الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم الطبيعي: أمية نبي الإسلام

كمال الدين

2013 / 3 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


آه، لم أعرفكم بنفسي من قبل، لعل بعضكم يعرف اسمي -كمال الدين- لكن الاسم ليس كافيا لتعريف شخص، ولعل بعض بعضكم الذي يعرف اسمي واطلع على بعض مما كتبت يؤمن أن لكل إنسان نصيب من اسمه، لكني لا أؤمن بذلك، ولا أحمل لذلك ذرة تقدير، فأنا أعتبر الاسم شيء التصق بالإنسان دون إرادة منه، فقد اختاره له أبواه لأسباب قد تتعدد، فتلك الأسباب غير ثابتة وليست لها معايير محددة.

ولأني لست من أنصار النصيب، بأي حال من الأحوال، فأنا لم أحظى على شيء من اسمي الأول وهو كمال الدين برمته، فلست كمالا لدين، ولست كمالا من الأساس، كما أني لا أدين بدين. ولعل هذا التصريح كفيل بسد أنفس الكثيرين ولقد يحملهم على صرف النظر في متابعة ما تأخر، لكني لن أطيل أكثر من ذلك، فمقال اليوم كما يتضح باسمه يتعلق بني الإسلام، خاصة أميته، وربما تعد هذه الأمية إحدى الثوابت المتفق عليها من قبل المسلمين وغير المسلمين، يقول كل من له علم بالإسلام أن محمدا كان أميا، من ثم يجزم أن محمدا، وهو الأمي حقا، لا يجيد القراءة ولا الكتابة وكان جاهلا بهما، وإني لأرى في ذلك ضرب من ضروب الحماقة والسذاجة، استنادا إلى معنى لفظ في القرن العشرين في تأويل لفظ من القرن السابع الميلادي.

إن شبهة جهل محمد القراءة والكتابة جهلا تاما شبهة تمكنت في عقول جل البشر تقريبا، وأحاول هنا إبعاد تلك الشبهة عن تلك العقول، وربما أرجع غضب طائفة من البشر غضبا شديدا عندما تقول لهم إن مؤسس الديانة الإسلامية كان يقرأ ويكتب، وهذا أمر غريب وكأنك توجه إليه سبة، أقول إن تمسكهم الشديد بأمية محمد لا لشيء إلا للتدليل على حقيقة النبوة، والحق إن نبوة محمد لأمر مريب.

لقد استترت نبوة محمد على كتبة السيرة، ولا يعود استتارها إلى سوء نية لديهم بقدر ما يعود إلى نقل ما وصل إليهم منحولا بعض الشيء بعد مائة وخمسين سنة من بدء الرسالة وتوسعها فى معظم البلاد الآسيوية والإفريقية، إنهم لم يحققوا فيما بلغهم، ولم يدركوا بالتالي نيته، ولم يعرفوا كيف تنقل النبوة، ولم يعلموا أن النبوة لا تحتاج إلى من يدافع عنها ويقضي بصحتها، ولو أنهم قد أيقنوا كل ذلك لما اضطروا إلى إثبات نبوة محمد بألف ألف دليل، ولا الدفاع عنها بألف ألف حجة، ولخوفهم من ألا يكون محمد نبيا أرجعوا الأدلة عليه إلى زمن آدم، وأقرأوا اسمه في السماء تحت سدرة المنتهى، وسمعوا الأحبار والرهبان والكهنة والسحرة والجن والشياطين والحيوانات والأصنام والأشجار والحجارة تعلن نبوته، وأروا اسمه في التوراة والإنجيل، واسترقوا أخباره عند ملوك العجم والعرب؛ كل ذلك كان من أجل الدفاع عن نبوة محمد، وهل يحتاج نبي من عند الله إلى من يبرر له نبوته ويدافع عنها؟ وإذا كانت لك دراية بالأنبياء الذين سبقوا محمد، فلسوف تجد أنه ما من نبي احتاج إلى الدفاع عن نبوته كما هو الأمر مع محمد، والحقيقة أن القرآن المكي لا يسمي محمدا نبيا على الإطلاق، بل بشيرا ونذيرا ومبلغا رسالة ربه ولا شيء آخر.

الإسلام بادئ ذي بدئ لم يكن دينا جديدا بالمعنى المخصوص للكلمة، ولم تكن دعوة محمد إلى دين جديد من الأساس، بل تعاليم من اليهودية تتمثل في عقيدة التوحيد، واقتبس المسيح من طوائف النزاريين، والتعاليم المتعلقة بالحسنات والصدقات كانت أبيونية صرفة، كما أن طقوس التطهر تتطابق مع طقوس التطهر التي كانت للقيسيين، وتلخص كل ذلك في التبشير بالجنة والتحذير من النار والتذكير بيوم القيامة، بل يكاد أبو موسى الحريري يذهب إلى أن محمدا لم يكن في نيته أن ينزل وحيا من السماء، أو أن يدعي علم الغيب بقدر ما كان يقصد إعلان كلمة الله بلسان عربي مبين مفصلة وميسرة للفظ والذكر، فالوحى المحمدى إذن هو وحى لاحق لوحى سابق، وكتابه العربي هو تصديق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ودعوته دعوة كانت قبله مع أهل الكتاب. لكن نختلف كما نشاء مع كتاب الحريري، وأنا نفسي لا أثق في صحة كل ما جاء به، ولنا الآن أن إلى أصل موضوعنا وهو أمية محمد.

إن آية النبي الأمي الواردة فى القرآن تعني شيئا آخر غير الذي يقصده المذهولون، وينبغي لنا إذن أن نميز بين ما كان يعلمه محمد وبين ما كان لا يعلمه وتعلمه بعد حين؛ أما العلم الذى كان يعلمه فهو علم القراءة والكتابة، وهو العلم الذى اكتسبه فى صغره؛ وأما العلم الذى كان يجهله ثم تعلمه فهو -ما يمكن أن نطلق عليه- علم الإلهيات والروحانيات والتشريع، وهو العلم الذى اكتسبه من لدن خبير حكيم.

لقد تعلم محمد القراءة والكتابة منذ صباه وهو في حماية جده وكفالة عمه، ولقد أراد المتدينون إنكاره عليه قصد الدلالة على تدخل الله مباشرة فى النبوة، وقصد إظهار جدة القرآن والإسلام واعتبار كل شيء فيه من لدن الله، وعلى هذا العلم أدلة نعرضها:

أولا: إن الأمي بحسب القرآن هو من ليس له كتاب منزل، فاليهود أبناء إسحق بن إبراهيم هم كتابيون، فى حين أن العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم هم أميون، ولقد دلل القرآن على هذا التمييز دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتباع الإسلام: (قل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم ٣/٢٠)، ويشير إلى تمني الأميين معرفة الكتاب: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ٢/٧٨)، ويفتخر أن بعث الله رسولا من غير الكتابيين: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ٦٢/٧)، وقد عرف أهل الكتاب أن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: (قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ٣/٧٥)، وبهذا المعنى القرآنى الصحيح ينبغي لنا أن نفهم قول الكتاب عن أمية محمد فى الآيتين التاليتين: (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى ٧/١٥٧)، (آمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله ٧/١٥٨).

فالأميون إذن هم العرب أبناء إسماعيل، واليهود هم الكتابيون أهل الكتاب أبناء إسحق، وبالتالى إن أمية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه للعرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم كتاب منزل من الله.

ثانيا: الدليل الثاني من دعوة جبريل للنبي في السورة الأولى من تاريخ القرآن، ففيها يدعو الملاك محمدا قائلا: (اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ٩٦/١-٥)، ولقد أجمعت كتب تفسير القرآن، وكتب أسباب النزول، وكتب السيرة النبوية والأخبار والأحاديث والصحيح والباحثون المسلمون والمستشرقون على أن هذه السورة هي الأولى فى تاريخ الوحى، واتفق الجميع على أن جبريل جاء محمدا يحمل إليه كتابا ويدفعه إليه ليقرأه، فلولا معرفة محمد بالقراءة لما اتفق الجميع على سرد الوقيعة، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر لئن كان الله يمكر بالناس وهو خير الماكرين، أيمكر أيضا بنبيه ويكلفه شيئا لا يستطيعه؟

ثالثا: إن العلم الطبيعي الذى تعلمه محمد لابد أنه تعلمه فى بيت أبي طالب عمه وتحت حمايته، إذ احتضنه أبو طالب بفضل واحترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه ويبسط عليه حمايته، كان يحبه حبا لا يحبه لأحد من ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصب أبو طالب به صبابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بأحسن الطعام ويحفظه ويحوطه ويعضده وينصره إلى أن مات، إن تلك العناية الجليلة اقتضت من أبي طالب اهتماما بالغا بشؤون ابن أخيه اليتيم الذي حظى في بيته ما حظى به ابن عمه علي صاحب البلاغة المأثورة ومنتهج نهجها في نهج البلاغة، ولا يعقل أن يمنع أبو طالب عن ابن أخيه ما تمتع به ابنه وتنعم وأبدع فى مجالاته.

ولئن فرق المتدينون بين ربيبي أبي طالب فلغاية في النفس لا مبرر لها سوى إظهار حقيقة النبوءة في كل شىء، فأبو طالب لم يكفل محمدا ليوفر له حاجاته المادية وحسب، بل وفر له كل شيء مما وفره لابنه من علم وتربية وأخلاق.

أخيرا: مهما تعددت تأويلات لفظة (إقرأ) الواردة في أمكنة عديدة من القرآن، فإن المقصود منها القراءة الكتابية، أى قراءة الكتاب، والآيات التى تدل على معرفة محمد بالقراءة كثيرة، منها نذكر: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان ١٦/٩٧)، (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ١٧/٤٥)، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ١٧/١٠٦)، (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ١٧/١٤). هذه الآيات وغيرها يفيدنا أن محمدا كان يعرف القراءة ويجيدها، وكان يقرأ الكتاب الذى بين يديه، فكانت قراءته له قرآنا -- فالقرآن لغة يعنى قراءة، وهو قبل كل شيء مصدر آرامي للفعل الثلاثى المعتل الآخر (قرُو-نِقْرِى-قِرْيُونُو) ويعني قراءة أو تلاوة نص مكتوب. هل أكمل لكم الآن قصة اسمي ولماذا سميت بكمال الدين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كمال العقل
ايار العراقي ( 2013 / 3 / 29 - 09:36 )
انت كمال العقل لاكمال الدين
الاميين صفة يطلقها اليهود تحديدا على الاخرين باعتبارهم من الامم الاخرى المسخرة لخدمتهم كونهم الشعب المختار
الاسلام ورغم الادعاء والتبجح بعدالته وعالميته انما ينهج نفس النهج ويكفر مناوئيه ويقتل مكذبيه ويرسل الاخرين الى جهنم اذا لم يؤمنوا به
نفس العقلية المتسلطة انتقلت عبر التاريخ خصوصا في النسخ الابراهيمية من الاديان
الامر لايعدو عن كونه عقيدة اومحمول ثقافي لتكريس وهيمنة سلطة او قومية معينة
تقبل مودتي ياسيد كمال ولاتتبرئ من الجزء الاول من اسمك فهو جميل كجمال فكرك


2 - أمية نبي الإسلام
شاكر شكور ( 2013 / 3 / 29 - 14:20 )
شكرا اخ كمال الدين على هذا البحث والتحليل المنطقي السليم ، الحقيقة محمد كان يجيد القراءة والكتابة وهذا احد اسباب قيام خديجة بأختياره للقيام بتجارتها واجراء الحسابات لها ، في صلح الحديبية كتب اسمه على العهد وعندما كان على فراش الموت طلب ادوات الكتابة ليكتب كتاب لا يضلوا المسلمين من بعده ، كذلك محمد كان يعرف بعض من اللغة الآرامية السريانية فنجد في القرآن كلمات سريانية (سورة تعني كلام الله ، قرآن من قريونو وقراءة ، فرقان من فرقونو يعني الخلاص ، ك أ ل حروف مقطعة قبل سورة البقرة وتعني (كلم) بالآرامية سكوت لغرض تلاوة شيئ ، كذلك كلمة صَمَد وتعني الثالوث الجامع ...الخ ) هذه الكلمات كان محمد يعرف ترجمتها ومعناها ولكن لما جاء المفسرون لم يفهموا معناها فأختلفوا في تفسيرها ووضعوا لها معاني من عندهم ، الحقيقة ان محمد هو الوحيد الذي ادعى بتفاخر بأن الله يناديه بعبارة (يا ايها النبي) لغرض تأكيد نبوته وطبعا النبي صفة يطلقها الناس لمن يتنبأ بالمستقبل ولم يسبق ان قام الله بمخاطبة انبياء بني اسرائيل بهذه العبارة ، تحياتي للجميع

اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية