الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين ساعات البصرة ؟

خليل البدوي

2013 / 3 / 28
المجتمع المدني



كان الإنسان البدائي يعتمد على الشمس في شروقها وغروبها ووقت جوعه لحساب الزمن لأن حياته كانت بسيطة ومقاييسه بسيطة خالية من التعقيدات والقيود فكان ينام عند غروب الشمس ويصحو عند شروقها ويأكل عندما يجوع فمسألة تحديد الزمن لم تكن تعنيه كثيراً.
ولكن نتيجة للتطور في الحياة وعيشه ضمن قبائل أصبح ينتبه إلى الزمن وتحديده. فكانت الأشجار والظلال والقمر والنجوم هي ساعاته الطبيعية، وقد استعمل الإنسان «المزولة» الساعة الشمسية منذ 3500 ق.م وهي عبارة عن عصا مغروسة في الأرض فيتحدد الزمن بها بتحديد ظل العصا تبعاً لحركة الشمس وقد وجدت عند الصينيين وقدماء المصريين مع وجود المسلات الفرعونية فكانت تقسم النهار إلى أربعة أقسام، ثم تطورت إلى اثني عشر قسما تتحدد بين شروق الشمس وغروبها أي اثنتي عشرة ساعة ونظراً لبعض عيوبها ولاسيما أنها لا تستطيع التحديد ليلاً فقد استعمل الإنسان الساعة المائية وكانت تستخدم في مصر القديمة ويعود تاريخها إلى 1400ق.م، وهي عبارة عن إناء يملأ بالماء ثم يتسرب منه الماء عن طريق ثقب صغير في قاعدته وهي تختلف باختلاف فصول السنة حتى أصبحت ساعة الصيف أطول من ساعة الشتاء وكانت فيه تدريجات تشير إلى الزمن.
وقد استخدمها الإغريق في خطاباتهم فعندما كان الماء ينقضي يُنهي الخطيب خطبته، فقد وجدت الساعة الرملية حيث كان انقضاء الرمل من الزجاجة يستغرق ساعة كاملة، حتى طورها العرب، وصنعوا الساعات من نحاس وعلى مبدأ علم المثلثات فكانوا يحددون وقت صلاتهم بها ونتيجة إبداعهم في صناعة الساعات فقد نقلته أوروبا عنهم ثم طورت هذه الصناعة.
إن مشكلة قياس الزمن كانت الشغل الشاغل لحياة الناس وكان الإنسان قديماً يقوم بمراقبة الليل والنهار والكواكب وسير الأنهار حتى أصبحت جوهرية في حياته.
وقد كانت الساعات قديماً توضع في أماكن عالية وفي الساحات العامة، وكانت ثقيلة الحجم حتى اكتشف «غاليلو» أن جميع الأثقال المتأرجحة إذا كانت أطوالها متساوية وأوزانها متساوية فإنها تؤدي ذبذبات متساوية الزمن.
من هذه المقدمة ندخل لتاريخ البصرة لنتحدث عن الساعات التي كانت تنتصب فيها، لنمر بديوان السيد عبد الله الموسوي وساعته الجميلة وهي إحدى الساعات في البصرة بعد ساعة سورين، التي هدمت دون سبب مسوغ، وساعة شركة الموانئ العراقية(ساعة المعقل)، وساعة لم تبق منها شيئاً في شارع مالك بن دينار.

فعند مدخل جسر سوق الصيادلة (سوق المغايز) من الطرف الشمالي للجسر القديم المبني من الخشب الذي أزيل هو الآخر ولم يبق منه شيئاً وعلى برج عال مبني من الطابوق يرتفع إلى السماء كان في نهايته ساعة مستديرة الشكل سوداء اللون، هي ساعة سورين (بيغ بن البصرة)، الشامخة التي كانت شهرتها كشهرة ساعة ”بيغ بن“ في لندن، وكانت قد نصبت في هذا المكان عام 1906.

وكانت هذه الساعة أعجوبة إذ لم ير البصريون ساعة توضع فوق منارة بهذا الارتفاع وبأربعة أوجه وفي قمتها مؤشر حديدي يوضح اتجاه الريح، وأربعة أسهم مكتوب على أطرافها الحرف الأول للاتجاهات وباللغة الانكليزية.
تعمل ساعة سورين بنظام يختلف عن نظام الساعات القديمة، إذ تحتوي ماكينتها على 6 مسننات، أما الساعات الأخرى فتحتوي على 30 ـ 35 مسنناً، وقد كان أهل البصرة يستطيعون مشاهدتها وهي تنتصب كدالة حضارية.
أما الساعات الأخرى فلم يبق لها أثر.. بأمر من القائمين المتعاقبين على البصرة حينذاك والذي يظهر أن لهم عداء مع المقولة(الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك!)، فقطعوها من أصلها.
كان وقع إزالة ساعة سورين أشد قسوة على البصريين، إذ امتدت نحوها أياد لا تقدر قيمتها لتجعلها في خبر كان، فهدمها محمد الحياني محافظ البصرة، في العام1965 قبل أيام من سقوطه مع رئيس الجمهورية عبد السلام عارف من طائرة في منطقة النشوة، فقضى على تلك التحفة القيمة التي تعد أفضل جهاز لقياس الزمن في التاريخ وأيقونة الوقت في العالم ورمزاً صريحاً للتوقيت في هذا الزمان، وأهم معلم تاريخي لم يتم الحفاظ عليه للأسف الشديد ولم تقدر قيمته ألأثرية.
أن كثير من الدول والشعوب تحافظ على تراثها ومعالمها الحضارية وتصونه من كل عبث، وتوفر له الإمكانات المادية والبشرية لصيانته والاعتناء به وإبرازه بشكل يليق بمكانة صانعيه وجهودهم لذا بقيت تلك المعالم خالدة أم تندثر على مر الزمان ..!!
فأين نحن منهم يا ترى؟
وأود الإشارة وأنا من المتابعين بأن هناك كوادر عراقية تستطيع تصميم جميع أنواع مكائن الساعات العملاقة البرجية منها والزهرية وتصنيع جميع أجزاء الساعات محلياُ بتقنية عالية ودقة كبيرة خلافاً لجميع أنواع الساعات المستوردة التي لم تستطع مقاومة ظروف العراق الجوية عامة والبصرة خاصة.
ففي عام 1998 قامت هذه الكوادر العراقية بتصنيع ساعة هيت في الأنبار وبعدها بسنوات أنجزت ساعة الجامعة التكنولوجية ومن ثم عملت ساعة الزوراء الزهرية، وقد أثبتت تلك الساعات جدارتها بالتصميم والدقة العالية والتحمّلية لمختلف الظروف الجوية.
فيا حبذا ويا ريت ويا ليت لو تم الاستفادة من تلك الكوادر لنصب ساعة واحدة على الأقل في البصرة.. وليس هذا بكثير على السيد المحافظ الكريم الأستاذ الدكتور خلف عبد الصمد خلف الذي يقود حملة عمرانية شاملة في مدينتنا الرائعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار صناعية تُظهر إخلاء خيام النازحين من المنطقة الإنسا


.. جوع وعطش وتكدس نفايات.. الوضع الإنساني يزداد مأساوية في جبال




.. السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في حوار


.. رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان: القطاع الخاص مطمئن أن حقو




.. أردوغان يدين موجة العنف ضد اللاجئين السوريين ويلقي باللائمة