الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2013 / 4 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أن تكون حرا...!
يا له من حلم جميل يراود الملايين... لا... بل المليارات من سكان كوكب الأرض....!
أن تكون حرا...!
أن تفعل كل ما تشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء دون أية قيود أو قواعد....! أن تعيش نفسك وذاتك في كل لحظة دون خشية اللوم أو العتب من أي كائن على وجه البسيطة... أن تنام وقتما تشاء وتستيقظ وقتما تشاء وتنفق ما تشاء على ما تشاء ومن تشاء....! أن تقرأ ما تشاء وتكتب ما تشاء وتقول ما تشاء لمن تشاء....!
باختصار.... أن تكون حرا....!
يا له من حلم براق...! يا له من خيال يشبه الشمس تشرق من وسط الغمام فتحيل الظلام نورا...!
ولكن.... هل من الممكن أن يتحقق ذلك...؟!!
يمثل هذا السؤال اصطداما بصخرة الواقع بعدما حلقنا في سماء الخيال.... خيال الحرية...! ولكن لا بد من إلقاء هذا السؤال... هل من الممكن أن يتحقق ذلك؟؟! أن يكون الإنسان حرا بهذا الشكل؟؟!!
لنحاول مناقشة الأمر بشكل يخلو تماما من الأكاديمية وبعيدا عن أية مدارس فلسفية أو فكرية...
مناقشة حرة فقط تنطلق عفو الخاطر...
لنفترض أن هذا قد تحقق فعلا... فماذا بعد؟؟!!
فلنفترض أنك نلت الحرية الكاملة... ستحيا كماء تشاء بما تعنيه الكلمة من معانٍ... لن يكون عليك أي قيد... ما الذي سيحدث...؟!!
ستحيا براحتك لوقت ما.... قد يطول أو يقصر... لأسابيع أو شهور... وأحيانا قد تقصر المدة لأيام... إلا أنك في النهاية سوف تميل إلى ما تمليه عليك فطرتك...! فما هو هذا الشيء الذي "تفرضه" الفطرة؟؟!!
في تقديري الشخصي أن الإنسان يجب أن يحيا لهدف ما... من الصعب أن يعيش الإنسان هكذا... حتى أتفه المطربين في النوادي الليلية يعيشون لهدف ما... حتى زعماء العصابات يعيشون لهدف ما... فشريرا كان هذا الهدف أم خيرا، تميل الطبيعة الإنسانية إلى أن تعيش لأجل تحقيق هدف ما...
من البديهي أن نقول إن هذا الهدف له مطالب... وبالتالي ستفرض عليك هذه المطالب التزامات معينة.... (تأمل معي كلمة التزامات هذه لتعرف إلى أين نسير)...! هذه الالتزامات ذاتية الفرض... لم يفرضها أحد عليك، ولكنك فرضتها على نفسك... وهنا النقطة....!
من الصعب أن تعيش حرا... خاليا من الالتزامات.... لا... بل من المستحيل ذلك... فهذا لا يستقيم مع الطبيعة الإنسانية وفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها... لا بد من التزامات... لا بد، على سبيل المثال، من أن تحترم حق جارك في النوم، وبالتالي لن تستطيع سماع مطربك المفضل والمؤثرات الصوتية في أغانيه ـ وما يتطلبه ذلك من رفع لمستوى صوت المذياع أو جهاز التسجيل أو الحاسب الآلي ـ عند منتصف الليل. وإن كان البعض أحيانا يفعل ذلك من باب أن (الناس لبعضيها)!!! لا بد لك وأن تعطس في أحد المناديل الورقية، أو في جزء من ثيابك على أقل تقدير، لكي تحمي الآخرين من الإصابة بالبرد، الذي يكاد يقتلك...! لا بد لك وأن تتنازل عن اللون المفضل لثيابك لصالح اللون الذي يفضله شريك حياتك...! كلها أمور تفعلها لأنك، مثلا، تحترم الآخرين...!
ما سبق أمور لست مجبرا عليها من جانب أحد، ولكنك تفعلها انطلاقا من قناعات فكرية تلزمك باحترام الآخرين... فإذا ما قلت إنك لن تعتنق أية فكرة، وبالتالي تتحرر من أي التزام، فلن تستطيع أن تتحرر من الموروث الكامن في أعماقك والممثل في ما يطلق عليه علماء التحليل النفسي "الوجدان الجمعي للإنسانية" ويعرفه، المسلمون، بـ"فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها". ففي هذه الفطرة، أو هذا الوجدان، ما يجبرك على احترام الآخرين...
نعم... تماما كما فهمتَ... إن الإنسان لن يكون حرا بشكل كامل.... إن مفهوم الإنسان الحر مطلقا أسطورة...! نعم... مجرد أسطورة كالعنقاء وما شابه... لن يتحقق... فلكي يتحقق يجب أن تعيش بمفردك... ولكن لأنك تعيش في مجتمع، يجب أن تتنازل عن جزء من حرياتك لصالح الآخر الذي هو له حريات يتنازل عنها أيضا، طواعية، لصالحك!!
وهناك غير احترام الآخرين الكثير من الأسباب التي تدفعك للتنازل عن جزء من حريتك... إلا أن في احترام الآخرين ما يكفي... لآن الآخر يتواجد معك في كل مكان تقريبا من حياتك...
ما الحل؟؟!
هل نقول إن الإنسان ليس حرا؟؟.... مطلقا... ليس هذا المقصد... فالإنسان حر، وحريته الأساس الذي يحاسب عليه... فلولا حرية الإنسان ما كان هناك حساب... ولكن.... الإنسان هو المسئول عن عدم حريته انطلاقا من المبادئ والقناعات التي يتبناها وكذلك بسبب الفطرة التي تدفعه لاحترام الآخرين...
كيف يستقيم هذا وذاك؟؟!!
التعويل كله على الإنسان... فالإنسان من يستطيع أن يجعل نفسه حرا وكذلك أسيرا...
ذات الإنسان، بشقيها الفطري والمكتسب، تدفع الإنسان في طريقه... أي أن ذات الإنسان مسئولة عن تحريكه... والإنسان من يجعل من ذاته قائدا له أو قيدا عليه... فإذا ما تبنى الإنسان منظومة فكرية إيجابية كانت ذاته قائدة له نحو الحق والخير والجمال... نحو صلاح الدين والدنيا... وإذا ما تبنى منظومة فكرية سلبية، ستصبح قيدا عليه... تعوقه عن التقدم والحراك والانتقال لما هو أسمى وأعلى بما يليق بالإنسان الذي كرمه الله تعالى على كثير ممن خلق... إن التعامل بحرية مطلقة وتجاهل الآخرين لا يعني أنك حررت نفسك، ولكنه في حقيقة الأمر يعني أنك قيدتها لأنك منعتها من التعامل معه الآخرين... لقد جعلت حريتك تقصرك على ذاتك فقط دون الآخرين... تجعلك محصورا في نفسك فقط... لقد قيدتك!!!
نعم... إن الإنسان الحر بشكل مطلق أسطورة... لأن الحرية المطلقة، هذا إن تحققت، تمثل قيدا في حد ذاتها، كما أشرنا...! ولكن الإنسان، أيضا، من يستطيع أن يجعل من فقدانه لجزء من حريته منطلقا نحو التحرر من القيم السلبية والانطلاق نحو القيم الإيجابية بما يخدم البشرية كلها...
إذا كانت الحرية المطلقة خيالا... فلا يزال بإمكانك، كإنسان، أن تختار.... لا يزال لديك القدرة على الاختيار "الحر"...
أن تكون ذاتك قائدا لك.... أو قيدا عليك....
وبالاختيار يتحدد المصير....!
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممزق الأحشاء وفاقد البصر.. الشاب الغزاوي رامي ضحية جديدة للا


.. فيضانات ودمار خلفه إعصار خلال مروره بجزيرة بربادوس في البحر




.. إعصار كارثي محتمل يضرب الولايات المتحدة


.. خارطة بالقواعد الأميركية المنتشرة في الدول الأوروبية.. وعدد




.. الخارجية التركية: جهود تركيا ومواقفها الراسخة من أجل الشعب ا