الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الجنون والموت

كريم الهزاع

2013 / 3 / 28
المجتمع المدني


في البدء لي أن أقول ، أن العالم هو المرآة التي نتعرف فيها على أنفسنا ولذلك فأننا حينما نقرأ الموضوعات التي يدركها الوعي ، فأننا في الحقيقة إنما نقرأ تاريخ الوعي الكلي الذي تنبثق منه مرآتنا الخاصة . وبناء على ماسبق أستطيع أن أقول ، إذا كانت الثورة تقتات أفكار مضى عليها أكثر من عشرة قرون علينا أن نسميها ثورة الموتى ، فهذا وحده العنوان الذي يليق بها ! إذ تصاب البشرية بالخبل حينما تتصارع على الله ، وعلينا إلا نتفاجأ بذلك ، أن الآم العقل الغربي تم تشخيصها ومعالجتها ، بينما آلام العقل الشرقي أو العربي بالتحديد مازالت في طورالتشخيص ، حيث ظل العقل العربي مبتوراً وخارج التاريخ بعد أن أدار ظهره لأبن رشد وأبن خلدون كما أنه لم ينصت لصوت بيكون وديكارت وصرخته المشهورة : " أنا أفكر إذاً أنا موجود " ، و لم يقرأ ملامح وجه التنين الذي أطلقه هوبز ، ولم يستوعب فهم سبينوزا للدين ونشدانه لثقافة الفرح إذ ظل متمسكاً بثقافة الحزن ونبش القبور بحثاً عن مسارب جديدة يطلقها خزان العنف المدفون ، ولم ينتبه للفاهمة البشرية التي تحدث عنها جون لوك وليبنتز وديفيد هيوم ، ولم يستفد من روح القوانين والشرائع التي تتبعها مونتسكيو ، لهذه الأسباب وغيرها لم ينجز " عقده الإجتماعي " الذي أشار له جان جاك روسو وأستفادت منه أوروبا وكل العالم المتمدن ، وظل يتخبط في خارطته الإقتصادية وثرواته ظلت منهوبه ، حيث لم يفهم معنى " ثروة الأمم " التي شخصها آدم سميث ، بعد كل هذا .. « أين نجد إذا هذا المبدأ المتعالي على التجربة ؟ أنجده في الدين والأوامر الإلهية ، وهي سلطة خارجة عن العقل ؟... إنما نريد مبدأ آخر جديدا يعلو على التجربة ويفوقها ، لكنه من جهة أخرى لا يخرج عن العقل ونطاق ذاتيته . لقد وجد كانط هذا المبدأ ، وسماه " الواجب " » كما يقول عبدالرحمن بدوي ، وكانط هذا العبقري الذي قال ذات مرة : " لقد أيقظني هيوم من " السبات الدوغمائي " ، فمن إذن سيوقظ العقل العربي من سباته الدوغمائي ؟ ومكينته هشة لاتحتمل خام الديزل ولا أفكار هيغل بمفعولها القوي ، ولامطرقة نيتشه التي تهدم الأصنام ، و بأختصار شديد ، حينما نفهم كل مامضى ونفهم نظرية تحوّل الطاقة والنظرية الداروينية والديالكتيك ستتغيّر زاوية تفكيرنا ونفهم معنى الأنطولوجيا ، و لحظتها نستطيع القول بأن تحولات الطاقة و الداروينية تمر عبر النشوء والإرتقاء بحالة جدلية ديالكتيكية تمنحنا بعدها الثالث الانطولوجي ، وبإمكان الظاهراتية " ذات النبرة الخافتة المستمرة في الفلسفة " أن توصلنا لذلك ، و الظاهراتية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر كنقطة بداية ( أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية كما أشرت له في بداية المقالة ) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة وأساس معرفتنا بها . غير أنها لا تدعي التوصل لحقيقة مطلقة مجردة سواء في الميتافيزيقا أو في العلم بل تراهن على فهم نمط حضور الإنسان في العالم . يمكن أن نرصد بداياتها مع هيغل كما يعتبر مؤسس هذه المدرسة إدموند هوسرل ، تلاه في التأثير عليها عدد من الفلاسفة مثل : هايدغر وسارتر وموريس ميرلوبونتي وريكور . وتقوم هذه المدرسة الفلسفية على العلاقة الديالكتية بين الفكرة والواقع ، و شعار الفينومينولوجيا الهوسرلية هو الاتجاه الى الأشياء ذاتها من خلال الوعي البشري الخالص ، ومطابقته مع الواقع ، وفي واقعنا الإنساني الحديث والسياسي بالتحديد يتمثل بأن تكون دساتيرنا الجديدة مطابقة لميثاق حقوق الإنسان العالمي ، ويظل هناك سؤال يدور في الذهن ، والسؤال هو : متى سيكون العقل العربي منفرداً ويتجاوز مرحلة " الثدي " إلى مرحلة " الفطام " ؟ أن الاندماج بالقبيلة أو بأي أشياء أخرى تشطر الإرادة وإذا ما استمرت على ما هي عليه فأنها تعوّق عملية النمو ، ويبدو لنا لن نعبر دون الأستعانة بمشرط ميشال فوكو (1926 - 1984) الفيلسوف الفرنسي ، والذي يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين ، حيث درس وحلل تاريخ الجنون في كتابه " تاريخ الجنون " , ليحلل لنا هذا الجنون المستشري في خارطتنا وعقلنا العربي ، ومثلما عالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون وابتكر مصطلح " أركيولوجية المعرفة " وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في " تاريخ الجنسانية ". فنحن بحاجة لعيادات ومؤسسات تعالج أمراضنا المستفحلة والغرائبية وعقلنا في نفس الوقت ، الذي وصلت به الجريمة إلى حد شق بطن الإنسان ووضع رأسه بداخله وإعادة خياطته ، هذا التفنن بالإجرام الذي لم يكن له مثيل في التاريخ البشري ، وإلى من يعلمنا حرية التحاور وتقبل الآخر ، حينها فقط سنعرف " المجتمع المفتوح وأعدائه " كما شخصه كارل بوبر ، أو مفكر يعيد لنا تأويل نصوصنا ويخلصها من حالة الشيزوفرينيا المصابة بها مثل " غادامير " ، أو عالم إجتماع مثل بيير بورديو الذي شخص " بؤس العالم " ليشخص لنا بؤسنا الذي أستمر معنا لعشرة قرون أو أكثر ، وآخر مثل تودوروف الذي تابع " روح الأنوار " ، لينير لنا الدرب ويخرجنا من هذه الظلمة ، التي منحتنا الجنون والموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة


.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر




.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ