الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريبورتاج المدينة.. موهبة ووعي مبدع.

مختار سعد شحاته

2013 / 4 / 6
المجتمع المدني


صدفة رائعة:
أعترف أني في مقالي هذا سأتحيز كل التحيز إلى ما رأيته وآمنت به، فانتهت قناعاتي إلى الحاجة الماسة لمثل هذا العمل الذي أعرضه، والذي يحتاج إلى كثير من الموهبة والجهد والدرس، وهو ما لا يتثنى للكثير سوى بالإبمان المطلق بأن ما يصنع إنسانيتنا الكاملة محض موهبة حقيقية تؤمن بقدراتها، وتثق في مصداقيتها إلى أبعد حد، وتعمل وتعمل حتى تترجم قناعاتها إلى واقع في شارع الواقع يتحدث بصدق أبلغ من آلاف يهتفون، أو خطب رنانة ومناظرات تليفزيونية باتت عفنة، لا تثمن ولا تغني أهل الشارع من جوع ولا عطش.
ساقتني التجربة إلى الاختلاط بمجموعة نشاط فنية في إحدي الورش الفنية والأدبية، وهو ما أود نقله، فأهلا بك ضيفًا -كما كنت- على الموهبة والثقة بالنفس، والترجمة لكل إبداع إلى شارع الواقع، أهلا بك في ورشة "الريبورتاج" المنعقدة بمؤسسة "استديو المدينة".

الحدث:
ورشة فنية وأدبية مسرحية لمسرح الريبورتاج، ضمن برنامج التدريب في الشارع، في دورته الثالثة، والذي ينظمه استيديو ومؤسسة المدينة للآداءات الرقمية والفنية بالإسكندرية - مصر مطلع أبريل الجاري.

الحالة:
موهبة غير اعتيادية تسلبك عقلك بابهار آدائها المُتقن الرائع، فنانة موهوبة وشغوفة بفن الريبورتاج والحكي الآدائي بمسرح الشارع "آنييت هانيمان" -إيطاليا/ هولندا- في أواخر العقد الخامس من عمرها، مما يُلزم الإبهار حين تراها تقود تدريبات الورشة بتمكن وموهبة حقيقية، ولياقة فنية وإنسانية منقطعة النظير، باستغلال امكانيات أتاحتها المؤسسة الراعي للحدث "استديو المدينة" وتماشيا مع سلسلة نجاحاته المستمرة في مجاله، وتفرده، وهو ما حفز هذه المدربة الموهوبة على تفجير طاقات خلاقة تكتشفها بروعة مع تلاميذ ورشتها وهم خليط عجيب من الممثل والكاتب والعازف، والطالب وحتى الشخص العادي.

الغاية:
المشروع محور عمل الورشة يصدر بوعي مؤسسيه التام عن سلاح المثقف الحقيقي الذي يبقى ورقته الأخيرة في فوضى الصراعات التي يُساق إليها الشارع الثقافي المصري، وحروب يدفع لخوضها قسرًا، فيؤمن المؤسس للمشروع ومن تبنى الفكرة وشارك، بأن الشارع هو الدرع الحقيقي لحماية الشارع نفسه، وما دام الشارع لديه من أسبابه الوجيهة ما يمنعه عن الصعود نحو أبراج التعالى التى أصابت النخبويين -كما يظنون انفسهم- نرى الفنان الحقيقي والمثقف الواعي يدرك حتمية التواصل مع الشارع وشخوص واقعه الحقيقية، وهو يدرك حيال ذلك ما يحتاجه من حرث وقلع وغرس لأفكار وأفكار يمكنها بهدوء ومتعة وإمتاع ان تتخلل جموع هؤلاء المهمشين والمستغلين إلى أخر رمق عبر كواليس مشروعة وغير مشروعة، ما بين سندان تدين زائف، وبين مطرقة سياسة ملوثة.


حين تكتمل الموهبة وتتكامل روح الإبداع:
هنا تحمل المبدع الحقيقي -وهو الثائر الواعي بحق- مسئولياته نحو من يبدع لأجلهم، وردًا لفضل هؤلاء الذين ألهموه كل أفكاره وتنويره الإنساني الذي يبني عليه على الدوام كل معارفه أو يرده إلى واقعهم البسيط ما بين التجريب والتنظير، وهو ما تحاول "أنيت هانيمان" تدريب المتدربين بورشة "ريبورتاج" على اتقانه، والذي منه يمكن ببساطة وجمال أن يمرر الفنان والمثقف وكل صاحب هم حقيقي ومسئولية نحو الشارع، أن يمرر رسالته بشكل رائع وحقيقي وشديد الصراحة غير المخجلة، والمنتزعة -تقريبًا- بكاملها من واقع حكايات الواقع وشخوصه وحيواتهم اليومية ما بين الفرح والحلم والإحباط والأمل.

حقيقة الأمر، أن مؤسسات ما تنشط في التوعية بكل صورها تفقد هدفها الأصيل، حيث يتم تميعها بإدارة أنصاف المواهب والمدعين او الذين أصابهم وهم الاستعلاء المسيطر على هؤلاء ممن ادعى لنفسه ومن شاكله مصطلح "النخبة"، وهو أمر تمكنت المؤسسة الراعية للمشروع بعمومه -مسرح الشارع- والمتمثل هنا في حالة "استديو المدينة للآداءات الفنية والرقمية- بالإسكندرية" من الوعي التام له، ليأتي الآداء راقيًا وملفتًا، ويخبر عن إدارة موهوبة للغاية رغم حداثة السن، والتى لم تمنع طول الخبرة علميا وأدبيا وفنيا، وهو نادر للغاية في جموع الأنشطة المجتمعية، وهذا ما يُحسب لصالح هذه المؤسسة. أما ما يدعوك للدهشة والعجب هو حجم الطاقة المبذولة من القائمين على المكان لأجل الاستمرار في تمرير رسالة حقيقية تخبر بوعي وفهم المبدع الحقيقي بمسئولياته تجاه مجتمع يعيش فيه، ولا ينفصل أو يستعلى عليه.


لم يسقط النظام بعد:
لعل ما هو أعجب من تلك المواهب بورشة مسرح "الريبورتاج" ما بين المدربة والمتدربين، وأعجب من النجاحات التي يحققها "الاستديو"، هو التهديد لهذا المكان والمتمثل في قلة الموارد، والمؤسسات الداعمة، وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا لعملية الإبداع برمتها في ظل ما تمارسة حكومة الإرشاد المتأسلمة الحالية من حرب ضد مؤسسات المجتمع المدني، بل والفن والإعلام والإبداع والثقافة، وما يلزمنا سوى مراجعة مواد الدستور الليلي الذي أقرته حكومة مصر في مطلع هذا العام، ويمكن ان تقارنه بماقدمه "استديو المدينة" من طرح حقيقي لما عُرف باسم "الدستور الثقافي" ضمن سلسلة ندوات وورش وندوات وفاعليات دافع فيها عن حق المبدع والثقافة الأصيلة لمصر بكل تاريخها وحضارتها الممتدة فيما عرف للوسط الفني والثقافي بمشروع "دستور يا أسيادنا" و "الدستور الثقافي"، وهو ما يطرح السؤال الأكبر:
- (لماذا تخاف الدولة من مثل تلك المؤسسات؟ ولم تُضيق عليها مواردها؟ ولِمَ ترفض مؤسساتها التعاون -غالبا- معها، أو التواصل الحقيقي الخلاق وباحترام متبادل؟ في الوقت الذي تعترف فيه مؤسسات عالمية بأهميته ودوره المجتمعي؟).
لك الإجابة، ولكن؛
كل ما يلزمك هو ان تصل إلى منطقة مثل "كوم الدكة" -على سبيل المثال لا الحصر- وتُشاهد ما قدمته تلك المؤسسة الفنية والثقافية على أرض الشارع، وكيف تعالج قضاياها بوعي مبهر، وذوق رائع، ما هو غير نتاج جهد لمبدعين حقيقيين.

في الختام..
تحية تقدير واحترام لورشة "ريبورتاج" ولمديرتها الفنانة الرائعة "آنييت هانيمان"، ولكل متدربيها الرائعين، ولكل مؤسسة واعية تقوم بالدور المجتمعي الحقيقي تجاه ما تعرفه عن نفسها من موهبة وثقة في إمكانياتها، مؤسسة "استديو المدينة" ولكل إدارته الرائعيين.

مختار سعد شحاته.
"Bo Mima".
روائي.
مصر- الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد تظهر تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا


.. منظمة في ليبيا تمنح الأمل لذوات الاحتياجات الخاصة وتفتح أبوا




.. صور متداولة لوصول عدد من النازحين اللبنانيين إلى الحدود مع س


.. فيديو يظهر عددا كبيرا من اللاجئين السوريين يدخلون الأراضي ال




.. تفاقم معاناة النازحين عند معبر المصنع الحدودي بين سوريا ولبن