الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين التقاليد والعدالة والكرامة

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 4 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



بعد الساعة التاسعة والنصف ليلا‏,‏ لا أرد علي جرس التليفون‏,‏ أرعي صحتي قبل رعايتي لصحة الآخرين‏,‏ فاقد الشيء لايعطيه‏,‏ فاقد الصحة والحرية والعدالة والكرامة لايمنحها للآخرين‏.‏

امتدت يدي ورفعت السماعة ضد ارادتي, صوت في أعماقي همس استمعي إلي هذا النداء المجهول إنه الصوت الطفولي لنفسي الحقيقية يشق السحب ويستشف الغيب, مخنوقة يا دكتورة اسعفيني أرجوكي تزايد عدد النداءات المخنوقة, مع تزايد العنف الداخلي والخارجي ضد الثوار والثائرات منذ يناير وفبراير2011 رغم الثورات المصرية المتعاقبة, والتي شملت الملايين, نساء ورجالا وشبابا وأطفالا, وكان شعارها يسقط النظام لم يسقط النظام بكل أسف حتي اليوم, بل ازداد عنفا ونهبا وخداعا وتضليلا, محليا واقليميا وعالميا, المستفيدون من كوارث النظام هم أصحاب المهن الحرة في غابة السوق, منهم التجار, والأطباء, والمحامون, والحانوتية في مشرحة زينهم, والمضاربون في البورصة, والمتنافسون في الأحزاب السياسية والانتخابات البرلمانية والرئاسية.
كنت طالبة بكلية الطب في الخمسينيات من القرن العشرين, وكان لي زملاء يعملون في الأحزاب السياسية العلنية( مثل الوفد) والأحزاب السرية( مثل الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي) أحد زعماء الطلبة الوفديين الليبراليين وقع في حب زميلة لي, وتزوجا بعد التخرج, ثم تم طلاقهما بعد سبعة عشر عاما وثلاثة أطفال, بسبب كذبه المتواصل وعشيقاته المتكررات تحت اسم الليبرالية زميلتي الثانية تزوجت من الإخواني المتدين, تم طلاقهما بعد تسعة عشر عاما وأربعة أطفال, بعد اقترانه بامرأة ثانية ثم زوجة ثالثة وتزوجت الزميلة الثالثة من الشيوعي المتحرر, دام زواجهما ثلاثة وعشرين عاما, أنجبت فيها أربعة بنات وأولاد, ثم اكتشفت أنه أنفق مدخرات عمرها علي علاقاته النسوية تحت اسم الحرية الشخصية والطبيعة البيولوجية, دفعت زميلتي بقية مدخراتها للمحامي لتخلع زوجها في المحكمة.
تربية أبي وأمي جعلتني أنفر منذ الطفولة من مهنة التجارة القائمة علي الكذب من أجل الربح, ومهنة السياسة القائمة علي نبذ المبادئ من أجل المصالح, لهذا لم أنجذب إلي زعماء الأحزاب الناجحين في انتخابات كلية الطب, وقعت في حب زميل فدائي( اسمه أحمد) كان يحارب جيش الاحتلال البريطاني في القنال, ويشتهي الموت من أجل تحرير مصر, كنا نهتف معا في المظاهرات: الاستقلال التام أو الموت الزؤام, وانتهي زواجنا بالموت الزؤام دون أن تحرر مصر.


منذ وعيت الدنيا لم تتحرر مصر حتي اليوم, بل زادت وطأة التبعية والمهانة والخضوع السياسي والاقتصادي للقوي الخارجية, والاستبداد الداخلي المتزايد والعنف واراقة الدماء المصرية النقية الثائرة, هناك تشابه كبير بين المهن الحرة في ظل النظام الحاكم في أي دولة, وهو نظام طبقي أبوي تطور تاريخيا من العصر العبودي القديم إلي عصر الرأسمالية الحديثة, دون أن يفقد سمات الظلم والكذب, يتحكم الأب قانونا بسلطته المطلقة علي الزوجة والأم والأطفال, وتحكم الدولة بأصحاب الأموال المتاجرة في السوق والانتخابات ومضاربات البورصة والبنوك والشركات.
ولا تختلف أسس النظام في بلاد العالم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلي إسرائيل وتركيا وإيران ومصر والأردن وغيرها.. السلطة والثروة يتزوجان( علنا أو سرا) ينتجان دولة رجال الأعمال غير المنتجة إلا للعنف البوليسي والعسكري والإعلامي.
الحفاظ علي الثروة والسلطة يقتضي استخدام العنف ضد الطبقات الفقيرة من النساء والشباب والرجال والأطفال, يعني ضد الأغلبية الساحقة المنتجة في مجالات العمل الزراعي والصناعي والثقافي والفني والفكري والإبداعي, ومهنة الكتابة الصحفية والأدبية لاتختلف كثيرا عن المهن الأخري في السوق؟
سمعنا عن الهدايا التي كانت تعطي بالملايين من قبل المؤسسات الصحفية الكبري, وكان هدفها الترويج للأقلام الكاذبة المنافقة وقصف الأقلام الحرة الثائرة ضد الكذب والفساد.
قرأت خبرا بجريدة الأهرام في عدد26 فبراير الماضي يقول استرداد18 مليون جنيه من أسرة الرئيس السابق( مبارك) مقابل هدايا الأهرام.
وقد كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات( في5 فبراير الماضي) أن المبالغ التي تم صرفها من عام2000 إلي2005 بلغت163 مليون جنيه تم تخصيصها من خزانة مؤسسة الأهرام فقط, لشراء هدايا وتوزيعها علي كبار المسئولين بالدولة.
وقرأت خبرا ثانيا بجريدة الأهرام عدد29 مارس الماضي مثيرا حول الهيئة العامة للخدمات البيطرية شحنة تزن320 طنا من الكبدة الأمريكية المستوردة إلي مصر بعد ثبوت اصابتها بفطر الديوكسين السام المسبب للسرطان وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي, كم سمعنا منذ المعونة الأمريكية لمصر ومعها الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات ومبارك ومرسي, عن فساد الإعلام والتعليم واللحوم الفاسدة المستوردة والألبان والأطعمة الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية؟ كم من الأطفال وتلاميذ المدارس ماتوا بالتسمم الغذائي تحت اسم الثورة الخضراء والتنمية والرخاء؟ كم من الثوار والثائرات سجنوا واعتقلوا وشوهت سمعتهم وقصفت أقلامهم تحت اسم الديمقراطية والتعددية الحزبية؟ كم من فتن طائفية حدثت في مصر تحت اسم الحريات الدينية؟


كم من جمعيات أغلقت, وكم من أفواه كممت, وكم من بنات ختنت, وكم من نساء حجبت ونقبت وحبست وقتلت, تحت اسم الشرف والقيم والتقاليد والخصوصية الثقافية والدينية؟
قالت لي مخنوقة يا دكتورة!


قلت لها التقاليد لايمكن أن تكون فوق العدالة والكرامة.
الحجاب والختان لاهويتنا ولاخصوصيتنا الثقافية.
ردت علي قائلة يا دكتورة أنا مخنوقة مش قادرة أنام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غالبية الشعوب مخنوقة بسبب القلة المتسلطة عليهم
فؤاده العراقيه ( 2013 / 4 / 3 - 15:26 )
المفروض كلما تمر على الأنسان سنين يزداد حكمة وعقل وابداع كما نلمسه معكِ , ولكننا نرى بأن انساننا العربي يزداد خوفا وتخلفا وأنانية بسبب قمع السلطات لتفكيره , فعشتِ لنا سالمة مبدعة دوما
كم من اناس سرقت اعمارهم وماتوا بسبب الغذاء المهرمن ولا زلنا لا نستطيع الأعتماد على ايادينا العاملة في زراعة غذاء نقي خالي من الهرمونات والأسمدة الكيمياوية وكل هذا من جراء الجهل والتخلف والمكوث في اماكننا دون اي تقدم يذكر , ولا زلنا لا نستطيع تربية المواشي التي تكفينا كغذاء لأعداد السكان المتزايدة بطريقة صحيحة دون ان نعتمد على اللحوم الهندية المهرمنة المسببة للسرطان , لا زلنا لا نستطيع موازنة احتياجات الأنسان مع الزيادة السكانية وبالرغم من فقر عقولنا نطالب بالمزيد من الولادات ونأتي بهم لعالم ينقصه الكثير , حيث كلما ازداد الجهل والتخلف كلما ازدادت المشاكل
كم من رجال استباحوا كرامة نسائهم بسبب شرائع الديانات ما قبل قرون , وكم منهم سرق اعمار زوجاتهم بدفنهن احياء وحجزهن في بيوتهم مستندين على شرائع الدين ولم يكتفوا بها بل استغلوا منافذ الدين ليزيدوا من حقوقهم وقمعهم للنساء , وكم وكم وكم سؤال ولا من مجيب


2 - موروث الاسلام الكؤود
على سالم ( 2013 / 4 / 3 - 19:29 )
الختان والحجاب وضرب المراه فى مصر كارثه الكوارث وهم جميعا من اركان الشريعه المحمديه والتى ابتلينا بها منذ اكثر من الف عام ,حينما يتم ختان المراه وحجب وجهها وضربها واذلالها تصبح كائن مشوه معقد نفسيا يعانى من الدونيه وهى التى المنوط بها تربيه النشا التعيس الحظ ,اى نشا هذا والذى يتربى على يد كائن مشوه ذليل ,النتيجه بالطبع النشا كله سوف يكون مشوه ومريض ومعذب ومستعبد ,الاشكاليه ان معظم المصريين خائفون ومرعبون من القاء التساؤلات على المقدس الدينى الاسلامى والذى هو السبب الاول فى كل عذاباتهم وبؤسهم ,لابد من انفراجه تنويريه والتمرد على المقدس المغلف بالوراعه والتقوى ,اعتقد ان الجزء الكبير من معاناه المصريين السبب فيها بدون جدال هو القران وتشريعاته الهمجيه الدمويه ,لابد من وجوب الصدام بين التشريعات المحمديه وبين نظام حر وعادل وحياه كريمه لايعترف بها الاسلام وحماته


3 - ما هي البدائل
سامي بن بلعيد ( 2013 / 4 / 3 - 23:59 )
الحقيقة قد لا يختلف المرء مع بعض ما يطرح
ولكنه يظل حائرا نظرا للطرح الذي يهدف الى تفكيك المجتمع دون أن يكون هناك أي طرح مقابل للبناء
غير الكلمات المطاطية للحرية والتحرر من السلطات الابوية ..... الخ
إحترامي للكاتبة الكبيرة


4 - الزميل سامي بلعيد المحترم
فؤاده العراقيه ( 2013 / 4 / 4 - 12:53 )

ارجو توضيح كيف يهدف هذا الطرح الى تفكيك المجتمع ؟
وما هي برأيك الوسائل التي تساعد في بناء مجتمعاتنا وتحرر المرأة من السلطة الأبوية غير الكلمات التي بها يتوعى الأنسان ويعرف اسباب ونتائج افكاره او معتقداته ؟
وأذا عرف السبب بطل العجب


5 - اغلب اطروحات الكتاب هنا هدامة
سامي بن بلعيد ( 2013 / 4 / 18 - 05:43 )
من المعروف اننا في محتمع يمر بمرحلة الجمود لان قوى الجمود تسيطر على مقاليد الاشياء ولا تملك غير استنساخ الماضي
ولكن وللأسف الشديد نحن لدينا حركة معارضة ومقابلة لهم وتتمثل في من يدعي العلمانية وهو يمر في نفس مربعات الجمود لانه ينقل المعرفة ويقلدها فقط ولا فرق بينهم وبين من يحفظ المعلومة عن ماضيه فكلاهما لا ينتج المعرفة فبينما يحملها الاول ويضعها على طريقة الصراع والاختلاف ورفض الآخر يأتي الثاني ويمارس نفس الطرق ونفس الاساليب مع اختلاف المفاهيم المنقولة وهذا الامر ينتهي بنفس النتائج صراع من أجل تفكيك المجتمعات وهذا يعني فتح الباب للطامعين
من أراد ان يقدم خير لشعوب المنطقة يجب ان يقوم بعملية تفكيك منهجي لكل الموروث السلبي في المجتمع ويتزامن مع ذلك عملية بناء منهجي وهذان الامران لا بد من تهيئة المجتمع لها وإخراجه من الحالة العاطفية الانفعالية الى الحالات العقلية التي تعيد للشعوب عقلها التحليلي المحايد

اخر الافلام

.. الطبيب العام محمد الأيوبي: الرجال هم أكثر إصابة بمرض باركنسو


.. -تشديد العزلة على القائد عبد الله أوجلان استمرار للمؤامرة ال




.. اللبنانية ريم صايغ فراشة الغوص الحر


.. أخصائية التونسيات تعانين من نقص الوعي وغياب الثقافة الصحية




.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ