبوا بخيبة أمل من تصرف جيرانهم من الشعوب العربية تجاه محنتهم. إن شيعة العراق يعتزون بعروبتهم وقد حاربوا إيران مع صدام حسين ثماني سنوات وأجبروا الخميني على "تجرع السم" كما قال، ولكن معاداة الدول والشعوب العربية لهم، وخاصة الذين حارب العراقيون إيران للدفاع عنهم، دفعتهم في النهاية إلى أحضان إيران.

أين كانت هذه المصائب مستترة؟ من غير المعقول أن تنتهي بنا حركات تحررية واضحة الأهداف ونقية إلى هذه المصائب. هل كانت كل العوامل التي أدت إلى ما نراه الآن "مخبأة بقشة" كما يقول المثل العامي؟ هل كان الكره بين المذاهب من الشدة بحيث كان يحتاج فقط إلى دولة أجنبية "لتنكشه" وتحدث حربا شعواء لا تنتهى؟ لماذ كل هذا الحقد والكراهية؟ هل كانت الثورات العربية سببا في تفجير هذا الحقد وهذه الكراهية؟ يمكن أن يكون ذلك صحيحا في سوريا ولكن حالة العراق تختلف تماما لأن النزاع الشيعي- السني بدأ مباشرة بعد سقوط دكتاتورية صدام وكأنّ الزعيم العراقي السابق كان يجلس على فوهة بركان وبمجرد أن أزيح عن الفوهة خرجت الحمم الملتهبة من باطن الأرض لتاتي على الأخضر واليابس؟

بعد إحتلال العراق إختار بول بريمر، بناء على توصيات من أعضاء المعارضة السابقين، مجلس دولة مبني على المحاصصة الطائفية والإثنيه، وتم تجاهل إثنين من أهم الشخصيات العراقية: الأول سُني بنى نفوذه وشعبيته على أن جده كان قائد ثورة العشرين، والثاني شاب شيعي بنى نفوذه وشعبيتة على أن عمه، الذي أعدمه صدام حسين وسماه "مقبور" بدل "باقر،" كان أكبر زعماء المعارضة لنظام صدام. وشعر السياسيان أن بريمر تجاهلهما فبدأ الاثنان بخلق المشاكل للحكومات العراقية المتعاقبة بعد أن أقنعا الناس أن تنظيميهما يتزعمان مقاومة الاحتلال. رفض الأول التعاون مع الحكومة العراقية بحجة "أن هذه الحكومة ليست لها سيادة." وأخيرا اضطر إلى السفر إلى خارج البلاد ليحارب الأمريكان ب "الريموت كنترول،" من على قناة الجزيرة، وبالنيابة، من خلال القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية السنية. أما الثاني فتزعم حركة معارضة عجيبة تدعو إلى حرب الأمريكان ولكنها تنضمّ للحكومة وتتظاهر أنها صديقة للسنة وفي نفس الوقت تتغاضى عن تشكيل جيش المهدي "فرق الموت" لتقتيل السنة على الهوية. ورغم هذا التناقض العجيب ورغم سطحية هذا الزعيم وعدم نضجه السياسي، استطاع أن يستقطب الملايين من الشيعة العراقيين. وعندما بطشت قوات المالكي بأتباعه ذهب إلى إيران "ليتابع دراساته الدينية،" وعاد بعد ثلاث سنوات ليحث أتباعه "على محاربة الاحتلال بكل وسيلة" ولكن "سلميا."

منذ الغزو الأمريكي للعراق، لم تحاول الأنظمة العربية ولا وسائل الإعلام العربية أن تحث العراقيين أن يتّحدوا ويسامح بعضهم بعضا. وبدأت تكيل الاتهامات للشيعة والأكراد بأنهم عملاء لأمريكا وإيران، ومعنى هذه الاتهامات انه لم يبق في العراق من يعارض أمريكا إلا العرب السنة -- وهذا طبعا ليس صحيحا -- والسنة لا يشكلون سوى ربع الشعب العراقي، لأن نصف العراقيين على الأقل شيعة والربع الآخر أكراد، ومعنى هذا أن الأغلبية كانت تهدف إلى نشر الهدوء ليتسنى للبلاد أن تستقر ويُعطى الشعب الفرصة ليختار حكومة المستقبل. لقد كان من الممكن أن يتجنب العراقيون كل هذا التقتيل والفتن التي حصلت لولا أن أقلية من الشعب العراقي ومن يؤيدوها في الخارج أرادت ذلك. وفي النهاية، ماذا يضير العراق إذا حكموها الشيعة، ولو على سبيل التغيير؟

إن محاربة الطائفية لا تتم بطريقة انتقائية وتمييزية وإنما بالتسامح وإشعار الناس بالمساواة وليس باتهامهم بالكفر وبالخروج عن الدين. هل كان الحفاظ على وحدة العراق يتم باتهام الشيعة والأكراد بالعمالة لإيران وأمريكا؟ هل كان الحفاظ على وحدة العراق وتخليصها من النفوذ الإيراني يتم بمقاطعة العراق لعدة سنوات عندما كان العراقيون يحاولون تشكيل دولتهم الجديدة، كما فعلت الدول العربية، وتركها ساحة للإيرانيين؟ هل كانت مقاطعة الأكراد واتهامهم بالعمالة لأمريكا كفيلة بان تجعلهم وطنيين عراقيين يحافظون على وحدة العراق؟ ماذا يمنعهم، إذا شعروا بالخطر أو عند الضرورة، أن يُبقوا الأمريكان عندهم ويعطوهم قواعد عسكرية وغير عسكرية إلى الأبد؟ فأمريكا لها قواعد عسكرية عند حليفتها تركيا، على حدود كردستان العراق. لو كانت الدول العربية فعلا تحب مصلحتها ومصلحة الشعب العراقي لكانت أشعرت الشيعة والأكراد بالثقة والأخوة من البداية بدل أن تدفعهم إلى أحضان إيران وأمريكا.

كيف سيكون مستقبل الشرق العربي إذا كوّنت إيران والعراق حلفا شيعيا ينضم إليه فيما بعد الحكم العلوي في سوريا، أوما سيتبقى منه بعد الحرب الحالية، وجنوب لبنان ممثلا بحزب الله؟ ألا يعني هذا أن حربا شعواء سنية-شيعية ستبقى مشتعلة لعقود طويلة؟ لماذا فشل المثقفون والعقلاء العرب في تنبيه شعوبهم إلي الخليط المذهبي والإثني في بلدانهم ويقنعوهم بفائدة الوحدة مع الإختلاف بدل تشتيت أذهانهم وإلهائهم بالحديث، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، عن المؤامرات؟ لماذا لم يحاربوا نفاق قادة هذه الشعوب وممثليها الذين تستروا عبر القرون على قنابل موقوته بدأت تتفجر الآن؟ لماذا لم يعملوا بجد وأصرار، منذ بدايات التحرر من الإستعمار، على تنوير شعوبهم وإبعاد الخلافات الدينية والمذهبية عن السياسة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه