الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الدين وما أدراك ما الدين
الناصر لعماري
2013 / 4 / 2العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مدخل
يعدّ الدين أحد المكونات الرئيسية للإيديولوجيا السائدة فى الوطن العربي و من خلاله تتحصن الطبقات المهيمنة تجاه كل نقد يمكن أن يطال ما تأتيه من ممارسات على مختلف الأصعدة مصبغة بذلك على ذاتها شرعية دينية لا ينبغي فى تقديرها أن يرقى إليها الشك أو القدح . و لا تشهر الطبقات المهيمنة فى سبيل المحافظة على هذه الصورة التي تبدو عليها عصا قمعها المادي فحسب وإنما تستعمل كذلك شتى أنواع القمع الإيديولوجي التي تتفتق عليها قريحتها فتنفث أجهزة دعايتها الغباء الإيديولوجي على نطاق واسع فتغتال المعرفة العلمية فى اليوم الواحد عشرات المرات أما الخرافة فتنتصب ملكة تحرق لها البخور وتتلو على مسامعها التراتيل .
فى مواجهة ذلك يغدو من الملح بالنسبة للشيوعيين الماركسيين اللينينيين كشف حقيقة ذلك الخداع الإيديولوجي و فضح المرامي والأهداف التي تختفي وراءه ،وليس هناك من شك فى أن الدراسة النقدية للمسألة الدينية فى أبعادها المختلفة تعد فى هذا المجال العتبة المفضية لولوج فضاء يطاح فيه بشتى المقدسات التي تحاول الطبقات البائدة التمترس وراءها . نقول ذلك و نحن نؤكد فى ذات الوقت على أن نقد الدين لا ينبغي أن يظل حبيس تناول النصوص المجردة وإنما و بالأساس تناول الواقع الاجتماعي بالنقد هذا الواقع الذي يؤلف الدين هالته الروحية كما يؤكد ذلك كارل ماركس .
على هذا الأساس فإنه لا بد من الإشارة إلى وجود إنحرافين أساسيين بصدد دراسة المسألة الدينية ،يتمثل أولها فى إنكار ضرورة نقد الدين بدعوى أن ذلك من شأنه أن يثير حفيظة "الجماهير المؤمنة ". هذا الموقف لا يخدم فى حقيقة الأمر البروليتاريا الثورية وإنما يقدم أجلّ الخدمات لأعدائها إذ أنه يترك أسلحتها الإيديولوجية بمنأى عن النقد وهو ما يعبر حسب لينين عن "ضيق أفق وانتهازية البرجوازية الصغير أو المثقف الليبرالي الذي يقشعر بدنه من النضال ضد الدين " (1) كما أنه يلغى جملة و تفصيلا الأهمية الفائقة التي يكتسيها نقد الدين الذي أكد كارل ماركس بأنه الشرط الممهد لكل نقد "(2) أما الانحراف الثاني فيتمثل فى توجيه النقد للدين من حيث هو نصوص مفصولة عن الواقع الاجتماعي الملموس الذي أفرزها، فالنقد هنا لا يطال إلا الأفكار أما الواقع العيني الذي يعد المرتكز المادي الذي يقوم عليه الدين فيظل بعيدا عن كل نقد ومثل هذا الموقف لا يقود فى الحقيقة إلا إلى ترسيخ الغباء الإيديولوجي الذي يتخذ من الدين سلاحا له وهو ما يمدد فى أنفاسها ولا يقود بالتأكيد إلى اضمحلالها. يقول لينين بهذا الصدد : " ليس هناك من كتاب ثقافي يستطيع أن يستأصل الدين من الجماهير المسحوقة تحت أقدام العمل الرأسمالي ما لم تتعلم هذه الجماهير بنفسها النضال المتماسك المنظم ضد بذور الدين هذه, ،ضد سلطة رأس المال فى جميع أشكالها ." (3)
وفى الوطن العربي حيث يبلغ الاضطهاد الإمبريالي الإقطاعي أعلى درجاته، وحيث تخرج الإمبريالية منة كمّها الجماعات الدينية الموغلة فى ظلاميتها التي لا تتوانى فى تبرير الأوضاع الاجتماعية القائمة فقط وإنما تريد كذلك العودة بالجماهير إلى عهود أشد انحطاطا ، فإنه من المهم بالنسبة للشيوعيين الماركسيين اللينينيين الماويين أن يعملوا دونما هوادة من أجل توجيه سهام نقدهم للإيديولوجية الدينية من خلال الكشف عن بذورها الاجتماعية وأن يستنهضوا الجماهير للنضال ضد البؤس الطبقي الذي كثيرا ما يُغَلف برداء الدين أي بكلمة إشهار سلاح النقد الذي لا يغنى بالتأكيد عن نقد الأسلة أي الثورة الاجتماعية العنيفة التي من شأنها أن تهدم أركان السيطرة الإمبريالية الإقطاعية طوبة طوبة وتفتح المجال رحبا أمام بناء عالم ينتفي فيه إستغلال الإنسان للإنسان أي الوصول إلى المرحلة الشيوعية التي فيها فقط يزول نهائيا البؤس الطبقي الذي تجد فيه الإيديولوجية الدينية من حيث هي وعي زائف أسباب بقائها وإنتشارها .
و للقيام بهذه المهمة سوف نحاول فى هذا البحث الوقوف أولا على الأهمية التي إكتسبها نقد الدين فى الفلسفة الحديثة لكي نصل ثانيا إلى تبيُّن الفهم الماركسي-اللينيني الماوي لمسألة الدين و سنخص ثالثا بالحديث الظرفية الاجتماعية التي نشأ فيها الدين الإسلامي و نحن نطمح من خلال ذلك إلى إثارة المزيد من البحث و الإستقصاء حول هذه المسائل التي نعتقد جازمين أنها تمثل إحدى إشكاليات النضال الثوري فى مرحلته الراهنة .
1) نقد الإيديولوجيا الدينية :
أ – لمحة تاريخية موجزة:
سيطرت الإيديولوجيا الدينية لفترات طويلة على عقول الناس ولم يبدأ تأثيرها بالانحسار النسبي إلا مع بداية ظهور الرأسمالية تحت تأثير النقد الذي وُجّه لها من قبل فلاسفة البرجوازية الآخذة فى الصعود .
كان على البرجوازية الصاعدة فى أوروبا لكي تنجز ثورتها وتحقق ذاتها كطبقة أن تخوض صراعا مريرا ضد الإقطاع ،صراعا متعدد الأوجه ألّف فيه الجانب الإيديولوجي حيزا غير قليل الأهمية . وبما أن الإيديولوجيا السائدة فى عصر الإقطاعية كانت تقوم أساسا على سيطرة الدين فإن المهمة الإيديولوجية الأولى التي واجهت فلاسفة الثورة البرجوازية الديمقراطية تمثلت فى التصدي لهذا الفكر الذي وقف فى ذلك الحين حجر عثرة أمام التطور التاريخي على جميع الأصعدة .
وكانت الإيديولوجيا الدينية تقف عائقا أمام تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج بتأييدها لطبقة الإقطاع حيث لعبت الكنيسة دورا كبيرا فى إضفاء الشرعية الدينية على حكمها وفى مثل هذا المناخ الفكري والإجتماعي استعملت شتى السبل من أجل الحيلولة دون تطور المعرفة العلمية .
و بما أن البرجوازية كانت بحاجة إلى تحرير الأقنان لاستعمالهم كعمال فى ورشاتها
ومصانعها من جهة وإلى تطوير المعارف العلمية والتقنية من جهة ثانية لإنجاز
ثورتها الصناعية فقد كان عليها أن تناضل بصفة مباشرة ضد السلطة الدينية – سلطة الكنيسة – خاصة وأن الكنيسة لم تكن تمثل سلطة دينية روحية فحسب بل كانت تمثل عدوا طبقيا بإعتبار أنها كانت تملك الأراضي فى أوروبا وتوحد تحت رايتها كل الإقطاعيين .
لقد كان النضال الإيديولوجي ضد سلطة الفكر الديني الشرط الممهد للنضال السياسي والثورة على الإقطاعية ،وقد إضطلعت الفلسفة المادية بهذه المهمة خير إضطلاع فكانت معادية للاهوت و الميتافيزيقا. وحمل لواء هذه الفلسفة المادية ما قبل الماركسية فلاسفة مناضلين عرفوا الإضطهاد والملاحقة ،نذكر منهم - .... ديدرو (1713-1784) الذي إعتبره لينين أكبر مفكر مادي كاد يصل إلى إستنتاجات المادية المعاصرة قبل ماركس وإنجلس و الفيلسوف و الطبيب الفرنسي لامترى ( 1709-1751) الذي طور الجانب المادي فى الفلسفة الديكارتية و بياربايل الفيلسوف والصحفي الفرنسي المتوفى سنة 1706 الذي يقول بصدده ماركس وأنجلس "إن الرجل الذي أسقط على الصعيد النظري حظوة ميتافيزيقا القرن 17 و كل ميتافيزياء هو بيار بايل " إن بيار بايل إذ ذوب الميتافيزياء بواسطة الريبة حقق ما هو أفضل من تعبيد الطريق لعملية تبنى المادية و فلسفة الحس السليم فى فرنسا ، لقد أعلن المجتمع الملحد الذي قدر له أن ينشأ بعد قليل و ذلك بإثبات إمكانية وجود مجتمع ملحدين خالصين وبإثبات أن الملحد يمكنه أن يكون إنسانا شريفا وأن الإنسان ينحط لا بالإلحاد بل بالخراف و الوثنية ." ( 4)
أما الفيلسوف الذي بلغت معه مهمة نقد الفكر الديني حدودها القصوى فى ذلك الحين فهو الألماني لويد فورباخ الذي ليخفي ماركس و أنجلس تأثرهما بفلسفته.
ب- نقد فيورباخ للدين :
إن الدين الوحيد الذي قام فورباخ بدراسته و نقده هو الدين المسيحي وكان ذلك فى كتابه "جوهر المسيحية " وقد إنطلق فورباخ من هذه الدراسة للقيام بتعميمات قادته فى أحيان كثيرة إلى إستنتاجات خاطئة .
يقوم نقد فورباخ للدين على القول بأن الدين وحده هو ما يميز الإنسان عن الحيوان لأن الحيوان لا دين له ولأن الإنسان وحده من بين كل الكائنات له القدرة على الوعي بجوهره وعيا لا محدودا . و يتكون الإنسان فى جوهره حسب فورباخ من قوة العقل والإرادة والقلب وتمثل العاطفة أو القلب الجوهر المطلق للإنسان أو جزأه الإلاهي ،يقول فورباخ :" إن القلب ليس شكلا للدين بحيث يكون للدين مكانه فى القلب إنه جوهر الدين ." (5) والوعي الديني الذي يرتكز رئيسيا على الإعتقاد بوجود قوة غيبية ماورائية أو آلهة تتحكم فى مصير الإنسان ليس سوى وعي الإنسان بذاته كما بين ذلك فورباخ من خلال قوله : إن الله ليس شيئا غير جوهر الإنسان و قد أصبح نقيا من كل الحدود والشرور كما تبدو للفرد البشري سواء من خلال الإحساس أو الفكر ." (6) فالإنسان الواقعي الذي يحس بنقصه وبمحدوديته و بعجزه عن تجاوز هذا النقص وهذه المحدودية يخلق بخياله صورة لكائن لا واقعي يضفى عليه من ذاته ويخلع عليه كل صفات الكمال التي يفتقر إليها . ولكنه لا يعي أن هذا الكائن من خلقه ولا وجود له إلا فى خياله فيضفى عليه صبغة القدسية ويعبده والإنسان فى كل ذلك مغترب لأنه لا يعبد سوى جوهره الذي يبدو له فى صورة كائن أسمى و حسب تعبير فيورباخ : " إن الجوهر فى شكل صورة جوهر الدين ".(7)
و الإعلان عن زيف التصورات المرتبطة بالوجود الإلاهي يقترن بالإعلان عن زيف التصورات المرتبطة بوجود عالم آخر فالعالم الآخر حسب فيورباخ "ليس إلا هذا العالم وقد تحرر من كل ما يبدو خيرا أو شرا. إن الفرد يعلم هذه المحدودية بإعتبارها محدودية وهذا الشر بإعتباره شرا بنفس القدر واليقين الذي يعرف به أن فى العالم الآخر تزول هذه الحدود ، إن العالم الآخر هو شعور الإنسان وتخيله أنه قد تحرر من هذه الحدود التي تحد فى هذا العالم من وجود الفرد و من إحساسه بذاته ." (8)
فالعالم الآخر حسب التحديد الفيورباخي ليس سوى صورة خيالية ناتجة عن رغبة فى التعويض عن الحرمان الذي يعيشه الإنسان فى العالم الواقعي بتصور عالم آخر يجد فيه الإنسان التلبية الكاملة لما يرغب فيه فالمتدين حسب فيورباخ :" يعرض عن ملذات هذه الأرض ولكن فقط ليربح ملذات سماوية أو قل إنه يعرض عنها لأنه يتملك بعد على الأقل فى مستوى الفكر لهذه السعادة الأخروية ،هذه الملذات هي نفس ملذات الحياة الدنيا ،لكن محررة من كل القيود والضيق المميز لهذه الحياة "(9) فالدين يصل إلى السعادة عبر خط ملتو هذه السعادة التي يصل إليها الإنسان الطبيعي والعاقل حسب عبارة فيورباخ عبر خط مستقيم . فالإنسان ليس فى حاجة إلى البحث عنها فى العالم الآخر ما دام قادرا على تحقيقها فى هذا العالم لذلك فقد إستهدف نقد فيورباخ للدين تعويض تلك السعادة الوهمية بسعادة واقعية وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم من وجهة نظره إلا بفهم الإنسان لحقيقة الأديان السائدة وإستبدالها بدين جديد هو دين الحب والصداقة .
إن الأديان السائدة كعلاقة عاطفية بين البشر لا توجد بينهم بصفة مباشرة بل تجمعهم حول عقائد واحدة وطقوس واحدة و تربطهم ببعضهم البعض بعلاقات دينية غير أننا نجد فى علاقات الحب والصداقة حسب فيورباخ ما هو أسمى من ذلك بكثير .يقول إنجلز معلقا على ذلك : " فى رأي فيوباخ إن الدين علاقة عاطفية ،علاقة قلوب البشر فيما بينها التي ما تزال تبحث حتى اليوم عن حقيقتها فى إنعكاس وهمي للواقع بواسطة إله واحد او آلهة متعددة هي إنعكاسات وهمية للصفات الإنسانية و تجدها الآن مباشرة ودون وسيط فى الحب بينك أنت و بيني أنا." (10)
وهكذا فإن الهدف من نقد الدين لدى فيورباخ ليس إلغاء الدين بل تعويضه
بدين جديد و فى هذا تكمن مثاليته مما جعل إنجلس رغم إعترافه بالإسهام الذي قدمه فيورباخ فى توضيح مفهوم الإغتراب الديني ينقده بشدة فى كتابه "لويد فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ".أما الملاحظات التي سجلها ماركس حول فلسفة الدين لدى فيورباخ والتي نشرت تحت عنوان "أطروحات حول فيورباخ " فإنها رغم طابعها المختزل تكتسي أهمية بالغة إذ أنها إستوعبت أهم ما يمكن توجيهه من نقد إلى فيورباخ فى هذا المجال بالذات وهذا يقودنا إلى تناول النقد الذي واجهته فلسفة فيورباخ حول الدين .
ج- نقد نقد فيورباخ للدين :
يقول ماركس : " إن الدين هو وعي الذات أو الشعور بالذات لدى الإنسان الذي لم يجد بعد ذاته أو الذي فقدها ." (11) وهو يتفق فى ذلك مع فيورباخ فى تحديده للوعي الديني كوعي يعبر عن إغتراب الذات الإنسانية ،لكنه يختلف معه فى تحديد طبيعة الإغتراب الديني وأسبابه فإن كان فيورباخ يربط هذا الإغتراب بجوهر الإنسان المطلق فإن كارل ماركس يقرنه بعوامل تاريخية وإجتماعية وإقتصادية وإن كان يتفق معه فى القول بأن الإله ليس سوى إنعكاس لصورة الإنسان فهو يختلف معه فى تحديد طبيعة هذا الإنعكاس. إن الدين حسب كارل ماركس لا يعكس صورة الإنسان المجرد المطلق الذي يخلق بعيدا عن الزمان والمكان بل هو يعكس الإنسان ككائن إجتماعي وتاريخي فالإنسان ليس مجرد كائن جاثم فى مكان ما خارج العالم فالإنسان هو عالم الإنسان الدولة ،المجتمع وهذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين الوعي المقلوب للعالم لأنهما بالذات عالم مقلوب." (12)
فالإغتراب الديني حسب كارل ماركس إذن لا يمكن فهمه إذا فصلناه عن الإغتراب الإقتصادي والإجتماعي لأنه فى نهاية الأمر ليس إلا نتاجا له ،فتفسير الإغتراب الديني لا يتم إلا بالرجوع إلى التناقضات ،تناقضات الواقع الإجتماعي والإنسان حين لا يجد ذاته فى المجتمع الطبقي يخلق لنفسه عالما مثاليا يتجاوز بواسطته تناقضات هذا الواقع ويحقق بواسطة كل ما عجز عن تحقيقه فى محيطه الواقعي .
و عجز فيورباخ عن إدراك العلاقة بين الإغتراب الديني و الواقع الإجتماعي جعله يقع فى العديد من الأخطاء منها:
أولا: ما ذكره إنجلز من أن فيورباخ "قد بين أن الإله المسيحي ليس سوى الصورة الوهمية للإنسان ،سوى إنعكاس له و لكنه نفسه نتاج سيرورة طويلة من التجريد خلاصة عدد غفير من الآلهة ،آلهة القبائل والأمم السابقة وبالتالي فإن هذا الإنسان وليس هذا الإله سوى صورة عنه ليس إنسانا واقعيا ولكنه هو أيضا خلاصة عدد كبير من البشر الواقعيين, الإنسان المجرد وبالتالي فهو بدوره صورة ذهنية ." (13)
وبمعنى آخر فإن فيورباخ يتغافل عن حقيقة أن الإلاه الواحد يمثل مرحلة عليا فى تطور الظاهرة الدينية لا يمكن فهمها إلا بربطها بالمراحل السابقة التي تمثلت فى عبادة الإنسان للطبيعة وعبادة الإنسان للإنسان, فالأديان التوحيدية ومن ضمنها المسيحية لا يمكن فهمها إلا بفهم التطور التاريخي السابق للمجتمعات التي ظهرت فيها .
ثانيا: يعتبر فيورباخ أن "المراحل الإنسانية لا يمكن أن تتمايز عن بعضها إلا بتغيرات من نوع ديني ." (14) ويعتبر إنجلز هذا الفهم فهما مثاليا لأنه يحدد بطريقة خاطئة العوامل المسببة للثورات الإجتماعية ويضع الدين أساسا لكل تغيير فى حين أن العديد من الثورات وإن إتخذت طابعا دينيا فإن أسبابها الحقيقية هي إجتماعية وإقتصادية ،هذا بالإضافة إلى أن الثورات الإجتماعية لم تتخذ طابعا دينيا إلا فى الفترات التي كان فيها الدين الشكل الإيديولوجي الوحيد المهيمن ،فالثورة البرجوازية مثلا لم تتخذ الدين كشكل إيديولوجي لها بل حاربته ولجأت إلى الأفكار السياسية والحقوقية لتستمد منها إيديولوجيتها الخاصة .
ثالثا : إن نقد فيورباخ للدين لا يهدف إلى إلغائه بل إلى تعويضه بدين جديد هو دين الحب و يعلق إنجلز على هذا الدين الجديد بقوله " إن إمكانية معاناة المشاعر الإنسانية الخالصة فى علاقتنا مع أمثالنا هي اليوم مفسدة بصورة كافية من قبل المجتمع المبني على التناحر وعلى الهيمنة الطبقية حيث نحن مجبرين على التحرك والعيش وبالتالي فليس ثمة من سبب فى أن نفسده أكثر من ذلك برفع هذه المشاعر إلى مصاف الدين ." (15) فليست المشاعر الإنسانية القائمة على النفاق البرجوازي هي التي ستلغي الإستغلال والمجتمع الطبقي بل إن إلغاء الإستغلال هو الذى سيلغى تلك المشاعر .
لهذه الأسباب نقول إن نقد فيورباخ للدين لم يكن نقدا جذريا لأنه لم يقف على الأسباب الحقيقية للوعي الديني مما يجعله عاجزا عن تعيين الطرق التي ينبغي أن يستأصل بها الدين كوعي زائف من أذهان البشر، و إذا نظرنا لفيورباخ من زاوية كونه مثقفا برجوازيا يمكننا فهم الحدود التي يقف عندها نقد الدين لديه ،فالبرجوازية تاريخيا لم تكن معادية للدين إلا عندما كان هذا العداء يخدم مصالحها فى صراعها ضد الإقطاعية لكن عند صعودها إلى السلطة إكتشفت الخطأ الكبير الذى وقعت فيه حين بالغت فى هجومها على الفكر الديني إذ إكتشفت فى الدين أفضل سلاح لتخدير البروليتاريا و ترويضها على الإستسلام الطبقي مما جعلها تلجأ للدين ثانية بعد أن ساهمت هي ذاتها بقسط وافر فى نزع القناع عن الوهم الديني عبر رصيد فلسفي وأدبي و علمي لم يعد ملكها بل أصبح ملكا للبروليتاريا الثورية التى ترفع راية النضال لا ضد الفكر الديني فحسب بل ضد كل أشكال الوعي الزائف بما فى ذلك المنوعات الأخرى التى تشتمل عليها الإيديولوجية البرجوازية لذلك ينادي إنجلز فى هذا المجال "بنشر الأدب الفرنسي الرائع فى القرن الثامن عشر بكثافة بين العمال ،فهذا الأدب يشكل من حيث الشكل والأساس إحدى ذرى العقل الفرنسي وهو مع أخذ العلم عصرئذ بالإعتبار – ما زال يحتل حتى اليوم موقعا عاليا للغاية من حيث الجوهر والمضمون أما من حيث الشكل فلم يبلغ أحد مستواه قبلا . " (16) وهو بذلك يثمن ما قدمه هؤلاء الأدباء البورجوازيون الذين تنكرت البورجوازية لتراثهم المادي بعد تركيزها لسلطتها . ويمكن أن نفهم من ذلك تحريضه للعمال على رفع الراية التى أسقطتها البورجوازية ،راية النضال ضد الدين مع التشديد على أن نضال العمال ضد الدين ليس نضالا
فى مجال الفكر فقط بل هو نضال عملي كذلك من حيث إقترانه بالممارسة الثورية فى أشكالها المختلفة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تعليق
عبد الله خلف
(
2013 / 4 / 2 - 13:58
)
توجد نقطتان تردع المقاله , و هما :
1- الله الخالق -سبحانه- هو مُنشيء هذا الكون , راجع هذا الفيلم :
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=0-K62WnjZ1M
و أيضاً , هذا البحث :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?31706-هدم-أ-ُسس-الإلحاد-!!-
2- ها نحن , نرى الكاتب يأتي لنا بمقولات و أفكار ماركس و لينين , إذاً , السؤال : هل أستمرت أفكار ماركس و لينين تحكم البلاد ؛ أم أنها سقطت؟... و لماذا تركت الناس -في روسيا و غيرها من بلاد السوفيات- أفكارهما و تحولت للدين ثانيةً؟ .
2 - و سقطت الخلافة أيضا
سلمان
(
2013 / 4 / 2 - 14:44
)
يقول المعلق عبد الله خلف :- و لماذا ترك الناس في روسيا و ... أفكارهما ...- و لماذا يا سيد عبد الله سقطت الدولة الأموية و العباسية و الخلافة العثمانية و دولة الشريعة في باكستان و الصومال و ستسقط في دولة آل سعود مع نضوب النفط أو ربما قبله ، الحقيقة إقبال البشرية على الإلحاد حتمي ، انظر لأرقى الدول حيث الشفافية و انعدام الجريمة ستجد أن للإلحاد فيها نسبة عالية ، انظر للسويد و فلندا و دول الشمال الأوربي و اقرأ تقارير المنظمات الدولية عن الشفافية و الأماكن السعيدة ... سيد عبد الله : لا وقت لنا لمشاهدة الأفلام نرجوك قل لنا ملخص الفكرة
3 - الدين أداه لمسح العقول لأجل الحكام
Amir Baky
(
2013 / 4 / 2 - 14:57
)
عندما يلغى شخص عقلة و يكون تابع لبشر ليحدد له الحلال و الحرام و كيف يأكل و كيف يشرب و كيف يجامع زوجتة فنحن أمام مفهوم غسل العقول التى تستخدمة أعتى المخابرات فى أى دولة. فغسل العقول هو مرادف لنجاسة السياسة وهذا الإسلوب متبع فى جميع البلاد العربية. والدين هو وسيلة هؤلاء الحكام فى إستغفال شعوبهم. فمن يحكمون الآن بأسم الدين هم أكبر تجار دين عرفتهم البشرية. والعجيب أن التابع المغسول عقلة يؤمن بيوم الحساب و يؤمن بأنه سيقف أمام الله ولا أدرى هل سيبرر تصرفاتة بأن الشيخ الفلانى قال له كذا أم سيتحمل نتيجة غسل عقله بيده فى هذا اليوم. يقول المغسول عقلة أن الإسلام ليس به كهنوت و عمليا يمارس أسوء أنواع الكهنوت. يصرخون بأن تقطع يد السارق ويروجون بعدم الخروج على الحاكم حتى لو ضرب ظهرك و سرق مالك. فقطع اليد عقوبة العبد الخاضع أما الحاكم فله الحق أن يسرق كيفما شاء. فحتى شرع الله بمفهومهم يجعل الله طائفى و غير عادل. إنها مهزلة فكرية بكل المقاييس
4 - سلمان
عبد الله خلف
(
2013 / 4 / 2 - 16:54
)
للأسف الشديد , أقول لك : أن الألحاد بدأ ينحسر , و أصبح الكثير من الملاحده لا دينيين , دقة قوانين الكون تؤكد وجود الخالق , و النظريات العلميّه تؤكد ذلك .
ثم أراك ؛ تتحدث أنه لا وقت لديك لمتابعة الفيلم الوثائقي العلمي , و هذا يعني , أنك لا تتابع العلم , يعني ملحد على جهل!!!... لماذا تريد مني تفسير موجز عن الفيلم , لا يا صديقي , تابع الفيلم و شغل العقل للتحقيق , و هل المتابعه و تشغيل العقل كبيره عليك؟! .
.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي
.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس
.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد
.. 119-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال