الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر متأسلمين ..لا خطر مسلمين

جاسم البغدادي

2013 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ساد التخلف الفكري والاجتماعي والسياسي المجتمعات الاسلاميه منذ قرون كثيره وحتى بدايات القرن العشرين حين وصلت بوادر الثوره الصناعيه الى البلاد الاسلاميه حامله معها متغيرات كثيره راحت تلقي ظلالها على المجتمع وساهمت في تغييرالمنظومات الفكريه والاجتماعيه ثم اجتاحت المنظومه السياسيه المتمثله بالخلافه فاسقطتها (على قدسيتها)...بعد رواج الافكار التحرريه وتأثيراتها على المجتمع الاسلامي ,انبرى الكثير من رجال الدين والمتعاطفين معه للدفاع عنه بوجه الحملات القاسيه التي شنها اللادينون والالحاديون عليه , وانقسم هؤلاء الى قسمين..منها السلفيه المتشدده التي لم تفلح في اثبات نفسها فضلا عن الوقوف بوجه تلك الحملات , ومنها المعتدله الهادئه وقد حققت حضورا ملموسا في المشهدين الاجتماعي والسياسي , ونحى المتعاطفون معه منحى التوفيق بينه وبين الافكار المستورده من الغرب ومحاوله تهجين تلك الافكار, او ترويض الكثير من المعارف الدينيه لتلائم متطلبات العصر والتجديد ...ساهمت الانظمه السياسيه المتلبسه بلباس العلمانيه او اليساريه وكذلك التنظيمات الحزبيه التي لم تستطع بعد هضم جوهر الافكار الخارجيه نتيجه ابتعادها عن المنبع واختلاف اللغه وعدم قدره الترجمه للكتب عن الايفاء بماهيه الفكر المطروح , اضف لذلك فقدان التفهم الواقعي لاختلافات الطبيعه البشريه والتقاليد والاعراف المفروضه على المجتمع والتي تحضى بمنزله توازي منزله الدين الضارب باعماق النفس الانسانيه والمتجذر على امتداد تاريخها ...كل تلك العوامل ساهمت بأعاده الافكار الدينيه المحموله على اطباق صحوات تجديديه معتدله وقابله للتكيف مع المتطلبات العصريه ولو شكليا الى الواجهه , سرعان ما انتجت اطروحه دينيه -سياسيه موافقه للنظام السياسي الجديد ومتجرده من نظام الحكم التقليدي المنبوذ (الخلافه)....نكسه الخامس من حزيران , شكلت انعطافا تاريخيا في مسار الوعي التنظيمي للطبقات المثقفه , خيبه الامل التي اجتاحت المثقفون العرب بالانظمه السياسيه العربيه وفقدان الثقه بالطموحات التي كانت تبشر بها تلك الانظمه اوجدت حاله من الانفصام في المنظومه الثقافيه العربيه سببها الرئيس المفارقه بين الواقع والطموح ,نضوب الواقع وافلاس الطموح , استغلت الاطروحه الدينيه ذلك الواقع المزري فبرزت للشارع كرده فعل طبيعيه ولعدم وجود البديل المناسب لحركه التغيير في ظل انظمه دكتاتوريه لا تقبل بأي شكل من اشكال التغيير...تبدلت الادوار بين الاطروحه الدينيه والعلمانيه ,غدا النظام السياسي وعدم التوفيق بين متطلبات الوعي العلماني والتركيبه الاجتماعيه والدينيه للمجتمعات الاسلاميه احدى عناصر تراجع الفكر العلماني عن التأثير تاركا فسحه هائله للفكر الديني لأخذ دوره المتنامي ,
اقحام الفكر العلماني وزجّه في المناكحات السياسيه -الفكريه والسعي لشرعنه الانظمه القمعيه بحجه انها علمانيه اقفل نوافذ الاتصال بين النهضه العلمانيه التحرريه , والنهضه الدينيه الاصلاحيه ,تبدل شعار محاربه المتسلطين باسم الدين ,الى محاربه المتسلطين بأسم العلمانيه .....الحاصل...استثمرت الحركات الدينيه فوضى الربيع العربي الذي لم يأتي إلا بعد ان اصبحت الانظمه الدكتاتوريه القمعيه تزيد من الرصيد الشعبي لهذه الحركات لتضع العراقيل امام المشروع العولمي وخصوصا الامريكي الذي كان يهدف الى فتح منافذ سياسيه ديمقراطيه لشعوب المنطقه بعد عصور الكبت والردع القسري لكل محاولات التغيير , تولد نوع من التوافقات المرغمه بين الكثير من المنظمات السياسيه-العلمانيه والمنظمات السياسيه-الدينيه في محاوله لترويض الواقع العربي الذي لم يتآلف بعد مع التجربه الديمقراطيه والتبادل السلمي للسلطه , لكن يبقى هاجس الحذر والشك قائما خصوصا في ما يتعلق بمدى مصداقيه الحركات الدينيه على نشر ثقافه الانفتاح وقبول الاخر وعدم تسخير المشاعر الدينيه (اللاسياسيه) في المماحكات السياسيه والتعامل مع الخصوم السياسيين من زاويه حشد العواطف الدينيه سلبا وايجابا وباختصار تسييس الدين تعبويا , وهذا ما تعانيه فعلا الحركات السياسيه العلمانيه الان ..من الطرف الاخر نرى ان مهمه الحركات العلمانيه (فكريه وسياسيه) اعاده خلق اسلوب جديد للحوار يبتعد كليا عن اي مظهر من مظاهر الاستفزاز او الاستخفاف وعدم الافراط او الغلو باستغلال حقوق حريه الرأي والتعبير والذي لا ينسجم ابدا مع المبادئ التي تم فيها اقرار هذا الحق والتي اهمها عدم نشر الكراهيه والتهجم على المقدسات الدينيه او العرقيه وغيرها لما يشكله من اضرار على المجتمع بل حتى على الحركات العلمانيه واليساريه نفسها , واظن ان تلك الحركات لديها من الخبره والتجربه الكثير مما يكشف مدى الضرر الذي تلحقه الاساليب العدائيه الغير مدروسه او متفهمه لطبيعه الحوار وحدوده , وان كانت الشوعيه في روسيا انهارت بفعل (مؤامره) عالميه كما يروج بعض مثالييها فلا اظن اني اجانف الواقع ان قلت ان الشيوعيه في العراق والعالم العربي انهارت بمعاول الشيوعيين انفسهم الذين (عدا المخلصين منهم) لم يستطيعوا تغيير النظره النمطيه التي حصرت الشيوعيه بانها نظريه الحاديه معاديه للدين !! واهملت الجوانب الاخرى خصوصا الايجابيه منها ...من خلال ما مضى علينا ان نفهم مدى خطوره الجماعات الدينيه السلفيه على الواقع العربي , فهذه الجماعات وفي ظل صعود الحركات الدينيه المنظمه الى رأس السلطه ستكون هي التحدي الاكبر لكلا الاطروحتين ..العلمانيه والدينيه المعتدله , يدفعها هاجس النقص من اثبات هويتها وترسيخ قيمها الشاذه على الواقع ..فعنصر الشعور بالنقص يدفع بهذه الجماعات الى اللجؤ الى اساليب القمع والارهاب ضد اي مخالف لتوجهاتها ما دامت لا تملك ابسط مقومات الاقناع المنطقي لعجزها التام عن بناء تركيبه فكريه ملائمه لمتطلبات العصر واسئلته المطروحه ومشاكله المعقده , لا يمكن استيعاب كيف يمكن لمن يحفظ بعض آيات من القران دون فهم لمقاصدها ونتفه من احاديث نبويه دون معرفه مصداقيتها ان يكون اميرا لمجاميع من الذباحين تحت شعار الدين !! وتأتي المصاهرات الميدانيه بين تلك الحركات وبين بعض النظم الاستبداديه التي تهئ التموين اللازم لانتشارها ونشر الفوضى بين الشعوب المتطلعه للتغيير من اجل اشاعه حاله الرعب من هذه التحولات السياسيه نحو تجربه الاساليب الجديده للحكم وفق النظام الديمقراطي وبالتالي غلق منافذ العدوى من الوصول الى حدودها ..تأتي هذه المصاهرات لتزيد الواقع الشائك تعقيدا , والمستقبل المنتظر اشد قتامه وذعرا ..الادراك الحقيقي الذي ينبغي لكل من يتطلع الى مستقبل آمن من الانفلات هو ادراك ان الحوار الهادئ والاستعداد التام ليس لقبول الاخر بل للتنازل للاخر ايضا هو السبيل الامثل لتوفير ابسط مقومات البناء الناضج الذي يعيد الثقه بقدره الشعوب العربيه على التكيف مع نفسها اولا ثم مع الواقع العالمي الجديد ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب