الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعدام اليومى للطلبة

محمد عادل زكى

2013 / 4 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


-------------------------------
كتبت روزا لوكسمبورج:" الاقتصاد السياسى عِلم فريد مُلفت للنظر، تبدأ الخلافات والصعوبات معه منذ الخطوة الأولى، أى منذ أن يُطرح هذا السؤال البديهى: ما هو، بالضبط، غرض هذا العِلم؟ إن العامل البسيط، الذى ليست لديه سوى فكرة مبهمة عن العِلم الذي يلقنه الاقتصاد السياسى، يعزى عدم يقينه إلى النقص الحاصل فى ثقافته الخاصة. غير أنه يُشاطر، بمعنى مِن المعانى، سوء حظه كثيراً مِن العلماء والمثقفين الذين يكتبون مجلدات ضخمة، ويلقون فى الجامعات عشرات المحاضرات أمام الشبان، حول الاقتصاد السياسى. إذ مِن واقع الأمر أن معظم أخصائيى الاقتصاد السياسى، ومهما بدا هذا أمراً غير قابل للتصديق، ليست لديهم سوى فكرة مشوشة للغاية عن الغرض الحقيقى للاقتصاد السياسى". روزا لوكسمبورج، ما هو الاقتصاد السياسى؟ ترجمة إبراهيم العريس (بيروت: دار ابن خلدون،1977) فهل صحيحاً ما كتبته روزا؟ فلنأخذ أمثلة من ضمن مئات الأمثلة على ما يدرّس للطلاب، على الأقل، فى عالمنا العربى، مثل أول: جاء فى أحد الكتب المقررة على الطلاب فى كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية:"... فمع كونها، يقصد الدراسة، تحمل وصف الاقتصاد السياسى، فإنها تلتزم بالأصول العلمية السائدة فى علم الاقتصاد... لا شك ان النظرة الطموحة فى البحث تقتضى إجراء دراستنا فى الاقتصاد السياسى من خلال الإحاطة بالقسيمات المختلفة والمتداخلة التى يعرفها علم الاقتصاد." عادل أحمد حشيش، أصول الاقتصاد السياسى: مدخل لدراسة أساسيات علم الاقتصاد (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة، 1998) ص 14، ص16. والواقع أنى لا أدرى ما علاقة علم الاقتصاد السياسى كعلم اجتماعى منشغل بنمط الإنتاج الرأسمالى المتمفصل حول قانون القيمة، بذلك الفن التجريبى المسمى بالاقتصاد؟ ما علاقة علم ينشغل بالقيمة، بفن تسيير كل همه المنفعة؟ ما علاقة علم حقل إهتمامه الإنتاج، بفن تسيير لا شاغل له إلا السوق والتداول؟ ما علاقة علم همه الإنتاج وزيادة ثروة الأمم، بفن تسيير يعبد الاستهلاك ويقدس التدمير وسلة المهملات؟ ما علاقة علم اجتماعى، بفن تسيير يصفى العلم من محتواه الاجتماعى؟ ما علاقة علم يفرق، بوعى، بين قيمة السلعة وثمنها، وبين فن تسيير لا يعى إلا النفعية؟ ما علاقة علم اجتماعى، بفن تسيير أنانى؟ ربما الإجابة على كل هذه الأسئلة موجودة فى عنوان الكتاب نفسه (أصول الاقتصاد السياسى: مدخل لدراسة أساسيات علم الاقتصاد) انها التوليفة غير العلمية (الاقتصاد السياسى/الاقتصاد) التى يتم حشو دماغ الطلاب بها. مثل ثان، وهو من كتاب آخر مقرر أيضاً لتلقين طلبة كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، إذ جاء فى الكتاب:"... ففى خلال القرن الماضى كان يُطلَق على هذا الفرع الاقتصاد السياسى، ثم أُطلِق عليه مع الفريد مارشال اسم الاقتصاد. ونجد الأن نوعاً من العودة إلى الاسم القديم وخصوصاً مع بروز أهمية الدور الذى يلعبه هذا العلم فى التأثير على السياسة الاقتصادية". حازم الببلاوى، أصول الاقتصاد السياسى (الإسكندرية: منشأة المعارف، 1996) ص23، ص26. الأن عرفنا ان الاقتصاد السياسى يستمد وجوده من السياسة الاقتصادية! معنى ذلك ان الاقتصاد السياسى كان فى يوم ما منشغلاً بالسياسة الاقتصادية! ولكن العبرة فى موضوع العلم ليست بما نخلعه نحن عليه، أو بما نريده له، وإنما العبرة بما صار عليه موضوع العلم نفسه على صعيد الواقع، والواقع يقول ان الاقتصاد السياسى هو: علم نمط الانتاج الرأسمالى المتمفصل حول قانون القيمة، وليس العلم المنشغل بالسياسة الاقتصادية. ولكن على ما يبدو أن طموحات المؤلف السياسية كان لها الدور المحورى فى هذا التعريف. مثل ثالث، وإنما من جامعة المنصورة، وهو كتاب أيضاً يتم تلقينه للطلاب، فبعد أن ذكر المؤلف مجموعة من التعريفات، دون تفرقة ما بين الاقتصاد السياسى والاقتصاد، التى تنتمى إلى مدارس نظرية ومذاهب فكرية مختلفة للغاية وربما متنافرة، كتب للطلاب: "... الواقع أنه لا يوجد بين هذه التعريفات تعريف يمكن أن نصفه بأنه جامع مانع بسبب اتساع مفهوم ونطاق هذا العلم. فكل من هذه التعريفات يشمل جانباً أو أكثر من جوانب علم الاقتصاد، ولكنه أعم منها جميعاً." أحمد جمال الدين موسى، مبادىء الاقتصاد السياسى (القاهرة: دار النهضة العربية، 2003) ص24. هكذا تعلم أخيراً الطلاب انهم يدرسون علم لا تعريف له! والأهم هو انهم تعلموا ان كل المفكرين الذين سعوا أو تجاسروا لوضع تعريف لهذا العلم، الذى يستعصى على التعريف، انما كانوا جميعهم ينظرون إلى موضوع علم واحد! على الرغم من أن منهم من نظر إلى الثروة، ومنهم من نظر إلى الإنتاج، ومنهم من نظر إلى التوزيع، ومنهم من نظر إلى التداول. فهو الأمر الذى لم يكن، ولن يكون سوى فى الكتاب الذى بين يدى طلاب المنصورة فقط! مثل رابع، ولكن من بيروت، فالطلاب يدرسون كتاب يشرح، باخلاص، النظرية النيوكلاسيكية، تحت عنوان الاقتصاد السياسى، عزمى رجب، الاقتصاد السياسى (بيروت: دار العلم للملايين، 1997) مثل خامس، من دمشق، فطلاب كلية الاقتصاد فى جامعة دمشق، يلقنون أن" علم الاقتصاد السياسى يندرج إذن فى نظام العلوم الاجتماعية، كما أصبح واضحاً ان موضوع هذا العلم هو البحث فى طبيعة وماهية كل نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية التى تنشأ بين البشر فى المراحل التاريخية المختلفة أثناء قيامهم بعملية إنتاج وتوزيع الثروة المادية." محمد سعيد نابلسى، الاقتصاد السياسى (دمشق: مطبعة جامعة دمشق، 1998) ص29. ها نحن وصلنا سالمين إلى علم التاريخ! وصلنا إلى علم طرق الإنتاج عبر التاريخ! وصلنا إلى إختزال الاقتصاد السياسى فى التاريخ! وصلنا إلى كراسات التعميم سوفيتية الصنع! حيث الاقتصاد السياسى علم يدرس علاقات الإنتاج والقوانين الكامنة فى أساليب الإنتاج المختلفة التى تعاقبت تاريخياً" لقد وصلنا إلى نيكيتين وأبالكين ورفاقهما! أبالكين، وآخرون، الاقتصاد السياسى، ترجمة سعد رحمى (القاهرة: دار الثقافة الجديدة،1987) ص54. والسبب الرئيسى لاعتناق تعريف علم أنماط الانتاج هو التقديم الايديولوجى لفكرة الشيوعية، فمن رحم نمط انتاج يخرج نمط إنتاج آخر؛ فمن نمط الإنتاج البدائي يخرج نمط الإنتاج العبودي، ومن الأخير يخرج نمط الإنتاج الاقطاعي، ومن نمط الإنتاج الاقطاعى يخرج نمط الإنتاج الرأسمالي، ومن نمط الإنتاج الرأسمالى، مروراً بالإشتراكية، يخرج نمط الإنتاج الشيوعى، فمن بدائية إلى شيوعية يتلخص تاريخ أنماط الإنتاج، بل ويتلخص تاريخ البشر أنفسهم، وفقاً للموجزات الأولية وكراسات التعميم. ولأن النمط الشيوعى هو المطمح، وفقاً للنبؤة، لا بد من لى عنق العلم وتطويعه كى يخدّم على الأيديولوجيا، ومن ثم يصبح علم الاقتصاد السياسى هو خادم مبشر بالخلاص من شرور البشر! فهو يرصد (جميع) أنماط الإنتاج السابقة على مجىء المخلص، ومن ثم يطلق له بخور القداسة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله