الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إميل بوترو عن الدين وعلاقته بالعلم في الفلسفة المعاصرة

رواء محمود حسين

2013 / 4 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



‏ بوترو: سيرة موجزة وأعمال فلسفية
‏ يحتل إميل بوترو (1845 – 1921 م) مكاناً متميزاً في فلسفة أواخر القرن ‏التاسع وأوائل القرن العشرين. فمن ضمن المجلات التصنيفية التي يدخل فيها بوترو ‏بوصف فيلسوفاً متميزاً، بحسب بوشنسكي، اتجاه (نقد العلم)، وذلك في كتابيه ‏‏"احتمالية قوانين الطبيعة" (1874م) و"في فكرة القانون الطبيعي" (1894 م). كما ‏يصنف بوترو على أنه قريب من المذهب الواقعي هو وتلميذه هنري برجسون (ينظر: ‏بوشنسكي: "الفلسفة المعاصرة في أوربا"، ترجمة د. عزت قرني، عالم المعرفة، المجلس ‏الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سبتمبر، 1992م، ص 37، 44،143 ). ‏
‏ تعرّف القارئ العربي إلى إميل بوترو من خلال كتابه: "العلم والدين في الفلسفة ‏المعاصرة"، ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ‏‏1972 م، وكتاب "فلسفة كانط" ترجمة الدكتور عثمان أمين. ‏
‏ كما إن لبوترو كتباً أخرى لا تزال غير مترجمة إلى العربية، مثل: "احتمالية ‏قوانين الطبيعة" (1916 م) المذكور أعلاه، و"دراسات تاريخية في الفلسفة" (2005 ‏م)، و"وليم جيمس" (1912 م)، و"القوانين الطبيعية في العلم والطبيعة" (1914م)، ‏و"باسكال" (1902م)، و"التعليم والأخلاق" (1913م).‏
‏ وبالنظر لضخامة المرجعيات والنظريات والأفكار الفلسفية التي يراجعها بوترو ‏في كتاباته، فسنقتصر على تقديم دراسة موجزة لنظريته عن العلاقة بين الدين والعلم ‏والتي طرحها في كتابه: "العلم والدين في الفلسفة المعاصرة"، بترجمة د. الأهواني ‏المذكور أعلاه.‏
‏ ‏
‏ بوترو: علاقة العلم بالدين ‏
‏ يرى الدكتور أحمد الأهواني في مقدمة ترجمته لكتاب بوترو: "العلم والدين في ‏الفلسفة المعاصرة" أن موجة من التدين تجتاح العالم باسم العلم ذاته. وكتاب بوترو ‏يعالج موضع الدين والعلم في الفكر المعاصر، والذي يعالج هذا الموضوع هو فيلسوف ‏فرنسي عاش معظم حياته في أواخر القرن التاسع عشر، وتوفي بعد الحرب العالمية ‏الأولى. وهو يرد الدين إلى عناصره، كما يحلل العلم ويبين أصوله، ويحاول أن يبين ‏الصلة بين دائرة العلم ودائرة الدين. وبالرغم من أن الاستاذ بوترو، يضيف د. ‏الأهواني، كان معاصراً لموجة الإلحاد التي اجتاحت العالم إلا إنه يدافع عن الدين، ‏وكأنه كان يبشر بما انتهى إليه العلم من تقارب شديد مع الدين في الوقت الحاضر ( ‏مقدمة د. الأهواني لكتاب بوترو: "العلم والدين في الفلسفة المعاصرة"، ص 5). ‏
‏ يناقش بوترو في كتابه قضايا كثيرة، مثل: النزعة الطبيعية، ويعالج هذه النزعة ‏عند أوجست كومت، كما يدرس هربرت سبنسر، وهيجل والواحدية، والمذهب النفساني ‏والمذهب الاجتماعي، والنزعة الروحية عند ريتشل. كما يدرس الدين وحدود العلم، ‏ويطرح موضوع الدفاع عن الدين، ويناقش قضية اتجاه العلم نحو الدين، كما يدرس ‏فلسفة العقل، وفلسفة وليم جيمس (ينظر فهرس الكتاب: ص 311 – 312). ‏
‏ ولعل خلاصة النظرية التي يطرحها إميل بوترو تكمن في الباب الثاني الموسوم: ‏‏"الدين وحدود العلم: التصور الدوجماطيقي للعلم والتصور النقدي". تضمن هذا الفصل ‏أربعة فصول اشتملت على قضايا مختلفة تدور حول العلاقة بين الدين والعلم.‏
‏ فقد ناقش في الفصل الأول قضايا، مثل: الدفاع عن الدين قائم على وضع ‏حدود للعلم، والتجربة كمبدأ وحيد للمعرفة العلمية، والقوانين العلمية، ومناهج بسيطة ‏للبحث، وحدود ودلالة التناظر بين المعارف العلمية والوقائع – المجال الذي يتركه العلم ‏بهذا المعنى للدين كي ينمو – المعنى واللفظ: الصفة الممكنة والنسبية للصيغ الدينية. ‏
‏ انتهى العلم، يشير بوترو، بعد محاولات طويلة إلى تحديد منهجه بنوع من ‏الانتخاب الطبيعي، فقد أقام نفسه على أساس التجربة وحدها. ومع ذلك فلا بد من ‏تحديد المديات والقيم الفلسفية للعلم. ويعود إلى مقالة ديبوا ريموند والتي اختتمها بقول: ‏‏"لا أعلم". والتي لم تزل منذ سنة 1880 م تتعب عقول المفكرين. فقد نص على ألغاز ‏سبعة أربعة منها على الأقل لا تقبل الحل أبداً، وهي: ماهية المادة والقوة، أصل ‏الحركة، أصل الاحساس البسيط، وحرية الإرادة. وذلك بسبب أن هذه المشكلات ‏الأربعة تخرج عن نطاق التجربة. ولذلك إذا كان العلم محدوداً من جهة امتداده فهو ‏محدود من جهة عمقه، فالظاهرة لا يمكن أن تتطابق مع الموجود الذي لا يجرده العلم ‏من عناصر الذاتية والفردية إلا حين يحيله إلى علاقات وقياسات وقوانين. وإذا كانت ‏حدود العلم جلياً نظرياً فهي من الناحية العملية أكثر وضوحاً. فحياة الانسان العملية، ‏وهو الحيوان العاقل، من شروطها غايات يستهدفها الانسان لأنه يقدر أنها مرغوبة أو ‏حسنة أو واجبة. ومن المتعذر على العلم أن يقدم للإنسان فيما يختص بأي غاية مهما ‏تكن من الأسباب الكافية ما يجعله يطلب بحثها لأن العلم يعلمنا أن هذه الوسيلة ‏تفضي إلى تلك النتيجة، وهذا الأمر لا يهمني إلا إذا قررت طلب تلك النتيجة. العلم ‏يقرر وقائع، ويقدم كل ما يعلمنا إياه كواقع. فيجب أن أتمثل الشيء لا كواقع بل ‏كغاية، أي كشيء يمكن ألا يكون موجوداً، بل كشيء يستحق أن يكون موجوداً. ‏والحياة الاجتماعية لا يمكن أن تقنع بمعطيات العلم، لأنها في حاجة لأن تكون عالية ‏خصبة إلى اخلاص الفرد، وإيمانه بالقوانين الانسانية، وحماسته لخير الأجيال القادمة. ‏ولكن العلم لن يقدم للفرد أبداً أسباباً مقبولة لخضوعه وتضحيته (إميل بوترو: العلم ‏والدين في الفلسفة المعاصرة، ص 189 – 191). ‏
‏ الحق أن ما طلبه العلم ووجده هو تعريفات فرضية تسمح له بسؤال الطبيعة. ‏فخاصية ذوبان الفسفور في درجة 44 هي جزء من تعريفه، والمبدأ المزعوم بمساواة ‏الفعل لرد الفعل هو جزء من تعريف القوة، ولا شيء من هذه العناصر معطى حقاً، ‏وليس اجتماعها معطى كذلك. ومن كل هذه الاستدلالات يقرر بوترو أنه بموجب هذا ‏المذهب لا يختلف أساساً مجموع المعارف الفعلية الرمزية بواسطة جنس الاعتقادات ‏التي تقوم عليها حياتنا العملية. والعلم لا يمكنه أن يكون أولياً أن يحكم بوجوب استبعاد ‏الاعتقاد البسيط من العقل البشري، ما دام هو نفسه يفترض ذلك الاعتقاد ويستبقيه في ‏جملة المفاهيم الأساسية. فالاعتقاد الديني والايمان، تبعاً لذلك، لا يمكن استبعاده لهذا ‏السبب الوحيد وهو أنه اعتقاد. ولكن العلم يسمح في هذا الصدد للدين يمجال عظيم، ‏لأنه لا يزعم أن له حقاً على جميع صور الموجود، بل يبحث في جوانب الموجود التي ‏لا يمكن أن تنطبق عليها المقولات العلمية دون أن يفكر في انكار أن مقولات أخرى ‏مختلفة قد تلتقي مع الواقع أو في الممكن بمادة تناظرها. ويقرر بوترو بصراحة ‏ووضوح شديدين أن: "وجود الدين ونموه لا يضايقه العلم الحديث بأي حال في نظر ‏المدرسة التي يمكن تسميتها بالتقدمية" (إميل بوترو: نفسه، ص 191- 199). ‏
‏ أما المنظومة التي تشكل حجر الزاوية التي ينطلق منها بوترو في تحليل طبيعة ‏العلاقة بين الدين والعلم فهي منظومة (اللاهوت المسيحي) إذ نجد تحليل هذه العلاقة ‏مكشوفاً بالإشارة إلى أن العقائد والشعائر الروحية بشكل ما التي تعيش في التجربة أكثر ‏مما تعيش في النصوص، فإما أن يحتفظ الدين بصيغته التي هي بقية علم وحضارة ‏سابقين مع استخلاص المعنى الروحي من المعنى الحرفي والمادي، أو أن يتأثر خطى ‏أمثال القديسين بولس وأثناسيوس وأوغسطين الأكويني فلا يخشى التلائم مع أفكار ‏العصر الحاضر العلمية والفلسفية ليجعل منها الرمز الممكن الدائم بلا شك ولكنه ‏مفهوم مباشرة عند الأجيال المعاصرة للحياة الدينية والأبدية والتي لا يمكن التعبير عنها ‏‏(بوترو: نفسه، ص 200). ‏
‏ أخيراً، يقرر بوترو أن العلم يتجه إلى الدين، وهذا ما يؤكده كثير من الفلاسفة ‏والعلماء المختصين، إذ يؤكدون أن مناهج العلم ومضامينه لا تتعارض مع الدين. وإننا ‏اليوم نبحث في العلم لننفذ منه إلى الدين (بوترو: نفسه، ص 205). ‏
‏ ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد