الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثانية (2): في الصوتيات وقوانينها

شوقي إبراهيم قسيس

2013 / 4 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


للتّوضيح، جميعُ اللّغات المعتمدةِ حروفَ الهجاء في الكتابة هي لغاتٌ صوتيّة. وعندما نقولُ اللّغة العربية مثلاً هي لغةٌ صوتيّةٌ بينما الإنجليزيّة هي لغةٌ غيرُ صوتيّة، كلُّ ما نعنيه بذلك أنّ العربيةَ حافظت على كتابةِ ما ننطقُ به بالضبط بينما الإنجليزيّةُ لم تحافظْ على ذلك.
لنُلمَّ بما تعنيه أسسُ التّعبيرِ كتابيّاً عن الأصواتِ الّتي نُخرِجُها من جهازنا الصّوتي عندما نتكلّمُ (وهذا ما تعنيه حروف الهجاء أو الصوتيات) سأستعرضُ أوّلاً الجهازَ الصّوتيَّ وتفاعلاتِه لإخراجِ الأصواتِ المختلفة، ثمّ ألخِّصُ قوانين الصّوتيّات كما يتّضحُ من الأبجدية الكنعانيّة وكما هي في اللّغة العربية.

ألجهاز الصّوتي:
لتسهيلِ البحثِ سأقسّمُ الجهازَ الصّوتيَّ إلى قسمين رئيسيين: ألأولُ هو أوتارُ الصوت، وهي المسؤولةُ عن إحداثِ الصّوت بطبقاتِه المختلفة، وذلك بضغطِ الهواءِ عليها عندَ عمليةِ الزّفير ليُحدثَ ذبذباتٍ في الأوتار ينتجُ عنها الصّوتُ. ألقسمُ الثّاني هو العضلاتُ والأعضاءُ الممتدّةُ من أعمقِ نقطةٍ في الحلقِ إلى الطّرفين الخارجيَّيْن للشّفتين. ويشملُ: الحلق وعضلاته، أللّسان، سقف الفم، ألحنكين، ألأسنان، والشّفتين. وهذه الأجزاءُ هي الّتي تضبطُ مخارجِ الأصواتِ المختلفةِ، والمعبَّرُ عنها بالأحرف.
قاموس العين: تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ أوّلَ معجمٍ في اللغةِ العربيةِ كان قاموس العين الذي وضعَه الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثّامن الميلادي (وسيأتي الكلام عن الخليل في حلقة قادمة). منَ اللافتِ للنّظرِ أنّ الخليلَ لم يرتّبْ أحرفَ معجمِه أبجدياً بل رتّبها حسبَ مخارجِها في الجهازِ الصّوتيّ. وكان الحرفُ الأوّلُ في معجمِه هو الّذي يعبِّرُ عن الصّوتِ الخارجِ من أعمقِ نقطةٍ في الجهازِ الصّوتيّ. وهذا الصّوتُ هو المعبَّرُ عنه بحرفِ العين، ومن هنا اسمُ المعجم. وعلى ذلك، كان الحرفُ الأخيرُ في المعجمِ هو المعبِّرُ عن الصّوتِ الخارجِ من الطّرفين الخارجيين للشّفتين، وهو حرفُ الباء.
صوت واحد: ألشّرطُ الأساسيُّ لِيكونَ لدينا صوتٌ واحدٌ هو أنْ تكونَ هناك آليّةٌ واحدةٌ فقط ومخرجٌ واحدٌ لإخراجِه. لتوَضيحِ القصدِ من ذلكَ سننظرُ إلى مخارجِ أربعةِ أزواجٍ منَ الأحرفِ العربيّةِ وما يقابلُها من أحرفٍ في لغةٍ غيرِ صوتيةٍ كالإنجليزية. ألأزواجُ هي: [تاء وطاء]، [دال وضاد]، [سين وصاد]، [ذال وظاء]. لقد استُعمِلَ نفسُ العضوِ في الجهاز الصّوتيّ، وهو اللسان، للأزواجِ الأربعة؛ وقدِ استُعمِلَ معَ سقفِ الفمِ في الزّوجين ت/ط و د/ض، ومع الأسنانِ في الزّوجين س/ص و ذ/ظ. في الزّوجِ ت/ط استعملْنا اللّسانَ بوضعِه على سقفِ الفمِ قريباً من اللّثةِ لإخراجِ كلٍّ منهما. لكنْ إذا تمعّنتَ في الآليّة الدّقيقة لكلِّ صوت من الصّوتين ترى أنّها اختلفتْ (ولو قليلاً) في لفظِ التّاء عنها في لفظِ الطّاء. وعليه فقد تكوّنَ لدينا صوتان، ووجبَ التّعبيرُ عن الصّوتين المختلفين بحرفين مختلفين. وقد حدثتْ فروقٌ مشابهةٌ في آليّةِ إخراجِ صوتَي الضّاد والدّال، وصوتَي الصّاد والسّين، وصوتَي الظّاء والذّال. وتجدُ فرقاً واضحاً في وضعِ اللّسانِ في صّوتَيْ الدّال والضّاد مثلاً مقابل صّوتَيْ التّاء والطّاء. وعليه، فلدينا ثمانيةُ أصواتٍ مختلفة، فعُبِّر عنها بثمانيةِ أحرفٍ مستقلّة.
مفيدٌ أنْ نذكرَ أنّ هذه الأصواتَ الثّمانيةَ موجودةٌ أيضاً في اللّغةِ الإنجليزيّةِ، لكنّ هذه اللّغة لم تُعبِّرْ عنها بثمانيةِ أحرفٍ مختلفة. فنجدُ أنّ الحرفَ (T) يعبِّرُ عن صوتِ التاء في كلمات مثل (تِن Ten)، لكنّه يعبِّرُ عن صوت الطّاء في كلمات مثل (طَن Ton). والحرف (D) يعبِّرُ عن الدّال (ديفِد David) والضّاد (ضاضج Dodge). والحرف (S) يعبّرُ عن السّين (سامْ Sam ) والصّاد (صَم Some). وزوجُ الأحرفِ (TH) يعبّرُ عن الذّال (ذِسْ This) والظّاء (ظَس Thus). فالأصوات ط، ض، ص، ظ موجودةٌ في الكلامِ الشّفهيِّ الإنجليزيِّ، لكنْ لا يعبَّرُ عنها كتابيّاً بحروفٍ مستقلةٍ عن نظيراتِها، ت، د، س، ذ. فإنْ أردْنا أنْ نكتبَ كلمتَيْ (توت) و (طاولة) بأحرف إنجليزيّة لا نجد إلاّ الحرف (T) لنستعمله.
يمكنُكَ أنْ تضبطَ مخارجَ الأحرفِ العربية الحلقية - ع، غ، ح، خ، هـ، ق، ك، والهمزة - إذا نطقتَ الأزواجَ المتقاربة مخارجُها وضبطتَ مكانَ المخرجِ وقوّةَ الضّغطِ لكلٍّ منها بوضع إصبعِك في ذلك المكان. وخيرُ مثالٍ على ذلكَ صّوتا الغين والخاء. إذا فعلتَ ذلكَ تكتشفُ أنّ الصّوتين يخرجان من نفسِ المكانِ في الحلقِ (هنالك، في الواقع، فرقٌ دقيق جداً بينَ مخرجَيْهما، ويصعبُ التّأكّدُ منه سماعيّاً) لكنّ الضغطَ ومدى تقليصِ فتحةِ الحلقِ المستعمَلَين هما أقوى وأكبرُ عندَ إخراجِ صوتِ الخاءِ منهما عندَ إخراج صوتِ الغين. كنوعٍ من التّسليةِ المفيدةِ حاول أن ترتّبَ الأبجديةَ العربيةَ حسبَ مخارجِ الحروفِ من الدّاخل إلى الخارج كما في قاموس الفراهيدي، مبتدئاً بالعين ومنتهياً بالباء.

قوانين الصّوتيّات:
نعني بقوانين الصّوتيات العلاقةَ بين آليّةِ إخراجِ الصّوتِ وكتابةِ هذا الصّوت. بكلامٍ آخر، العلاقةَ بين مخارجِ الحروفِ أو الأصواتِ وحروفِ الأبجديّة. فعندما وضع آباؤنا الكنعانيون أبجديتَهم الهجائيّة كان تفكيرُهم هو أنْ يُعبِّرَ الحرفُ (الشّكل) الواحدُ عن صوتٍ واحدٍ فقط. وقد التزمتِ اللّغةُ العربيةُ بهذا القانون التزاماً كاملاً ومطلقاً، فيمكنُ وضعُ قوانينِ صوتيّاتِ اللّغةِ العربية في أربعةِ قوانين.

1. قانون الصّوتيات الأوّل: صوت = حرف. لا صوت = لا حرف. ماذا نعني حين نقولُ "حرف صوتيّ أو هجائيّ"؟ كي نُخرجَ صوتاً بشكلٍ معيَّنٍ لا بدّ من أنْ نُفَعِّلَ، بالضّغط أو بالحركة، عضواً من الجهازِ الصّوتيّ. أمّا كلّ ما يسمّى في اللغة الإنجليزية (Vowels) فلا يشكّل صوتاً لأنّنا لم نُشغِّلْ (بالضغط أو بالحركة) أيَّ قسمٍ من جهازِنا الصّوتيّ – خارجَ أوتار الصوت - في إخراجه. وسأستعملُ مصطلح "المَدّات" للتعبيرِ عمّا يسمّى "أحرفَ العلّة" و "الحركات". فنحن نستعملُ المَدّاتِ لننتقلَ في كلامِنا عندَ النّطقِ من صوتٍ إلى آخر، وهذا الانتقالُ تُحدثُه الأوتارُ الصّوتيّةُ لوحدِها. وعليه، فالحرفُ الصّوتيُّ (أو حرف الهجاء) هو الشكلُ الّذي يعبِّرُ عن صوتٍ معينٍ أُخرِجَ بإحداثِ حركةٍ واحدةٍ معينةٍ في الجهازِ الصّوتيّ. أمّا المَدّات فهي لا صوتية لأنّها ناتجة عن زفير الهواء على أوتار الصوت فقط. واللاصوتيّات في العربية هي: 1) ألمدّات الطّويلة: وقد استُعيرَت الأحرفُ الصّوتيّةُ الثّلاثة، ألِف وواو وياء، والتي تسمّى أحرفَ العلّة، لتعبَّرَ عن المَدّاتِ الطّويلةِ كتابيّاً في النّصوصِ العصرية. 2) ألمَدّات القصيرة: مُعَبَّرٌ عنها كتابيّاً في النّصوص العصرية والمُشَكَّلة بالحركاتِ الثّلاث، فتحة وضمة وكسرة. وانعدامُ المَدّةِ بين صوتين معبَّرٌ عنه بالسّكون. وجميعُها تُكتَبُ بخطٍّ صغيرٍ فوقَ أو تحتَ الحرفِ الصّوتيِّ المرتبطِ بها. ولأنّ المَدّاتِ الطّويلةَ والقصيرةَ هي لا صوتية، فلا يُعَبَّرُ عنها بأحرفٍ مستقلة. وعليه فقانونُ الصّوتيّات الأوّل يقول: صوت= حرف. لا صوت = لا حرف.
لذلك لا نجد أحرفاً تُعَبِّرُ عن اللاصوتيات أو المَدّات في الأبجدية الكنعانية/ الآرامية، ولا في النّصوص العربية القديمة؛ فجميع أحرف الهجاء في الأبجديات السّاميّة هي أحرف صوتية، بما فيها الألف والواو والياء. والألف الصّوتيّة (الهمزة) عبّرت عن صوت أخرجناه بنخز الحنجرة، والواو الصّوتية عبّرت عن صوت أخرجناه باستعمال الشَّفتين، والياء الصّوتية عن صوت أخرجناه باستعمال الحنكين. وعندما تطوّر النّصُّ العربيُّ في القرنِ السّابعِ الميلاديّ عُبِّرَ عن المَدّات الطّويلة والقصيرة بأشكالٍ صغيرةٍ توضعُ فوقَ الحرفِ الصّوتيِّ أو تحتَه (في النّصوص القرآنية مثلاً). ثمّ تطوّرتِ الكتابةُ العربيةُ أكثرَ في القرن الثّامنِ، فاستُعيرتِ الأحرفُ الصّوتيةُ الثّلاثةُ، ألِف وواو وياء، لتعبِّرَ عن المدّات الطّويلة، وعُبِّرَ عن المَدّاتِ القصيرةِ بالحركاتِ الثّلاث، فظهرتْ النّصوصُ العصريةُ بشكلِها الحالي.

2. قانون الصّوتيات الثّاني: صوتٌ واحدٌ = شكلاً (حرفاً) واحداً. ويعني هذا أنّ الصّوتَ الواحدَ يُعبَّرُ عنه كتابيّاً بشكلٍ واحدٍ فقط، ولا يمكنُ أنْ تُعَبِّرَ عن صوتٍ واحدٍ بعدةِ أشكالٍ أو أحرف. من المفيدِ أنْ ننتبهَ إلى أنّ التّاءَ المربوطة هي علامةُ التّأنيث ولا تشكِّلُ واحداً من حروفِ الهجاء، لذلك فوجودُها لم يكسرْ هذا القانونَ. على هذا الأساسِ تكوّنَتْ أبجديةُ الكنعانيين من اثنينِ وعشرينَ حرفاً كلُّها أحرفٌ صوتيةٌ، وكلُّ شكلٍ (حرفٍ) فيها يُعبِّرُ عن صوتٍ واحدٍ لا أكثر، وهي كلُّ الأصواتِ الموجودةِ في اللغةِ الآراميّة. وحروفُ الهجاءِ الـ 22 في أبجدية الكنعانيين هي على الترتيب (بلفظها العربي): ألف باء جيم دال هاء واو زاي حاء، طاء، ياء كاف لام ميم نون سين عين فاء صاد قاف راء شين تاء. وهي نفسُ الحروفِ الموجودة في اللّغة العبرية، وبنفسِ التّرتيب. وقد زادتْ العربيةُ عليها أَشكالاً لستّةِ حروفٍ صوتيةٍ هي: (ث، ذ، خ، ض، ظ، غ)، لتعبِّرَ عن الأصواتِ الموجودةِ فيها وغيرِ الموجودةِ في الآراميّة. وبذلك تكوّنت أبجديتُنا من ثمانيةٍ وعشرينَ حرفاً كلُّها أحرفٌ صوتيّةٌ، وتغيّر ترتيبها إلى: ألف باء تاء ثاء... أما العبريةُ ففيها ثلاثةُ أصواتٍ (خ، P, V) لا يُعبّرُ عنها بحروفِ هجاءٍ مستقلةٍ، لذلك نقولُ إنّ العبريةَ أقلُّ صوتيةً من العربية. للمقارنةِ نستعينُ بالإنجليزية والعبرية كي نرى ما هو ممنوعٌ في ٱلعربية:

• ألحرف (C) يعبِّرُ عن صوتِ السّين (سِنْتَر Center)، وعن صوت الكاف (كاتْ Cat).
• ألحرف (G) يعبِّرُ عن صوتِ الجيم (إنْجِنْ Engine)، وعن صوت الجيم المصرية (چُدْ Good)، وأحياناً يعبِّر عن صوتَي دال + جيم (دْجين، Gene)..
• ألحرف (S) يعبِّر أحياناً عن صوت السّين (سيمْ Same)، وأحياناً أخرى عن صوت الزّاي (إزْ Is).
• يشترك الحرفان (TH) ليعبرا عن صوت الثّاء مرة (Three) وصوت الذال مرة أخرى (This).
• صوت الهمزة في أول الكلمة يعبَّر عنه في الإنجليزية بواحد من الأحرف (A, E, I, O, U) كما في (أَنْ، إنْ، أُنْ، إنْتَرْ، أَنْدَر، An, In, On, Enter, Under).
• صوتُ الكاف يعبَّرُ عنه في الإنجليزيّة في كلماتٍ معينة بالحرف (K) مثل (تيك، كِنْچ King, Take)، وفي كلماتٍ أخرى بالحرف (C) مثل (كاتْ، كانْ Cat, Can).
• صوت ٱلشّين يعبّرُ عنة بحرفَي (SH) في كلماتٍ معيّنة (وِشْ، شَلْ Shall, Wish)، وبعدّةِ أحرفٍ في كلماتٍ أخرى (إنْفورميشِنْ، شورْ، پْرِشَر Information, Sure, Pressure).
• صوت الجيم يُعبَّرُ عنه بالحرف (G) مثل (إنْجِنْ Engine) وأيضاً بالحرف (J) مثل (ميجَر Major)، وفي مواضعَ أخرى يعبّرُ عنه بمجموعةٍ من الحروف (فْيوجِنْ، مِجِرْ Fusion, Measure).
• ألحرف (X) يعبِّرُ عن صوتَيْ الكاف والسّين كما في (إكْسْتْشينْج، فوكْسْ Exchange, Fox) أو الكاف والزّاي كما في (إكْزاكْتْلي، إكزام Exactly, Exam).
• صوت الفاء يُعبّرُ عنه تارةً بالحرف (F) الذي يرمزُ لهذا الصّوت كما في (فود،Food)، وتارةً بالحرفين (GH) كما في (إنَفّْ Enough,)، أو بالحرفين (PH) كما في (فينومينا Phenomena).
• ألأحرف باء وكاف وفاء في العبرية (ב כ פ) يعبِّرُ كلٌّ منها عن صوتٍ إضافيٍّ، فالكاف تعبِّرُ أيضاً عن الخاء، والفاء تعبِّرُ أيضاً عن (P)، والباء تعبِّرُ أيضاً عن (V)، كما تعبِّر العبرية عن الصوت (V) أحيانا بالواو وأحياناً بواوَين وأحياناً أخرى بياء + واو.

3. قانونُ الصّوتياتِ الثّالث: شكلٌ (حرف) واحدٌ = صوتاً واحداً. وهو معكوسُ القانون الثّاني، ونعني بذلك أنّه لا يمكنُ أن يُستعمَلَ شكلٌ أو حرفٌ ما للتّعبيرِ عن أكثر من صوتٍ. منَ المفيدِ إنْ نذكرَ أنّ كلاًّ من الصّوتيّاتِ الثّلاثةَ، ألِف وواو وياء، والتي نسميها، لأسبابٍ واضحةٍ، أحرف العلّة، يعبِّرُ عن صوتٍ واحدٍ فقط. أمّا المَدّاتُ الطّويلةُ الثّلاثْ فهي ليست أصواتاً، وعليه فاستعارةُ أحدِ هذه الحروفِ للتعبيرِ عن المَدّاتِ الطويلةِ لا يُعتبرُ خرقاً لهذا القانون.

4. قانون الصّوتيات الرّابع: عدم المشاركة. ويعني أنّه لا يمكنُ أنْ يشتركَ أكثرُ من حرفٍ للتّعبيرِ عن صوتٍ واحد. وهذا ما تجدُه كثيراً في الإنجليزيّةِ، حيث يشتركُ حرفا (SH) ليعبِّرا سويةً، في كلّ الكلمات، عن صوت الشّين. وتشتركُ عدّةُ أحرفٍ لتعبِّرَ عن صوت الجيم (Measure, Pleasure, Fusion). ويشتركُ الحرفان (TH) ليعبرا مرةً عن صوتِ الثّاء (ثِنْكْ Think) ومرةً عن صوت الذّال (ذِسْ This).

عودة إلى المَدّات أو اللاّصوتيات:
لن أدخل في الفوضى العارمة الموجودة في المَدّات الطويلة والقصيرة في اللغة الإنجليزية وفي اللغة العبرية، لكنّني أرغبُ أنْ أشيرَ إلى أمرَين متعلِّقَين بالمَدّات: ألأمر الأوّل متعلِّقٌ بنوعية مَدّة الألِف أو بالعلاقة بين نوع هذه المَدّة وعمق مخرج الحرف الصّوتي المرتبط بها. فمدّة الألِف في كلمات مثل [صالح، طاقة، قضاء، ظاهِر] تختلف عنها في كلمات مثل [سائح، تابع، مدار، ذاهِب]، وذلك لأنّ مخارج الصاد والطاء والضاد والظاء أعمق من مخارج نظيراتها السين والتاء والدال والذال؛ فمدة الألِف عميقة (Deep) في المجموعة الأولى وسطحية (Frontal) في المجموعة الثّانية. فلا يمكنك إخراج مدّة سطحية مع صوت مخرجه عميق، والعكس بالعكس.
والأمر الثّاني مرتبط بالمدّة الطويلة اليائيّة والواويّة. يزعجني ما يشير إليه البعض من أنّ العربية لا تستطيع أن تميِّزَ كتابياً بين مدتَي الياء والواو المنفرجتَيْن كما في الكلمات الإنجليزية (كيم، وير، مور، كورت، Came, Were, More, Court) وبين المَدَّتَيْن الحادَّتَيْن كما في (نيد، فير، فود، شور، Need Fear, Food, Sure). وأقول: ألعربية ليست بحاجة إلى التعبير عن مدات الياء والواو المنفرجة، لأنّ هذه المدات غير موجودة فيها، وكلامنا يحوي المدات الواوية واليائية الحادّة فقط [فيل، عيد، توت، عود]، والياء والواو في كلمات مثل [بَيْت، سَيْف، صَوْت، نَوْع] هي صوتية وليست مدات، رغم أنّنا نلفظها في عامِّيتنا كمدّات منفرجة.
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة، وموضوعها الرئيسي "مخارج وكتابة بعض حروف الهجاء العربية".

ملاحظات على الحلقة الأولى:
1. واضح أنّه وقع خطأ في عمليّة إدخال الحلقة الأولى على مجلة الحوار وعلى صفحة الكاتب، فبعد أن تبين لي أنّ الحلقة الأولى التي أدخلتُها في 15 آذار غير كاملة، حاولت استبدالَها بالحلقة الكاملة في 19 آذار، لكنّ الاستبدال فشل وظهرت الحلقة الأولى مرتين، فأرجو المعذرة.
2. اعترضت قارئة كريمة على قولي في هامش رقم 1 إنّ اللغة السريانية "هي اللغة الآرامية أو تحريفٌ لها". أشكركِ سيِّدتي على اهتمامِك وعلى ملاحظتِك القيِّمة، وأقول - إنصافاً للّغة السريانية - موضِّحاً: أللغةُ السِّريانيّة (والعبرية أيضاً) مُشتقّة من الآرامية، ويعتبرُها عددٌ من علماء الألسنيات تطوُّراً طبيعياً للآرامية موحِّدين بين اللغتين ("أللمعة الشهية في نحو اللغة السِّريانيّة"، ألمطران إقليموس يوسف داود، مطبعة الآباء الدومينِكان، دمشق، 1896). فالآرامية، والّتي نشأت قبل بداية الألفيّة الأولى ق.م. وأصبحت اللغة الوحيدة للتخاطب في الهلال الخصيب، قد تحوَّرت تدريجيّاً واكتسبت اسمها الجديد (اللغة السريانيّة، "لشانا سِريانا" أو "لشونو سريونو")، في القرون الأربعة الأولى للميلاد، خاصّة في مملكة الرها، إذ أنّ أقدم وثيقة تذكر "اللغة السريانية" تعود إلى عام 132 م في الرها، لكنّ السّريانيّة لم تصبحْ لغةَ العموم إلاّ في القرنين الرابع والخامس؛ فسريانية القرون الثلاثة الأولى للميلاد كانت أشبه بالآرامية التقليدية منها إلى السريانية الحديثة، وهو ما دفع الكثيرين إلى اعتبارها إحدى لهجاتها (صحيفة "الوحدة"، 1 كانون الأول 2010). وتَطوُّرُ قواعد السريانية وابتعادُها عن الآرامية (كالاستغناء عن أداة تعريف الأسماء، وغير ذلك من أمور النّحو والصرف) أدّى إلى أن يعتبرَها قسمٌ من علماء الألسنيات لغةً سامية مستقلةً عن الآرامية. وواضح أنّ السريانية، بتطوّرِها هذا، قد سادت كلغة تخاطب رئيسية في مدن وقرى الهلال الخصيب، وازدهرت آدابها نثراً وشعراً، منذ تلك الفترة ومروراً بالفتوحات العربية، فأصبحت لغة الدواوين إلى أن عرَّب عبد الملك بن مروان الدواوين في الدولة الأموية. وفي عصر الترجمات (القرنين الثّامن والتاسع) تُرجم من السّريانيّة وإليها العديد من الكتب في شتّى الموضوعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللغة زمن محمد
طاهر النجار ( 2013 / 4 / 1 - 19:20 )
الأستاذ/ شوقى إبراهيم
كل تقديرى لمعلوماتكم الغزيرة الدالة على خبير فى اللغويات يجعلنى أقدره وأحترم معلوماته الثرية والغنية، وأستغل هذه الفرصة لأوجه إليكم سؤالاً عن اللغة التى كان يتكلم بها عرب المدينة أو عرب قريش وقت ولادة محمد، وهل كانت خديجة زوجته تتكلم العربية أم لغات أخرى بحكم انها نصرانية وكان أبن عمها القس ورقة ابن نوفل؟ وهل كان اليهود والنصارى يستخدمون العربية ويكتبونها أم يستخدمون لغة أخرى كالآرامية؟
وهل فى هذا الزمان وفى هذا الجو الصحراوى البدوى كانوا يعرفون القراءة والكتابةأى كانت هناك قلة قليلة من الأثرياء الذين كان فى مقدورهم تعلمها؟
أشكرك مقدماً مع تمنياتى لك بالتوفيق.


2 - ملاحظات
حسين علوان حسين ( 2013 / 4 / 3 - 06:17 )
الإستاذ الفاضل شوقي إبراهيم قسيس المحترم
تحية أخوية صادقة
لاحظت مايلي :
1. أن درسكم الصوتي يخلط بين علم الصوت و بين رسم الصوت ، و لا علاقة بين الإثنين مطلقاً ، بالتالي فإن ما تسمونه بقوانين الصوتيات هي أشكال رسم الصوت في هذه اللغة أو تلك و لا علاقة لها بعلم الصوت اللغوي ، و لا يجوز تسميتها بالقوانين لكونها ليست قوانين البتة .
2.قولكم :
المَدّات فهي لا صوتية لأنّها ناتجة عن زفير الهواء على أوتار الصوت فقط
إنتهى
غير صحيح لإشتراك كل من اللسان و الشفتين يإخراجها ، فبدون تكوير الشفتين يستحيل إخراج الصوت المعلول:
u
و
u:
، مثلاً .
3. لا توجد مَدّة تطابق مدة أخرى في أي تعاقب لغوي إلا إذا تطابق مايليها و ما يسبقها من الأصوات ، و وصفكم مخرج الضاد بكونه أعمق من مخرج الضاد هو عكس الواقع بالضبط .
4.وصف منظومة التصويت اللغوي يجب أن تشتمل على الرئتين و الحجاب الحاجز و عضلات البطن و كذلك الأنف .
5. قولكم :
أن المّدّة في مثل (بَيْت) هي صوتية وليست مدة
غير صحيح لكون المدة هنا هي مزدوجة ، و يعبر عنها بمدتين متعاقبتين:
(ei)
6. قولكم
إكْزاكْتْلي، إكزام Exactly, Exam
غير صحيح ، حيث تلفظان :
يتبع


3 - ملاحظات / تتمة
حسين علوان حسين ( 2013 / 4 / 3 - 06:50 )
الإستاذ الفاضل شوقي إبراهيم قسيس المحترم
إِگـزاكتلي (أو إِگـزاتلي ) و إِگـزام ، أي بالكاف الفارسية ,و ليس إَكزاكتلي و إِكزام مثلما بينتم .

7. قولكم
ألعربية ليست بحاجة إلى التعبير عن مدات الياء والواو المنفرجة، لأنّ هذه المدات غير موجودة فيها، وكلامنا يحوي المدات الواوية واليائية الحادّة فقط
إنتهى
غير صحيح لأن هذه المدات التي تسميها منفرجة موجودة في العربية و أنتم اعطيتم أمثلة صحيحة عليها مثل كلمة (بّيْت) و غيرها كثير .
8. الرسم العربي القديم ، منذ االقرن الرابع الميلادي على الأقل ، يخصص لصوت
إي
i:
رسماً منفصلاً
مع تقدير لجهدكم العلمي ، أستاذي الفاضل

اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي