الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود الحفيد البندقية الغاضبة

ياس خضير الشمخاوي

2013 / 3 / 31
القضية الكردية


عثر أحد المنقبين الآثاريين على قبر قديم نُقشت عليه العبارات التالية : أيها الواقف على قبري ، أعلم أنني كنت كما أنت الآن فأفعل شيئا لنفسك وللآخرين قبل أن تتبعني .
حقا أنها رسالة عظيمة تنم عن بعد أنساني وفكر رسالي لم تنل منه عوامل التعرية ولا تقادم الزمن ... فالكلمات الحيّة تبقى مدويّة في أرجاء الكون ...محفورة في ذاكرة الزمن ... تملأ الضمائر والنفوس عطرا وعبقا .
وأن دلت تلك الكلمات فإنما تدل على عظمة صاحبها وأحترامه لرسالته في الحياة ... لذلك يقول الحكماء ؛ قل لي بماذا تفكر و كيف تفكر ؟ ، أقول لك من أنت .
فلا شك أن قيمة ما يشغل بال المرء وأساليب معالجته لقضاياه تعكس واقعه وجوهره الحقيقي ، لذا يعتبر هذا الأستنتاج مؤشر لا يمكن تجاهله في تحليل وتقييم شخصية الإنسان ، وهكذا فأن القياس لا يختلف بالنسبة لأمةٍ أو أيّ شعبٍ آخر .
وعليه فأن الأمة تكون حية بقدر ما تعطي وتقدم ، واثبات وجودها يأتي من خلال تفاعلها مع رسالة الحياة ومعطياتها ، وعدا ذلك لا يمكن أن يكون لها قيمة فعلية ووجود حقيقي بين الأمم ، إذ أن شعبا بلا روح ليس سوى حشد هائل كما يعبر عنه أحد المفكرين .
ولا ينفك الفرد هكذا أيضا ، مرتبط عنوانه وقيمته الفعلية بقيمة أنجازاته وعظمة رسالته في الحياة ، فأما أن يكون أسما خالدا بين الأجيال أو قبرا يسير بين الأحياء ، والناس صنفان كما يقول أحمد شوقي : موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياءُ .
والأرض بطبيعة الحال مليئة من هذا وذاك ، فيها من يستحق أن تبني له معبدا في قلبك وفيها من لا يستحق أن تذكره على طرف لسانك .
والإشادة بدور أمة أو شخصية معينة تركت لها أثرا وبصمة في الحياة ، هي حاجة إنسانية ملحة وضرورة من ضرورات المعرفة والعدل والقيم العليا ،
بيد أن الحقيقة قد تُطمس أو تُشوّه أحيانا لأسباب عدة منها الجهل والتحاسد والتباغض والتعصب ، وربما تعارض المصالح أحيانا يدعونا لحجب الحقيقة والحياد عنها .
ومهما تعددت الأسباب وتباينت الظروف تبقى الحقيقة بحاجة إلى شجاعة ومروءة وضمير يقظ لكي نستطيع أن نقولها وإن اختلفنا مع صاحبها .
أتذكر أحد ضباط الطليان كيف كان يعتز بشخصية عمر المختار ويدافع عنها وينعتها بما تستحق رغم أختلافه سياسيا وعقائديا مع هذا الرجل .
ومن الماضي القريب كان يروي لنا آباءنا وأجدادنا حكايات من ذاكرة الزمن عن أحد الأشقياء يدعى ( إبراهيم عبدكه الكوردي ) وكيف كان يتحدى الترك والإنجليز ويقتل جنودهم وشرطتهم .
وفي يوم ما أوقف قطارا فأستولى على أسلحته ومعداته وكان في القطار سيدة إنجليزية أستنجدت بشخص إبراهيم فأمر باحترامها وحمايتها وإيصالها إلى دار أقامتها ،
ولما حوصر وألقي القبض عليه ومثل أمام المحكمة ، صدر بحقه حكم الإعدام لتهمته بالقتل والأعتداء على الناس وسرقة أموالهم ، حضرت تلك السيدة وقالت : أستغرب لمحكمتكم كيف تدين رجل شجاع شهم غيور وطني بتهم بعيدة كل البعد عنه .
ورغم عداء حكومتها لهذا الشعب لكنها أجلت الغبار عن الحقيقة وتوسطت لرفع عقوبة الإعدام عنه .
وعن ثائر آخر وبطل دوّخ جحافل الدول ، قالت بريطانيا العظمى ، أنه البندقية الغاضبة ( محمود الحفيد ) تلك البندقية التي كانت ترتعد لها فرائص العثمانيين وتهابها مملكة لا تغيب عنها الشمس .
(( شـهد الأنـام بفضـله حـتى العـدا .. والفضـل مـا شـهدت بـه الأعـداء ))
وكان هذا الرجل أبن المبدأ والعقيدة وأبن الوطن والأرض والشعب .
حمل هموم شعبه وتطلعاتهم ومأساتهم ودافع عن وجودهم وحريتهم ،
شاركهم جراحاتهم ونضالاتهم وقادهم إلى ثوراتهم ضد القهر والتسلط .
وما من شعبٍ أو أمةٍ تعرضت للقمع والاستبداد أكثر من الشعب الكوردي على مر العصور ،
حصتهم من التشريد والأعتقال والقتل كانت الأوفر دائما ،
شربوا كأس الردى بكل الوسائل ... من حبال المشانق إلى أحواض التيزاب ... ومن القتل بالرصاص إلى الموت الجماعي بالغازات .
ذبح بلا هوادة من الأستعماريين وحرق بلا رحمة من الدكتاتوريين والشوفينيين ... وثائق الحكومات التي تسلطت على رقابهم حافلة بالخزي والعار .
ورغم كل ما جرى ويجري لم يأخذوا شعبا بجريرة حاكم أو قائد كان في يوم ما يقتل أبناءهم ويذبح شعبهم بعنوان طائفي أو حزبي أو قومي .
لأنهم ناضجين وشرفاء .. محبين للعدل والسلام ،
وما شهده العالم أبّان العهد الفاشستي الصدامي خير دليل ، أذن أنهم احتضنوا جميع الأطراف والحركات السياسية كذلك مدوا أيادي العون للكثير من العوائل العراقية النازحة وساعدوا العرب وغير العرب من سنة وشيعة وطوائف أخرى .
ولهم في تلك الخصال أرث وتراث أصيل في تحمل العبء الإنساني والوطني والثوري ، والتاريخ يشهد على قتال محمود الحفيد جنبا إلى جنب مع محمد سعيد الحبوبي في ثورة العشرين .
ولما وصله المنادي من النجف الأشرف قال يا شيخ : أبلغ علماءك أننا قادمون .
وبالفعل زحف هذا البطل على رأس ألفي مقاتل ممن لا يرهبون الموت حيث رووا أرض ( الشعيبة ) والبصرة من دماءهم الطاهرة وأصُيب محمود الحفيد بجراحات في تلك المعركة ستظل إلى أبد الآبدين أهزوجة الثائرين .
وستبقى تلك الخطى والأفكار التي حملها هذا الثائر شعلة مضيئة في دروب الأحرار وصرخة بوجه الجبابرة والمتعالين والمستغليين الذين يستكثرون على الشعوب حقهم الطبيعي في تقرير المصير ومشروعية حلمهم في التحرر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة